الصفحات

الصفحات

في طريق السعادة الحقة ـ الفصل ( 5 ) من الكتاب الأول ـ خواطر فيلسوف القديس اوغسطينوس


الفصل الخامس
في طريق السعادة الحقة

لا ريب في إنك تريد أن تعيش سعيداً ،
من من إنسان ألا  ويسلَّم بهذا الــــرأي قبل الأعراب عنه تماماً .
لكنــــــــــــك ، لــن تكـــــون ســـعيداً ، على مـــــــــــــا أري ....


ثلاثة لا تجعلك سعيداً ... إن لم تحصـــــــل عــلى ما تحــــــبّ أيا كان .

و لن تكون ســـــعيداً     إذا نلت ما تحـــب وكان هذا المحبوب مضراً ،
                            وإذا لم تحبَّ ما لك وأن كان ممتــــــــــــــــازاً .

عذاب و ضلال و مرض
   إن رغبت فــــــــي ما ليست لك قدرة عليــه ، تعذّبت ؛
و إن نـــــلت مــــــــا لا يجوز لك أن تسعي إليه ، ضــللت .
و إن لـــــــم تســــع إلي ما يجــــب السعي إليه ، مرضت :
التعــــــــب يلازمك في سعيك إلي تلك الأمور ؛ و لا مكان للسعادة مع التعب .

الكل يبحث عن السعادة ...
السعادة خير عظيم يســــعى إليـــــه الأشرار و الأبرار على الســـــــوء .
ولا عجـــب في أن يتحـــلَّى الأبـــرار بفضيـــــــــــــلة  تؤهلم إليهـــــا ؛
إنما الغرابة في أن يواظب الأشرار، أحـــــــــــــــراراً ، على الشـــــــر ،
                                            ســــــــــــــــــعياً  وراء سعادتهم .

الأشــــــــرار .  
الشهواني : ـ أن من أستسلم إلي شــــهواته ، ففسد في الدعـــــــارة ،
                و ســـــــعى من خــــــــــــلالها إلــي ســــــــــــــــــعادته ،
                 يعتبر نفسه شــــقياً إذاً لــــــم يشبع رغباته منهـــــــــا ،
                و إذا حصـــــــــــــل عليهـــــا ،
                فلــــن يتردد في المبــــــــاهاة بما وصل إليه من سعادة .

البخيــــل : ـ إن الذي يتأكله البخل فيكدس الآن الــــثروات ، سعياً وراء السعادة ،
                 والذي يتــوق إلي ســـــــفك دماء أعـدائه ،
                 والذي يطمح إلي الاســــــتئثار بالســـلطة ،
                و الذي يـــــــروي غليــــــــــل شراســــــته من مصائب الآخـــرين ،
                 هؤلاء كلهـــــــم يبحثون من خلال جرائمهم عن ســــــــــــعادتهم .

إن هؤلاء الضالين الباحثين عن سعادة كاذبة من خلال شقاء حقيقي
يهتـــــــــــــــدون إلي الطــريق الصـــــــالح إذا ســـــــــــــــــــمعوا الصوت الإلهي القائل :ـ
( طـــــــــــــــــوبي للأذكياء في الطـــــــــريق للســـــــــــــــــــائرين في شريعة الـــــــــرب )"مز1:118"
و كأني بالله يقول لهم
( أين تذهبـــــــــــــــــون ؟ تهلكون ولا تدرون ، ليس هذا هو الطريق إلي الغاية التي تنشدون ،
رغبتكم في السعادة أكيده ، إنمـــــــــــــــــــــــا الطرق التي تسلكونها ، محفوفة بالمخـــــــاطر ،
وتؤدي بكم إلي شــــقاء ما بعده شـــــــــــقاء
لا تعتمــــــــــــــــــــــدوا تلك السبل الشريرة بحثــــــــــــــــــــــــــــــــاً عن ذاك الخير العظيم .

أمـــــا إذا أردتم الحصول عليه فتعالوا من هنا وسيروا من هناك .
تخلَّوا عن شر السبيل العاطــــل يا مــــــــــــــن لا تســـــــــتطيعون
                                      أن تتخــلَّوا عن رغبتكم في السعادة .

