الصفحات

الصفحات

ميامرماراسحق ـ الجزءالثانى ـ الميمر الحادى عشر ( كامل ) ــ في الإيمان والبساطة.


الميمر الحادي عشر
أيها الإنسان المجاهـــــد إن أردت أن تجــــــــــــــد الحيـــــــــــــاة .
 تمســــــــــــــــــــــــك بالإيمان والتواضع فبهما تجد رحمة ومعونة ،  
وكلام من الله في القلب ،كلام مع الحافــــظ في الخفاء و الظــاهر،
وإذا أردت أن تقتنــــــي هذه  ( الأمور ) والتي هي مفاوضة الحياة ،
فتمســــــــــــــك منذ البداية بالبســــاطة 
و اســــــــــــــلك قــــدام الله ببســـــاطة و ليـــــس بالمعــــــــرفة 
لأن الإيمــــــــــان يتبـــــــــــع البساطة ، 
  و  الشـــــــكوك ( أي عـــدم الإيمان )
      تأتــــي من الفحص والتردد في الأفكــــار التي تعتمد على المعرفة الجسدية .
و هذه الشـــكوك يتبعهـــــــــــا البعد عن الله .

عندما تســــجد قــــــــدام الله في صــــلاتك 
كن في فكرك مثل النمل و الدبيب الحقــــــير الــــــذي يـــــدب عــــــلى الأرض ،
 و  نــاغي كالطفــــــــــــــــل ، 
ولا تتكلم كــــأن لك معرفــــة  بل بقـــلب طفــــــــولي أســـــــــلك قـــــــدام الله ، 
 لتؤهل لتلك العنايـــــــــــــة التي يسبغها الآبـــاء عـــــلى أطفـــــــالهم فقد قيل :
" الرب يحفظ الأطفال " ( مز 114 قبطي )
   فالطفـــــــــــــــــل يدنو من الثعبان و يمسكه من رقبته و لا يؤذيـــــه ،
    آخــــــــــــــــــرون لابسون و مكتسون و البرد يؤلم جميع أعضائهم ،
    و الطفــــــــــــــل يكون عارياً جالســـاً و ســـط الجليـــد و لا يتـــألم
                             لأن الجســـــــــــد حفظ بســـــــــبب بســاطته
هذا يكــــــــون مـــن العناية الخفية غير المنظورة ( أي العناية الإلهية )
التي تحفظ لأعضــــاء الطفل نعومتهـــــــا لئــــلا تدنــــو منهـــا أذية ما .

فآمن الآن و صدق :
إن ثم عناية إلهية تحفظ الجسد الغض و المعرض بسهولة لسائر المؤذيات
        وذلك لأجل نعومة و ضعف أعضائه ،إن الــــــرب يحفـــــظ الأطفــــال ،
       و هذا ليس عن الذين هم بالجسد فقط  ، بل و الحكماء في العالم ورفضوا معرفتهم
       لأجــــــــل ثقتهم بالحكمة الخفية الكافية الكل ، و صــــاروا أطفـــــالاً بإرادتهـــــــم ، 
       وهم بذلك يتعلمون تلك الحكمة التي لا تقتنى بتلقين و هجاء ،
       وحسناً قال الحكيم بالإلهيات بولس :
 " من يظن أنه حكيم في هذا العالم فليصر جاهلاً ليصير حكيماً " ( 1كو 3 : 18  . (

