مدونـة رئيــس الملائكــة روفائيـــل



بسم الآب والابن والروح القدس اله واحد امين : مدونة رئيس الملائكة روفائيل ترحب بكم : افرحوا فى الرب كل حين واقول ايضا افرحوا
Home » » ميامرماراسحق ـ الجزءالثانى ـ الميمر العاشر ( كامل ) ــ تعريف الفضائل ، والمحبة و الاتضاع.

ميامرماراسحق ـ الجزءالثانى ـ الميمر العاشر ( كامل ) ــ تعريف الفضائل ، والمحبة و الاتضاع.

الميمر العاشر

بلوغ غاية تدبير السيرة يكون بهذه الثلاثة :
التوبة ، النقاوة ، الكمال .
         و ما هي التــوبة ؟ : هي ترك الأمور السالفة و الحزن من أجلها .
         و ما هي النقاوة ؟ : قلب رحيم على جميع طبـــائع الخليقــــة .
        و ما هو الكمــال ؟ : هو عمق الاتضاع و رفض ما يرى و ما لا يرى ( أي كل شيء ) . 
                                 ما يرى  ( بضبط الحواس ) ، وما لا يرى ( بعدم ) الهذيذ به .
سُئل شيخ مرة :
ــ ما هي التوبـــــــــــة ؟ قال : قلب منسحق.
ــ  ماهو الاتضــــــــــاع ؟ قال : مضاعفة إماتة الإرادة في جميع الأشياء .
ــ ما هو القلب الرحيم ؟ قال : حرقـــــة القـــــلب عـــلى كل الخليقـــة :
                              علي الإنسان و الطائر و الوحوش و الدبابات و علي كل الأشياء ،

 حــــتى أنــــــه من ذكرها فقط تفيض عينيه بالدموع من شدة الرحمة التي تعصر القلب،
و من كثرة شفقته يصغر القلب و لا يقدر أن يحتمل و لا أن يسمع أو ينظر أذية أو حــــزن
                        يصــيب أحــد الخــلائق حتى غـير الناطقين ، وعن أعـــداء   الحــــــق  
 و عن الذين يأذونه يصلي بدموع لكي يحفظـوا و يسـامحهم ،و حتى أيضـاً على الدبيـب ،
                        و ذلك لأجـــل الرحمـة الغزيرة الفائضـــة في قلبــه بغير كيـل شبه الله 

ما هــي الصــــلاة ؟ 
 الصلاة هي : خلــــو الضمــير من كــل شيء من الأشــــــياء الحــاضرة ،
                   و قلب شخص نظره بالكلية لاشتياق الرجــاء المزمـــع في  ( الدهر الآتي ) 
و البعيد عن هذا المعنى :
                          إنما يبذر في فلاحته خليطاً و كمثل من يحرث على ثور و حمار معاً .

ــ كيف يُقتنى الاتضاع ؟
بتذكر الزلات القديمة على الـــدوام ،     و إنتظـــــــــــــــار قــــــرب المـــــــوت ،
و ثيــــــــــــــــــــــاب زريــــــــــــــــة ،    و يختــار لنفسـه دومــاً موضعـاً حقيراً ،
و في كل شيء يسرع للعمل الحقير ،   و عـــــــــــــــــدم المقــــــــــــــــاومة ،
و الصمــــــــــــــــت الدائـــــــــــــــم  ،   و لا يحـــــــــــــب لقــــاء الكـثـــــيرين ،
و يكــــون مجهـــولا ًو غـير محســوب ،   و غير مميز نفسه بشيء من الأشياء ،
و يبغــض التحـــدث مــــــع الغـــــير ،     و لا يحـــــــــــب  الربـــــــــــــــــــــــح ،
و يكــون فكــره خاليـــاً من الحســـد ،    و لـــــــــــــــــوم  و عتــــــاب  أحـــــد ،
و لا تكون يـــــــــده عـــلي أحـــــــد ،    و تكون يد الكل عليه ( أي مظلوما من الجميع ) ، 
و يكـــون منفرداً فيما يخصـه متوحدا ،ً    و لا يهتم بشئون أحد على الأرض إلا نفســـه ،
و باختصار : الغــــربة و المســـــــكنة      و الانفــــــــــــــراد في تصــــــــــــــــــــرفاته .
   فهـــذه   تولــــــــــد الاتضــــــــــاع     و تطهـــــــــــــــــــــــر القــــــــــــــــــــــــلب .
أدلة و علامات الذين وصلوا إلي الكمال هي :
أنهم لو سلموا كل يــــــوم عشرات المرات للحـــريق لأجــل محبــة النـاس
                    فلا يشبعون من حبهـــــــم مثل ما قال الطوباني موسى لله :
                 " إن لم تغفر لبني إســـرائيل إمحني من سفرك الذي كتبت"( خر 32 : 32   (،
 و كقول السعيد بولس : أنا الذي جميع العالمين مع كل شرقهم ( مجدهم )
                    لا يقدرون أن يفرزوني ( يبعدوني ) عن محبة المسيح ( رو 8 : 35 ،  (39،38
أريــــــــــــــــــــــد أن أفرز عن المســـيح و بنو إســـرائيل يدنـون من إيمـان الحيــــــــاة
                             إن كــــــــــــان يســــــــــــــتطاع هــــــذا أن يكــــــــــــــون
لكي ببعــدي يكـــون قربهم و يؤمنون بالمسيح و لا يتغربون عن اللــه الحي( رو 9 : 3   (
و كقــــــــــــــــــوله " أنــــي افــرح بالضـــوائق لأجلكـــم أيها الشــــعوب " ( كو 1 : 24   (
و كبقيـــــة الرســـل الــــذين من أجــــــــــــل محبــة الناس قاســوا ميتــات شـتي .

