في ترتيب السكون
موضوعــات الميمـــر :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ــ يا ابني إغصب نفسك في الخدمة الليلية وأزد فيهـــا المــزامير .
هذا هو العمـــــــــــل الذي تتدبر به الاهتمام بالصلاة والخـدمة
و التخلي الدائم عن العالم،و الصمت بالسكون من كل الأعمال .
ــ إن بداية كل هذه الأشياء هو الهرب من محبة الربح ،
لأن محبة المنظورات والجسد لا تدع الصلاة تتوافـــر .
ــ مفضل قدام الله الهـــادئ المتواضــــع المعـــترف بعجـــــــزه ،
فالعجز عن تكميل كل قوانين أعمال الجسد مع الانفراد بذاته ،
و العيـــــش بعـــــــــوز و المســــــــــــــكنة ،
و حمل ثقل النفس بشكر و حزن قلب( فهذا )
أخير من تكميل القوانين :
مع حيـــاة منحــــــــــــلة وانطـلاق الفــم وطمـوح الحـــــواس وتســـيبها .
لتعلم يا أخي إنه غير مستطاع لنا أن نثبت في خدمة المسيح كما يجب
إن لم نغصب أنفسنا علي ذلك في كل وقت بالأمور التي ترضي اللــــــه .
طوبي لمــــــن يغصب ذاته علي الدوام ، لأن التغصـــب هــــــو :
بداية العمل الذي يغني النشطاء الفائزين في طريق الملكـــــوت
ــ المرتبط بالشهوات العالمية لا تقبـــل صــــلاته .
فكن مائتاً عن
كل رجاء و أمل في هذا العالم و جميع شهواته ،
و تزين بالأعمـــــــــــــــــــال الجيـــــــــــــــــــــــدة ،
فتحل علي نفسك وذهنك و قت الصلاة قوة الروح ،
وتكون خدمتــــــك رائحــــة طيبــــــــة قــــدام الله .
ــ بقدر ما تلقي همك علي الرب وتستهين بأمور الجسد
كي لا تتعوق بسببها عن الأمور الواجبة نحـــو الــــرب
فإنه يزيد بالأكثر اهتمامه بك .
ــ الجـــــبن إنما يحــدث بسبب البرود ( أي الفتور الشديد ) ،
و الــــــذي يغير عـــلي نفســـــه يضعــف أعدائــــــــــــــه ،
و المشفق علي ذاته يجلـــــــــب الخوف علي نفســـــــه ،
و الــــــذي يبعد الغيرة عن نفسه يقع في البـــــــــــــرودة ،
و الــــــذي يقع في البرودة يُسلم لكل سيرة و تدبير منحل .
خمسة أبواب يدخل منها الإنسان إلي إدراك كل
حكمة روحانية :
الأول :
القـــــراءة و الهـــــــــــــذيذ في
الكـتـــــب .
الثاني:
الاهتمــام بعمل الفضيـــــلة في
الســـكون ،
مع التحــرر من سائر الاهتمامات قدر الإمكان .
الثالث: تجربة الحــــــــروب لأجــــــــل الفضــــــائل .
الرابع : اختبار عناية
الله الواضحة في وسط هذه التجارب والعوارض المؤلمة
.
حيث تتغير الأمور بغتة بعمل
السياسة ( الإلهية ) ، و غـــــير
ذلك .
هذه الأبــــواب الأربعــــة بأمــــور
من الخـــــارج ( أي خارج القلب )
تدني الإنسان من معرفة الله . و أما
الباب
الخامس: فبدون توسط المادة التي من الخارج يوصل إلي معرفة أفضل ،
التي هي موهبة تعطي من روح
القدس داخل القلب .
فالذي يقــــــــرع باب الكــتب بتمييز
فباب الفضيلة ينفتح
قدامه ،
والذي يدخل من باب الفضيلة فبــــــــــاب التجارب ينفتح
عليه ،
ومـــن يدخل من باب التجارب لأجـــــــــل الفضيلة ،
ينال خبرة عناية الله .