اســـــــــــأل الله ليجـــــود عليــــك لكي تصل إلي مستوى الإيمــــــــان ،
 لأنــــــــــــك إن أهلت للإحساس بنعمتـــــه ( أي الإيمان ) في نفســك
 فلـــن يبـــــــق أمامــــك شــيء يمنعــــــك من الدنــــــــو إلي المسيح
وتسبى في كل وقت بعيداً عن الأمور الأرضية و تنـــــسى العالم الحقير وكل أموره ،
 فمن أجل هــذا صـــل كل وقـت بلا مــــــــلل و لا كســــــــــــــــل ،
وأطلبــــــــــــــه بدمــوع و حــرارة و  تضــــــرع و باهتمـــام كثــــير،
لكي تحظي به ، فانـــك لن تعــود إلي الشقاء و تؤهـــــل لهــــــذا
إذا مــــــــــــــــا غصبت نفسك لتلقي همــك كـــــله عــــلي الله ،
 وتبدل عنايتـــك  ( بذاتـــــك ) بعنايته ( هو بك ) وعنــــــد ذلك أي
إذا نظر إرادتـــك و أنك بكل ضمير نقي ائتمنت الله على كل أمورك ،
وغصبت نفسك للاتكال عليه أكثر من الاتكـــــال على نفســــــــك
فانه يجود عليك بقــــوة تحــــــــــل عليــــــــــك ما كنت تعرفهــــا ،
وتشعر بقوتـــه إحســــــــاساً بغـــــير شـــــــك و لا ارتيـــــــــاب ،

هذه القوة لما أحس بها كثيرون :
 تجاســـــروا على النار بغير خوف ، و مشوا على الماء
ولم تشــــــك أفكارهــــــــــم أنهـــــــم ســـيغرقــــون ،
لأن الإيمــــان يشـــــــــجع حواس النفس و يمنحها ثقة غير منظورة تحس بها
وذلك لئــــــلا يضعف الفكر ،
ولهـــــــــــذا فان النفس لا تلتفت إلي الأمور المخوفة المرعبة ،
بــــــــــــــــل تلحـــــظ الأشـــــياء بنظــــــــرة تفوق الحـــواس .

احذر تمامـــاً من الظن أن :
المعــــــــرفة الروحانية تقبل المعــــــــرفة  النفسانية  ، وأيضاً لا تدرك بالإحســــاس
والذين تدربوا بهذه المعرفة ( أي النفسانية إن أراد أحدهم الدنو من معرفة الروح ،
فإن لم يجحد أبواب نظريات هذه المعرفـــــة و يتخلص مــن شـــــباكها
ويتبــــــــــــع طفولة الضمــــــير ، فــــــــــلا يقــــــدر على الدنو منهـــا ،
لأن عاداتها وحركاتها الملتوية ( في الفكر ) تعوقه كثيراً لذا يلزم إستئصالها قليلاً قليلاً.

إن المعرفـة الروحانية بسيطة ، و لا تشرق بالأفكـــــار النفســــــــانية ،
 فالـــي أن يتحرر الضمير من الأفكار الكثيرة و يأتي إلي بساطة النقاوة ،
 لا يقدر أن يحس  بالمعرفة الروحانية ، ودرجة هذه المعرفة هي ان يحس الانسان  بنعيم حيــــــــاة العالــــــم الجديـــــــــــــــد ( أي الحياة الأبدية ) من ههنـا في هذه الحيــــاة،  
وعند ذلك يرذل كــــــــــثرة الأفكــــــار  ( التي تخص المعرفة العالمية )
لأن المعــــــرفة النفســـــــــــــــانية
 لا يمكنها أن تعرف شيئاً آخر خارجاً عن الأفكار  ( الدنيوية ) المتعددة ،
الأمر الذي يقبله الضمير البســيط .

إن كلمة سيدنا لا تتغير عندما قال :
" إن لم ترجعوا وتكونوا مثل الأطفال لا تستطيعون أن تدخلوا ملكوت الله "
                                                                           )   مت 18 : 3) 
 وكثيرون لم يصلوا لهذه البساطة ،
 لكن لأجــــــل أعمالهم الحسنة لهم نصيب في ملكوت السموات جزئياً مع ســـــــــيدنا ، 
وهذا يفهــــم مــــن مــعنى التطويبـــات المتعددة المتمـــــــيزة الواردة في بشـــــــارته
حيث بين فيها تمايز التدابير و الطـــــرق الكثيــرة و المعـــــــاني المتعــددة للتطــــــويب ، 
لكل واحد حسب منزلته ، وفي أي طريق يتدبر ( أي يســــلك )
 ينفتح أمامــــــه بــــــاب ملكـــوت الســـموات .

