الصفحات
▼
الصفحات
▼
الهدوء والسكون ـ الجرء الاول من ميامر مار اسحق ـ الميمر الاول ــ جهاد المتوحد وسمو حياته .
الميمر الأول
جهاد المتوحد و سمو حياته
جهاد المتوحد و سمو حياته
المحتويات :
الهدوء والسكون ـ الجرء الاول من ميامر مار اسحق ـ الميمر الثالث ــ دلائل توضح بعض الأمور.
الميمر الثالث
موضـــوعــــات الميمــــر :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
14ـ أهواء القلب الرديئة و الا فكار الإلهية. الهدوء والسكون ـ الجرء الاول من ميامر مار اسحق ـ الميمر الرابع ــ قتال الافكارالتي من الشياطين .
الميمر الرابع
في معنى
القتال الذي تصنعه الشياطين بالأفكار
+ إن الجهاد مع الأفكار الرديئة الذي يكون في الســـــــــــــكون يحدث بهذا المعنى :
متى سكن الإنســان في الهــــدوء و الحبس إلى المـــوت ,
فكــل واحد حســب عمله و بمقـدار اجتهـاده و حرصــــــــه ,
هكذا تتصعب عليه الحروب و تشتد مقابله يوماً بعد يوم و وقتاً بعد وقت ,
كلما تقدم إلى قدام إلى أن يبلــــغ نقــــــــــــاوة القـــــــــــــــــــــــلب ,
وقبل وصوله إليها بقليل تحدث عليه قتالات صعبة أكثر من العادة و تشتد علية جداً .
الهدوء والسكون ـ الجرء الاول من ميامر مار اسحق ـ الميمر الخامس ــ ضيقات المتوحد . الميمر الخامس
في تدبير سيرة السكون
الموضوعات :
------------
+ في الأزمان القديمة كان آباؤنا القديسون يأذنون لكل واحد بالسكن في الهدوء :
الرجال و النساء و الصبيان و الشيوخ ، و الحكماء و السذج .
و الذي يريد من الإخوة الرهبان أن يرضي سيدنا بتدبير سيرة الســـكون الكـــريم ،
فليؤمن و يصدق مواعيد ربنا ,
و يحمّـــي نفسه (أي يلهبهـــا) بمحبـــــة المســـــيح رجائنــــــا ,
و يدخــل للسكون على اتكال و رجاء نعمته , و لا يخاف من شيء .
و هوذا روح المزامير يعزيه و يشجعه قائلاً :
لا تخف أيها المتوحد الجالس في السكون على رجاء سيده ,
أورشـــليم الجبــال محيطـة بها والمســيح ربنــا محيــط بك ؛
و أيضــاً عســاكر ملائكــــة الــرب محيطة بخائفيه وتخلِّصهم ؛
لأن كـــل واحـــد منــــا معـــه مـــــلاك لازق به ,
يخلِّصه و يصلي عنه و ينير عقله و يملأه أفهاماً روحانية و يعزيه في الخفاء .
+ المتوحد الذي يسكن في الهدوء وحده ،
و نعمة الرب محيطة به، و ملاكه في كل حين يحرسه و يعزيه و يسليه ,
مــــــن أي شــــيء يخــــــــــاف؟
مبـــــارك هو ربنا يسوع المسيح الذي وهبنا الســـــكون !
و طـوبى للمتوحـــد الذي يحبـــه و يثـــتبت فيــــــــــــــه ،
و يصـــبر على ضيقـــــاته الأولى و يتنعم براحته الأخــيرة ،
و يجاهد في حـــــــــروبه الأولى و يتكلل بأكاليله الأخيرة !
نجـــــرب قــــدر طاقتنــــا
+ الذين هم :
غير دَربين ولا فاهمـــــين للكتب و لا نيِّــــــــــــــري الأفكـــــــــار ,
و لا حـــادِّي الحركـــــــــــــــــــات و لا لطيفين (مدققين) بالمعرفة ,
بل سذاجة ما مختلطة بمزاجهم , و قلبهـــــــــــــــــــــم بليــــــــــد ،
و هم بُلهٌ فـــــــــــي الكــــــــلام و المعــــــــــــــــــــــــــــــــــــرفة ,
و يريـــــــــدون أن يرضـــــــوا الله بتدبــــــــير ســــيرة السكــــــون ,
لا ينبغـــي أن يخافــوا من قتــــال الشـــــياطين ، أو يرتعبوا من مجاذباتهم ؛
لأن كـــل واحد حسمبا يقدر أن يحتمل وحسب ما هو ملائــم له ،
هكــــــذا يجـرَّب مــــن قتـــال أفكــــار الشـــياطين وأشــكالهــا ،
و لا ينطلق على إنســـان قتـــال فــوق قـــوته و معرفتــه ومنزلته .
فإذا كان : يملك في قلبه حب ســـيده ،
و يســكن في الهـــــــــــدوء ,
و يعبــــــــــــد المســـــــــيح ،
و يصنـــــــع مرضــــــــــاته ،
فـــــــــــإن محبة الرب تحفظـــــــــــــه ،
و تســـــتره مـــــــن كـــــــل مجاذبات الشياطين ,
و تفــــــــرِّح قلبــــــــــــــــــه ،
و تنـــــــــير نفســـــــــــــــه ،
و تقـــــويه حتى يكمل بجميع كمـــــــال الــــــــبر .
المتوحد و التنعم بمحبة سيدنا
+ اعلم، أيها المتوحد :
أنه حين تجلــس في قلايتــك بغـــرض و قصــد مســتقيم مـن أجـل الله ،
و لا تشتاق لمحبة شيء آخر سوى التنعم بمحبة سيدنا و تكميل وصاياه ،
تُعطى لك قـــــــوة لحفظ بعض الوصايا التي تشاء عملها ،
أما الوصايا الأخرى التــــــــــــــــــــــي لا يمكنــك عملها ،
فإن أجرك عنها محفوظ عند الله ,
لأجل حزنك على قلة عملهــــــا ,
و على عـــــــدم اقتنائهـــــــــــا .
و إعلـــــــــــم أنـــــه :
و أنت في قلايتــــك يمكنـــك أن تعمــــل الوصــايا ،
و أما خارج القــــلاية :
فحتى و لا هذه الإرادة لمحبة الفضيلة تثبت فيـك ،
لأن المحادثات البشرية و اضطراب الأعمال تشتِّتها .
و من أجل أن الشيطان
قاتــلك بالضجـــر دفعــة واحــــــدة و غلبــــــك ,
و أخـــرجك من قلايتـــك كفاشـــل و مغلـــوب ,
فهو أيضاً خــارج القلاية
قهــرك و يعوقك و يعطلك من كل عمل الصــلاح ,
و يملأ قلبك بالشرور , و ربما يردك إلى العالــــم ,
إلى الهــلاك الكلي
+ عندما يجلس المتوحد في القلاية و يعمل بالوصايا ،
يصير عمله دواءً للعينين ،
فينقي عيني نفسه من صدأ الآلام الذي يغشاها فتنفتح ،
و ينظر بعين إيمانه ربنا شمس البر الأعظم ،
و يــــــــــــــــــــرى الخـــــيرات الســمائية ،
و يتثبــــــــــــــــت بالرجــــاء يومـاً بعد يـوم ،
و بعمل الوصايا يقتني أيضاً الفرح الروحاني .
طوبى للمتوحد المتجلد :
+ طوبى للمتوحد الذي ضغطته الآلام و عذبته الشياطين ،
و لم يشتَق إلى العزاء الذي من خارج .
