الصفحات

الصفحات

الهدوء والسكون ـ الجرء الاول من ميامر مار اسحق ـ الميمر السابع الصلاة الطاهرة التي بلا طياشة .


 الميمر السابع
فصل يعرِّف بإيضاح ويفسِّر بإفصاح ,

 ما هى هيئة الصلاة الطاهرة التي بلا طياشة

  
في منازل تدبير السكون :
       
إن جميع عمل هذه السيرة المتحدة التي هى السكون تنحصر في ثلاث منازل: منزلة البداية ومنزلة الوسط ومنزلة الكمال.




المنزلة الاولى فى السكون


ويتبعها الخـــــوف و الحــــــزن و الكـــــــــــآبة 
   بسبب ذِكر ما تقدم من الإنسان (من الخطايا)،    
                 وخــوف ورعـب ممــا يوجَــب عليــه في الدينونة بالعدل.

 وهذا النوع الآخر ( هو ) 
 غرض و قصد المجـاذبات و العــزاءات المختلفــة 
التي بها يدنو إلى المواهب،
 بواسطة الطهارة التي يقتنيها من البكاء والندم.

 والتائب الحكيم،
    بدوام سكونه و نسكه التعب و هذيذه بخطــــاياه 
    التي تضغطه بالحزن وتؤلمه :
إذ أنه في العــادة يلــزق به ههنـــا بكــاء مـــرير،
إذا ما أكمــل هــذه المـنزلة بالأعمـال المتــواترة،
واختلاف أنواع التوبة بمعونة المسيح رجاء حياتنا،
و بـــدأ يمتــد إلى المنــزلة الثـــــــانية،
ينقلب غرض توبته إلى فرح بغير إرادته،
 إلا أنه يحترس ويخاف لئلا تكون ضلالة.

المنزلة الثانية فى السكون

+ و علامتها 
                أن يبدأ الرجاء يتحــــرك في الضمير بواسطة التوبة، 
              و يبـــــــــدأ أن يمــــــــتزج فيـــــــــه العـــــزاء قليـلاً، 
              و تتحرك فيه من وقت لآخر اهتمامات تفعــــل أفراحاً، 
              و ينظر نفسه أنه يقدر أن يجمع فكره من الطياشة بسهولة

 و هذا يكون إذا ما تداخل في المنزلة بالكمال 
 أنه يبدِّل هذيذ العادة بهذيذ آخر، له زِىّ من نوع آخر لا يشبهه، 
و أمــــور أخـــرى تحــل في العقـــل ليســت لهـــذه الطبيعــة 
و يبدأ أن يلاحــــظ الأفهـــام الســــرية المخفيـــة في المزامير، 
و فــــي القـــــراءة و في بقيـــــة الأفعــــــال المحســـــــوسة 
و تصور تاؤرية فلاحة عمله.

 و يبـــدأ الفـــرح يمـــتزج بعمــــل ســـــــيرته، 
إن كان بالصوم أو ألفاظ الخدمة و بقية أعماله.

و حالما يبدأ الصــــــلاة تنقبض الحـــواس من غير الإرادة، 
و تبتدئ الأفكار تجتمع لأنها أحسَّت بجو حَريٍّ (أي أفضل) 
متعال عن المجاهدات و الحروب

و يرى أن سفينة فكره تسير بنقــــاوة، 
بواســــــطة ترتـــــيب الصلاة والفضائل، 
و تقـــدم إلى الأمـــام يومـــاً بعد يــوم. 

هذه الأشياء مع أمور أخرى أعظم منها تلزق بهذه المنزلة الوسطى،
حتى يرتفع الإنســان بموهبــة رحمة المســيح إلى تدبير الســـيرة
 التي هى أعلى من الطبع (البشري).

+ طالما أنت في المنزلة الأولى: فأكــــثر مــن جميــــــع الأشـــــــياء، 
   داوم علــــى خدمة المزامير  و التلاوة الكثيرة   و القراءة في الكتب؛ 
   وأقرن بهـــــا الجوع الدائـــم، أنه هو الذي يطهِّر وينقى الجسد بحرارته.
                 لأن الجــــــــــــوع له كفــــاءة أكــــثر من جميـــع الأعمــــال 
                 أن يمنـــح غفــران الخطـــايا لأجـــل صعــــوباته المضغطــة، 
   لأنه هـــو قــوة التــوبة. 

و العادات القديمة 
                        التي إعتادت النفس أن تتجاوز بها الشريعة بسماجة
                        هي أيضاً تضعف بالجوع .

+ و عندما تدنو بالمعونة السماوية لهذه المنزلة الثانية،
   فحسب قول الآباء، تبتدئ أن تحس في ذاتك أنك قد و صلت إليها
   من العلامـــات التـــي رســـمناها آنفــــــاً،
  إذ تنظر في نفسك شيئاً فشيئاً تلك الأمور.

  عند ذلك :
              أنقص قليلاً من أعمـــــالك الأولى،
               ولكن لا تقطـــع أصـــول دوامهـــا،
              بل استبدل شيئاً منها بشيء آخر.
              فاثبت في الصلاة أكثر من المزامير،
              و لا يعني هـذا أن تبطـــل المزامير،
 بــل أن :
             تعطي موضعاً فسحة للصلاة أكثر من التلاوة.

  و في الخدمة أيضاً :
                          تعطي موضعاً و إمكانية للصـــلاة
                          مع باقي السواعى الأخــــــرى.

