الصفحات

الصفحات

طوبي للودعاء ـ الفصل ( 6 ) من الكتاب الخامس ـ خواطر فيلسوف القديس اوغسطينوس



الفصل السادس
طــــوبي للودعــــــاء

إن استطعنا فلنحدد الودعــــــــــاء على هذا النحــــو:
وديـــــــــــع هو الإنســــــان الذي ، من كل خيرٍ يعمله .


لا يرضــــي إلا بالله ؛

ولا يبعــــده عنــــــه أيّ أذي يتعرض له .

أنتبه يا أخي لهذه القاعدة وهذا التوجية ، وأتبعـــــه ،
              وأنمُ فيــــــــه حتى تعمــــــــل بموجبـــه .

أصغ يا من تريـــــد أن تكون وديعاً وأن تحفظ الوداعة لأيام السـوء .
يامن تحــــــــــــب شــــــريعة الله كيلا يكون فيك عار بل سلام وفير،
      فتملك الأرض وتتمتــــــــــع بطمأنينة ثابتة .

أصغ يا من تريد أن تكون وديعــاً ولا ترتضي بالصــــلاح الذي تقوم به
لأن اللـــــــــــــه يقاوم المتكبرين ويهـــــــبُ المتواضعين نعمتــــــــــه .

وبالنتيجـــــــــة ، عليك في كل ما تعمله من خــــــــــــير،
                    أن لا تؤخــــــــــــــــــذ إلاّ بمحاسن الله .

ولا يبعدنك عنه الشر الذي تتحمـــــله . اصنع هــــذا تحــــــــــــيَ .
تــــــــــــــــــريد الآن أن ترث الأرض ، حـذار من أن ترثك الأرض .

إن كنت وديعـــــــــــاً  ورثتهــــــــــا ،
        أو قاســــــــياً وَرَثَتـــــــــــك .

ولكن حين تعرف المكافأة المعدة لك لكي تـــــــــــــــرث الأرض ،
فـــلا تفتـــــــــح لجًّة بخـــــــــــــلك لكي تخفيها فيها منذ الآن .

لا تنخدع بهـــــــــذا الرأي .
ســـوف ترثُ الأرض حقاً
مــــتى استمســـــــــــكت بصانع السماء والأرض .

أتريـــــد أن يقودك في سبله ؟ كن وديعاً هادئاً ؛ ولا تكن شرساً متكبراً ؛
ولا تجمع برأســـــــــــــــــك كالحصان والبغل اللذين لا فهــــــم لهما .

ومتى صرت وديعاً وهادئــــاً أقام الربّ فيك ؛ وقادك في سبله .
الرب يريد خيولاً هادئـــة : كن فَرَس الربَ وكـــن هــــــــادئاً .
و سيجلس عليك ويقــــــودك فلا تخـــــــف من أن تصــــــطدم وتسقط في الهوّة .
أنك في الحقيقة لضــــــعيف ؛ ولكن أنظـــر إلى من يقــــــودك .

الحصـــــــان والبغـــل يجمحان حيناً برأسيهما ؛ وفي زهوهما يوقعان فارسهما .
اللجام يكبح جماحهما وكذلك الضرب إلي أن يتعلَّما الطــــــاعة وحمل فارسهما .

أما أنـــــــــت وقبـــــــــل أن يجرح اللجام فمك
فكـــــــــــــــن وديعـــــــــــاً وأحمل ربــــــــك .
لا تبحث عن المجد لنفسك بل لمن يقـــــودك .

إن معلّم الملائكة كلمـــــــــة الله ،
رفعَ صوته وقال : ( تعلموا منى ) " متى11-27 ".

فمن ذا القائل : تعلّموا منى ؟
إن الـــــــــذي خلق الأرض وفصــــــــل ما بين الميــــــاه واليبــــس ،
وخلَق الطيور والحيوانات التي تملأ الأرض والســـابحات في المياه ،
الذي وضـــع الكواكــــــب في السماء ومـــــــيَّز النهــــار والليـــــــل ،
وبسط الفلك وفصـــــــــــل ما بيــــــــن النــور والظلمة ،
ذاك هــــــــو عينه القـائل : ( تعلَّمـــوا مــــــــــــــــنى ) .

هل أراد ان يقول من خلال ذلك بأن نعمل تلك الأشياء معه ؟
         من يقدر على ذلـــــــــــــــــــــــــــك ؟ اللــه وحده .