طوباك يا ابني في ذلك اليوم الذي يدركك فيه الموت و أنت وحدك في قلايتك ،
و تنتقل نفسك مع ملاكك إلى الفردوس إلى جوار الملائكة و أرواح الصديقين .
مواهب الله للمتوحد :
+ إن أكلت خبزك وحــدك في قلايتك ،
يعطيـــــك الله موهبــة ممدوحـــة :
أن تأكل المسيح مع خبزك و تشربه مع شربك بسـكرٍ و فـرح روحاني ,
و إن اشتهيت المائدة التي من خارج .
يعطيك الشيطان عطيــــة سمجة :
أن تأكل أخــاك مع خــبزك بالمثلبــة . فاحــذر الآن و كـن محترســــاً .
كن وحدك و اثبت في الســـكون لكي تنجو من العثرات . صوت إلهي قال هذا :
« يا أرساني اهرب من العالم فتحيا , اهرب واصمت واسكن ,
فهذه هي الأصول كي لا يخطئ الإنسان » .
فلنحب الوحدة و هي تقدِّمنا إلى عدم الخطأ .
و لا نرعب أو نخاف من أسباب المؤذيات التي في هذا المسكن ،
لأننا لسنا وحدنا بل معنا حارس ما يفوته شيء .
وفي هذه الساعة يشهد
الله وملائكته (لك) بنظرهِ ضيقاتك وشقاءك من أجل بغضتك الخطية وجحودك لها، وبثقة
تبسط يديك إليه من أجل غفران الخطية.
و أنا أدلَّك على عمل يتقدم فيه الإنسان بسهولة :
فإذا لم يكن لنا أعمــــال
و هذه الأشياء ما تطلب عملاً بالجسد ,بل حُسْن الضمير ,
فالمتهاون بها و لا يقتنيها بخفية ضميره ,
الر اهب وحياة الخلطة ـ و لنرحب بالضيقات
+ طــــوبى للإنسان الذي يقبض نفسه من الانحلال ،
ولا يميل لمجاذبــــات و مفاوضــــــــات النـــــــاس ،
فإنــه يحس بأشياء كثيرة لا يقدر أن يتعلمها من الدم (أي من إنسان) .
فالذي يشـــتهي الروحانيــــات هو بالضـــــرورة يهمـــــل الجسدانيات .
احــــــــــذر من حياة الخلطة، لأنها معوِّقة لسائر أنـواع التوبــة .
فالمحــادثة مع كثــيرين تعـــوق الحــزن الذي من أجل اللـــــه ،
ذلك الحزن الذي يتحرك فينا من الإفراز الطبيعي ومــن النعمة .
فلنرحب بالضيقات :
+ ســـــلِّم ذاتــــك لجميــــع ما ينالك من الضيقــــــات
كإنســان وضــع في نفسه أن ينزل إلى الهاوية حيـاً.
و اختر لك موتـــــــاً مملـــــوءاً ثقــــــــــة و ليـــــــس فيـــه خـــــــوف ،
لا حيــــــاة بشكوك وتقسُّم وراحة بجوار الساقطين و المنحلين ،
الـــــذين قـــــــد انقطـــــــــــع رجاؤهـــــــــــــــــم .
و اذكر أنه من أجل الاضطهاد و الهرب من الخطية و الخسارةالكثيرة التي نالتك
قد اخترت لنفسك الموت و ليس من أجل البر.
ممارسة كل أعمال الفضيلة
+ فليكــن تدبـــير المتوحـــد
متسـاوياً بوجـود كل أعمال الفضيلة ،
كمقدار القـــــــــــراءة تكــــون الخــــــــــــــــــــــــــدمة ،
و كمقدار خدمة المزامير يكــــون ضــــــرب المطـــــــانيات ,
و كالمطانيــــــــــــــــات يكـــــون الصــوم و سـهر الليــــل ,
و يقرن مع هــذه جميعهـــــــــا
العمل الخفى الذى للعقـــــــــــل ،
لئلا يكــــون الجسد يعمــــــــــــل .
و القلب سائب بطــال .
+ العمـل الدائـم ولـو أنه قليـل ,
فهو لأجـل دوامــه يربى كنــوزاً عظيمــة .
و أنا أدلَّك على عمل يتقدم فيه الإنسان بسهولة :
إذا ملَّ الجسد و لم يقدر أن يقوم ليكمِّل مطانيـات العــادة من أجــل ضعفــــه ،
و يتعطل عن الصلاة التي تكمـل بالجسد , و التي منها تتولـد الصـلاة القلبيــة :
خُرّ على وجهك دفعات كثيرة و اثبت في الصلاة و أنت جالس و الكتـاب بيـدك ،
لكي تمتزج مفاوضة القراءة مع الصلاة و تنير من الاثنين و ترتفع لتنعُّم النفس ,
فتحلو لك الصلاة لأجل القراءة , و تنير في القراءة بمفتاح الصلاة .
لأنه بالصـــــــــــــلاة ينفتح باب الأفهام ،
و الدهش بالأفهام يثير شهوة الصلاة ،
حسب التاوريـــــا التـــي فيهــــــــا .
و إن كـــان :
الجلـوس في القــلاية فقــط ببطـــالة مــن غـير عمـــل ،
و حفظ الحيطـــــــــان من أجـــــــل اســــم المســـيح ،
هـــو انتظـــار رجـــــاء عظيـــــم ،حسب قول أحد الآباء ،
فكم بالأكـثر :
الذي يسـتعمل هـذه الإفـرازات في نفسـه من أجـل ذِكـر الله الدائــــم ،
إنه ينال أشياءً عظيمة .
+ بدون الصـــلاة و التضرع
لا تمد قدميك للمسير ، و بالأكثر في الطرق المظلمة .
و الطلبة لا تبطل من فمك
و اتبعهــا بالاعــــــتراف بضعفــك و عــدم معرفتـــــــك ،
لكي من أجل الاتضـــــاع
تُحمـــــــــل بالرحمـــــــــة و لو لم تكـــن مســــــتحقاً .
لأن الاعتراف و الاتضـــاع يكمِّـــــلان موضـــع عوز العمل .
فإذا لم يكن لنا أعمــــال
ينبغي أن نكون محـــزونين في ضمــــــيرنا .
و مداومـين ذكـر خطـايانا بعقـل منحـط منسـحق قـدام الله ,
و هادئــــــين و مســــــالمين لكل النــــاس ,
و منقبضين إلى ذواتنا بعدم الضحك والمزاح ,
و يكــــون كلامنـــا بالصــــالح على كل أحـد ،
مع الشــــــــــــكر عـــلى التجــــــــــارب ,
و الصمت بحكمة و حفـظ الأعضـاء مرتبـــة ,
و أن نتذكر في كل وقت
أننا مائتون على كل حال و منتقلون من هذا العالم .
و هذه الأشياء ما تطلب عملاً بالجسد ,بل حُسْن الضمير ,
و هي
غير مفتقــرة لعمــل الجسد , و لا بعمله تُقـــــام ,
فحتى في المرض و الضعــــف يُســتطاع اقتناؤها .
فالمتهاون بها و لا يقتنيها بخفية ضميره ,
كيــــف لا يُـــــــلام من الله العــــــادل ؟
لأن الله ليس محتاجــاً لكثرة عمل ,
بل هــو يريــد منا فضيــلة الإرادة .
طوبى للإنسان الذي يعرف ماذا يولد من ،
محبـــــة البشـــر , و الرحمـــــــــــــــة ،
إلــــى أين تُصعــــــــد النفـــــــــــــس .
