الصفحات

الصفحات

في أعمال التوبة ـ الفصل ( 12 ) من الكتاب الثالث ـ خواطر فيلسوف القديس اوغسطينوس


الفصل الثاني عشر
في أعمال التوبة
يتغذى العقل بالمطـــــــالعة .
في الجسم الذي يصـــــوم ، وينتعش الإنسان الباطني بفضل هذا الـــدواء ،
ويصبــــح قــادراً عـــلى أن يتحمّـل برجـولة صــوم الإنســان الخارجي .


ويحسن بك أنت أيها الغيور :

الــــــــذي يحمــــــــــــل في جســدك موت السيد المصلوب :

أن تكونّ لنفسك صليباً من قهــــــــــــرك لملذات الجســــد .

بيـــــد أن هذا الصليب الذي لم يخجــــــل منه الرســــــول  ،
بل فاخر به قائلاً :
( حاشا لي أن أفـــــــاخر إلاّ بصليب يسوع المسيح ،
  الذي به صلب لي العــالم ؛ وأنا صُـــــلْبتُ للعالم  )
                                                   " غلاطية14:6 ".
وليــــس لأربعــــين يومـــاً بل للحياة بأسرها .

صـــــــــمْ الصــــوم الكبـــير واحـــــــــــــــــذر في الباقي من السنة ،
مــــــن أن يــرزح قلبـــــك : تحت وطأة السكر و الإفراط في الحياة ،
                                  ولا تتلطخ بالـزنى و الدعـــــــــــــــارة ،
                                 ولا تـــأت المنكـــر .

أمَّا في الصـــــوم : فتــنزه عــن الأعمــــــــــــــــال المســموح بهـــــــا ،            
وأصرف بالصلاة : الوقت الذي قد لا يكون لك من استعماله كبير فائدة  .

وجســــــــــــدك  : الذي استسلم إلي العواطف اللحمية ،
                      أجعله يخرّ ســاجداً في صلوات بارة .
ويـــــــــــــداك  : المتشابكتـــــان في عناقـات مقبـولة .
                      تنبســــــــــطان في تضـرع إلـي الله .

وإن شــــــــمل : صـــــــــــــــومُك باقي أيام الســنة ،
                     فــــــزدْ توبةً في الصــــوم الكبـــير .

وإن صلبت جسدك في تلك الأيـــام من الســــــنة بالتعــــــــفف المستمر ،
                      فأستمسك بإلهك من صمــــــيم فـــــــــؤادك والزمـــهُ .

وعلينا جميعـــــاً نحـــن الذيــــن ثبتنـا على العهـد ، في سفرنا ، مخلصين ،
                    إن نتوق شوقاً إلي الوطن الواحد بدافــــــع من المحبـــة .

إن لم تَـنَـــــلْ هبــــة الله فلا تَغَــــرْ ممـن نالهــا ولا تهــــزأ بـــــه .

وأعـتبــــــــــر خيراً لــك ما تحب في أخيك مـن الخيرات الروحية ،
                  كما عليه إن يعــــتبر له الخـــير الذي يحبـــه فيك .

إيـــــــــــــاك أن تســـــعى تظاهراً بالزهد ،
               وإن تعـــــدل في ملـــــــذاتك ، بــــــدلاً من أن تسـتأصلها ،
كــــــــــــأن تمتنـــــع عن أكل اللحـــــوم ، وتتنـــــاول الأطعمة النادرة ،
               فتتنــــــــــــعم بهــــــــــــــــا ، تحت ســتار قهـــــر الجسـد .

والحـــــــقّ ، أن كــــــــــــل طعــــام نـــــقي ، لمـــــــن كـــــــان نقيـــــاً ،
إنمــــــــــــا ، اللذة الحسية التي تشبعها فيه . ما كانت يومــــــاً نقيــــــة .

أضــــــــفْ إلي صــــدقاتك ما تُحــــــرم نفســـــك منـــه في الصـــــــــــــــوم .
وأضـــــفْ إلي صـــــلواتك التي بها يسهل على صـومك أن يسكّن غضب الله ،
الصـــــدقة التي هـــــــــــي بمثــــــــــابة جنــــــــــــــــاح للتقــــــــــــــــــوى.

وأختــــــبرْ كــــــم يجــــــب عليـــــــــــــــــك أن تتبـاعد عن :
             ســلب الآخــرين أموالهم ساعة تشعر بأنك تغشّ .
             بحيث لا تتصدق على البائــــــس بما يفضـل عنك .
قال السيد : ( أعطــــوا تُعطــــوا أغفـــــروا يغفـــر لكـــم )
                                              " لوقا37:6-38 " .