أما قوله : " إن لم ترجعوا و تكونوا كالأطفال ... "
 أظهر أن الإنســـــــــان وهو ههنا  (على الأرض ( يحــــــــــــــــس بنعيم الملكوت ،
   لأن    ملكوت السماء قيل عنه أنه الثـــــــــاؤريا ( أي الرؤيـــــــــا ) الروحــــــــانية ،
وهـــذه لا ننـــــــــــالها من خــــــلال الأفكـــــــار بل يذوقها الإنسان بالنعمـــــــــــة .
والي أن يتطهــــــــــر الإنسان و يتنقــــــــــــــى
لا تكون فيه الكفـــــاءة حتى لمجرد السماع بها ، لأنها تقتنى من التعليــــم و التلقــين .

فإن كنت يا ابني قد بلغت إلي النقــــــــاوة
التي تقتنى في القـــــــــــلب والســــكون عن الناس ، ونســـيت معـــرفة هذا العــــالم
فانك دون أن تتعلم تجده ( أي الملكوت ) بغتة داخلك من غير بحـــث عـــــنه ولا فحـــص .

 ( وإذا بلغت إلي هذه الحالة الروحانية )
أقـــــم لك عمـــــوداً ، و أسكب عليــــه دهنــــــاًً فتجــــــــد الكــنز في حضنــــك ،
أمـــــــــا إذا كنــــت مربوطـــاً بحبــال شــبكة المعـرفة النفســـانية ومقيـــداً بهـا ،
فانه من الأســـــهل عليك أن تنفــــك من القيــود الحديديــة من أن تنفك من تلك ،
وتكــون على الدوام غير بعيد ( أي مهدد ) بشراك ومصائد الطغيان ( أي الضــلال )
ولــــــن تتمكن أبداً من أن تجد دالة و ثقة قلب و يكون مسيرك دائماً على حد السيف ،
   ولا   يمكنـــك أن تكــــــون بغــــــــير ألـــــــم و لا حــــزن أبــــداً .
  التجـــــــــــــــئ ( أي تحصـــــــــن ) بالعجــــــــــز و الضـــــعف ،
 و سر بالبساطة لتحيا حسنا قدام الله وتكـــــــــــــــون بغير هم ، 
 و أعلــــم أنــــــه كمــا يــــــلازم الفيء ( أي الظــــل ) الأجســام
 فعــــــلى هذا المثـال تلتصـــــــــــق الرحمــــــــــــة بالاتضـــــاع .

و إن كنــت تريد أن يكــــــــــــون تصرفك حسب هذه ( أي البساطة )
فلا تسمع أبداً لأفكـــــــــــــــار التهــــــــــــــاون و الجـــــــــــــــبن
   حــــــــــتى لو أحـــاطت بك 
                   سائر المحزنات و الضيقات و الأمور الخطرة و تهددك و تخوفك 
   فــــــــــــلا تلتفـــــــــــــت بنظرك إليهــــــا و لا تقيــــــم لها حــــــــــساباً .

                                إن كنت قد آمـنت بالله تمـــــامــــاً ،
                               و وثقت أنه قادر أن يحفظك و يدبرك
                               مادمت أنت تمضي وراءه وتتبع أثره ،
                               فلا ترجع و تهتم بشيء من هـــذه ،
 بل اقنــــــع نفســــك و قل لها :
                               إن الذي أســـلمت نفســـي إليه كلياً فيه الكفـاية
                               و هـــــو الــــذي يعــــرف كيـــــــــف يدبـــــــــرني .

و عندئذ ستنظر أعمـــال الله
                              و كيــــــــف أن خلاصه قريب في كل وقت لخائفيه ،
                             و عنايتـــــه التي لا تنظـــــــر محيطـــــــة بـــــــك .