+ اعلم، يا أخي ، :
أن أفضل كل صلاح يفعله الإنسان في هذا العالم هو
الصلاة الطاهرة .
وإن لـــم يمــــت الراهـــــــب من كــــــل أحــــــــــد ,
و ينقبض في الســكون إلى ذاته كالميت في القــبر ،
فهو لا يســـتطيع أن يقتني هــــذه ( الصلاة الطاهرة ) .
لأن الصلاة الطاهرة :
تتطلب فراغـه من جميـع الأشـياء ,
لكي يقوم قدام الله بعفة و بلا طياشة في وقت الصلاة ,
و الفكـر مجمــوع من كـــل مكــــان و منقبــــض إليــــــه ,
و هـــو يشـــــخص بالله فقـــط بســــــــكون حركـــــــاته ,
و يكون متشوقاً لملاقاة معرفة الله بمــداومة صلاته إليـه .
موت الجسد و موت النفس
+ إذا ما ضعفـــــــــــت الآلام النفســـــــانية , و صمــــــــــــــتت ,
فـــإن الإنسان يغلب الشهوات الجسدانيـة , أيضــــــاً بسـهولة .
+ الميتوتة الجسدانية هي : أن يتغرب الإنســان ،
مــــن جميع معــــــــــــارفه ،
و من بلـــده و أقــــــــــربائه ،
و يمضي إلى أرض غريبــــة ،
و يختار لنفسه موضعاً هادئاً مسكناً من كل شلش ( أي اضطرب ) .
و بعوز الاحتياج الجســــــداني يســكن وحده منقبضـــاً إلى قلبــه ،
و عادماً من جميع خلطة الناس و من المحادثات و التعــــزيات المنظــــــورة ,
و بالنوح و بالبكاء و بوجع القلب يسأل الله أن يطهره من الشركة مع الخطية .
و يقلـــع منه أعضـــاء الإنســـــان العتيــــق .
و هذه الميتوتة تولِّد لنا الميتوتة النفســانية .
+ و الميتوتة النفسانية هي :
أن لا يشتاق الإنسان في قلبه لشيء من خـــيرات هذا العـــــالم ,
و لا لحياته الزائلة , و لا يتنعم بطياشة فكره في الشهوات الأرضية .
بل يكون عقله على الدوام :
متشــوقاً متلهفـــــاً بلا هــــدوء إلى الأمـــور المزمعـــة ,
و جميع هذيذه و ضميره ،و أمل قلبه في
الأشياء التي ستكون للبشر بعد القيامة ,
و يهــــدس و يهذُّ في كل أوقاته بالحيـــــــاة الجديــــــدة .
فهذه هي الميتوتة بالحـــق للـــــــــــــــــذي قد مـات مع المسيح ,
و هـــــــي لا يمكن أن تكون بدون فعل النعمة و معونة الروح القدس .
و الميتوتـة التي تكون هكذا ، هي تولد لنــــــا الميتوته الروحيـــــــة .
+ التنعم الروحاني :
الذي يكون من العمل لا يُحسب مع الفضيلة , لأنه سيد الفضيلة .
لأن الفضيلة هي :
كل عمل يكون في الظاهر , ويكمل بحواس الجسد من أجل الله .
+ و المتوحـــــد
ليس له عيد في الأرض , لأن عيــــــده هو النـــــــوح .
و عوض الأعمال
التي يفتخر بها الآخرون بالانشراح بعضهم مع بعض ,
هذا عــــــــــزاؤه هو شــــقاؤه في الســـــــــــكون .
+ ألعلك تظن يا أخي :
أن عدم المفاوضة و النوح و حزن القلب .
و التمرغ في كل وقت بضرب المطانيات قدام الله لا يحسب عملاً ،
بل تقول إن الصوم و كثرة التلاوة هي العمل ؟
أما تثــــــــق أن :
عمل القلب و التجلد في الوحدة هو غاية العمل ؟
و أنه سعيد و قريب من الله :
ذاك الذي يصبر على صعوبة الوحدة جميع حيــاته ,
و لو أنـــــــــه يأكـــــل كل يــــــــــــوم و ينــــــــــام ,
و لو تنهـــد على ذاته دفعـــة واحــدة كل يوم بحزن ،
و هو ملقى قدام الله ؟
في الحقيقــــــة إن :
عمل مائة أخ يصـومون و يصــــــلون و هم في السجس و المفاوضة ,
ما يساوي عمل متوحد واحــــــد في السكون و لو كان ضعيفـــــــــــــــــــــــــاً ،
على أن يكون عادماً محادثـة الناس و متجلــــداً داخــــــل البــــــاب ،
و ليس من يدخل إليه و يخــــرج .
و لست أعني بقولي هذا
الذين يمســـكون الســـكون بالاســـم ،
و لهم من يدخل إليهم و يخرج كل يو م ,
بل الذيـــــــــــــــــــــــــن
يسدُّون بابهم و لا يفتحونه من يوم الأحد إلى يوم الأحد,
و ليس لهم حديث و لا مفاوضة مع أحدٍ، و لا يصادقون إنساناً.
و إن كان هناك أخ كفؤ لهذه النعمة ، و قد أخذ هذه الموهبة من الله :
و لكن أحداً من رؤساء و مدبري أديرة الإخوة -
من أجل نيــــاح ما أو عمل جســـــداني ،
أو من أجل حسد - يعوقه عن هذه الموهبة ،
فعليه دينــــــــــــونة قـــــــــــــدام اللــــــه ،
و هـو مزمع أن يعطي الجواب قدام كرسي المسيح.
+ لا تحــب أن :
تُعتق من عبودية السنن و القوانين في ســيرتك،
إلـــــــــى أن :
يكـــــتب الــــــروح حريتــــــــــك من العبوديــــــة ,
و تحس به أنه :
قد كتب ذلك على عقلك بلا تقسُّم (أي بلا شك).'
الحرص فى الصــلاة و السـكون
+ إذا قمت في الخدمة :
بحَـــرس نفســك و جســــــدك
ـ تلك التي فيها ربوات كنوز مخفية للذين يصلُّون بإفراز ـ
فاسأل الله أولاً خفية في قلبك أن :
يفتح قدامك ينبوع الحياة الذي من عــادته أن :
يفيــــض في هـــذه الأوقـــات على الأنفـــس ،
التي جحــــــــــدت العـــــــالم الزائـــــــــــــل ،
و الذي به
تنظر كل وقت ميتوتة يسوع على أعضائها الخفية .
ثم رتل بهدوء بغرض الصلاة ,
و لا تعتنِ بكثرة المزامــير ,
بـــل أن يُعطى لك مفتاحاً , و لو كان لفظاً و احداً ,
لكي تدخــــــــل إلى كـــنز تفهّمــــه الروحــاني ،
الذي ينفتـــــــــح لك بنعمـــــة الــــــروح لقدس .
وإذا ما سجدت عند بدء الصلاة ،
فاسأل الله بوجـــع قلب أن يعطيـــك فيهـــا صـبراً ،
و ألا يحصل لك فيها قتال سجس، قائلاً :
« أعطني يارب حركـــات نيِّرة شـــاخصة فيـــك
بجميع هذه الخدمة بكل لفظة تخرج من فمي ».
و إذا ما دقَّ فكرك و تلطَّف من غِلظ الهذيذ ، و بدأ يصادف النــور ،
فمن هنــا افهـــم أنك :
بســــهولة تقبـــــل دهــــش الكـــــــلام ,
إن كان تـــــــــلاوة أو كتـــــــــــــــــــــابة ,
و للوقــــــــــــــــــــت :
يتحــــرك القلب بالفرح و يسكت اللسان .