 و أكثر من هذا جميعه :
              إن اللــــه ســـيد الكــــل لأجل محبته للخليقة سلم ابنـــه لمــوت الصليب ،
               لأنه هكذا أحب الله العالم حتـــــى بـــــــــذل ابنه الوحيـد من أجله (يو3 : 16 (،
               و ليـــــس أنــــــــــــــــــه كــــــان يقـــــــــــدر أن يخلصنـــا بشــيء آخـــــر ،
بــــــــــــل أراد أن يظهر لنا بذلك كثرة محبته ،لكي بمــوت ابنه الوحيـد يقدمنـــا إليــــه  ،
و لــو كـــــــان له شــيء آخـــر أكـرم منــــه كان يعطيه لنا لكي يخلص به جنســــــــنا .

و من أجـــل كـثرة محبته لم يشأ أن يغضب حريتنا
إذ كان قــــادراً على ذلك ، لكنه يشـــــاء أن ندنــــو إليه بدافــــع من محبتنـــــا ،
و هوذا سيدنا أطاع أباه من أجل حبه لنا ، و قبل على نفسه الآلام و الاحتقار بفرح.
حسب قول الكتـــاب : "أنه لأجل فرحــه احتمل الصليب وجسر على الخزي"(عب 12 : 2  (
من أجل هذا قال سيدنا  فـــــي الليــلة التي أســــلم فيهــــا للصـــلب :
                  " هذا هو جسدي يعطى للحياة لأجل خــــلاص العــــــالم.
                  و هذا هو دمـــي الذي يهرق من أجل الكل لغفران الخطايا "( مت 26 : 28   ( 
 " و لأجلكم أقدس ذاتي " ( يو 17 : 19   .(

و هكـــــذا جميــــع القديســـــين و صلوا إلي هذا الكمال ،
                                            عندما تشبهوا بالله بفيض الحب و الرحمة على البشر ، 
لقد كانوا يفرضون على أنفسهم التشــــبه بالله بمحبـــــة القريـــــب حــــتى أكمـــلوها .

فهكــــذا الآبــــــــاء المتوحدون
                      كانوا يضعون على أنفسهم التشبه بمصدر الحياة المسيح سيد الكل .

فالقديس أنطونيوس :
                          ما رأى قط أن يفعل ما يناسب و يصلح له بـــل ما ينفــــع القـريب ،
                          و كان لــه هذا اليقين ، أن نفع القــــريب  هــو  عمــــــل فاضــــل .

و حسب ما قيل عن الأب أغاثون أنه قال :
                 " أريد أن أجد إنساناً مبتلياً في جسده فأعطيه جسدي و آخذ جسده  "  .

  فهـــــذه هي النظـــرة الكامــلة للفكـــر و هـــو أن يريح قريبـه بما عنـده ،
  كمثــــل ذاك الذي كان له ثـوب مخيـط فنظره واحد و رغـــــــــب فيـــه
  فلــم يتركـــه يخــــرج من قلايتـــــــــه حتــــــــــى أعطــــــــــاه لـــــه ،
و أشياء كثيرة مثل هذه قد ســـطرت عنهم ( أي عن القديســـــــين ) ،
و كثيـــــــــرون أســـلموا نفوســهم للنــار و السـيف و الوحــوش من أجــــل أقربائهــم ،
و لكــــــــــــن لا يمكن لأحد أن يبلغ هذه الدرجة من المحبة إلا إذا شعر خفية بالرجـــاء .