و إعلـــــــــــــــم أنـــــــــه
                                 ليس لأن حافظــــــك غير منظــــــور لعينيـــــــك
                                 لـــــذا تشــك في أنه غير موجـــــــــــــــــــــــود
                                 لأنه ثم أحيــاناً يظهـر لعيني الجســــــــد أيضـــاً
                                لأجل تثبيـتـك لتتحقق أنــــه يحفظـــــــــــــــــك.

                   إن الإنســـان إذا رفـــض كل تعضيـــــــــــــد و رجـاء بشـري منظـــــور
                                    و التصـــق باللـــه بالإيمـــــــان و نقـــــــاوة القـــــــــلب ،
                   فللوقــــــــت تلتصق به النعمة و تظهــر فيه قوتهـــا بمعـونات متعـددة ؛
                   و هـــــــي تريه قوتها بعنايتها به،أولاً بالأشــياء الجسـدانية الظــاهرة ،
                    فهـــــــــو بهذه يستطيع أن يحس بالأكثر بقـــدرة العنايــــة الإلهيـــة ،
                   لكـــــــــي بفهمه لهــذه الظاهــرة ، يفهـــم تلك التي تكـون خفيـــة ،
                   و هـــــــــذا يوافــــــــــق طفـــــــولة الفكـــــــــــر غير الـــــــــــــدرب ،
                   إذ يـــــدرك كيف تعد له احتياجـــاته بغير تعب و من غير اجتهاد منــــه ، 
                  و كيـــــــف زالــــت عنه أخطـــــار كثــــيرة كانــــت قريبـــــة منـــــــــه ،
                  و كــــم من أخطار حرجة لا يشعر بحدوثهــــا و دون أن يتحفــــظ منهـا ،
                  و قــــــــد دفعتهــا النعمـــة عنــــه عــدة مــرات بأعجــوبة عظيمــــة ،
                  و تحرسه كحفــــاظ المريبــــة التي تبســط جناحيها على أولادهـــا ،
                    لئــــــــلا يدنـــــــــو منهــــــــــم أي أذى :
                   و هكـــذا يدرك بعينيـه أن هلاكه كان قريباً،

و بهذا يتدرج إلي الأشياء الخفية ،
( إذ يعرف أن النعمــة الإلهيـــة )
                              تفضح أمامــه الأفكـــــار و الهواجـــــــس العســـــــــــــرة الإدراك
                              لكي بسهولة يبلغ إلي فهمها و ارتباط حيل الضلال بعضها ببعض ،
 و يعرف كيف تتوالى الواحدة بعد الأخرى ،و كيف تتولــد من بعضهـــا لتهـــلك النفـــــس ،
و هكذا تشـــتهر أمامــــه كل مكــامن الشـــياطين و أفكــارهم المنجســة المحجـــوبة ،
         و ما يتبع كل واحد منها ، و تضع النعمـــــــة فيه فهماً ليـدرك الأمــور التي تحـدث ،
و يشرق في داخل بساطته نور خفي فيحس بكل شيء و بقوة هواجس الأفكار الدقيقة ،
و تشــير له كما بإصبــع ، و لــولا هـــذا ما كان يعــــــرف ما هـــــو مزمــــــع أن يظهـــــــر
و يتولــدله و عندئذ فإنه يطلب بالصلاة من مدبره ( أي الله ) كل شيء كبيراً كان أم صغيراً 

وبهــــــــــذه الأمـــــــــور : تجعله النعمة متيقناً و ثابت الضمير في الثقة باللـه ،
                                  فعندئـــــذ يبـــــــــــدأ دخـول التجارب إليـــه قليـــلاً ،
و تســـمح النعمـــــة أن :
                              تنطلق عليه حسب مقدرتـه تجـارب  فيــه كفـــــاءة لحملهــــا  ،
                              و تظهر له معونتها محسوسة لكي يتشجع و يتقدم قليلاً قليلا ً
                              و يقتني الحكمة ، فيتجـــرأ على أعـــدائه بثقـــة باللــــــــــــه ،
لأنـــه مـــن دون هــذه :
                        لا يمكــن أن يكـون الإنســــــــان  حكيمــــاً في القتـالات الروحانية ،
                       و أن يعرف مدبره و يحس بإلهه ،  و يثبــــت في الإيمـــان به خفيــة
                        بالقـــــوة التــــي نالهــــــــا فـــي ذاتــــــه مـن التجــــــــــــــــربة .