و لا تطلب دليلاً آخر على ظلام نفسك :
سوى عدمك من هذا السرور الذي ذكرته .
+ يا أخي أحبب الوحدة ،
و لو كنت عاجزاً عن جميع حقوقها .
صلاة و احـــــــدة يصلي بها الإنســان وحده ،
هي أخير من مائة صــــــــــلاة يصنعها مع النــــــــــــاس .
و بالحق إن عمل مائة يــــــــــــــوم صــوم وصـلاة يصنعها المتوحد بسجس ومفاوضة ،
لا تـــــوازن نـوم ليـــــــــلة واحــدة في الوحدة !
+ داوم أن تقول في صلاتك :
« يا الله ، جُد عليَّ بنوح القلب , يا رب استأصل مفاوضات العالم من قلبي » .
هذه الصلاة تُدخلك في أسرار المسيح إن اعتنيت بتفسيرها في نفسك .
+ بدون السكون ما يتضع القلب ،
و بدون أتضاع القلب ما يتنقى من الحركات المتواتـــــرة .
+ إذا ما جلست بين صلوات الأوقات لكي تفاوض ذهنك بالهذيذ بالله ،
افتكر أيضاً ماذا كنت ولأي رجاء دُعيت من قِبل فيــض مراحــم الله .
و اجعل لك فسـحة بين صـلاة الليل و صلاة باكر ( تخصصها ) لمثل هذا
الهذيذ الذي يصلح لتربيتك بمعرفة الله في كل أيام حيــاتك ؛
لأن هذا أيضاً هو جزء كبير في عمل السهر .
قسِّم الأوقات النهارية :
منها (وقت) للخدمة ،
و منها وقـــــت للهذيـذ ،
و إن و جدت فسحة تكفي فلنقاوة الحركات .
و إن كان العقل مظلماً :
زِدْ من القـــــــــراءة التي توافق في ذلك الـــــوقت ؛
لأنه من ههنـــــا يكـــــــــون ينبوع النقاوة الذي تفيض منه مياه طـــاهرة .
فإذا ما اتحد الهذيذ بالصلاة بنقاوة ، عند ذلك تكمل كلمة السيد :
« إنه حيث يكون اثنان أو ثلاثة مجتمعين باسمي فأنا أكون في وسطهم »
أعني النفس و الجسد و الـــروح ،
أو العقــل و الهذيــذ و الصلاة ،
و ينتهي أمر ثلاثتهم إلى الدهش.
محبـــــة الســــــكون
+ الــــذي هــــو كامـــل في القــــــــامة و فيــــــــــــــــه اشــــــــــتياق إلى الله ،
هــــــــــــــــذا بعد خروجه من العالم لا ينبغي أن يقيم كثــــــــيراً في المجمـع ،
بل إذا ما تعــلم ترتيب و تصـرف الإخــوة و طقس هذا الاسكيم و نوع تواضعـــه ,
يفرز نفسـه في قلايتـه منفـرداً لئــلا يقتني عــادة الخلـــطة مـــع كثـــــــيرين ،
ما خلا مفاوضة شيخ واحد مشهود له بحسن السيرة و معرفة عمل الســكون ،
و معه فقط يتحدث لكي يتعلم تدبير الوحدة، و لا يتفاوض أبداً مع أي إنسان آخر.
+ ليس أن الإنسان :
إن لم يتطهر بالكمال لا يحس بالخيرات الروحانية و بدلائل الحيــاة الجديـدة ،
بل إنه يـوماً بعــــــد يــــوم , حسـبما يقهــر الآلام ، يــرى إشـارات الطهارة ،
و كل ألم يغلبه يشـــرق الصـــلاح الموضـــــوع قبــــــــاله في الحــــــــــال ,
و بمقدار ما يتطهر من الخطايا هكذا ينعتق الضمير من رباطات التفكير فيها ،
و على هذا الحــــد يشــــــــــرق شــــــــعاع المعــــرفة في قلبــــــــــــه .
و طهارة النفس هي :
التعري من الاهتمامات الجسدانية و من الهذيذ بالأفكار اللحمية .
+ الذين هم بطبيعتهم ودعاء و هادئون و ذوو حركات نيِّرة مفرزة ،
معلوم أنه سهل عليهم (انسكاب) الدمــــوع ؛
لأنه حيث يوجـــد تواضــــــع القــــــــلب بإفراز ،
لا يقدر الإنسان أن يمسك نفسه عن الدموع ،
فمن غير أن يريد يفيضها القلب على الدوام من الحزن الحار ،
و انكسار القلب الذي فيه .
+ هذه الأنواع الثلاثة يقتنيها الإنسان من الســـكون :
حب الله ، الدهش بأسراره ، و تواضع القلب . و ليس حزن أحرّ من حب الله .
يا رب أهلني أن أشرب من هذا الينبوع .
و لكن الذي ما له سكون فهو :
ما يعرف و لا واحـــــــــــدة من هذه الثلاثة أنواع ،
و لو كانــــــــــــت له فضــائل كثـــــــيرة ،
فـــــــــلا حـــــــــــــب الله يقدر أن يعرف ما هــو ،
و لا معــــــرفة الروح مــــــــــــــــــــــا هي ،
و لا التواضع الحقيقي الذي من القــــــــلب .
و أنا أشهد لكم بالحق أنكم إن كنتم عادمين من السكون ،
و لو أنكم بكل أعمال الرهبنة تتعلقون بجفون عيونكم ،
فما تقدرون أن تؤهَّلوا للاقتراب من هذه الأسرار ،
التي تُمنح للعمالين في السكون .
عمـــل العقـــل
+ عمل الجسد مع بَطالة العقل لا منفعـــة فيه .
لأنها صادقـــــة هي كلمــــة القديس مرقس :
« إن كثيرين يعملون البر، وبالأفكار الرديئة يُفسدون أعمالهم الحسنة » .
و على كل حال ، الذي ضميره بطَّال من العمل الخفي المكتــــوم ،
و من المداومة بهمِّ المعرفة و الهذيذ ، فأفكاره منحلة في الأباطيل .
لأنه بعمــــل العقـــل يستضيء ( الضمير ) ،
حتى لو كان الجسد بلا عمل أو مريضاً جداً .
لأن عمل العقل يُيَبِّس الجسد و يُنشِّفه و يجعله مثل العـــود اليابس .
+ الذي ما يقبــل ، في وقــت الخدمــة ، قتال الثقــل و المـــلل و الكســــــل ,
و بقية أحزان القلاية ، و يصبر على مقاساتها بفرح ،كمثل أنها عمـل تام لله ،
بل يريد الراحة منها بالكمال ، فهو من غير أن يشاء يُسلَّم ليد شيطان الزنـا ،
و عـوض ذبيحــة جســده الطاهــرة التي كـــان من عــادته أن يقـــدمها لله ،
فإنه يذبح للشيطان ذبيحة نجسة من أعضائه .
+ صدقني يا أخي ،
إن المـــلل و الضـــجر و ثقـــل الأعضـــاء و التكـدر و سـجس العقـــل ،
و بقية المحزنات الحادثة على النساك في جلوس السكون ، هي عمل تام لله .