ومـــن يدخل من هذا الباب
فبالتعزيات و المجاذبات
التي يصادفها ينال تطهير النفس
هــــذا الــــذي بــــه يؤهــــــل
لنعمـــة الـــروح القــدس .
والخالي من الأولي لا ينال
الثانية .
والذي يمل من دخول هذه الأبواب لا ينال
مما يأتي بعدها بلا شك .
+العمل الأول في السكون هو الصوم
و الصـوم ينــــــاسب كثــــــيراً عمــــــل اللـــه ،
السكون هو الانفراد و تحرر الحواس من العالم ،
و الصوم هو علامـــــــة العمــــــل مــــــــع الله .
+العمل الثاني في السكون هو الصلاة .
+فلنحــب النوم الهادئ في الســــــكون لأن خيالات أحلامه
أخير من أفكار اليقظة التي تكون بعيدة عن الســـــــــكون .
+ اللقاءات والأحاديث في الاجتماعات تهدم احتراس الفكر .
+ لا تتكل علي إنسان لئلا تتجرد من النعمة ،
فإن ألقيت اهتمــامك عــلي الــرب كليـــــاً فسيتبع ذلك إيمانك به .
التمسك بالعفة :
في كــــل أعمال تدبير سيرتك لتكن عفة الجسد متوفـــرة فيـــــــــــك
فإن كانت كل أعضائه عفيفة فلن يتسخ القلب و لا يقبل أفكار مضـــادة .
فهـــــــــذه هـــــي أســـــــــــــاس فضيــــــــــــلة القديســــــــــــــــين ،
فــــــــــإذا هي فسدت فلا يعــــود الإنســــان ليـــــدعي إنســـــان الله .
فأكــــــــثر من حرصنا على حياته ينبغي أن نحرص عليهــا، و نعتني بها
و لأجلهــــا نقاسى سائر الضيقـــات و الأتعاب لئــلا نصير غــرباء عنهـــــا
أفكـــار الجُــــبن :
من خمسة أسباب يكون فكر الجبن في الإنسـان :
الرجل المنحـل في ســــــــيرته يكون جبــــاناً .
و الخـــــــــالي من معرفة الحق يكون جبــــاناً .
و المرتبـــــــط بهــــــــذا العالم يكون جبــــاناً .
و المحــــــــب لجســــــــــــده يكون جبــــاناً .
و الخــــــــالي من الإيمــــــــان يكون جبــــاناً .
لا تتعظم :
إنتبه لخلاصة القول : إن سرعة التغيير هي في طبيعتك ،
فتذكر هذا كل وقت و لا تتعظم بفضائلك ،
فــإن كان لك فضيلة أو عمل صالح أو موهبة أو عمل من الله ،
فتذكر فضائل كثيرين الذين بسبب التغيير الذي في طبيعتهم
قــــد أخرجهـــــم عـــــن جميعهـــــــا في لمـــــح البصــــــر .
إن كان لك شيء (صالح ) فلا تثق فيه و لا تتكل عليه أبــــداً ،
فـــــلا علي ثباتك وجلدك في الشدائد ، و لا علي نار حرارتك
بـــــل بالتفكير في الخوف علي حياتك ،
كن متضعــــــــاً حزيناً و محترساً من التهاون حتى من أقـــــل الأشياء .
السكون الدائم يصـــــلح لتقـــــويم الســــــــــيرة ،
والـــــــــــــذي لم يســـكن مع نفســــه لا يصل إلي تقــــويم ذاتــــه كمـــــا يجـــــب .
الوجــــــــــــود مع الناس و اللقاءات ( مع أهل) العالم يلزمه الاحتراس الزائد بالحواس
والجلــــــوس في السكون يلزمه احتراس القلب .
