الصفحات

الصفحات

في حسن إستعمال الثروات ـ الفصل ( 3 ) من الكتاب الخامس ـ خواطر فيلسوف القديس اوغسطينوس


الفصل الثالث
في حسن إستعمال الثروات

و مع أن الرب :

قـــــاض عادل يشـــــجب البخـــــــل في كل آن و مكان ،
فأنــــــــــــــه يبيــــن لنــــا نظـــــير معلّــــــم حقيقــــي ،
كيـــــــــــــف ينبغي لنا أن نسـتعمل ثــــــروات الأرض .

كن يقظـــــــاً فـــــــــــــي اســــــتعمال ثـــــــــــــرواتك ،
لئــــــــــــــلا تبقي عطية الله لك بــلا فائدة بين يـــديك ،
هل عنــــدك ذهـــب و فضة ؟
إن أحسنت التصرف بهمــا كانـــــا لك خـــــــــــــــيراً .
و إن كنــت شـــــــــــــــريراً فستسيء التصرف بهما .

الذهب و الفضة هما شــــرّ للأشــــــــــــــــــــرار ،
                     و خــــير للأبـــــــــــــــــــــــرار .
لا لأن الذهــب والفضـــة يجعلان النـــاس أبراراً ،
بل لأن النـاس الأبـــــــرار يستعملونهــــا للخـير .

هل تشتهي المجد ؟ خـير هــــــــــــو شرط أن تحســن التصرف به .
كــــم من النــــاس كان المجــــــــــد ســــبباً لخـــــــــــــــــــــرابهم ؟
و كم من النــاس أفادوا من المجـــد قيامــــاً بصــالح الأعمــــــــال ؟

كــــــــــن شجرة صالحة . لا تفــكر بأن تحمل ثماراً صـــالحة .
إن بقيت شجرة عاطلة ، لــــــــن تــــــــأتي الثمـرة الصالحة ،
                              إلاّ مــــــــــــــــــن الشجرة الصالحة .

غير قلبك يتغير عملك ، أســــــتأصل الشهوة ،
                             وأغـــــرس المحبــة .

وكما أن الشـــــــهوة هي أصل الشــــــرور كلها ،
هكــــــذا فالمحبـــــــة هي أصل الخـــيرات كلها .

آه ! لو تعـرف ما هــــو الخــــــــــــــير !
    بسيط هو ما تـــريد الحصول عليه ،
   أمــــــــــا ما لا تريد أن تكـــــــــون ،
    فــــــذاك هــــــــــو الخير الحقيقي .

وجّه عينيك إلي نفســـك ، و تعلّم أن تعــرف ذاتك بالتمام .
ناقش نفسك و أمتحنهــا ، و أبحــث عنهــــا وجــــــــدها ،
و أهدم فيها ما لا يليــق ، و أزرع محــــــــله ما يليـــــق .

إن وجدت خالياً من الأعمال الصــــالحة ،
فكيـــــف تتـــوالي الخيرات الخارجية ؟

و أي نفع لضمير فارغ مـــن صندوق ملئ بالثروات ؟
و أي نفع لــك ممــــــــــــــا فــي حــــــــــــــــــوزتك .
حـــــــين لا تملك ذاك الذي أعطـــــاك كل شــــــيء ؟

لا تضع رجاءك في الــــــثروات الزائــلة ، بل في اللــــــــه ،
                  الذي يوفر لك كل شـــــيء بكثرة لتتمتع به .
                  الزمنية منها للإســــتعمال والأبدية للتمتع .

لو تأملت بحكمة قلق الـــثروات ، لمــــا أســـــــــــــــــــــــــــــــتكبرت ،
                                        بـــــــل لأستولي عليك خوف مستمر .
وكلما زدت غني كلما زدت قلقاً ، لا على هـــــذه الحيـــــاة وحســـــب ،
                                        بل على الحيــاة الأخـــرى أيضـــــــاً .

وفي الواقـــع :
فقراء كثيرون كانــــــوا أكثر طمأنينـة وســــــــط مشــــــاكل العــــــــــــــالم .
وكثـــــــيرون اشتهروا ولوحقـــــــوا بســـــــبب ما جمعـــوا من ثـــــــروات ،
وآخــــــــرون تذمـــروا لأنهــــــــــم لم يستطيعوا الإبقاء على ما وصل إليهم .