فضائل السكون و ضرورته
محزنات السكون عمل تام :
+ لا تظن أن الاستضاءة في الخدمة و نقاوة الضمير و التنعم بسرور القلب ،
و العــزاء الـذي من الدمـوع الحلــوة و المفــــاوضة النقيـــــــــــة مــــع الله ،
لا تظن أن هذه فقط عمل إلهي .
بالحق وحسب رأيي أقول :
إنه حتى أفكــار التجـــــديف و المجـــد الفارغ ,
و حركات الزنا السمجة التي تحدث باضطرار على المتوحد في الســكون ،
و حــزنه من أجلهــا , و لــو أنه يوجــد مغلـــوباً قدامهــا ، و يصـبر و يتجلد ،
و لا يخـــــــرج من قلايتـــــــــه ,
فهذه أيضاً تُحسب له كمثل ذبيحة طاهرة و عمل إلهي مقدس ,
ما خلا العظمة و الكبرياء فقط .
لأنه تجلَّد في جهاد الرب ،
و صبر على اليمينيات و اليســاريات العارضــة عليه داخــل المصــــاف ،
إذا لم يكـــن حدوثهـــــا بســــبب انحـــــــــــــلاله و إهمـــــــــــــــــاله ,
بل تتواتر عليه بنوع القتال فقط ، هذا إن لم يُغلب و يخرج من المصـاف ,
الذي هو الجلوس الانفرادي في القلاية .
سـكون الجسـد و سـكون النفس :
لأن الذي يشـــــتهي الحبـس و الســــــكون ،
و يفـــــــرد نفســه من مجمـــــــع الإخـــــوة ينبغي له أن يكون هذا غرضه و قصـــده :
أن يقتنــــــــــي : بســـــكون الجســــــــــــــد ،
ســــــكون النفـــــــــــــــس
و يجتهد أن يقتني : البكاء على خطاياه القديمــة ،
و النوح على زلاته في كل يوم ،
و هذا ما قاله أولئك السواح للقديس مقاريوس :
« إن لم تســـــــتطع أن تكــــون مثلنـــــا ،
فاجلس في قلايتك وابكِ علي خطاياك » .
و لأجل تجـــــربة حروب الشــــــياطين ،
قال أنبا أنطونيوس لبولا الساذج تلميذه :
« اجلس في السكون لتأخذ تجربة حروب الشياطين ».
كما قال يوحنـــا النبـــــــي التبايسي :
« إنه لا يمكن للإنسان أن ينظر نفسه و يفهم آلامه من غير تدبير السكون » .
كذلك قال أنبا مقــــــاريوس :
« ينبغي للذي يجلس في الســـــــكون
مداومة تذكــــار الله ، و نســـــيان كل ذكــــــر ،
و أن لا يكون عنده ذكر لأي إنسان في قلايتـه ».
و قال يوحنا التبايسي أيضاً عن الجهــــاد مقابل الآلام و الشياطين :
« إن الحكمــة الروحانية هي عضو عظيـــــم لإنســـــــــان الله .
و لا تُقتنى هذه الحكمة بدون تجارب المصاف ( أي الجهاد ) » .
وقال العظيم في العارفين أوغريس :
« إذا ما جلـــــس الإنســـان في الســـــــــكون ،
و صبر على القتال و التجـارب نال طهارة القلب .
و هذه تُقتنى بعدم جميع أفهـــام المنظــرات » .
و قال الأب إشعياء ذو الشيبة المباركة عن سكون العقل :
« إن السكون يولِّـــــــــــــــد السكون » .
و قال الأب مرقس :
« الصلاة الطاهرة ( تُقتنى ) إن أخذتَ موضعاً حصيناً للصلاة ( أي السكون ) ».
فلا تقبــل معرفة الأفعال التي تُعطى لك من العدو ، لئلا تُضيِّع تلك النعمة العظيمة .
بل ينبغي أن تطعنه بسهام الصلاة ،و هو محبوس في الموضع السفلي بالسكون ،
لأنــــــــه يتحايل أن يجب لك غنيمة ( من المعرفة ) لكي يبعدك من التدرع قبـاله .
عطايا السكون :
+ و قد أظهر القديس مرقس أيضاً ،
عظم العطايا التي يحظى بها المتوحد يوماً بعد يـوم ، إن هو ثبت في الســـــكون ،
و قال : « الآن لنبدأ بالعمل » .
و ما هو هذا العمل ؟
هو الســــكون و هدم الأفكار و الصلاة بغير فتور ،و هكذا يأتي إلى قدام
و هو لا يجد رجاءً بالله فقط ، بل :
و إيماناً حقيقيـــــــــاً ، و حبـــاً لا غـــــش فيـــه ،
و يقتني محبة الإخوة ، و عــــدم تذكـار الشـــرور ،
و نســـكاً وصـــــــبراً ، و معرفــــة داخليـــــــــــة ،
و خلاصـا من التجارب، و مواهـــب روحيـــــــــــة ،
و شــــــكراً قلبيـــــاً ، و دمــوعاً محــــــــــــــزنة ,
و احتمــــالاً للضيقــات العارضة و غفراناً لقريبنا بغير غش ،
و معرفــة الشـــــرع الروحاني و وجـــود عـــــــــدالة الله ،
و حلـــــول الـــــروح القــدس و عطايا الكنــوز الروحـانية .
هذه جميعها بواسطة السكون و الصلاة يجود بها الله على المتوحدين .
و من أجل اقتنائها يشتهي الإنسان السكون .
ضـــــرورة الســـــكون :
+ إن لـــم يقطـــع الإنســــان نفسـه مـن كل تذكــار و مــن كل اهتمـــــــــــام ،
و يبتعـد من كل محادثة ، و يداوم السكون بغرض مستقيم و بمحبة الأعمال ,
فانه لا لخطـاياه القديمـــــــــــــــــــة يذكـــر , ولا لزلاتــه فــي كل يـوم ينظــــر ,
ولا لآلامـــــــــــــــــــــــــــــــــــه يعــاين , ولا لمجاذبات الشـياطين يفهـــم ,
ولا للجهاد مع الآلام والشياطين يستعد ، ولا لنقــــاوة القــــــــلب يصـــــل ,
ولا الصــــــــلاة الروحـــــــــــانية يقتني , ولا حتى للصلاة الطاهرة يستحق ,
و لا يشرق نور مجد المسيح الإلهي باستعلان الروح القدس داخل نفسه.
هذه جميعها خارجاً عن السكون ما تُعطى لأحد .
أما الذين يصبرون على ضيقات السكون و يدومون فيه، فإنهم ينالونها جميعها .
و إن كــــان أناس يخرجون من هذا العالم و ما ينالونها ههنا - لئلا يتعظمــــوا ـ
أو من أجل أسباب أخرى مخفيـــة عن علمنا - فإنهـــــم في ملكوت السماء
يتنعمــــــون بهذه جميعها من أجل :
حبهم لسيدنا و صبرهم على السكون لأجل محبته .
مرارة السكون تسبق حلاوته :
+ و الذين يتجلَّدون ( في السكون ) يبلغون إلى طهارة القلب و الصلاة الطاهرة ،
و لأجل أسباب خفية لا تُعطى لهم الصلاة الروحانية ،
و لا يؤ هلون لاستعلان المسيح .
و لهذا حذَّر الآباء أنه :
من دون مرض أو ضــــــــرورة مـــــا ، لا يتكلـــــــم المتوحد مع أي إنسان .
لأنــــه إن لم يقبض حواس الجسد ، و بالأكــــــثر نظره و سمعه و لسانه ،
فهـــو ما يجد ســــــــــكوناً لنفسه ، لأن العقـــــل ما يهدأ بدون الجســـد.
