الصفحات

الصفحات

في أنه لا يجوز إهمال الخطايا العرضية بل يجب التكفير عنها ـ الفصل ( 8 ) من الكتاب الثالث ـ خواطر فيلسوف القديس اوغسطينوس


الفصل الثامن

في أنه لا يجوز  إهمال الخطايا العرضية بل يجب التكفير عنها

أنه لمن الصعب عليك أن تتــــــــغيَّر كليــــــــــــاً بحيث لا يبقي فيك ما يسـتحق اللـوم .

إن احرزت تقدمـــــاً وعشت وفقاً لما يتطلبه البرّ فلستَ تحيا ههنـــا بلا خطيئــــــــــة ،
لأن الأخطــــــــــــــاء التي تسميها جرائم كمثل  :
    انتهــــــــــــــــاك حرمة الأقداس ، والسرقة ،
                         وشهادة الزور، ليســــــــت وحدها خطيئة ،
ولكنه خطأ أيضاً :
 أن تنــــظر إلي ما حرَّم عليك النظر إليـــه ،
وأن تســمع مــا حـــظر عليك ســــــــماعه ،
وأن تفكــــر بما لا يجـــوز لك التفكـير بــه .

كــــــــم خطيئــــــــــة يرتكبها اللسان ؟
وكــــــم أقوال تافهــة لا تليــــــــــــــق بالمناسبات التي فيها تقال ؟
ألا تعمــل اليــــــــــد شــــــــــــــــــــراً ؟
ألا تسرع الرجـــــل إلي المحــــــرمات ؟
ألا تتجــه العــــــين إلي المخجــــــلات ؟
ألا يتوق اللســـان إلي ما لا يليــــــــق ؟
قـــل لـــي . ما الــــــــــــذي يضبط أفكــــــارك ؟
في صـــلاتك غالبـــــــــــــاً ما تفكّر بشيء أخــر
وكأنــــــــــك تنــــــــــــسي ذاك الـــــذي أنــــت واقف أو ساجد بحضرته .

وأنــــــــــــك لتخطـــــأ فــي ما تجــيزه لنفســك ، متى تعديت القيـــــــاس ، مثـــلاً في الأكــل ،
مع العلم أن الأكل ضروري ،الخطايا التي عنها  نتكـــــلم ، يوميــــة هــي ، برغم أنها أخطاء ،
وهـــــــــي ليســت خفيفـــة لأنهـــــا كــــــثيرة .

أني أخشي السقوط بسبب عددها إن لم يكن بسبب ثقلها ،
لا تهملهـــــــــــــا لكونها خفيفة بل خــــــف منهـــــــــا ،
  لأنهــــــــــــــــا يومية صغيرة ، هي حبات الرمـــــــل ،
  ومــــــع ذلـــك إذا وضع منها في الســـــــــــــــــــفينة أكثر مما يلزم غرقت السفينة .
   صغيرة هـــي نقــــاط المــطر ومع ذلك أليســـــــــــت تملأ الأنهار التي تهدم البيوت ؟

ولو تألبت عليك هذه الخطـــايا كلها ألا تضغط عليك برغم خفتها ؟
وما همــــــــك ؟ أســـــــــحقك الرصـــــــــاص أم الرمـــــــــــــل ؟

الرصـــــاص وحده متراصة والرمـــل مجمـــــــــــــــوعة حبات صـــــغيرة ،
إنمـــــــــــــا كثرتهـــــــــــــا هي التي تضغط عليك كدس الأشياء الصغيرة ،
             وأجعل منهــــــا كومـــــــة لا بـــأس بهــــا :
صغيرة هي حبّات القمـــــح إذا جمعتها جعلت منها كدسة تمـــــلأ الأهــراء .

وأنت سوف تلقي في المستقبل الكومة التي كنت تجمعها كل يوم ،
أنت تجمعها واحــدة واحـــــده لتجدها بعـــــــــدئذ كومة كـــبيرة ،
فـــــــــــــلا تســـــــــــــــــتهن بهذه الأخطـــــــــاء الخفيفــــــــة :
            إن إســتهنت بهـــا ساعة تقـــــوم بهــــا فخف منهـــا ساعة تحصيها .

تجــــنبت الثقيــــــــل منهــا ولكن ماذا تفعل بالخفيف منهـــا ؟ ألا تخاف منهـــا ؟
لقــــــــــد ألقــــيت الحــــجر فحذار مــن أن يخنقك الرمــــل .
وبالتالي ، إن خفّت خطاياك ، ثم كـــــثرت ، صــــــــــــــارت كومة تضغط عليك ،
وغفر الله لك بصــــــــلاحه الخطايا نفسها ، التي تتمكن من الهرب منها ههنـــا .

إن تجاوزت الحد أهــــــــــــنت الله وأحصاك مع المجــــرمين ،
وحين لا يكــــون لأحد عليك شيء فأغفر لكل من خطئ إليك .

لكي يغفر الله لك ما خطئت به إليــــــــــه ،
أمــــــــــــــــــا إن رفضت استعمال الدواء على هذا الشكل ،
                      فقــــدت كل أمــــــل لك بالخـــــــــلاص .

لا يغفر الله لك إلاّ إذا غفرت أنتَ لمن أساء إليك .
ضع هذا الرأي في قلبــــــــــــــك بمثابة دلـــــــو تسحب به المـاء من الســــــــفينة ،
                 لأن ماء البحـــــر يتسلل حتمـــــاً من ثقوب هيكلها حتى إذاً كَثُر فيها .
                 ولم يكن فيها دلو غرقت السفينة .

وعلى هذا النحو تدخل الخطيئة في حياتنا ههنا مع أمواج هذا العالم ،
من خـــــــــــلال شــــــــقوق ضــــــــعفنا وطبيعتنا الآيلة إلي الموت .

تمسَّك بهذا الرأي بمثابة دلو تفرغ به من قلبك الشرّ لئـــلا تغـــــرق ،
أترك لمدينيـــــك ديونهــم لك لكي يترك الله لك دينك ،
وتعتمــــــــــــــد هذه الطريقة لتفــــرغ كل ما فيـــــك من شــــــــــــــرّ .

إنما عليك أن تكون فطنـــاً يا مـــــــــن لا تزال عـــلى البــحر ؛
ولا يكفيك أن تقـــــــــــــوم بهـــــــــذا العمــــل مــــرة واحده ،
بل عليــك أن تقــــوم بـــــه مراراً إلي أن تجتاز أرض الوطن ،
حيــــــــث لا أمواج تضربك
           ولا يبقـــــي عليــــــــــك أن تغـــــــفر إساءةً لأحد ،