  فمن ههنــــا
                  سوف تنظر الدالة التي تنالها يوماً بعد يوم.
                  و يأخذ قلبـــك قوة و الأفكار و الآلام تضعف،
                  و يفرح ضميرك على الدوام بالسرور ؛ 
                  و ينشــــى ( أي يســــكر ) بالصلاة.
 و ترى نفسك
                   من وقت لآخر أنك قد صرت شيئاً آخر غير ما كنت أولاً،
                  بسبب الفــــرح الذي تنــــاله بمعــــــــونة النعمـــــــة،
                  و تحل عليك قوة إلهية إذا كنت في السكون و التحفظ.
المنزلة الثالثة فى السكون

 + إنه من حيث يبدأ الإنسان بتدبير سيرة الفكر، 
                                                           الذي هو الهذيذ بالإلهيات، 
 و إلى أن يصــل إلى تدبــــير السيرة الروحانية، 
                                                          الذي هو الدهـــــــش بالله، 
فهو أكثر من كل الأعمال مضطر للصلوات بتغصب، التي تكمل بالمطانيات،
 وأن لا يبطل من الصوم أبداً، 
و أن يأخذ من الغذاء على قدر ما يقوم به الجسد في عمل الصلاة هذا.

فإذا ما دنا واقترب من سيرة المنزلة الثالثة،وحظي بحدودها،
فإنه من ههنا يجد أن :
الأشياء التي كان يعملها بتغصب في هذا الموضــــع، 
أصبح الآن ينجذب إليها باضطرار الحلاوة في كل وقتٍ، 
و يتخلف عنه التغصب

و الذي يجذبه إلى هـذا بغير إرادته هو الدهــش حيث يوجـد على الدوام  
-  من أجل تنعمه بالأفهام - جاثياً على وجهه، بلا أفكار ولا حواس الصلاة،
 و بلا طياشة ولا هذيذ،بل يكون له إحساس بما هو هناك. 

ولا أعنى بذلك عن الدهش الكامل في طبيعة المسجود له سيد الكل، 
بل أن العقل يرتفع عن هذه الأمور السفلية, ويبقى في حس الدهش 
بســياسة تدابـــــير الله الممـــلوة إفـــرازات، والعــــــوالم والأجيـــــال.
 ويقع هذا في النفس، وبالأشياء التي تنفعل بها كل يوم وفي كل وقت، 
إن كان في الخفاء أو في الظاهر. 

لأنه متى تحرك العقل فــــي النعمــــة في الأمـــــور الروحـــــــــــــــانية،
فلأجل حلاوة المعرفة يتخلف من الهذيذ و الذكر وقتاً كثيراً وهو في دهش.

+ لقد شبَّه الآباء القدماء نفس المتــوحد بالعــــين، 
لأنهــــا كلمـــــا كـــانت هــــادئة مــن كـــل طـــنين الســـماع والنـــــظر، 
يستطيع المتوحد أن ينظر الله وذاته بصفاءو ينشل من ههنا مياهاً عذبة، 
التي هى أفكار التقانة (أي نقاوة التجديد المزمع)، 

أما إذا اقـــترب من الســماع و النــــــظر، 
فهو بسبب الاضطراب الذي تقبله نفسه، 
يشبه إنساناً يسير في الليل وقت انتشار السحب 
في الجو فلا ينظر أمامه طريقــاً و لا سبيلاً،
و بسهولة يتوه ويضل في بلاد قفرة مؤذية.

فإذا ما هدأ مع نفسه يكون كمن تهُبُّ له ريح حسنة، 
و تجعل الجو بهجاً فوق رأسه، و يبـــدأ أن ينير أمامه ،
 فينظر ذاته ويتمــيز كـــيف هــو ، وإلى أين ينبغي أن يمضى،
 و ينظر منزل الحياة من بعيد.

+ ولأن جيلنــا الردئ هذا يا إخوتي، لا يســاعدنا لكــي نجــــــد 
الهدوء بالتمام والسكون الحقيقي مثلما كان في الأجيال الأولى، 
فأي موضع نكون فيه، فلنجلس مع نفوسنا و لو كان ليــوم واحـدٍ، 
ليس في الدير فقط  ، بل وفي الطــريق وفـي أي موضــع كــــان، 
ولو لساعة واحدة . فقــد عــبر ذلك الزمــان الــذي كان يــتوافق؛ 
ولهذا لا تنتظر العدل والترتيب، بل يوماً بيوم نطلب أن نهـدأ قليلاً، 
ولو تحت سقيفة أو في خرابة. 

باختصار : كل موضع يقع بيدنا السكون
 فلنضبطــه حســناً بالانقبـــاض إلى نفوسـنا، إن كــــان يومــاً أو اثنــين؛
 لأن الحكماء هكذا يقتنون أنفسهم في هذه المدة القصيرة من حياتهم،
 لئلا يدركنا الموت بغتة، و ما نبلغ أملنا. 
وإن كان ثمة راهب فيه كفاءة لنعمة السكون هذه،
و حظي بها من الله، ويعترضه أحد من الأســــاقفة 
أو رؤسـاء المجــــامع ليمنعــــه مــــن الســــكون، 
تكون عليه دينونة ويعطي عنه الجواب قدام المسيح، 
ولربنا المجد دائماً أبدياً
 أمين.
كمل بسلام من الرب ما وجدناه
في الجزء الأول لمــار إسحاق،
و بقيته لا توجد إلا في بلاد السريان.

 الرب يغفر لنا خطايانا وخطايا الرهبان آمين.