 أما إذا نظرته ( النعمة ) 
                     و قد بدأ فكر الشك يتحـرك فيه قليلاً و بدأ يفكر في نفسه أنه عظيم
                     حينئـــذ تتــــرك التجـــــارب لتقــــوى عليـــه ليعـــرف ضعفه و عجزه
   فيهــرب إلي الله و يلتجئ إليه بالاتضــاع
             و بهـــذه الأمـــــور يبلـــــغ الإنســــــان منــــزلة الرجـــــل الكامــــل
 في الإيمان و الرجاء بابن الله .

أنه لمن العجيب أن يظهر حـب الله 
و يعرف إذا وقع الإنسان في وسط أمور تؤدي بقوة الي قطع الرجاء ،
 فهناك يظهر الله قوته بخلاصه منها .

            لا أحــــد يعرف و يدرك القـــوة الإلهيـــــة في الســـــــــعة والراحــــــــــة ،
            و لا يظهر فعلها محســــــوساً قـــــط  إلا في بلد ( أي مكان ) قفر هادئ ،
            في برية و مواضــــع خالية من المحـــادثات و ســـجس مســاكن النــاس .

لا تتعجــــــــــــــــب إذا انطلقت عليــــك ضــــوائق و مصـــاعب من كل ناحيـــة
                            عنــــــدما تبـــــدأ عمـــــــــــــــــــــــــــل الفضيـــــــــــلة ،
إذ لا تحسب فضيلة التي لا يتبعهـــا مصــاعب و تعــــب و عنـاء في فلاحتهــــا ،
لأن الفضيـــــــــــلة بهذا دعيت و سميت حسبما قال القديس يوحنا التبايسي  :
                           " من المعتاد أن تحدث مصاعب مع النشاط  و النجـــــــاح " .

مرذولة هي الفضيــــلة إذا كانت مرتبـــطة بالراحـــة .

قال القديس مرقس :
                       " إن كل فضيلة تسمى صلب لأنها تكمل وصية الروح "
                  لأن كل الذين يريدون أن يعيشوا بمخـــافة الله يتضــــايقون  ،( 2تى 3 : 12 )
وحسب قول الرب :
         " مــن يريد أن يتبعني يجحد نفسه و يحمل صليبه ويتبعني " مر 8 : 34  )  
      " و من يريـــد ان يخلــــــــص نفســــــــــــه يهلكهــــــــــــــا "  (مت 16 : 25 )                                    
 أي  من يحيي نفسه بالراحة يهلكها ،
                                            " ومن يهلك نفسه من أجلي يجدها "مر 8 : 35 ).
                                        
ولهــــــذا قد سبق سيدنا و وضع قدامك الصــــــــلب
لكــــــــي تســـــــــــــلم نفســــــــــك للمــــــــــوت
و بعد ذلك تطلقهــــــــــا تســـــــــير في أثـــــــــــره.
ليس شيء أقـــــوى من أن تقطع من الفكر الرجــــاء في الحياة الجسـدية ،
فهــــــــــذا لا يغلب من شيء من المحاربات سواء كانت يمينية أم شمالية ،

لأنـــــه إذا قطع الإنسان من فكره الرجاء من الحياة ،
 فلا يكــون أشــجع منه ولا لبيــــــــــــــــــب مثله  ،
ولا يقــــدر عـــــــــــــدو أن يواجـــــــــــــــهه أبدا ،ً ولا يضعف فكره خير أي ضيقة ،
لأن كـــــل ضيقــــــــــة هــــــي دون المـــــــــــــــــوت ،
وهو قــــد سلم نفسه الموت في كل أمر وفي كل فعل .