باطلاً تتعبون ، ساعين إلي ما سوف يؤثمكتــــم ، لدي حصولكم عليه .
                   إن الذيـــن يتدنسون في ضلالهم سائرين في شر هذا العالم ،
                  ليسوا سعداء إنما
                 ( طوبي للأذكياء في الطـــريق ، للسائرين في شريعة الرب ،
                  وطوبي للذين يرعون شهاداته ويلتمسونه بكل قلــــــوبهم  ) "مز1:118-2".

هـــــؤلاء يسعدون بالرجــــــــاء وليس بالواقع ،
نظــــير ( المضطهدين على البر) " متى 10:5 "
وليسوا ســـعداء بالعذابات التي يقاسونها الآن
بل لأنهم يعلمون ( إن لهم ملكوت السماوات ) .

(طوبي للجياع والعطاش إلي البر) " متى6:5 ".
لا  ، لأنهم يشبعون ويرتوون ،
بل ، ومن أجـــــل البـــــــــاقي ( لأنهم سوف يشبعون ) .

{ وطوبي للباكين } لا ، لأنهم يبكون ،
بل من أجل الباقي لأنهم { يُعـــزَّون }
ثم طــــــــــــوبي للذين يتعمقَّــــــون في تلك الشــــهادات ويرعونها بكل قــــلوبهم ،
لا لأنهـــــــــــــــم يبحثون و يتعمقون بــــل لأنهــــــــــــم سوف يجدون ما يطلبون .
                     إن الباحثَ ، جاداً ، لا يتهاون في سعيه ،
إن كــــــــــــنت سعيداً في رجــــائك فـــــــــــــــلابد و أن تكون بــــاراً برجــــــــائك .

إن سلكت في شريعة الرب وحفظت وصاياه وبحثت عنه ، بكليتك ، في هذه الحيـــــــاة ،
ثم قــــــلت في نفســـــــك : لست خاطئـــــاً فأنك تخدع نفســـــــك وليست بالحقيقة فيك .
                                                   و بالتالي فأنت ســـعيد إن شئت أن تكون باراً .

أطلب ما تسعي إليه لتكون ســـعيداً .
لو كنت ســـــــعيداً فهل تصبح الآن أفضـــــل مــــــــــن يوم كنت فيه تاعساً ؟
بيــــــــــــــــــد أن ما هو دنـــــــيء لا يصيّرك أفضل .
إنســـــــــــــان أنت وكل ما تبتغيــــه إســـــــــــــعاداً لك هو أدني منك قـــــدراً ؛
ســــــــــــواء أكان ذهبــــاً أم فضــة أم ســـــــــــواهما من الخيور الماديــــة
التي تتوق إليهــــا وتريد التمتع بها : هذه كلهـــــــــــــا خيور دونك قـــــــدراً .                            

أنت حقاً أفضلُ منها وأحسن :
تريد أن تكون أفضل مما أنت عليه  فتتمني الســــــــعادة بينما أنت تعيس وتريد أن تكون أفضل ،
وتسعي إلي غايتك بسبل أدني منك . أن كل ما تسعي إليه فوق هذه الأرض هو دونك قـــــــــدراً .

كيف تكون أفضل ؟ أقبل مشورة مخلصة :
إن أردت أن تكون أفضل فاسعَ إلي ما هو أرفع منك لكي نتمكن من أن تصير أفضل .

و ارتفع إلي خالقك : ولا تيأس قائلاً أنه ، بعيد عني جداً .
يصــــعب عليـــــــك أن تحوز الذهــــــب الذي تبتغيــــــــــــــــــه وقد لا تتمكن منه ؛
أما إن طلبت خالقك فسوف تحصل عليه ، وهو الذي قد جاء إليك قبل أن تطلبــــــه ،
و حــــــــــــين كنت مائلاً عنه بإرادتك ، كان يدعـــــــــــــــــــــوك
ويوم خفت منــــــه ، واعــــــــــــترفت ، أســــــــــــــــــــــــــــاك.

إن الله الذي أعطــــــــــــاك كل شــــيء حتى الوجود ،
اللــــه الذي يشرق شمسه على الأشرار وعليك أيضاً ،
اللــــه الذي يمطر غيثــه ويعطي الثمر و يفجّر الينابيع والحياة والخلاص       
                                               ويمنــــــــــــــــح الكثيرين تعــازيه
يحتفظ لك دون ســــــــــــــــــــــــواك بكل شــــــــــــيء .