و لا يمكــــــن   للذين يحبون هذا العالم أن يقتنـوا محبة البشر ،
لأن الـــــــذي   اقتنـــى الحـــــــــــــب قـد اقتنى  الله معــــــه ؛

 و بحكـــــم الضــــــــرورة :
    أن الذي اقتنــى اللــه : لا يـرى أن يقتني معــه شيئاً آخر حتى أنه يتجرد من جسده ،
 أما إن كان يقتني العالم و يحـــــــب الحياة الوقتية فهــــي لا تدعـــــه يقتنــــــــــي الله
 حسبما شهد هو و قال :
                              إن مــــــــن لــم يرفـــــض كل شيء و يبغــض كل الأشياء
                              حتى نفسه لا يستطيع أن يكون لي تلميـــذاً ،( لو 14 : 26  . (
أي ليـــس فقـــــــط يرفـــض الأشـــــــياء بل و يبغضهـــــــا أيضــــــاً.

وإن كـــــــــــــــــــان من لا يترك العالم لا يستطيع أن يكون له تلميذ
 فكيـــــــــــــــــــــف يمكــــــــــــــن أن يســــــــــكن فيـــــــــــــــه .

ســـــــــــؤال :
                 لماذا الرجاء حلو لذيذ ، و أتعابه خفيفة ، وعمله سهل على النفس ؟
الجـــــــــواب : 
                        لأجــــل الاشتياق الطبيعي العامل في النفـــــس ،
                 و هــــو يســقيها و يرويهــــــا كــــأس الأمــــــــــــل
                 و مـــن  تلك الساعة لا يحس (المتمسكين به) بتعب ،
                و يظلون بغـــــــير إحســــــــاس بالضـــــــــــــــوائق .

 و في كل مسيرهم  يظنــون كأنهـــــم   محلقين على أجنحـة الهـواء 
                          و غـــــير ســــائرين  بأقــــــــــــدام بشـــــــرية ، 
                          و لا تظـــهر لهــــــم  صعوبة الطريق و خشونتها ، 
                          و لا أن أمامهــــــــم  أوديــــة و روابـــي و تـــلال.
                          بل يصــير الوعــــــر   قدامهـــــــم ســــــــــــهلاً ،
                          و المكـان الصعــــب كالـــــــــــــــــــــــــــــــبرية ،
 لأنهــــــــــــــــــــم ينظــــرون دائمـــــاً  إلي حضـــــــن أبيهـــــــــم ،
 و هــــذا الرجـــــاء  يكون مثل الإصبـــع  يشــير لهــــم و يريهــــــم ،
                          الأشــياء البعيــــدة غير المـرئية على حقيقتها ،
                          و يتفرســــــــــــون بعـــين الإيمـــان الخفيـــــة .

لأجــــــــــــــــل إن كل أجــزاء النفــــس تلتهــــــــــــــــــب  كمـــا بالنــار  ، 
                         اشـــــــــتياقاً إلـــي  الأمــور البعيـــــدة  أنهـا قريبـــة  ،
 والي هناك يمدون لواحـــظ أفكارهـــــم  و يســــرعون إلي  بلوغهـــــــــا  ،
 و إذا دنــوا لعمــل واحدة من الفضـــائل  فلا يعملونها جزئياً  بـــل كليـــــاً  ،
                         محتـــــــــوية الكــل  (أي كل جوانبهــا)  مــرة واحـدة  ،
  لأنهـــــــــــــــــم  لا يســـــــيرون فـي  الطـريق الملـوكي  مثل كل أحد  ،
                         بـــــــــــــــــــــــــــل  يختـــــــــــــــارون  سبلاً قاطعة  ،
                         استطاع السير فيها  أفراد من الجبــابرة  و الشـجعان  ،
                         تلك  ( الســــــبل )  توصلهـم بســهولة  إلي المنـزل  .