الصبر :
( القدرة علي احتمال ) الضيقات و الصبر عليها
يلزم أن تسبقها الغربة و التجرد و السكون و العوز للجسديات و الوحـــــــدة ،
فهـــذه تساعد أن يكون الصبر سهلاً ، لأن الروح يعضد ضعفنا ( رو 8 : 26 )
لأن الله ينظـــــر إلي أتضـــــاع قلبنـــــا
و لا يتركنا نقع في شيء رديء
أو أن نضـــل منـــــه فنهـــــــلك .
المعونة تلد تعب من أجل الله ،
و الذي يعفي نفسه ( أي يتهرب ) من الضيقـــــات التـــــي لأجــــل الفضيـــــلة ،
فهو منحل و فاشل و عديم الفضيلة و مغلوب من الشهوات ،
فالذي يبتعد عن الضيقات يبتعد عن حياة البر ،أي انه يبتعد عن الحيــاة الأبديـــة .
وباختصار : فبالضيقات كمــــل جميـــــع القديسين و بلغـــــوا درجــــاتهم العاليــة .
نرضي الله :
أيها الإنسان:أمر و احد هو المطلوب في كل وقت و ينبغي أن نصنع كل شيء من أجله ،
هـــــو أن نحرص لكي نرضي الله و نجـــده (هو) فقـط فنضيـع كل شـيء
و نزدري بكل شيء و نبغض كل شيء لكي نجد الواحد .
و اجــب علينــا أن نهتـــم في كل شــيء أن نجـد الله ،
و ذلك بهلاك أنفسنا وعندئذ نجده ، وأنا أعني هذا حقاً ،
لأن هـــلاك أنفسنا من أجل الله هو أساس من قلنــاه .
أي موهبة كانت ،
فالمحرك و المنبه لها هو الهذيذ المتواتر ( أي المتوالي ) في الكتــب ،
و إن من يتوقف عن هذا الغـذاء و عن الارتـــــواء الدائـــــــــــــم مــــــــن الكـــــتب
قبل أن يكتمل و يثبت الضمــير في الله ، فإنه يبرد و يضـرس
و يؤول به (الحال ) إلي الملل و يرجع إلي التهاون و الانحلال .
فميز و انظـــر باهتمـــام و تدقيـــــق فــــي هـــــــــذا ،
كيف إنه إذا توقف يوماً و احداً أو أثنين عن قراءة الكتب
يبــــــــــــــــــــرد فكـــــــــــــــــــرك
و تجـــزع عــــن محبــــة الضيقــــات
و الجهادات وبقية الأمور ( الروحيــــة )
و هذا معروف عند جميع الخائفين لله .
قال الآباء أيضاً : إذا ما توقفنا عن الذكر النافع و لو إلي ساعة واحدة
فإننا نمل من ثقل الفضيلة و من الســـكون أيضــــاً ،
وانه من الطبيعي أن تدخل إلينا الأفكار و هي تجذبنا إلي ناحيتهـــا ،
و يعــــرف هــــذا الذين اختبـــــروا تأثـــــــــير الأفكـــــار الرديئــــــة
و المســــموعات و اللقـــاءات الدائمــة الغريبــة ،
و عن الطرق الشاقة التي سار فيها القديســون ،
إذ (ينتج عنها ) تهاون الضمير و ظلمته و ضعفــه .
إذا كانت النفس وهي تسير في ميدان الفضيلة بين صفوف (المجاهدين )
تــــــــــــــــــــــــــــــلاقي قتــــــلات وأيضاً نعمـــــــــــة ،
لأنها في وقت يكون لهـــا نـــــــــــور ووقت ظـــــــــــلام ،
ووقــــــــــــــــــــــــــــــت حــــــرارة ووقت ملل وبــرودة ،
وهكذا ــ كما قال الآباء ــ تتعدد التغيرات ،
وفي كل هذه الأوقات فلنغصب أنفسنا علي
أداء المطانيـــــــــات وخــدمة المزامــتير والقـــراءات ،
حتى لو كان هذا العمل ثقيلاً علينـــا وليس له حــــــــــــــــــــــــلاوة ،
وحتى لو كان أفكـــــارنا بــــــــــــــاردة ومملوءة طياشة ، وغير نافعــة ،
فعلى هذه جميعهـــا نغصب أنفسنا
فتأتي لنا قوة من الله فنمتلئ حرارة وتريحنا أفكار عفيفة .