و قد قال القديس مرقـس :
" و لهذا ينبغي أن نتجرَّد من النظر و السمع مع باقي الحواس ".
و قال يوحنا التبايســــــي :
لأن المتوحــد المبتـــدئ :
إن لم يعوِّد نفسه أن يُسكت حواس جده ،
بل يتكلم بلسانه مع الإخوة أو مع خادمه ،
و ينظرهم بعينيه ويسمع بأذنيه كلامهــم ،
فمــــا هــــي الفائـــــدة مــن الحبـــــس ؟
أو كيف يذوق حلاوة السكون إن لم يسبق و يذوق مرارته ؟
و كيف يذوق هـــــــذا إن لــــــــم يؤلمـــــــه الضجـــــــــر ؟
و كيف يُقاتَل بالضجــــــر إن كان يدخــــل خادمـــــه إليــه ،
أو يتكلــــــم معه من الطـــــاقة ،
أو مع الذين يطلبون أن ينظـروه ؟
فلا قتال صعـــوبة الشـــــــهوة ،
و لا تخــــــــــويف الليـــــــــــل ،
يتمكنــــــــــان منه أيضـــــاً .
لأن كل إنسان حسب مقدار سكونه و حبسه و تحفُّظه ،
كذلك تكون حروبه و عطاياه .
الغرض من الوحدة :
+ و لما نظر الآباء تضاعف الوجوه ( أي اختلاف القدرات) ،
أذنوا لكل إنسان أن يتدبَّر حســــب قوتـه و حسب معرفته ،
و حسب حرارته و حسب معونته من النعمة ،
على أن يكــون حبيســـاً ســاكتاً .
لأنه من دون السكون و الوحدة :
لا يستحق أن يُدعى وحيداً مع ابن الله الذي أهَّله بالنعمــة لكرامــــــة اســمه .
ذاك الذي ليـــلاً و نهــاراً ، بحــزن و دمـــوع ، يســــأل الله أن يغفـــر له خطـاياه.
و يجـود عليه بقــوة الــروح القدس ، لكــي يكمــل حــــــبه و يحــفظ وصـــــاياه .
و إن كان ما استحق بعد لدمـوع النعمـــــــة ،
و مفتقراً أيضــــــــــاً إلى دمــوع ندم النفس ،
فإن حزن قلبه و ندامة نفسه يقومان له موضع الدمـــــــــوع .
فلا يهدأ ولا يبطل من السكون والصلاة والطلبة حتى يحس خفيــاً بيقين الرجـاء، أنه :
قد غُفـــــــــرت له خطـــــــــــــــاياه ، و اشتعلت نار محبـة المسـيح فـي قلبه ،
و أخذ قـــوة لتكميــل وصاياه ، و تشـــــجَّع عـــــــلى الآلام ،
و هــــــــــدأت أفكـــــــــــاره ، و خجلــــــــت المجــــاذبات ،
و شبع من نظر وجه سيده .
هــــذا هو المتــــــــــــــوحد، و هذا هو القصد من الوحــدة .
فضائل الجهاد و طهارة العقل
+ فضيلتان تحبسان و تجمعان كل الفضائل ،
و منهما تقــــــوم و تكمـــــــــل كل سيرة العقــل ،
و منهما يقتنـــي الإنســـــــــــــان طهارة العقــل ,
و همـــا اللتان يحتاج إليهما ترتيب سيرة السكون ،
و همــا :
الصــــلاة بلا فتور و لا طياشة ،
و هــــدم لمح أفكار الآلام و مجاذبات الشياطين حالما تظهر ،
و يحــــس أنهــــــا قـــــد تحـــركت فــي القــــلب .
هاتان الفضيلتان و هذان العملان اللذان بهما ،
تنجمع و تنحصر سائر أعمال الفكر و فضائل النفس جميعها ،
تولّدان موهبتين و عطيتين روحانيتين ، محدودة بهما جميع المواهب الإلهية ،
و محصورة فيهما جميع عطــــايا الــــــــــروح ؛
لأنهما لا يُعملان بالجسد، و لا يُفلَّحان بالنفس ،
بل إنما يحظى بهما الإنسان إنعاماً بقوة الروح القدس ، و همــــــــا :
لأنهما لا يُعملان بالجسد، و لا يُفلَّحان بالنفس ،
بل إنما يحظى بهما الإنسان إنعاماً بقوة الروح القدس ، و همــــــــا :
حركة روحانية
تحرِّك بلا فتور حركات النفس بحــــرارة حب الله الكامل ،
و نظرة نــــور
مجد ربنا يســـوع المســــيح باستعلان الـــروح القدس .
+ إن كنت ، يا أخي ، تحب تدبير السكون ،
و ينـــــــــــــــــير عقــــــلك ،
و تتلطف حركات نفســــــك ،
و تـــدق لتتفرس في حركات الآلام المنتبهة فيك من تذكــار خطاياك القديمة ،
و لترصد ما يأتي عليك من مجاذبات الشياطين التي تُسمى أفكاراً شـيطانية ،
حسب قول الأب إشعياء و مار أوغريـس ،
تلك التي ليــس لها عليــك ســــلطان ،
إلا لكـــــي تذكِّــــــــرك بالخطيــــــــــة ،
و تخضِعك بمجاذباتهــا للتنــازل معهـــا ،
إما بذكر امــرأة بســماجة الشــــــهوة ،
إما بذكر امــرأة بســماجة الشــــــهوة ،
أو بتذكر أخاً أحـــزنك، مع بقيـــة الآلام ؛
فتعلَّم كيف يكون القتال والجهاد معهم؛
لأنه ليس في سائر المعارف كمثل أن يفهم الإنسان آلامه ،
و يقاتل معهــــــا و يســـــــتعبدها لســـــــــــــيادة إرادته .
فمن هذا المصاف يقتني الإنسان سريعاً نقاوة القلب و ينظر الله .
+ اقرأ و افهــــــــــم و اعــرف ما هي طهـــــارة العقــل ؟ ,
و مما تُقتنى , و ما هي الآلام , و ما الذي يولد منها ,
و بأي أعمال , و بأي جهــــــاد يغلبهـــــا الإنســــان ؛
لكي تقهر كل قتال في وقته , إلى أن يُعطى لك الإفـــــــــراز الروحـــــــــاني ,
الذي به تقدر أن تفـــرز بدقة , بلا ضلالة , مجاذبات الشياطين من أفكار الآلام .
و اعلم أنه ما دمت :
متيقظــاً حريصــــــــــــــــــاً في صــــــــــــــــــــلواتك ,
و مجتهداً في تكميل قوانينك في السكون بلا طياشــة ,
إن تحـــــــــرَّكت فيـــــك الأفكــار الرديئــــــة ,
فاعرف بالحقيقة أنها ليست هي أفكار آلامك ،
بــــــل هـــــــي مجـــاذبات الشـــــــــياطين .
لأن أفكـــــــار الآلام
التي من العادات القديمة لا تتحرك في الإنسان ,
طالما كان متيقظـــاً في عمـــــــله الروحـــــاني ,
و إن هي تحـــركت :
فســــــــــرعان ما تضمحــــــــــــــــــــــــــــل
لأجل حـــــرصه في عمـــله و بغضتـــــه لهــــا.