 إن الرجــــــــــــاء يشـــــــــــــــــعلهم مثــــــل النـــــــــــــار
 فلم يهدئــــــــــوا عن ســـــــــــــرعة جريهـــــم الدائــــــــم   لأجــــــــل فرحهــــــم ،
 و يحدث معهــــم ما قاله ارميا النبي :
                                              " إني قلت لن أعود اذكره و لا أنطــــق باســـــمه ،
                      فصار في قلبي مثل النــــــــار المتوقـــــــدة المضطربة في أعضائي "
 )                                                                                          ار 20 : 9 )
فهكذا يصــــــير ذكر الله في قلوبهـم إذ ســـــــــــــــــــــكروا برجـــــــاء مواعيــــــــده .

و أنا أعنـــــــي بالســـبل القاطعـــة الفضـــــــــائل التــــــامة  
التي ليس فيها طــــــــواف و دوران ( أي ليس فيها تراخي )
                                              و لا الحاجـــــــــــــــــــة إلي وســـــائل أخــــرى ،
                                              و لا يظنـــــــــــــــــــــون زمـــــــــــاناً لبلوغهـــــا ،
 بل ما أن يبدأوا في الفضيـــــــلة  حتى يكملوهــــــــــــــــا في الحـــــــــــــــــــــال .


ســؤال : ما هو تحرر الإنسان من الآلام ؟
الجواب : التحرر من الآلام 
          ليــــــــــــــــس أن  ( الإنسان ) لا يحس بالآلام ( أي حــروب الشــــهوات ) ،
          بل أنه لا يقبلهــــا بسبب كثرة الفضائل المتواترة التي اقتناها ظاهراً و خفياً،
          حيث تضعف الآلام و ليـس مــــن الســـــــــــهل دخولهــــــــا إلي النفـــس ،
         و لا يهتم الفكـــــر بالالتفات إليهـــــــــــــــــــــــا فــــــــــــــي أي وقــــــــت ،
         لأنه ممتلئ دائمـاً بحركــاتهالتي هي الهذيذ و مفاوضة أمـــور فاضلة و معانيهـا
                                 المتحـــــــركة في العقــل .

      و إذا ما بــدأ الألــم يتحــــــــــرك يختطــــــــف الفكـــــر فجـــــــــــــأة
      بسبب المعــــاني التي تظهــــر في القـــــلب ، و يصبح الألم بلا تأثير ،
حسب قول القديس مرقس :
         " أن العقـــــل الذي كمـــــــــــل أعمــال الفضيلة بنعمـــة الله و دنا من المعرفة
           لا يتأثر كثيراً بمــــــــــــــــــــــا لا يليــــــــــــــق بالنفــــــــــــــــــــــــــــــس ،
           لأن معرفتــه تختطفه إلي العلو و تبتعـد به عـن جميــــــع أمــــور العــــــالم " .


 لأن أولئك فمن أجــــل طهارتهـــــم  تلطــــف عقلهـم و رق  و  صـــــار جـــاداً نشـــــطاً
            و من أجــــــل النســــــــك  يتنقـــــى العقـــــــل  ، و الجســــــــم ييبــــــــس
            و من التفـــرغ في السكون  ، ومع طول المدة فيه ، يلحظ شيئاً  ( غير عادي )
           حيــــــــــــــث تجذبه الثاؤريا ( أي الرؤيا الإلهية ) إلي الدهـــــش و التعجـــــب ،
          و حيــث تكـــون الرؤيا متواترة  ، فلا يحتـــاج بعـــد إلي وسائل لفهـــم الأفكـــار ، 
           إلي جــانب أن الـــــــــــروح  يحـــــــــــــرك فيهــــــــــــــــــم أثمـــــــــــــــــاره ،
          و من تعود هذه الأمــــــــور  ( السامية ) لزمان طـــويل فإنهــا تقطع من القــلب
                                             أي ذكريــــــات تحـــــــــرك الآلام في النفـــــــس ،
          لأن الآلام        لا تصـــــاحب هــذه الأمـور مـادام الهذيـذ بهــا ( في القـــــلب ) ،
          لأنه قد خُطف بهذيذ مستمر  بتلك التي تنشب مخالبها بقوة الحواس الروحانية.

الاتضاع :
ســؤال : ما هي خواص الاتضاع ؟
الجواب : إن الكبريــــاء يشـــتت النفــــس فتطيـــــش في تخيـــــــلات  ( كثــــــــيرة ) ،
                             و من شدة تأثيرها تحملهـا سحابة الأفكار لتطوف بكافة الخلائق ،
           و أما الاتضاع فهو ضابط للذات بسـكون الأفكـار و قابض للنفـــس في داخلهــــا .