أما غير هذا طريق الذئاب .
إذا كنـــــــا نشتهي البدء في طريق الفضيلة
فإننــــــــــا نحتاج إلي أمرين بهما ترتفع من قدامنا كل المعوقات
هـــــــــذان اللذان إن لم يلازم أي منهما طريقنا فإننا ــ مهما كان الحال ــ
لا نقــــــدر أن نسير بثقة في طريق الله بغير تعويق وهما :
إما معرفة نيرة مضيئة ، وإما حرارة غيرة شديدة .
وبـــــــدون واحدة من هاتين لا يتجاسر الإنسان على رعب الأشياءالمعارضة
علي الدوام والاهتمام ( بالعالميات ) ،
وهـــــــــذا غير مستطاع للمتهاون لأن أفكاره تخيفه فــــي كــــــل وقــــت .
المنحل (في جهاده ) هو علي الدوام ضعيف الإيمان .
والرجل المؤمن تعتقه المعرفة مـــــن كل خــــــــوف .
خمس فضائل من دونها لا يمكـــــــــــــن لكل رتب البشر أن تكون بلا لوم ،
إن كــــان راهباً أو علمانياً ،
لأن الإنسان الذي اقتناها يخلص من كل ضــــرر
ويكــــــــون محبوباً عند الله وعند الناس ، وهي :
1ـ جســـد عفيــــــــــــــــــف .
2ـ لســـان محـــــــــــــــترس .
3ـ البعــد عن الشره والرغبـة .
4ـ كتـــم السر في كل أمـــر بغــــرض مستقيم الهي .
5ـ تكريم قدر كل الناس ورفع منزلتهم إلي رتبة تفوق منزلة الوجهـاء .
لأن مـــــن يكـــــرم النـــاس يُكــــــــــرم من النــــــــــــاس ،
ومن الله يأخــــــــذ المكافأة ،
فالكرامة تجلــــب الكرامـة والاحتقار يجلب الاحتقــــــــــار ،
ومـــــــن يكـــــرم اللــــــه يُكــــرم مــــن اللـــــــــــــــــه .
علامتان حقيقيتان أعطيك يا أخي ، تحــــس بهمـــا كنـــور في نفســــك ،
وذلك في الوقت الذي يؤهلك الله أن تستنير من داخل ،
و همـــا تكفيـــــــــان ليدلانــــــــك إلـــي الحـــــــــق ،
و ذلك عندما تبـــدأ اسـتنارة الفكــر التي يتحـدث عنهـا الآباء
في الظهور في نفسك ــ بنعمة ومراحم ربنا يسوع المسيح ،
فهاتان العلامتان تجعلانك تتحقق منها ، و في أي وقت لا تجد هاتين في ذاتك
فاعلم أنك بعيد عنها ، حتى لو كنت تظن أنك ســائر حســناً.