وقــــــال : لا تخفْ ، لن أثقــــــــل عليك ،
تعلَّم مني ما قــــــد صرت إليه من أجلك .

تعـــــــــــلم منى لا أن تكون الحقيقــــة التي صنعتهــــــــا ؛
ولستُ أقول لك بأن تتعلّم ما أردتُ أن أعطيه لبعض الناس دون البعض الآخر
كإقامة الموتى وردّ البصر للعميان وفتح أذان الصـــــــــم ،
ولا تعتـــــــــبر مجداً لنفسك أن تتعلّم هذه الأمور مــــني ...
وأمتلأ الرسل حبوراً في غمرة من الفرح وعادوا قائلين :
هـــــــــــا أن الشــــــــــياطين تخضــــــع لنا باســـــــمك .

وقال لهم الربّ ، لا تفرحوا بأن الشـــــــــــــياطين تخضـــــع لكـــــم .
                    بل أفرحوا بأن أسماءكم مكتوبة في الســـــــــــماء .

لقد أعــــــطي ، من أرادهــــــم ، القـــــدرة على طرد الشــــــياطين ؛
وأعطي البعض الآخــــــــــــــــر القــــــدرة على قيامة المــــــــوتى .

إن تـــــلك العجائب كانت تتم قبــــــل تجســد الـربّ ؛
المـــــوتى أقيموا والبرص تطهّروا ونحــــن قرأنا
هــــــــــذه الأشياء فمن ذا الذي كان يعملها آنذاك ؟
ذاك الذي صــــــار المسيح الإنســـان بعــد داود ،
           والمسيح اللـــــــــه قبــــــل إبراهيــــــم .

لقـــــد منح هذه العطايا كلها ذاك الذي قد صنعها بواســـطة البـــشر ؛
ومــــع ذلك فأنـــــــــــــــــه لــــــــــــم يعطهـــــــــــــــــــــا للجميــــع .
وهل ييأس أولئـــــــــــــــك الذين لم يأخذوها قائلين إنهم لا يصلحون
لكونهـــــم لم يســـــتحقوا أن يأخذوا عطاياه ؟
             الأعضــــــــاء ، للجسم  لهذا وظيفة و لـــذاك أخـــــرى.

إن الله قد صنع الجسد وحيداً ولكنــــــه لم يعــط الأذن أن تري
والعين أن تسمــــــــــــــــــع والجبين أن يشعر واليد أن تذوق ،
إنمــا أعطي سائر الأعضاء الصحــــــة والارتبـــــاط والوحدة
                                 وأحيا الكلّ و وحدهم كذلك بالروح .

وعلى هذا النحو فأنــــــــه لم يعط البعض أن يقيموا المــوتي ،
والبعض الآخر أن يدافعوا عن الإيمان . فماذا أعطي الجميع ؟
تعلّمـــوا مـــني أني وديع ومتواضع القـــــــــــــــــــلب .
يا من ســـــمعته يقول لك ، اني وديع ومتواضع القلب ؛
فكل دوائــــــــك في هــذا وهـــــو أن تتعــــــلّم منـــــه ،
                     انــــــــه  وديع ومتواضــــع القـــلب .

وماذا ينفعــك اجتراح العجائب بكبريـــائك ،
إذا لم تكــــن وديعـــاً ومتواضع القـــــلب ؟
ألن توضع في مصاف القائلين أخــــــيراً ،
ألســـــــــنا باســـــــــمك تنبأنا
          وباســــــــمك صنعنا آيات كثيرة ؟
ومـــــــاذا يسمـــــــــــعون ؟
لا أعرفكم ابتعـــــدوا عني يا فعلة الإثم .

كن متواضعاً وأذهب إلي المسيح ،
أصغ إليــــــه باســــــطاً ذراعيـــه ، تعالوا إليّ أيها المعــــــــــــذبون .
أنت تصرخ وتناقض نفسك بنفسك وتشـــــتم ؛
أمّا هــــــــو فأنـــه يقــول لـــــك ،
تعـــــــــــالَ يا من تتألــــــــــــــم في كبريائك وأسترح في تواضعي ،
تعلْم منى أنـــــــــــــــــــــــــــــي وديع ومتواضع القلب تجدْ راحة لنفسك .
ولمــــاذا تتألم إذن ؟ لأنك لست وديعاً ومتواضع القلب .
صار الله متواضــــــــــــــــــعاً فاخجـــــــــــــــــل أنت مــن كبريــــــــائك .