ــ كما ان النفــــــــــــــــــس ليســت معروفة و لا منظورة لأعين البشر ،
   كـذلك المتضـــــــــــــــــع فهــو غير معروف بيــــــــــــن النــــــــــاس .

ــ وكما ان النفـــــــــــــــس مســتترة داخل الجســـد عن النظــر و لا تختلـــط بأحـــــد ، 
    هكذا المتضع الحقيقي ،فهو لا يشاء فقط ألا ينظره الناس بتواريه و انعزاله عن كل أحد 
   بــــل و حتى عن نفسه  ـ إن أمكن ـ أن يكون منغلقاً و جامعـــاً فكـــره
   و يغوص داخل نفســـــه بالســكون التام لحركـــــــاته مع حواســــــه ،
  كأنـــــه  غـــير موجــــــود بين الخليقـــة و لا أتــى إلي الوجـــــــــــود ، 
    و        غـــير معـــــروف حتى من نفســه إذا كــــــان موجــــــــــوداً
   و         بمقــــــــــــــدار ما يكون منغلقـــاً عن العــالم مختفياً متوارياً
             بقـــــــــــــــــدر ما يكــــون قريبـــــــــــــاً إلي ســـــــــــيده .


المتضع لا يفـــــــــــــرح أبــداً بالجمــــوع ، و لا بكثرة ضوضاء الناس و الضجيـج و الحديث ،
  و      لا بالســــــــعة و بحبوحة (الحياة) ،و لا بالاهتمامات التي تثير الطموح و التشتت ،
  و     لا بالمفاوضـــــة  و الحــديث ( أي المناقشات ) التي يكون منهــا جنوح الحـواس ،
  بـل  يفضــــــــــــــــل  الانعـزال و الرجـــــوع إلي ذاتـــــــه أكـثر مــن كـــــــل الأشـــياء
  لكــــــي تهــــــــــدأ  نفسه و تسكن تمامــــــاً : 
  و يكــــــون التجـــــرد محبــــوباً لديـــــــه و كذلك المسكنة و العــوز ، 
 و لا يلقـــــي نفســه في مشـــاغل كثيـــــرة و أعمــــــال عديــــــدة ،
 بل في كـــل حــــين يريد أن يكون متفرغاً بلا اهتمامات وغير مضطرب بالأشياء الحاضرة ،
حتى لاتخرج أفكـــاره  خارجاً عنه لأنه يعلم أن الأعمال الكثيرة تحــدث اهتمامــات شتى ،
 والاهتمامات الكثيرة تولـد أفكــاراً غــــزيرة و بهــــــــذا يخـــــــرج عــــن الهــــــــــــــدوء ،
 فعليــــــــــــــــــه أن يرتفع عن كل هم أرضي ما خـلا الأمـور الضـرورية التي لابـد منهــا ــ
                           ليحافـــظ عـــــــــلى ســـــــــــــلامة أفكــــــــاره ،
 و يكون الضمـــــير  حامــــــلاً اهتمـــــاماً واحــداً بحركــاته الهـــــادئة . 

 إن لم يبتعــــــــد الإنســــــــــــــــــــــان عن المحـــــــــــــــــــــادثات
 فبالضـــــــــــــورة إما أن يــــؤذي أحـــــداً أو يتــــأذى من أحـــــــــــد ،
 و من ههنـــــــــا ينفتـــــــــح بــــــــاب الآلام ( أي المحـــــــــاربات ) ،
                      و يفتقد ميزة الهدوء و يهرب منه الاتضاع باب السلام .

  فمن أجل هذه الأسباب :
 ( فإن المتواضع ) يحفظ نفسه علي الدوام من أمور كثيرة كي يوجد في كل وقت 
                       هادئاً في سكون منقبضاً ( أي غير مشتت الفكر ) مسالماً لبيباً .

  ملحوظة : اللبيب هـــــو العاقـــــل لا كثـــير الكلام كما يظــــن بعض العـــامة .

ــ المتضع لا يعرف الانزعاج و لا الاضطراب ، و لا حركات حادة متسرعة متعجلة ،
   فحتى و إن أطبقت السماء على الأرض ، فالمتضع لا ينزعج و لا يتســجس .

