الصفحات

الصفحات

في صبر الله على الخطاة ـ الفصل ( 10 ) من الكتاب الثالث ـ خواطر فيلسوف القديس اوغسطينوس



الفصل العاشر
في صبر الله على الخطاة
بقدر ما يجب عليك أن تتكل على رحمة الله ،
بقدر ذلـــــــــــــــــــــــــــــــــــك تخشي عدله .


لأن من افتـــــــداك برحمتــــه ،
         يدينـــــــك بعـــــــــدله .

وأن تَرَفَّــــــــــق بك ، أيهـــا الخاطئ المتمادي في غيّــه ،
فلا تعتبر موقفه هذا ، إهمالاً بــــــــل صـــــبر منه عليك .

لم يفقد قدرته إنما أبقـاك لــزمن توبـــة :
خفت عـــدله إن رغــبت في رحمتــــــه ؛
يُســـــــامح الآن إنمـــــا لن يصـــــــمت ،
                             وإن صـــــمت فإلي حين ،
                             ولن يصــــمت إلي الأبـد .

متى كلمك الرب في شريعته ، فأصــغ إليــه .
وإن شــــــــئت أن يترفق بك  ، يوم الـــدين :
اليـــــــــــــوم ، ينبهــــــــك بلــــــــــــــطف ،
أما بعدئـــــــذ ، فأنـــــــــــه يطالبــــك بعـدل ،
                  ويجازيــــك بحسب أعمالك .

الوقت الآن هو وقــــــت رحمـــــــة :
يدعو الخاطئ  ، ويغفر للتائب آثامه ،  ويصبر عليك حتى تتــــوب .
                   أياً كــان الوقـــــــت ، الـــــذي فيــــه تتــــــــــــوب ،
فأنــــــــــــــــــه يتنـــــاسى المـــــاضي و يعــــــــــــدك بالمســتقبل ،
نـــــــــــــــــراه يستـــــــــــــــــــــحثك إذا كنــــــــــــت كســــــــــولاً .
                                                ويؤاســــــــــــــــــيك إذا كنـــــــــــــت متضــــــايقا ،
                    و يعلمــــــــــــــــــــك اذا كنــــــــــــت متنبهـــــــــا ،
                    و ينصــــــــــــــــــرك إذا كنــــــــــــت مجــــــــاهداًَ ؛
                    ولا يتخـــلًًّى عنــــــك إذا كنــــــــــــت في شــــــــدة ،
                   وصرخــــــــــــــــــت  إلي الرب إلهك ليعطيك كفافك ،
                   فترفع إليه الذبائـــح ، إذا منحــــــــك ما به ترضيــه ؛
فــــــلا تــــــدع زمــن الرحمـــــــــة ، هذا الطــــــويل يمــرّ ويفــوتك .

لقــــــــــــــــد أعطيت زمناً للإصــــــــلاح .
ولكنــــــــــك آثــــــــــرت المهلة المعطاة ،
عـــــــــــــلى الإصـــــلاح عينـــــــــــــــه .

 إن كــــنت شريراً بالأمـــس ، فكن اليـــــــــــوم صــــــــــالحاً ،
وإن قضيت يومك في الإثــــم ، فغيّر ما أنت فيه غداً على الأقل .

إنــك لتنظــــر دائماً رحمة الله ، وتعد نفســـــــــــــــك بهــــــــا ،
كما لو وعدك بحيــــاةً أطــول ، يوم وعـــــــــــــــدك بالغفران .

وأنيّ لك أن تعرف ما يحمـــــــل لك الغــد ؟
ســــوف يكـــــون خــــــــــــزْيك مشـئوماً ،
         إن لـــــم تقبل الخزي ، اليـــــــوم ،
         حبـــــــاً بالخـــــــــــــــــــــــلاص .

إتضع فــوراً واطرح عنــــــــك الســبل المعوجة .
               واحتفظ لنفســـــك بالسبيل القـــويم .
لا أحد يحيا ولا واحد يخـــــزي ،
إلاّ وعـاش أولاً في الخــــــزي .

يمنحك الله في الوقت الحاضر سبيلاً إلي خزي خلاصي ،
            إن لم ترفــــــــض الاعــــــــــــــــتراف دواءً .

أمّا إذا لم تشأ أن تخزي الآن
          فسوف تخزي ساعة تسوقك آثامك أمام الديان
                  وتخزي حين تقول :
                           إليكـــــم من سخرتُ منهم وعيّرتهــــــم ،
                           لقد كنت في جهلي أعــتبر حياتهم جنوناً ،
                           فكيــف بهم يحصـــــــون مع أبنــــاء الله ؟
                                               وأي نفع لي مـــــــــــــــن كــــــــــبريائي ؟ .
قل الآن ما قد تقوله آنذاك تكن لك منه فائدة .
و قل للحال : " و أي نفع لي من كبريائي ؟ "

خـــــــــــــــــــــزيك ، الآن ،
وفي زمن التوبـــة ، لخـــلاصك .
أما بعدئذ فقد يكون متأخــــــــراً ،
                       عقيمـــــــــاً ،
                      لا فائدة منه .

استمسكْ باللـه في اعــــترافك ؛
ولا ترضَ بما لا يرضي عنــه .

حياتك الشـــــريرة لا ترضيـــــه ،
إن أنت رضيت بها انفصلت عنه ؛
وإن لم  ترضَ بهـا انضممتَ إليه بالإعــتراف .

أنظـــر كـــــــــــــم أنـــــــــــــــت مخالــــف له .
حين لا يرضــــــي عـــــــــــــــن تبايُن بينكما .

على صورة الله خلقت ؛
فشوَّهتَ فيك هذه الصورة وقضيتَ عليها بحيــاةً شريرة .
                                 وأصبحــــــــت مناقضـــاً لـــه .

إن نظرت إلي نفسك لم ترضَ بهــــــــــــا .
           ســــــــوف تستعيد الشــــبهَ به .
           حين تأنف من كل ما يأنف منه .
ومـــــتى أنفـــــــت من نفســـــــــــــــك .
           أتـــــــــاك الله راحمــــــــــــــاً ،
            ولو شاء أن يعــــــــــــــاقبك ،
                       فأنه يغفـــــــــــر لك .

إن ندمـــــتَ ندامةً صحيحة ، أصلحتَ نفسك بنفسك .
كن صارماً مع نفســـــــــك ، يــــكن الله لك رحيمـاً .
وإن عرفت إثمــــــــــــــــك غــــــــــفر لك .

تحولْ جهدك :
مهّد النتوءات بالمحراث ونقّ الحقل مــن الحجارة ،
                              واقتلـــــــع منــه الأشواك .

لا يكـــــن قلبك جــــافاً ، فتقع منـــه فوراً كلمة الله .
ولا يكن أرضاً خفيفة ، لا يدخلهــا جــذرُ المحبــة ،
ولا تخنــــــــــــــــــقْ   بهمــــوم العالم وشهواته ،
زرعـــــــاً صــــــالحاً  نــــــثرته فيــــك يـــــــداي .

ولا تَقُـــــــــــــــــلْ : خطئـــــــــــــــت وماذا أصـــــــــــــــــابني ؟
                      ما فقد الله قدرته ؛ ولكنه يطلب منك أن تتوب .