و كثيرون أسفوا لرفضــــــــهم مشورة ســيدهم القائل :
( لا تكنزوا لكم عــــلى الأرض كنــــــــــــــــوزاً ،
 حــــــــــــــيث يرعى السوس و العــــــــــــــث ،
ويثقــــــــــــب اللصـــــــــوص فيســــــــــرقون .
بـــــــــــــــل أكنزوا لأنفســكم كنوزاً في السماء )
                                           " متى20،19:6 ".


كثيرون رفضوا مشورته فحـزنـــــوا لأنهم لـــم يطيعـــــــوا ،

                              ولم يخســـــــروا خيراتهم وحسب ،
                              بل خســـــــــــروا نفوسهم بسببها .

إليك رأيـــي في الثروات التي تبـــغي الحصـــول عليهــــــــــا ،
             إن كنــــــــت تحبهـــــــــا فــــــــلا تخســــــــــــرها ؛
              و إن كـــنت تحبهـــــــــا ها هنا فسوف تهلك معك .

أرسلها قبلك حيــث يجــــب عليـك أن تذهــــب ،
               مخافة أن تخسرها ، حياً أو ميتــاً ،
               حبــــاً بهـــــــــــــــا فوق الأرض .

لقد أعطيتك ، منــــــــــــــــذ الآن ،  رأيـــــــــــــــي ،
وأنا لم أقل ، أخســــــر بل أحفظ  . أتريد أن تجمع ؟
حســـــــن ، أنا لا أقول لا تجمـــــــع بل أين تجمع ؟
خـــــــذني مسـتتشاراً ولا تعتــــبرني خـــــــــــائناً .

أعط الله باطمئنان ،
وألـق بنفســـــــك بين يدي من يحتفـــــظ لك بخيرك في السماء ،
لأنـــه هـــو ذاتــه يرعــاك فوق هذه الأرض طــالما أنت حــيّ .

أتريد أن تحتفظ بثروتك ؟ دبرهـــــــــا كمـــــــــــــا تريـــــــــــــد ،
إن وجـــــــــــــــــدت لها حارساً أفضل من المسيح فسـلّمه إياها .

أنفض عنــك كســـــــلك وأقبل مشورتي ، أعط المسيح الجائع وأكنز للسـماء .
أصنع ميثاقاً ! قد تخشي أن تخدع و تسلب وتبحـــــــث عمًّـــن يحمل رسالتك .

المسيح هو معـــــــك :
لكــــي يأخذ مالــــــك  ، و يحفظه لــــــــــــــــــــــــــك ،
لــــــن يخـــــــــــــونك ،  بــــــــل سيحمل كنزك بأمانه ،
لســتُ أقــول لـــــــــك ، أعــــــط كـــــل مــــــــــــــا لك ،
أحتفظ لنفسك بكفافهـا ، و أحتفظ لها بأكثر من كفافهـا .

أعــط جــــزءاً مما لك ، وأي جزء ؟ العـــــــــــــشر؟
  ..  الكتبة والفريسيون يعطــــون عشـر أموالهـــم ؛
إخجل ؛
لان الذين لم يسفك المسيح دمـــه فى ســــــــــبيلهم ،
           قـد اعطـــــوا العــشر .

الكتبة والفريسـيون يعطـــــــون عشـــــــــــر اموالهــــــــــــــــم ،  
وأنـــــــــــــــــــــت تدًّعي الكرم حين تعطي الفقير كســرة خــبز ،
                        قــــــــــــد لا توازي جزءًا من ألف مما لك ؟

ومع ذلك ، فلست أوبخك أعمـــل هـــذا على الأقــل ،
بيـــــــــد ، أني لســــــــت أسـكت عمّـــا قاله الــربّ .

( إن لم يزد برّكم على الكتبة والفريسين ،
 فلن تدخلـــــوا ملكــــــوت الســــموات )
                               " متى 20:5 ".

هو لا يمالق { أنه الطبيب الذي يدخل إلي الصميم } .
ســــــل ذاتك وأنظــــر إلي أعمـــــــــالك ، وإلــى إمكاناتــــــــــــــــــــك ،
أنظــــــر إلي ما تعطي و إلي ما تعـطــي ، وإلــى ما تبــــقي لنفســـــــك ،
أنظـــــر إلي ما تنفقة على عمل الرحمة ، وإلــى ما تحتفــظ به لذاتـــك ؟
أشرك قريبك بما لك ، وأعطه بســهوله ، وأكنز لنفسك كنزاً للمستقبل ،
                                                   بلوغاً إلي الحيـــــاة الأبديــة .