إحداهما هي :
هذه التي تكون عندما يبدأ النــور الخفــي يظهـــر في نفســــك ،
و هذه إشارته :
في وقت تخرج من القراءة أو الصلاة و فكرك متمسك بأحد ألفاظها
ومادة ( أي موضوع ) يتأمل فيه ويفحص ويفتش ــ من تلقاء نفسه ــ
عن الغرض الروحاني منه ،
و هكــــذا يرتبط به و لا يترك ذلك ليطيش بأمر من أمور الخليقة ،
و هـــــــو لا يكون مركــــزاً ( أي منصبــــاً ) علي هذا الأمــــر ،
العقـــــــل من تلقاء نفســــــه بل هذا الشيء يكـــون فيــــه
فيمتلئ به تمامــــــــــاً و قد يقـــــــل تدريجيــــــــــــــــــــــا.ً
و العلامة الثانية : المحققة مثل هذه أيضاً واستنارت داخلياً ،
عندما تكون النفس قد خرجت من الظلام ، (هي ) :
أداء المطانيات علي الدوام :
و يعطــــــي للمتــــــوحد حــــــلاوة الثبــــــات فيهــــــــا
حتى انه لو لبث ثلاثة أيام جاثياً على الأرض في الصـــلاة
لا يعرف التعب من الحلاوة و اللذة و لا يريد أن يرفع وجهه ،
لأنه فـــــي أي وقت يرفع رأسه و يقوم ، ينجذب ثانية من تلك
الحــــــــــلاوة المتحــــــركة في قلبـــــه فيخــــر جاثياً ،
و تكـــــــــون ( كلمـات) الصــلاة جــــــزء صغــــــــــيراً،
لأنه عنــدما تجوز الصلاة في قلبــــــــه يحـــس بالمعـــــونة
و يزداد تنعمه حتى يلجم لســانه و يصمــت قلبــــــه ،
و يســــــيطر علي قلبه و أعضاءه ذاك السكون الحلو
حتى يظــــن أن نعيـــــم ملكـــــــــوت الســـــــموات
لا يقـــــــاس بســــــــــكون هــــــــذه الصـــــــــــلاة ،
لأنه يكـــــون ملقـي علي وجهه ليـلاً و نهاراً ســاكناً ،
و هذا يكــون بقــدر عمــق اســـــتضاءة العقـــــــــل ،
و علي هـذا القدر يؤهـــل لأداء المطــــــــــــــــانيات .
يا أخــــــــــــــــوتي : في قولي هذا لا (يعتبرنا أحد)
كالذين يســـتهزئون بالأمـور التي تكون من(معاملات)الله مع القديسين بسر لا يعبر عنه ،
لأنه ما هي الضرورة التي تلجئنـــا لنقـــــول هــــذا الشـــيء الذي لا يمكنـا وصفــه لأنه
يفـــــــــــــــوق العقـــــــــــول ؟!
والإجابة :
أعطي نفسك لعمل الصلاة :
فتجد الشيء الذي لا يمكن أن تسمعه من أحد ،لأنه ليس لكل أحد الكفـاءة لســماعه ،
و لا كل أحد يصـــل لهـــذه (المرتبـــــة ) أي نعمــــة الصــلاة النقيـة و القـوة التي فيهـــا
إنما وجـــودها يكـــون بعــد أتعاب كثيرة ، وفي أي وقت
يتكاســل عن الأشــياء التي ســبق فقلنـــاها
لا ينــــال من توصـــل إليـــه هـــذه الأشـــــياء ،
و لا يمكن أن ينظر هاتين العلامتين في نفسه .
وينبغي عليك أيها الراهـــــب أن تطلب ( ليكون ) هــاذين الأمرين في نفسك .
ظلام النفس : في أي وقت
يصعب عليك أداء المطانيات و تكون ممارستها ثقيلة عنـدك ،
و إذا خرجت من (قراءة) الكلام الإلهي و الصلاة و أنت بلا ثمر
و لم يكن ذكر شيء منها في فكرك وأنك طائـــش ( الذهن )
فاعــــلم أن ظلامـــــاً عظيمــــــاً موجـــــــوداً داخـــــــــــلك .
و طالمــــــــا انك تعاني مــن الضــجر فــإن بــاب الحيــاة لم يفتـح داخـلك .
و دواء هذا الظلام :
إنما يتولد من فعل الصلاة إذا جاهد الإنســـان و ثبت فيها ،
فعند ذلك يحس سريعاً و في وقت قليل بالمعونة التي تكون من الصــــلاة ،
ما لم يكـــــــــن هنـــاك ســـبب خــارجي يهتــــم به الإنســان داخليـــــاً .
ينبغي علينا ــ بحكم الضرورة ــ أن نعرف ما هي الطـــرق و الإفــرازات
( أي الأمور المتميزة التي يختص بها )
هذا العمـــل الهـــــــــادئ الطـــــــيب الـــــذي هــــــــو الســـــكون .