  ليس كل لبيـــب متضــــع ، و لكن كل متواضــع لبيـــــــب ،
 و لا تجــد متضعاً غير لبيب ، أمــــــــــا لبيــــــب غير متضع فكثير ،
  فالمتضـع هادئ حسب ما قال ســـيدنا :
                      " تعلموا مني لأني وديع متضع في قلبي ،
                      و بهــــذا تجـــــــدون راحة لنفوســــــكم " مت 11 : 29 )
 المتواضــع يكـــون هادئـــاً في كل وقــت و ليــس شـــيء يحـــرك ( أي يثير ) فكـــــره ،
 فإن كان سهل أن يحــرك الإنسان جبلاً ،لكن لا يمكنه أن يحرك أو يزعج ضمير المتواضع ، 
 و ليس ما يمنع من القول أن : 
المتواضع ليـــس هـــــــــو مــــن هــــــــذا العـــــــــــــــــالم ، 
            لأنـــــه لا من الأشياء المزعجـــة المحــزنة يضطرب ،
                    و لا من الأمــور المفرحــــة يبتهــــج و يفـــرح ،
            بـــــل فرحـــه و ســـــروره الحقيقـــــــــي هــــــــو
                     في مرضــــــاة و فـــــــرح ســــــــــــــــــيده .

يعقب الاتضــاع : الـــــــرزانـــــــة و انقبــــــاض الــذات  ، و ازدراء الثيـــــــــــــاب ،
وصوت منخفض  و كــــلام قليل ، و احتقـــــار للنفــس  ، و مشـــــي مـــــرتب ،
و نظر مطاطئ ، و راحمة فائضة ، و ســــرعة الدمـــوع ، و نفـــــس منفــــــردة ،
و قلب منكســر منســـــــحق ،  و عدم تحرك الغضـب ،  و انضبـــاط الحــــواس ،
و القناعــــة في الأشـــــــياء،    و اســــتخدامهـــــــــا ، و يكون محتملاً صبوراً ،
 ( له  ) شجاعة القلب الناتجة عن بغضة الحياة الوقتية .
 التجلــــــد في التجـــــــــارب ، حركـــات هــــــــــادئة غـــــير متســـــــــــرعة ،
 هـــــــــدوء الأفكــــــــــــــــار ، كتمــان الســـــــــــر ، التعفف ، الحياء و الخجل ،
و أكــــثر من هــــــذا كــــــله  : الصمت علي الدوام ، و ادعاء عــــدم المعــرفة .

المتضـــع  لا تصادفه أبــــداً ضرورة تجعله يتسجس .

المتواضع  يحتشم و إن كان مع نفســــه وحـــــــده .

أنا أعجـــــــــب إن كان ثم متواضــــــع يجســر أن يطلب من الله شــيئاً في الصلاة  ،
أو إذا دنا منهــــا يعتــــــــبر نفســــــه أنه أهـلاً أن يطــــــــــــلب منـــــــــه شـــيئاً .

أنه لا يعــــــــرف ماذا يطلب ، بل يكون هادئــــــاً في جميــــع حركــــاته  ( الذهنية ) ،
و فقط ينتظــــــــر أن تأتيه الرحمة،(و ينتظر) أي أمر يخرج عليه من العظمة المسجود لها ،
و يكــــون وجهـــــــه منحنــــــــــــــــــــــــــــــي إلي الأرض
و نظـر قلبه الداخلي شاخص لباب قدس الأقداس المتعالي
 الذي إشـــــــــراقه يبهر عيني الســــــــارافيم ،
و شــــــــــــــعاعه  يرهب طغمــات صفوفهــــم ،
و الصمـــــــــــــــت سائد على جميع مراتبهــم ،
و ينتظــــــــــــــرون ظهور الأســرار من لدن الله ،
و حـــــــــــــــــركة  بلا صــــــــــــــــــــــــــــوت ،
 و حـــــــــــــــواس  غـــــير جســـــــــــــــدانية ،
و بإحسـاس لا يشـبه ، يستعلن عليهــــم بجوهر غير منظور ،
هذا الذي يعطيهم قوة و شجاعة ليتجلدوا تجاه لجة الأسرار .

  و هـذه الأشـــياء حددناهــا بألفــاظ بســيطة لا يــدرك العقـل فحصهــا  ،
          و أنـــا لـــم أهتــم بــــذلك بهـــدف اســــتعراض الأقــــــوال بـــل لأن :
           من قراءتهـــا فقط ينسى العقل أعمال العالم و سيرته و حياته الجسدية ، 
و ينتقل بفكره إلي عالمه الحقيقي .

Share this article :

أرشيف المدونة الإلكترونية

 
designed by: isaac