أما مجاذبات أفكار الشياطين ،
فإذا كان الإنسان متيقظاً مجتهــداً في عمــــــل الـــــــــبر ,
و خدمـــــــــــــــة المزامـــــــــــير , و صـلاة أبانا السمائي ,
و كلام التلاوة التي يرتبها من ذاته , و يصلي بها بغير فتــور ،
إن أكــــــــل أو شــــــــــرب أو جلــــــــس أو مشـــــــــى ,
هذه الأعمال و الصلوات تحرك الشـــياطين بالحسـد عليـه :
لأنهــــــــــم يخــــافون لئـــلا يقتني قبالهم ســـــــــــلاحاً ,
و لأجل هذا فهم على الدوام يُظهِرون له مجاذباتهم متواتراً ,
و يحرِّكـــون فيه الأفكـــار , لعله يميل إليها و يتهـاون بعمله .
لأن هذه الثلاثة أشياء التي هي :
خدمـــــــة المزامــــــــير ,
و صـــــــلاة أبانا السمائي ,
و صــــــلاة التلاوة التي يركِّبها الإنسان ,
و يطلب بها الرحمة و العون و الخلاص ,
هذه الثلاثة أنواع من الصــــــــلاة هي
كمثل ثلاثة سهام تطعن الشياطين و تقتلهم .
أما إذا كــــــــــــنت طائشــاً بالأفكــــار ,
و متهــــــــــــــــاوناً في تكميل خدمة الأوقات و قوانين السكون ,
فـــــــــــــــــــــإن أفكـــــــــــــار الآلام تتحــــرك في قلبـــــك ,
و تضغطــك أكثر من مجاذبات الشياطين .
+ و مع معرفة الآلام والجهاد مع مجاذبات الشياطين و هدم أفكار الخطية ,
و اعتنائك بنقاوة القلب و حرارة الضمير ، تعلَّم بالأكثر ,
بمحبــــة زائدة و أعمــال مفرزة بالعقل ،
الصلاة التي بلا فتـــور و لا طياشــــــة ،
لأن بها محــــدودة كــــل سيرة العقل التي تطلبها شريعة الســـــكون ,
التي هي كما قلنا :
الصلاة التي بلا فتور و هدم الأفكار .
فلا ينبغي أن :
يتنعم الإنسان أبداً بإرادته،بانحلاله وتنازله مع الخطية بأفكاره ،
و لو كــــان من اضطرار الجهـــاد وصعوبة العنــاد ،
و لو كــــان من اضطرار الجهـــاد وصعوبة العنــاد ،
بل يقتنـــــي للخطيــــة بغضـــــة شـــــــديدة ،
لكي يحــلو له تدبير السكون ، و لا يتعبه الضجر .
+ و إن كنت تقتني هذين الأمرين ،
أعني الصـــــــــــلاة التي بلا فتور و لا طياشة ،
و طهارة الأفكار ،
فأنت تحظى بجميع ســـــــــــيرة العقـــــــل .
و لكن أولاً أَتْعِب جسدك و نفسك وقتاً معلوماً بالصلوات التي بلا فتـور ،
و لو أن يطيش فكرك ، فبعد هـذا تؤهَّــــــــــل للصلاة التي بلا طياشة .
لأنـــه إن :
لم تتعــــــب جســـــدك حسب قــوتك ،
و تفنــــــــي نفســـــك كــــل وقـــــت ،
و في كل مكــان و كــل فعـــل وحـــال ،
و لو أن فكرك يطيش لأنك بعد مبتــدئٌ ،
فلن تُعطى لك الصلاة التي بلا طياشة .
و إن لـم :
تعوِّد نفســك أن تهدم أفكار الآلام و الشياطين ،
فلن يُعطى لك جمع العقل من الأفكار الطائشة .
لأن بهاتين الفضيلتين (أي الصلاة بلا فتور و طهارة الأفكار ) ،
ينحصر و يُحدُّ جميــع تدبــير الضمـير ،
و هما مرتبطتان الواحــــدة بالأخـرى ،
و مركبتـــــــان و متحــــــدتان معـــاً .
و كمــــا أن :
طبع الجسد شيء، و طبيعة النفس شيء آخــــر ،
و لأجل اتحـــادهما معــاً صــارا طبيعـــة واحــــــدة ،
و من دون اتحادهما لا يكمــــــل لهمـــــا فعــــــــل ؛
هكذا أيضاً :
إذ الصــــلاة شـــيء و طهــارة الأفكـــار شـيء آخر ،
و لأجل اتحادهما و اشــــتراكهما همــــا الاثنــــــين ،
يقـام منهما تدبير (واحد) يسميه آباؤنـا سيرة العقل ،
فإن كل واحدة منهما محتاجـــة لتكميل الأخــــــرى ،
حسب قول القديس مرقس :
« إن النية الصالحة بالصلاة توجد ، هكذا أيضاً الصلاة بالنية الطاهرة توجد » .
الجهاد و السهر
+ عوِّد نفسك واغصب ذاتك
لجمع أفكارك في خدمـــة المزامير،وبالأكــــثر في الليل ،
لكي يأخذ عقلك حس وفرح الروح المكنوز في المزامير ؛
فإن أُهِّلت لهذا، فلن تشبع من السكن في الهدوء.
واعلــــــــــــــم أن الذي يتعب بأعمال الجسد فقط داخل الحبس ،
وهو لا يعمل بالضمير، بل يطيش ويطمح فهو يتهاون أوقاتاً .
وأما الــــذي مع عمل الجســد يعمل بالفكر أيضاً ،
فهو لا يقدر أن يتهــــــــــــاون ؛
لأن عمــــــــــل قلبـــــــــــــــه ما يتركه يستريح .
فلهذا عظيم هو عمل العقــــل وتَعِبٌ جداً ومديد ،
وحســـــــــــــب عظم عمـــــله ،
هكذا أيضــــــــــاً كــثرة منافعــه .
+ إن اخــــترت عمـــــــــــل الجسد والعقل ،
فلا تتضجر ولا تـــــــزد على عمــــل العقل ،
أعمالاً جسدانية فوق قوتك ومبدأ منزلتـــك .
بل قليلاً قليلاً ادخل و غص في تدبير العقل ،
و هو يكون لك معلِّماً ومرشداً :
في كيف تحترس من الموافقة في قلبك مع الأفكار الشيطانية .
هوذا أبوك الأب إشعياء ،
لكي يعلمك ويشجعك ويجذبك لعمل العقل، يقول لك:
« أنت يا ابني ، اهرب من أهوية قلبك ،
هذه التي تقيم عليك القتــــــــــــال ،
و ربنـــــــا يكسر جميع أعـــــــدائك » .
و معنى قوله :
إنه إذا كنت في الســـــــــــــــــــكون ,
و أنت خـــــال من الطياشة في الأفعال ،
وعــــــــــادم من مفاوضـــــة النـــاس ،
ومتفـــــاوض مع ســــــــــــــــــــــيدك بعمـــــــل وصــــاياه ،
تغــــــــــــار منك الشــــــــــــــــياطين بحســـــــــــــــــدها ،
و تجــــــــــــــــــــذبك للتنازل في الشـهوات ،
لكي تخيِّبك من حـــــــب ســـــــيدك ،
و من العـــزاء الروحــــاني ،
و من الأجـر لأجل سكونك و عمــــلك .
