الصفحات

الصفحات

في انه يجب على النفس أن تصغي إلي كلام الله ـ الفصل ( 1 ) من الكتاب الثاني ـ خواطر فيلسوف القديس اوغسطينوس


الكتـــاب الثـــاني
الفصل الأول
 في انه يجب على النفس أن تصغي إلي كلام الله
اسمع صوت الرب :

          ( من يحبني يحفظ كلمتي وأبي يحبه

             و إليه نأتي وعنده نجعل مقامنا )
                                   " يو 23:14 "
شيدّ في قلبك و ابن مـــــــنزلاً ،
فيــــــــــــأتي المســــيح إليه ،
و يعلّمـــــــك و يتحــدث إليك .

حــين أظهـــر المسـيح مسـكنه لتلاميـذه ،
       جـــــاءه اثنان و أقـامــا معــــــه .
فيــــــا له مـــن نهــار سـعيد !
و يا لهــا مـــن ليــــلة سـعيدة قضـوها معــاً !
و مـــــن ينبئك بمــــا أخـــــذاه عــــن الرب ؟

أطلب السلام يحدثْك هو من الداخـــل حيـث لا أحـد ســــــــــــــــــواه .
أطلب السلام يدخل المسيح إلي قلبك فلــــن يعود يعطش في عزلتـه ،
              و لــن تعـــوزه الينابيـع الـــتي يشـــــــــرب منهـــــــــا .

حيــــث لا تجد وحيه و عذوبة نعمته فعبثاً تدويّ كلماته من الخارج .
الكلمات التي أسمعها في الخارج أشبه برعاية المزارع للشـــــجرة ؛
          يحوطهــــــا بهــــا مـن الخـــارج ، ليســـقيها و يشـــــذّبها ،
و أياً كانت تلك الرعاية ،
فهــل هو الذي يكّون فيها الثمر و يكسو عريها بظــل أوراقهـــا ؟
أيعمل ما يعمل لينميها من الداخل ؟
أصغ إلي الرسـول و أنظــر إليّ وأصــغ إلي المعلــم الباطــني :
( أنا غرســـت و ابلّــوس ســقي لكــن الله هـــو الــذي أنمــي
فليس الغارس إذن بشيء و لا الساقي بل المنمي وهــو الله ) .
                                                     "1كو6:3 ،7 "
إليك ما أقول :
أغرست أنا أم سقيت بكـــلامي ، فلســــتُ بشـــــيء .
بل الله الذي ينمي بعذوبة منه يفُقّهـــك في كل شيء .
أنا أتكلم ، لكن الله يعلّم ، و أنا أتكلم ، لكن الله يفقّهـه .

ليــس سعيداً الإنسان الذي يتعلم من إنســان ؛
                          بـــل من علَّمه الـــرب ،
                         و في شــــريعته يفقّــه .
أنا أزرع و أســـقي و عـــلى الله أن ينمـــــــى .
الـــزارع و الساقي فــي الخـــــارج يعمــلان ؛
أما الــذي ينُمـــــي فمن الداخــــــل يعمــــــل .

لا تقل : أين هــــي وفرة عــــــــــــذوبة اللـــــــــــه ؟
        و أنيّ لـــي أن أظهر لك وفـــرة عذوبتــــــه ،
        و قد فقــدت حاسـة الذوق في حــــمىّ الإثــم ،
        إن لـــــــــم تعــــرف العسـل و لــم تذقـــــــه ،
        فلا تستطيع أن تشـــــــــيد بحــــــــــــــلاوته .

إن لـــم تكــــــــــن حاسةُ قلبك
مستعدة لأن تتذوقَّ عذوبةَ الله فما العمـــل ؟
و كيف أظهرها لك ؟ و لستَ ممنّ يقال لهم  :
{ ذوقــــوا وانظــــروا ما أطــــيب الــرب }
                            " مزمور 9:33 "
إن ســمعتَ و لم تفهمْ ما يقال لك فـــلا يتحــدث الرب إليــك من الداخــل .
يتحـدَّث اللهُ إلي الذين يقدّمون له محلاً و لا يتركون للشيطان محلاً آخـر .

يريدُ الشيطان أن يسكن قلوب البــــــــــــــــــشر ،
              و أن يُســرّ إليهم بكل ما يغريهـــــم .
                إن تركت للشيطان محــــــــــــــلاً ،
                فلا تفهــم حديــــث الله إليـــــــــك ،
                و عقـــلك غــــــــــائب عـنــــــــه .

الله يكلّمـــــك بحســــــب الـــــــــــروح ،
و أنت تسمع بحســــــب الجســــــــــــد .

إن موضـــــــــــوع حديــث الله إليـــك  لا يـــلائم فيــــك :
حاسةُ الســــــــمع و النظر و الشـــم و الذوق و الحس .
وحدهُ العقل يدركه و يتمثَّله .
و إن كان عقـــــلك غائبـــــاً ،
فكيف تفهم حديث الله إليك ؟

الله يحدثك عن مواهبه ؛
و أنت تفكّــر جســـدياً ، و تعطـــش جســدياً ؛
و عقـــــــلك غــــــائب .
أتقـــــــــــفل قلبـــــــــك و تشـــــكو المفتـاح ؟

آخـــرُّ يشغل قلبك ، و هو خصم المسـيح ،
                     الذي أعطيته فيه محلاً .
بابـــل تحمـــــــــلك و تلفّـــــك و تغذيــــك و تتحدَّث إليــك ؛
أنـــت لا تمُســــــك إلا بمــــــا يلمـــــــــع إلي حـــــــــــين ؛
ولا تتأمل في الأشياء الأزلية ؛
ولا تفهم الروحيـــــــــــــــــة .

أيهـــا الإنســــان المليء بالشــــهوات الشريرة ،
كيــف تــــــــدرك قيمــة أورشــليم الســــماوية ؟

يجب أن تُفــرغَ ذاتك ممَّا يملأها لتملأها ممَّا ليس فيك .
عُــدْ إلي قلبــك  و طهّره تجـــد المسيحَ يحــــــــــدثّك .

أنا أصرخُ  لكنه يعلّــم ،  بصمتــهَ ، أكــثر .
أنا أتكلـم بنبـــــــــــــرة كلامـــــــــــــــــي ؛
أما هـــو فيكلمك من الداخل بخوف الكلام .
و يزرع كلمــاتي في قلبــــــــــــــــــــــــك .