الصفحات

الصفحات

في القديسة مريم المجدلية ـ الفصل ( 17 ) من الكتاب الثالث ـ خواطر فيلسوف القديس اوغسطينوس


الفصل السابع عشر
في القديسة مريم  المجدلية
إنه لمن المحتم أن ينال كل إثم ، ثقيلاً كان أم ضعيفاً ، عقـــــــــــــابه منك أنت ،
                                       يا من تندم عليـــه ، أو من الله الذي ينتقم منه .


مـــــــتى ندمت عليه قاصصت نفسك بنفسك ،

عـــــاقب خطـــــاياك إذا ســـألت الله رحمـــــةً ؛

وبكلمة ، فأمـــــــــا أن تعـــاقب أنت وأمّا هو ،

إن شئت أن تتجنب عقـــــــــابه فعاقب نفسك .

إنما الكثيرون لا يخجلون من خطاياهم .
                بل يخجلون من التوبــــة
يا للحــماقة أنت لا تخجل من الجـــرح بل من ضمادته .
أليس الجرح المكشوف مدعاة للتقزز والنتانة ؟ أفزع إذا إلي الطـــبيب .
       كان الأفضل لك أن تسمع كلمة الطــــبيب يوم كنت ذا صحة جيدة لئلا تحتاج إلي عنايته .

وكان الأفضـــــــل لك أن تحافظ دوماً على عافيتــــــك ،
      أحتقـــــــــــرت مشورة الطبيب وأفرطت بصحتك فوقعت من جراء ذلك في مـــــــــــرض .
أصغ أقــــــــــلَّه الآن إلـــــــــــــــــي إرشادات الطبيب لتتمكــــــــــن من النهوض من خطيئتك .

أطلب الطبيب ولا تخجــــل ، كلما ـــــــكان جرح قلبـــك بليغـــاً ،
                                   كلما وجب عليك أن تطلب الطبيب .

اللــــــــــــــه يكسو جرحــك فــــلا تســـــــــــــع إلي أن تكسوه ،  
لأنـــــــــــــك إن شـــــــــئت أن تخبئة خجـــــلاً أهمله الطــبيب .

الطــبيب يغطي الجرح ويعني به ،
بالدواء يغطي الجرح .والجـــرح يـــــبرأ  فــــي كنف الطــــبيب .
        وعمّن تريــــد أن تخــفي جرحك ؟ عمَّن يعرف كل شــيء ؟

        إن الفريسيين الذين ظنوا أنفسهم أبراراً تذمروا على الرب
        الذي كــــــان يعايـــــش المرضي متعهداً شــــــــــــــفاءهم فقالوا :
                        أنظـــــــــــــــــــروه يؤكـل العشارين والخطاة .

 فأجـــــــاب الطـــــبيب المـــــرضي :
( ا لأصحّـــاء لا يحتاجون إلي طــــبيب بل المــــرضي ،
 أنا ما جئت لأدعو الصــــــــــــــديقين بل الخــــــطاة ) .
وهذا يعني إنكــــم ، وإن كنتم خطــــاة ، تدَّعون البرارة وحســـــــــن الصحـــة .
ومع أنكم مرضي ، فإنكــــــــــــــــــــــم ترفضون العلاج ولا تحتفظون بصحتكم .

إن الفريسي الذي دعا الرب إلي مائدته ، كان يظن نفسه ســــــــليماًَ معـــــافى ،
بخــــــــلاف تلك المــــرأة المريضــــة التي دخلت البيت بلا دعـــــــــــــــــــوة إلي حيث يسوع .

بــــــــــــل ، حملها شوقها للخلاص ،
             إلي هذا النــــــــــــــــوع مــــــن الوقـــــــاية ،
فـــــــــــلم تدنُ من الـــــــــــــــرأس ولا من يدي الــرب ،
            بل انطرحت على قدميه وغسلتهما بدموعها ، ونشفتها بشعرها ،
                                          وقبلتهمــــــــــــــــــا ودهنتهما بالـــطيب على قدميْ الرب ،
اســتعادت الخاطئــــــة الســـــــلام .
والفريسي المتكئ إلي المـــــــائدة ظنَّ نفسه فتذمر على الطبيب قائــــــــــــــــــــــلاً :
             لو كان هذا نبيــــــــــاً لعلم حقــــاً منْ هي هذه المرأة التي لمست قدميه .

شكّ في الرب ، ظناً منه ، أنه لم يعرفها ولم يصدّها عنه كيلا تلمسه ،
بيدين أثيمتين ، بيــد أن يسوع المسيح العالم بكل شيء رضــــي بأن تلمسه لمساً به تشفي .

وإذ أدرك الرب أفكار الفريسي أعــــــــــــطاه هذا المثــــــل :
( كان لمـــداين مدينــــــــــــان على أحدهمــا خمسماية دينار وعــــلى الآخــر خمســــــون .
ولم يكــــــــــن بوســــعهما أن يقضيا دينهما فأعفاهم جميعاً فأيهمــا يكــــون أكثر حباً له ؟. )
               فأجابه الفريسي : ( ذاك الــذي أعفاه من الأكثر ، على ما أظن ) .