لأنه ليـــس من بدايــة سيرة الســـكون يجد (الراهب ) هذه الإفرازات
فـــــأول الطـــــــــريق و بـــدء الســـيرة واحد لجميـــــع الرهبـــــــــان ،
و هو معروف لكل أحد لأن عمله ظــاهر ، و محـدد عن غـــيره و هــــو :
خدمة المزامــــير و الصــوم الظاهر الملمـــــوس ،
و أن يكون للإنسان قـــــراءة في الكـــــــــــــتب .
و فـــــــي البدايــة لا يحــــــس بفهـــــــــم ما يقـــــــرأه حتــــــى لـــو كـــــــــــان
معلــــــماً فطنــــــاً جداً حاذقاً في القراءة المعتادة ( أي العلوم العالمية ) والمنطق ،
لأن الفهم الحقيقي الذي حســـــــــــــب غــــرض الـــــــروح ،
يكـــون علي قـــــدر نمو الإنسان الداخلي و في هذه السيرة
و تقدمـــه و نجاحــــــه في التدبير الخفي (أي الروح ) ،
فعلي هذا الحــــد يتـــــذوق (ما يقــــرأ ) بالقــــوة الإلهيــــــــــة
التي تسوسه و تدبره في هذا البحر المتسع الذي هو الســكون .
ولهــــــذا ـ حسبما قلت ـ
إن البدء واحد و الطريق واحد لكل من يتدبر في سيرة السكون ،
و بعد ذلك ـ إذا نجــح فيـــه تخـــــرج منـــه ـ الطرق و الســـــبل
التي ذكرناهــا و بيناهــــا ( في الحديث عن استنارة النفس ) .
فقــــــد يتفــق أن يربــح أحد النـــاس بجــزء من أعمــاله أكثر من غــيره ،
وذلــــــك بمـــا يصـــادف فيـــه من النجــــاح و الســــهولة و التقـــــــــدم ،
وكلمــــا يداوم الجهاد فيه يحظـــــــــــي
بنقـــاوة الأفكار و اسـتضاءة العقل أكــــــثر من بقيــــــة الأعمال ،
و لهذا فهو يداوم عليه و يجعله مرجحـاً علي غيره ( من الأعمـــــال )
و ذلك لا يكــــــــــــون كيفمــــــــا اتفـــــــــق بغــــير ترتــــــــــــــيب ،
بل بعــد خبــرة طويلة يتـــذوق ممـــيزاته ( أي مميزات هذا العمــل )
ويدرك ربحه و أثمــــار المعــرفة المكنــوزة التي قد أخدرها في نفسه
أما من قراءة أو خدمة المزامير وإما صلاة ،وإما هذيذ ، وإما مطانيات ،
و إما التـــــــلاوة القلبيـــــــــة التي يصـــــلي بهــــا فـــي الخفـــــاء .
و هذا يكون حســـبما قيـل ان الكامــــلين غير موضـــــــوع عليهــــــم نامــــــوس ،
و هــــــــــــــم لا يلتفتون إلي البشر و لا إلي أشــياء و عـادات بشرية ،
و كــل عمـــــل يبدأون فيه فإنهم يعملونه بتدقيق ومخافة ، لا بتهاون ،
و لأجل هــــــذا يجـدون العــون و ينجحــون ( ويتقدمون ) إلي الأمــــام .
خــــوف شـــديد مرعــب جــداً (عـلي مــــــــــــــن )
يدنــــو من اللــه برخـــــــــــاوة بنوع من الدالة و الحرية
لأنه بغتة يواجهنا حكم و قضــاء في هـــــذا الأمــــــــر .
أما تحس أيها الإنسان الشقي أمـــام من أنــــت واقـــف !؟
و لمن تذبح حركات عمـلك ؟!
لعـــــلك ما اختــبرت حتــى الآن
قســــــــــــــــاوة اللـــــــــــــــــــــه
إذا ما أراد الانتقام من المحتقرين له ؛
و كم هو شديد في غضبه و محتد و مملوء من الغيرة عندما يأمر ،
و هــــــــو لا يرجـــــــــــــع حتــــــــى لو ســــــألته كثـــــــــــيراً .