في كل وقـــــــت وفي كل أمـــــــــر تــريد أن تفعـــــله
 ضـــــــــع في فكـــــــرك انتظــــــــار التعـب و الشـقاء ،
 وهكذا توجد في كل وقت ليس فقط لبيبا وغير متململ
 بل تجســــــر على كل صعـــــــــوبة تحــــــــــــــــدث ،
وبسبب شجاعة أفكــــارك يهـــرب منـــك كل فكـــــــر
والتهــــاون والجبن  ، الذي يتولد في الإنسان عــــادة
إذا ما كانـــــــــــــت أفكــــــــــــــاره تنتظــــر الراحـــة ،

 أما أنت فحتى جميع الصعوبات والمضايقات التي تصادفك
 فإنــــك تراهـــــــــا ســــــــهلة هينــــــــة .
وكم من مرة ستجد الأمـــور المعاكســـــة لك لا تعارضك
 بل موافقة للشيء الــــــذي ترجــــــــوه .

إعلم أن التطلع إلي الراحـــــــــــة
يفقــــد النــــــــاس خيرات كثيرة و أفكــــار فاضـــــــلة ،
 إذ حتى الذين يتدبرون في العالم بالأمــور الجســـدية ،
 لا يبلغــــــــون إلي تحقيـــــــــــق إرادتــــــــــــــــــهم
إلا بعد أن يقروا في أفكارهــــــم أن يحتملوا الصعــوبات .

إن التجربة تشــهد على هذا ، ولا حــاجة إلي الإقناع بالكــــلام ،
    ففـــي ســــائر الأجيـــال الســــابقة وإلي يومنــــــا هـــــذا
ليس شيء آخــــــر مــن أجـــــــله يـــتتراخى النـــــــــــــــاس
ويفقــــدون الظفـر والغلبـة ويتهـــــــــــــاونـــــــــون بالأعمال الفاضلة
ويكونــــــــوا قاصــــــــــرين عــــــــن دخــــــــــــول ملكوت السموات
إلا بالتطلـــع للراحة القريبة النــــذرة ( أي التـــــــي لا قيمـــــة لهــا )
وليــــــــــس هذا فقــــــط بل إن هــذا التطــــلع في أكـثر الأوقــــات
 يسبب لهم تجارب صعبة وأمــــــوراً مؤلمـــة هــــذا يحــدث لســائر 
 مـــــــــــن يضـــــــــــــع قصده وفكره في هذا الأمر ( أي الراحـــة )
واليه يصوب إرادتـــــــــه
لأن الــذي يحـــــــــــرك هذا الشــــــــــــيء هـــــو إرادة الشهوة ،

ولعل الطــــائر أيضاً لطلبــــــه الراحــة يدنـو من الفـــخ ،
فهل معرفتنا أنقص من معرفة الطائر الـــــــذي يرى أن
 يســــــــتتر في مواضــــع وجـــروف مخفيــة بعيــــدة عن الحركة والعمران ،
لأن الشيطان هو أيضاً عادته منذ البدء أن يصيدنا بخـــــداع وطمـــع الراحــــة .

لهذا قلــــــــــت إنه ينبغي لنا في كل وقت أن نضع الضيقة في فكـــــــــــرنا
 في كل أمــــر نريد أن نفعـله في الطريق التي توصل إلي ســــــــــــــــيدنا
لكي في آخرها نبـــــــــــــــلغ بنشــــــــــــــــــــــاط إلي نهــــاية حســــنة .

كم من مرة يسأل الإنسان  عندما يريد أن يبــدأ بفعـل مــــا لأجــل المســيح  ،
                                     هــل هذا الشيء فيه راحـــــة و عمله ســـهل ؟
                                    و هل فيه شـــــــــيء يضايق الجسد و يحــــزنه ؟
انتبه فطلب الراحة موجود ( أي يرد دائماً)

ماذا تقول أيها الإنسان :
                              أتريد أن تصعد إلي السـماء ، و  تنـــــــــال الملكــــــــــــوت
                              والشـــــــــركة مع اللـــــــه ، و الراحـة مع القوات الروحانية 
                              و تــــــــــــــــــلك السعادة ، و الشركة مع الملائكـــــــــــة
                                                    و الحيـــاة 
                                                     التـــــــى لا مــــــــــوت فيهــــــــــــــــا، 
و تسأل إن كان في هذا الطــــــريق تعب !؟ يا للعجـــــب !