ثم التفت إلي المرأة وقال لسمعان :
( أتـــــــــــــــــــري هـــــــــــــذه المـــــــــــــــــــرأة ؟
أني دخـــلت بيتـــك فما ســكبت على قـــدمي مــــاء .
وأما هي فبالدموع بلتَّ قـــدمي و بشعرها مسحتهما .


أنـــــــت  ما قبــــــــــلتني قبــــــــــــــــــــــلة ، وأمّا هي  فلم تكفّ منذ دخلت عن تقبيل قدمي .

أنـــــــت  مـــــــا دهـــنت رأســـــي بزيـــــت ، وأمّا هي  فبالطـــــــــــــــــيب دهـــنت قــــدمي ،
أقولُ لك : غفــــرت لهــا خطـــاياها الكثيرة ،
           لأنهـــا أحـــــــــبت كثـــــــــــــيراً .  وأما الذي يغفر له القليل ، فأنه يحب قليــــــلاً  ).             

وهذا يعني إن مرضــك أشـــــــــــــــد من مرضها ،
تظـــــــــن نفســــــــك في صحـــــــة جيــــــــــــدة ،
وأنــــــــك بحاجــــــة إلي اســـتغفار القليــــــــــل ،
مـــــع أن ديونك كثيرة أيها الفريسي المزدري.

ضافك الرب فأطعمتــــــــــــه وما دريت بأنك محتاج إلي طعامه ،
              وكيـــــف عرفت بأن الـــرب كان يجهل تلك المرأة ؟
             الا أنه سمح لها بأن تلمســـــــه وتقبـــــل قدميـــه ،
                               وتنشــــــــــفهما وتدهنهما بالطيب ؟

أنت تظن بأنــــه ما كان يجب أن يسمح لامــــرأة خاطئــــة ،
            بـــــأن تعمـــــل هــــــــــــــــذا بقدمـين طــاهرتين ،
ولــــو أن امــرأة كهـــــذه دنت من قدمي ذلك الفـــــــريسي
لكــــــان قال لها ما قـــاله أشـــــــــــعياء لمثيـــــــــــلاتها :
                   ( قفي عنـــدك ولا تـــدني فــإني نــــــقي )
                                                  " أشعيا 5:65 ".

لقــــــــد دنـــــــت من الرب مدنسه لتعـــــود منقــــــــــــاة ،
        وتقدمــــت منـــــــه مريضة لتعــــــود معافـــــــــاة ،
       واقــــــــــــــــــتربت تائبــــة لتعــــــود مغفـوراً لهـا .

إذا اطمأن قلبك إلي الإثم الكبير الـــــــــذي ســـوف يخلّصك الرب منه بنعمــــــــــة ،
                  عليــــــــــــك أن تتنقى في الكنيسة وكأنك موصـــــوم بوصمة العار .

آمـــــــــــن وأدن من قدمي الرب وابحث عنهما وأعترف باكياً فوقهما وأمسحهما بشعرك .
                                        قدما الـــــرب هما كل مبشر بالإنجيل وشـــــــعر المــــــرأة خيور نافلة .

إمسحْ بشعرك وأمسح صانعاً رحمة وإذ تمسح قدمي الرب بهذا الشكل ،
                                             قبلهمـــا وخذ السلام لتنال المحبة .

لا تخجل . أندم ، القــــلب التـــــائب ينــــــــال شـــــــفاء ؛
                    والقلب المســـتكبر ينبـــــــــــــــــــــــذ .
الــــرب يشـــفي ذوي القــــــــــلوب المنسحقة الوضيعة ،
الــــــــــــــــذين يعترفون بخطاياهم ويعاقبون أنفســــهم
مصدرين بحقها حكمـــــــــاً صارماً اختباراً لرحمــة الله .

وبالتـــــــــالي فإنك سوف تشفي بقلب منسحق ، تائب ، لا تخجــــــــــــــل ،
اســحق قلبك لأنَّ الله يشفي أمثال هـــــــــــــــــــــــؤلاء المنسحقى القلوب .

عُدْ إلي دواء الرب ، فإنه سوف يقودك ويجبر كسرك ويحقق لك شفاءً تــــام ،
                      وما هــــــــو مســــتحيل اليـــــــوم ســيصير ممكناً لك غداً .

من المستحســـن أن : تعترف بضعفك متى دنوت من الالوهة ،                
إن لم تشأ أن تتضع ، معترفاً بإثمك ،
                          فسوف تنسحق تحت يد الله ،
                         لا تخف ذاتــــك فالله يخفيـك .

ألـــــق بنفسك في يــــــد الله ، ولا تخــــف ، فلن يبتعد عنك ولن يدعك تقع ،                                  
ألـــــق بنفسك فيــــــــــــــــــه مطمئنـــــاً  ، فيقبـــــــــــلك ويشـــــــــــفيك .