أتــــــــــــــــــــــــــــــريد أن
تخـدمه و تصـلي إليه برخــاوة و بأســلوب جســدي متهــــون ؟!
إن الذين يعملون قدامـــه :
ـ ليــــس لأجل المكافــــــأة و الأجـــر بل ـ لأجل المحبة يؤهلــون لعـزاء كثير .
وأما الذين لأجل المكافأة
يعملون و يصبرون علي الضيقات والمحزنات و سائر الضغطات من أجل سيدنا ،
فإنهــم يفرحــون أولاً ،و بعد ذلك إذا ما عملوا قليلاً لم يتعزوا حسبما يأملـون ،
في حالتهم هــذه ترجعهـــم إلي الضجــر و المــلل و صــغر النفــس ،لأنهـــم
لا يضعون في قلوبهـم أن :
الضيقــــة من أجــــــل الله هــــي عيـــــد عظيـــم .
( إنه يجب أن نضع ذلك في قلوبنا ) حتى لو ظللنا إلي انقضاء حياتنا بلا عزاء
و الذي لا يقبل الضيقات و يتجلد من أجل الله بهذا القلب ،فان ســـيدنا
لا يضمه و لا يجمعـــه إليه كأنــه من أخصـــــائه ،
و لا يجـــــد داخله مكـــــــانة للصــــــبر .
بالحـــــــــق أن الذين يزرعون بالدموع بفكــــر غــــير محـــدود كالبنـــين ،
فإنهم بفرح يحصــدون أزيد عما كانوا يأملون في ضميرهم .
+ إذا ما جلس الإنسان في السكون باحـتراس و تحفـظ و لا يدخـل إليـه أحـد و يخــرج ،
فبعـــــــــــــــد الكثير من الضجـــــــــر
يتـــــولد فيــــه القليل من رحابة القلب بغير سـبب .
و طوبي لمـــن يصــــبر على الضجــــــر الذي هـــو اختبـــار فضيـلته الخفيـــــة
و هــــو تهـــــذيب و تنشـــئة للفكـــــــر، و ذلك لمن يحتمل على رجاء نعمة الله .
+ إن لــم يضعــف الجسـد بأعمـال إرادية ، لا تسـتنير النفس و تقوم في حسن طبعها .
و إذا ما أشـــــرقت معـــــرفة النفـــــس ، فإنها تخضع الجسد قرينها و تمجد الخــالق.
+ إن ضعف الجسد تماماً
فالنفـس أيضاً تتوقف و تبطل عن عملها ، و تصبـــــح كحــــرفة في يد صـــــانع
لكن ليس لديه آلاتها و بحـــسب رأيي ، أشـــير عـــلي التــــائب الحقيقـــــي :
+ اتعـــب جســدك جـــزئياً حتى يتقــــــوم
و اجلس ليــلاً و نهــاراً على باب قلبـــــك
و اقتـــل و عذب بلا رحمة ( مقابل العدو )
لأنــــــه حســـب الكلمــــة الســــــيدية أنه من القلب تخـرج الصــالحات و الشــرور .
+ كما أن : البنــــــــــــــــــــــاء الذي يبني في النهار و يُهدم ليـــلاً لا يرتفــع إلي أعلى ،
هكـــذا : سـيرة الســــــكون التــــي بالأســـــــــــابيع أو الســـــــــــــــبوت ،
فهـــي و لا بعد سبعين سنة تنجــح و تخرج ثمـار الـروح التي كتبها بولـــس
و عمـــل و نســــــك الذي يتعب و يشقي نفسه و يقتل ذاته باطــلاً .