الجهــــاد و النعمــــة
+ هكذا مثلما أقول لك :
كل وقت تحرك الشياطين فيك فكراً ما, إن كان شهوانياً أو غضبياً أو مجداً باطــلاً ،
أو مهمــــــا كـــــــان مــــــــــن الآلام، فلا توافقهــــــم و لا تتنــــازل معهــــــم ،
و لا تتركهم يدخلون قلبك وينعِّمونه، بل اذكر عاجلاً ذلك التنعم المحفوظ لك عند الرب ،
و انتهر تلك اللذة الألمية ,
و أغمـــــض عيني فكرك عن النظر في ذلك الفكر الردئ الشيطاني ,
و لو أن لذة الخطية تجذبك , غصب نفسك لكي تهـــــــــرب منهــــا ،
و تنتقل بحبك إلى سيدنا ، و تسأله أن يمــدك بالمعونة لكي تغلب .
فإذا نظر الله إرادتك، إنك حتى و لا بالفكــر تحب أن تتنعــم بالخطيـة ،
هـــذا لأجـــل التنعــــــــم بمحبتــــــــه ، ففي الحال يشير للملاك القديس التابع لك ،
فيطرد الشياطين المقاتلة معك بمجاذباتها , كمثـــل الغبـــار من قــدام الريح العاصف .
و لهذا قال لك أنبا إشعياء :
اهــــرب وفِـــر مــــن مشـــيئات قلبــــــك . أعني أنت فقط إغــصب نفســك قليــــــلاً ،
أظهــر للشياطين بغضتــك لمجاذباتهم ، و محبتك لسيدنا، وهو يطرد عنك الشياطين ،
يقطع مجاذباتهم من قلبك، و ينير ضميرك،و يملأ نفسك أمناً وسلاماً و عزاءً من النعمة .
+ لا تخف أيها المتوحد محب السكون ،
والمقاتل حتى الدم في جهاد البر مع الخطية لأجل محبة سيده .
ليس يبطئ كثيراً زمن جهادك،بل بعد مدة من السنين معروفة ،
إذا ما اختُبرت إرادتك الصالحة
و حبك الصادق للرب بالصبر في الجهاد والقتال مع أعـــدائه ،
فمنذ ذلك الوقت، ليس كل وقت تقاتل معك الشياطين يمدك بالمعونة لكي تغـــلب ،
بل إنه إذا انقضى زمان جهادك يطرد عنك الشياطين كلية ،
و يقطع من قلبك جميع مجاذباتهم .
و عوض تلك الأفكار الكثيرة التي كانت تتحرك فيك ،تمتلئ نفسك أفهاماً روحانية ،
و يبتهج ضميرك كل وقت بأفكار إلهية، التي هى :
و يبتهج ضميرك كل وقت بأفكار إلهية، التي هى :
الهـــــــمُّ بعظمة الطبع الإلهي ،
الهذيــــــذ بالثــالوث المقــدس ،
تذكار دائم لا ينقطــــع بعشــق محبـــة المســــيح ،
و نــــــــــــور مجده الإلهي الساكن فيه في السماء ,
الهذيـــــــــذ برتب الملائكة الممجدة ،
ذِكـــــــــــــر الفــــــــــردوس و أرواح الصديقين الذين كمــــلوا ,
اســـــتعلان ربنا من السماء ، صعود القديسين إلى الســماء ،
و أشياء كثيرة لا يســـهل علينــا كتابتهــا و لا النطــق بهـــــا .
فبهذه الأفهام الروحانية يتحرك عقل المتوحد كل وقت بتنعــم لا يُنطـــق بــه ،
و يأخذ هذه المكافـــــــأة بعد مدة جهــــــاده ، كعـــــــــــــــربون ههنـــــــــــا ،
عوض كثرة تلك الأفكار الردية الشيطانية التي كان يتضايق بها أولاً في القتال .
+ والآن يا أخي، إن كنتَ مشتاقاً لهذه ( الأفهام الروحانية ) ،
و لنقاوة القــــــلب التي بها ينظــر الإنســان الله ،
أَعِـــــدَّ نفســـــك للجهاد مع الآلام و الشياطين ،
و لا تتضجــــــــــر إذا ما ضُـــــــربت و نالتك الجراح في وجهك كل مدة مجاهدتك ،
و لا تعطـــــــــي قفاً وتهرب من قلايتك مثل خصمٍ مغلوب .
بل انتظـر بصــــبر و برجاء حقيقي للغلبة التي يعطيك إياها ربنا في السكون ،
بعد مدة جهادك و كثرة الراحــة و الفرح التي تحظى بها ،
و لا تكن كالجهال البله المنحلين ،
الذين عندما يكونون غالبـــين و منتصــرين و فرحـــين و نيّرين ،
يجلســون في السكون و الحبس ،
و عنـــــــــــــدما يتضايقون و ينجرحـــون و يُغلبون و يحزنون و يسقطون و يُظلمون ،
يتركــــون الســـــــكون و يخرجـــــــــــون !
بل أنت اصبر على جميع ما يحدث لك كل أيام مدة جهادك ؛
إذ في وقت تضغـــــــــط أنت الشياطين، و في وقت يضغطــونك ،
و في وقت تســقطهم ، و في وقت يسقطونك ،
حتى ينظر الله صــــبرك ، و يعطيـــك غلبة على أعدائك ،
و يتوِّجـــك بمعرفة الروح .
الجهاد فى الوحده مقابل الأفكار الردية
الجهاد مقابل الأفكار الردية في السكون ، يكون بهذا النوع :
من حيث أن يبـــدأ المتوحـــد بســــيرة العقــــــل ،
و بالحرب مع الآلام مدة من السنين كثيرة أو قليلة ،
فكل واحد على قدر حرصه و نشاطه وعمله ، يوماً بعد يوم و زماناً بعد زمان ،
كلمــــــــا يتقدم إلى قدام ، تكثر عليه الحروب إلى أن يبـــلغ نقـاوة القـلب .
و قبــــل مـــــــدة مـــــن وصــــــوله إلى النقــــــــــــــاوة ،
تشــتد عليه الحــروب أكثر من الأول و أصعب من العـــادة .
فـــــإن تجلَّد المتوحد و صبر في السكون دون أن يرتخي أو يمـلّ ،
حينئذ يبدأ أن يجــــد الراحة قليلاً قليلاً، و يُعان من النعمة دائمــاً ,
و في كل وقت تدنو منه الشياطين و تقاتل معه بمجاذباتهــــــا النجسـة ،
فحالما يدعو سيدنا لكي يعينه ،
يُطردون من أمامه سريعاً ،و عاجـــــــلاً بفعل الملاك القديس اللازق به ,
و ذلك بالغمز الإلهـــــي ، و يبقى عقله في هــــــــــدوء و ســــــــلام ،
إن خدم مزامير أو صـلاة ، أو قرأ في الكتب ، أو اهتـم بالله و بخــــيراته .
و بعـد مــــدة قليــلة لا يُســمح للشــياطين أن تدنـو منـــــه بمجــاذباتها كالأول ،
ما خلا بالقتال الظاهر الذي يكون باللمس و النظر ، لأجل عدم التألم الذي اقتنـاه .
لأن عدم التألم - كما قال الأب إشعياء - هو غير قابل للقتال ،
فقد أخذ إكليله و استراح من الهم و العناء .
و عدم التـألم هــــذا الـذي يعنيــــه الآبـــــــــاء ،
ليس هو ذاك التــام الكامــل الذي يكـــون بعــــد القيــــامة ،
بل هم يعنون صحة النفس من مرض الآلام و سقمها فيها .
و هذا إنمــا اسـتفدناه من الكــتب المقدســـة ،
و من أفواه أناس قديسين كاملــين و إلهـــيين .
ليؤهلنا الرب بكثرة رحمته أن نسـير في إثرهم ،
و لنكمــــل مثلهــــم في محبــــــــة اللـــــــه .
آمين .