قم بهاتين الصدقتين عطـــــــــــــــــاءً وغفـــــــــــــراناً .
                         بكل نشــــــــــاط ومحبــــــــــــــــة ،
يا من يرفع الصلوات استعطاءً للخير واستبعاداً للعقاب .

                   إنْ كان المزارع الذي يطلب الحصاد من مكان ، لم يُلقْ فيــه بـــذاراً ، يُعَــدّ وقحـــاً ،
فمــــا أعظـــــــــم وقاحة الغــني الذي يستجدي عطـــــــايا الله ، ويرفــض اســتجابة ســؤال الفقير؟

من لم يشعر بالجوع يريـــد أن يتغذى من الفقير ،
فــــلا تحتـــــــــــقر في الفقير إلهـــــك معــوزاً ،
حـــتى إذا ما صرت في عـــوز كفــــاك الغــــني .

لديك فقراء . وأنت فقير أيضاً .
أعْط تأخــذْ . أجـل أعــــــــــط .
ومقابـــــــل هــــذا العــــــطاء الزهيد المنظور والأرضي ،
ماذا تنتظر ؟
( ما لم تره عين ولم تسمع به أذن ولا خطر على قلب بشر ) " 1 كو9:2 ".

أدخرْ للسماء ما تحُرمُ منه نفسك عائشاً في مزيد من التقـــتير .
وليأخــــــــذ المســيح الجــــــائع ما حرمتَ نفَسـك في الصـوم .

إنَّ الحرمان الاختياري غــــــــذاء المحتاج  .
والمسكنة الاختياريـــة للعائش في بحبوحة . بحبوحـــــــــــــــة لازمة للمسكين .
على النفـــــــــــــــــس الهادئة الوضيـــــعة أن تتسلح بالرفق في سهولة الصفح .

أطلب الصفح إن أتيت شـــراً ، لئـــــــــــــلا يستعبدك إبليس ،
                الذي ينتصـــــر في تنـــــــابذ المســــــــيحيين .

في الصــدقة التي بهــــــــــــــــــا تترك لأخيـــك دينه .
لكــــــــــــــي يترك لك الرب دينك ، منفعة لك كبيرة .

لقد أوصـــي المعـــلّم الإلـــــــهي تــــــــــلاميذه
بهــذا العمـل الصالح  المــزدوج قــــــــــــــائـلاً :
أغفــــــــروا يغفــر لكـــــــم  ، وأعطـوا تعطوا .

تــــذكرَّ : ذلك العبـد الذي ترك له ســـيده دينـــه كـــلّه .
وأبي هو أن يرحم رفيقاً له استدان منه مائــــــه دينار،
           برغم أن دائنه قد تـــــرك لــــه عشـــرة آلاف .
لا عذر له البتة في الامتنــــــاع عن هذا العمل الصالح .
حيــــــث الإرادة وحــدها تعطي القـــدرة على العمـــــل .

بامكانك أن تقول :
لا أســــتطيع أن أصـــــــــــــوم لألــــــــم في معـدتي ،
أو أريــــــــد أن أعطي الفقراء إنما لست أملك شيئاً ،
أو مهمــــــــــا يكن زهيـــــــداً ما سـوف أعطيــــــه ،
فإني أخشي إن أصــــــــــاب بالعــــــــوز بســــببه .

                  وبرغم إنك تعـــــــطي في أغلب الأحيان ،
                  أعذاراً على هذه الأعمـال ، كاذبــــــــــة ،
                 لأنـــــــــك لا تجد لهــــــــا أعذاراً حقيقة .

فلا يمكنك أن تقول :
أني لــــــن أصــفح عمّـــن يتوسل إليّ ،
لأن صحتي لا تســــمح لي بــــــــذلك ،
أو لأن ليس لي يد أمّــدها إليــــــــــه .

أغفر يغفر لك ،
ولا حاجة لك هنــــــــــــا إلى أي شيء مادي ،
ولست تحتاج إلي عضــــــــــــو في جسدك ،
إتمامـــــــــاً لما تسأل . قــمْ به ولا تخـــفْ ،
                          أعــــــط وكن مطمئناً .

فـــــــــــلن تتــألم منه في جسدك ولن يشـحّ رزقك في بيتك .
لاحظْ الآن الشرّ الذي تعمله حين لا تغــــــفر لأخيك التائب .

وقـــــــــد طــــلُبَ منك أن تشــــــــــمل محبتـك عدّوك وتـــــــــــــأمل :
إن كـــان يحــــق لـــك أن تترك الأمور على حالهـــــا مع أنه قد كتب :
( لا تغرب الشــــــــمس على غضبكم ) " أفسس 26:4 ".

وتأملْ إن كان يحـــق لك أن تدْعي مسيحياً ، مع أنك تصـــــــــوم ،