اللــــه يحتفظ لك بذاتــــــــــــــــــــه ..
و بـــم يحتفظ لك ، إن لم يكن بذاته ؟
ســـــلْ ما هــــو أفضل منهمـــــــــا ؟
إن  استطــــعت الله يحتفظ بذاته لك .

يا طماع ، لم تتوق إلي السماء والأرض ؟ أو ليس خالقهما أفضل منهما ؟
            هـــــــــو عينـــــــــــــــــــه لك ، و هو الواجــــب أن يكون لك .

أطلب الله يَكُنْ لك فتصبح سعيداً ،  وحده الخير الذي يهبــــــــك الســـــــعادة ،
                                        و الخير الذي يصيرك أفضــــــل من ذاتــــك .
                                         أحبَّه وخُذه ، و متى أردته كان لك بالمجان .

إذا أمتلكت ذهباً ، فكن ربه ، و لا تكن عبــــــــــده ، طالمــــــــا أن الله الذي صنعكمــــــا ،
سلّطك عليــــه ؛ لقــــــــــــد صنع الذهب لخدمتك ، أما أنـــــــت فقد صنعك على صورته .
أقنع بالكفـــاف  دون ســواه وألا ثقــــــل عليـــــــك ما زاد عنه و لم ينفعــــــــــــــــــــك .

أن خيوراً كهذه تثقل عليك ولا تشّـــــرفك .
لا تقتن المـــــال بـــــــــــل اعترف بفقرك ؛
وإذا كــــــــنت ذا ثروة طائلة فأعـــــلم أن غناك ليس بها !
بـــــــــــــــــــل أطلب سواها وأعلــــــم أن الثروات الحقيقية لا تزيد أصحابها جشعاً .

كلمـــــــــــا ازددت غــــــــــــــــــني من تلك الخيــــــور ،
كلمـــــــــــا زدت شوقاً و تحــــرقّاً إلي الاستزادة منها .
ومــــــــــــــا هي تلك الخيرات التي ، كلما كــــــــــثرت بين أيدينــا ،
                                             كلما زدنــــــــــــا حاجة إليها ؟
أن من يحظى بها يزداد جشــــــــعاً لأنهــــــا لا تروي له غليـــــلاً .

بعض الناس يكتفي بالربح القليـــــــل والموارد الضيئـــــــله ،
                حـتى إذا أصبح غنيــــاً ، ما عاد يقنع بالقليـــــل .
و تظن الناس قانعين بما لهـــــــــــــم ، إنما أنت على خطـــــأ .
                 أن  الثروات الطـــــائلة لا تسد قعر الجشـــــــع ،
                 بــــل توسعه ولا ترويه بـــــل تزيده عطشـــــاً ،
فـــــــــــــــإذا بهـــم يرفضون الكــأس لأنهم إلي النهر عطاش .

أختر الحياة الأخرى وأحـــــــــب الله واحتقــــــــــــــر الزمنيـــــــات ،
وأشــحْ بوجهــــك عن خيور الأرض طــــــالما أنــــت مسافر عليها ،
                                             ولن تبــــــــــقي فيها إلي الأبد .

أعدَّ ذاتك للحياة الآتية : ـ إن ملكت شـــــــــيئاً فاصنع منه خـــــيراً ،
                              وإن لم يكن لك شيء فلا تتحرَّق إليه شوقاً .
                               سرْ وابعــــــــــــــث بما تدَّخر حيث يمكنك أن تطمئن إليه أكثر .

إنك تسمع كل يوم هذا الكلام : لنرفع قلوبنا إلي العلى ،
و كأني بك تســـمع عكســـــه فيغور قلبك في التراب .

سر أيها المسافر ، إن كان لك شيء ، تصـــــدَّقْ به ؛
                        و إلا فــــــــــــلا تتذمَّرْ على الله ،
أصغ إلي أيها البائس : وماذا ينقصك والله معــــــك ؟
أصغ إلي أيها الغـــني : أي شيء لك والله ليس معك ؟