الذين يريدون إقتناء أمور هذا العــــــــــــالم الزائـــــل
                                    يجسرون على أمــــــــــواج البحـــــــــــــر الصعبـــة
                                    و عـــــلى الســــــــلوك في الطرق الوعرة المخيفة ،
و لا يقولـون إن في هذا الأمر صــعوبة أو هــول ما ،
 و ذلــك في ســـــبيل قصد وغــــرض إرادتهـــــم ،
و نحن في كــل شيء نسأل ونفتش عن الراحة !

إن كنــــــــــا نضـــــــــــــع فــي ضمـــــــــيرنا
أن نسير في طريق الصلب كـــل وقـــــــــــت
ونفكـــــر في حمـــــــــــله كـــل حـــــــــــين ،
فــــــــإن أي حزن أو ضيــق يكون سهلاً علينا ،

إلا إذا كان الإنسان لا يعلم أنه :
لا أحد يظفر في القتال ويأخذ الإكليل غير الفاسد
 وينـــــــال شــهوة إرادته في الأمــور الممدوحـــة
 أو يكمـل شـــــــــــــــيئاً من أمــــور الفضيـــــلة
إن لـــــم يصــــــــــــــبر على الأتعاب والضوائـــق
ويبعــــــد عن كــــل فـــــــكر التهاون والجـــــزع الذي يحرضه علىالراحـــــــــــــــــــــــة
ويولــــــد فيــــــــــــــــــــــــه المـلل والجـــــبن الذي منـــــــــــه الانحلال في كل شيء. 
+ إذا غار العقل لأجل الفضيلة ،
   فالحــــــواس الظاهرة التي هي الشم و اللمس و السمع و النظر و التذوق
   لا تقهــــــــــــــــــــــر من مواجهـــة الأشـياء المنظــورة ( أي الماديـــــــات )
   ولا من الأفعال الغريبة التي لا توافق النقــاوة وحدود قـــــــوة الطبيعــــــــة .

+ في الوقت الذي تحـــرك  الغـــــيرة عمـــــــــــــــــلها الطبيعـــــــــــي ،
   فعند ذلك تصبح  حيــاة هذا الجسـد عنــــــــــــــــده كالزبــــــــــــــــل ،
   لأن القلب إذا غار غــــــيرة الــــروح فالجسد لا يتوجع بالضــــــــــــوائق
   ولا يتألم بالعذاب ولا يرتعــــــــــــب من الأمــــــــــــور المخيفة المهولة ،
   بل يســـــــــــنده العقــــــــــــــــل مقابل التجــــارب كمثل المغناطيس .
   عنــــــدما نغـــــــار بغيرة الــــــروح لأجـل عمـل إرادة ربنــــا يســــــــوع
  يبتعـــــــد عنــــــا كــــل مـــــــــلل يــــــــــــــــــــولد فكــــر الانحــــلال ،

+ لأن الغيرة تولد النشاط : نشاط الجسد وحرص النفس .
  أي قوة تكون للشياطين :
  إذا حركــــت النفـــس غــــيرتها الطبيعيـــة مقابلهـــــــم ؟!
  فالغـــــــــــيرة تتــــــــــــــــــــــولد مـــــــــــــــن الغــضب الطبيعي ، 
  وقوي النفس بكل عصمة إذا ما انطــــــــــــــلقت قدرتهـا لتعمـــــل ،
 أذا تبت فيها اكاليل الاعــــــــتراف التي تقبلـــــها الشــهداء الظافرين بجلدهم . 
 ( وهذه الأكاليل ) تكون من أمرين                                                                          أعني الغيرة والحماس والجلد التي تتولد من قوة الغـــضب الطبيــعي  ،