الصفحات

الصفحات

في أن الرجاء هو رفيق الإيمان ـ الفصل ( 9 ) من الكتاب الثاني ـ خواطر فيلسوف القديس اوغسطينوس


الفصل التاسع
في أن الرجاء هو رفيق الإيمان
                   إن كنت حائزاً الإيمــان الذي يعمــل بالمحبـــــــــة ،
فمن الضروري أن ترجو ما وعد الله به لأن الرجاء للأيمان رفيق .


الرجاء ضروري طالما أنــــك لا تري ما تؤمــن به ،
خوفــــاً من أن تيأس ممّــــا لا تري فتفقد الإيمان .
أنــت تحــــــزن لأنــك         لا تري ،
ولكن تعــــــــزًّ لأنـــك ترجو أن تري .
فليكن الرجاء معـــك رفيقـاً للإيمان .

ضيــــــــقُّ لك فـــــي الزمــــن الحـــاضر ،
ورجــــــــــاءُّ فـــــي المســــــــــــــــتقبل ؛
فإذا لم تجــد عـــزاء عن ضيق لك حاضر،
                         في رجاء المستقبل ،
                         هلكت لا محـــــــالة .

ليس فرحُك ، الآن واقعاً بــــل رجاء .
                             ولكنه رجاءُّ أكيــــد ،
                             كما لو كـان حقيقـة ،
إذ لا خـــوف على ما وعــدتْك بـــــه الحقيقة لأنها لا تغش ولا تغش ،
ولذلك فمــن المســتحــسن أن ترتبط بهـــــا ؛
                                 إن ثبتت فـــــــي كلامهــا حـــــــــــررتك .

 فــــي الحاضر تؤمن ،
وفـــي المستقبل تري ،
طالما أنـــــــت تؤمـن
      فالرجـــاء قائــم
     في هــذا الزمان .

وحين تري يصبــــح الرجاء حقيقـــــــة ،
           والمشاهدة تكون وجهاً لوجه .

طالمــــا أنـــت فـــي هـــذا الجســــــد ،
          فأنت بعيــد عـــن المســـــيح .
         أنـت مسـافر تتقدم بالإيمـــــان ،
                        وليس بالمشاهدة .

إذا ســـــافرت وســـرت بالإيمـــــــان
                 بقيــــت على الطــريق ومـــا بلغـــت الوطــن .
                ولكـــــن إذا لم تؤمـــن فلســت تبلــغ الوطــن ،
                                            ولا تسيرعــلى طريقــه .
و بالنتيجــة عليك أن تسير ســـيراً يحفظـــك عــلى الطريق ،
               مَــلكَ الوطن جعل نفسه طريقاً ؛
               أثبــتْ في كــــلام الرب إلهــك ،
               لئـــلا تخجــــــــل عنـد مجيئه .

خلاصك الآن قائم على الرجــــــــاء ،
             وليس على الحقيقــــــة ؛  
لأنك لم تنل حتى الآن ما وعدُت به ،
                     بــل ترجــــــــوه .

الواعـــــــــــــــد أمين لا يغشــــك ؛
إنما ترجـــــــوه   ألا   تتــــــــركه ،
بانتظــــــــــــار ساعة الجـــــزاء .

إياك والكذب ؛ كــــــأن تقول شـيئاً وتعمــــــل آخــر .
                أحفــــظ إيمـــــــــانك يحفظ لك وعـده .
                وإذا لــم تحفـــــــظ الإيمــــــــــــــــان ،
                حرمـــت نفســــــك بنفســــــــــــــــك ،
                ولا شأن للواعد بما قد يحـــــــــــــدث .

اسمع صوت الله الذي يعد . و كأني به يقول :

صوت المسيح
إني أحفظ لك ما وعدتك به :
رجاء الكـــــفرة في الحاضر ،  و رجاؤك للمستقبل ؛
رجاؤهــــــــــم زائــــــــــــل ،  و رجاؤك مضمـــون .  
رجاؤهــــــــــم  كــــــــــاذب ،  و رجاؤك حــــــــــق .
إذا دعوتــــــني جئتـــــــــك  ،  و كنت لك ثـــــــروة .

أنـا ثروتــــــــــــــــــــــــــــك .
بكل جوارحك تطلُب ما تريـد .

ولمَ تريد في الوقت الحاضر صندوقاً مليئاً و ضميراً فارغاً ؟؟
                     أنا لا أملأ الصندوق بل القـــــــــــــــــــــلب .

وأي نفع لك مــــن الثروات الخارجية ،
              إذا كان الفقــــر الداخــلي ،
                       يضغــط عليــــــك ؟

إن الذين يدعونني .
                        طمعاً بالمكاسب الزمنية والخيور الأرضية ،
                      والحيــــــاة الحـــــــاضرة والسعادة العالمية ،
                     لا يدعونني حقـــــــــــــــاً .

عُـــــــــدْ إلي عذوبــــــة الـــــــــــــــــروح القــــــــــــدس ،
تعلّمـــك من الداخـــل ما لا يستطيع الناس أن ينطقــوا به ،
و بما أنك لا تقـــــدر أن تري فأجــــــــــعل رغبتك واجبة .

حياة المسيحي الصـــالح رغبـــــــة مقدسة :
أنت تري ما لا تشتهي ، و لكن حين تشتهي ، تصبح أهلاً لأن تحوز ما تشتهي .
                              و متى جاء زمـــــن المشاهدة تذوق كمـــال ما تشتهي .

و كمــــــا أنك إذا أردت  أن تمـــلأ كيســــــاً ،
و وجدت أن ما تـــــريد أن تلقيه فيه كـــبير،
فتشـدًّ بأطـــــــــــــــــرافه باسطاً إيًّاهـــــــا ،
كذلك أصنـــعُ معـــــــــك فارجىء المشاهدة .

لأزيد من شوقك فيتسع قلبك ويصبـــــــــح أكثر جـــــــدارة .
الشوق المقدس يدرّبك متى فصلْت مطامعك عن حب العالم .

عليك أن تمتلئ خيراً ،
وتطرح الشــرّ جانباً ؛
وأعلـم أنــــــــــــــي  لا أريد أن أمــلأك عسـلاً ،
                         إذا كنـــت مملوءاً خــــلاً ؛
                         و أين أضــــــــع العسـل ؟
أســـــــــــــــــــــكُب ما في الإنـــــــاء وطهّره .

أرفــــــــــع قلبـــــك و تنشًّق هــــواء الحيـاة .
                        والحــــــــــــرية  التـــي ،
                       لا أضمـــــــــــــن منهـــا ؛
لأنـــي أعطيتـــــك أن تصـير ابنــاً لله جميــل .

هــــو وغير قابل للتصديق ، على  ما يبـــدو ،
                                          ما قـــــــد وعدتُك به .

   ومــن ذا يتصــــور بأن ابن الإنسان ،
               يصـــــــــــير ابن اللـــــــه ؟

شيّد الرجـــاء في قلبـــــــــــــــك ،
و أطـــــــــرد منه عدم الأمـــانة :
ها قد صنعت مـن أجـــــــــــــلك ،
ما هــو أهم  مـن  ذلك بمقـــدار .

أتعجــــــــب حين تتـــأمل فـــي الحيــــاة الأبديـــــــــة ؟
أتعجـــــــب حين تفكــــر بأنـك قادر على البلوغ إليها ؟
حــــريّ بك أن تــــزداد تعجباً لكوني ذهبـــــــــــــــت ،
              إلي المــوت مـــن أجــــــــــــــــــــــــــلك .

وهل تشـــك في الجزاء الموعود ،
بعـــــــــــد أن أخـذت عنـــــــــه ،
             هذا العربــــــــــون ؟