فثلاث سنين في سكون كلي دائم
من غير تشتت و لا انتقال مع تكميـــل و اجبــاته،
و هــــــــــــــو محبـــوس في قــــــبر القــــــــلاية
و منقطـــــــع عـن أمــــور هذا العـالم المسجسة
حتى تنسي الحيل و السبل و العادات
و تصرفات و أحاديــث هـــــذا العــــــالم بالكليـــــــــــــة
فينهــــــض الإنســــــــان الجـــــــديد
علي شبه صـورة خالقه و ينفخ فيه روح العــزاء الخفي ؛
فهذا أخيراً من سكون سبعين سنة
بتشـــتت فيهــدم و يبني ، و يبني و يهــدم بلا قيــام .
+ رأس النفـــــــــــــــس هو : الإيمــان الحقيقــــــي مـــــــع المعــرفة الحقيقية .
+ رأس السيرة الصحيحة هو :الغــرض المســـــتقيم مــــــــع صــــــــلب الإرادة
مقـــابل الشــــــهوات بواسطة عمـــــــل الوصـايا .
+ بــدء السيرة المتقنــة هو : المـــوت عـــن كــــــل مفاوضـة مـــــــــع أحـــــــد
حــــــرصاً عــــــــــلي إشــتهاء الأمــور الإلهيـــــة ،
لأن من هذه يتولد داخـل العقل حب و حرارة نحــــو تدبــــــير السـيرة الحقيقية.
+ حرارة النفــــس تتولــــد من :
القــــراءة الدائمـــــــة عن تدبير السكون
المقــــرون بممارســة الصــــــلاة بتــــواتر .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصلاة الحارة :
بدء الصلاة الحارة إنما يكـــون من الحــرارة الطبيعيـة ( أي الحماس الإرادي ) .
وإذا امتزجت الصلوات مع القراءة الدائمة بإفراز فهذا يوصلنا إلي هذيذ العقل .
ومن الهذيذ الروحاني الذي للعقل يتولد فينا جمع الفكر
ومن جمــع الفكــــــر يتولد الانعتاق من الطياشــــــــة ،
ومن الانعتاق تتولد فينا الصلاة الخفية و مفاوضة العقل .
إتحاد العقل بالله :
+ إذا مــــــــــــــــــا حفظت واجبات الســـــــكون بتغصب و انجــذاب ( أي بشوق )
مع التربية بالنعمة و بإرشــــــــاد الأب الروحاني مــــــــدة مــــن الزمـــــــــــــان
فإنه تمحي من القلب الصور و الأشكال و التذكارات المضادة لســيرة الســــــكون
و تصطبــــــغ النفـــــــــس بالفضـــــــــائل الكبــــــــار الأســـاســية التــي هي :
السلام ،الاتضاع ،الهدوء ،المحبة ،الطيبة ( أي الوداعة )، الفرح ،العزاء الروحانى ,
و هذه الفضائل هــــي التــي تطبــــــع في النفـــــــــس الصـلاة الروحانية
و منها جميعاـــً يؤهل ـ بالرحمة ـ إلي إتحاد العقـل باللــــــه .
وهذا يكـــــــون بالإحســــــــاس الداخـــــــلي في العقـــــــــــــــــــــل .
و من هــــــذه الحال فبواسطة إيمان النفس و المعرفة التامة بالرجــاء ،
يجــــــــــــــود ( الله ) علينا بإنعام يفوق الطبيعة ،و هو عربون حريتنـا ،
التي هـــــــي دالة وثيقـــة البنـــوة و التي يشـــعر بهــــــا الضمــــير .
صلاة الحب الإلهي :
+ صـــــــــلاة الحـــب الإلهــــي هي ســكون العقل الذي انطبع الله فيه .
و يلهــــج العقـــل بهذا الإحساس الإلهي خفيـة و بلا فتـور .
إن درجـــة الحـــب الإلهــــي هـــــي أرفـــــــــع مــــــن الصــــــــــلاة ،
و لكن من دون :
الصــــــــــلاة و التضـــرع الدائــــم و الدمـــــوع الحزينـــة
و اشتياق القلب مع السهر و أعمال النسك لا ينجح ( المتوحد ).
حفظ الوصايا :
+ الراهــــــــــــب الـــــــــــذي في زمــــــــان الطاعة و الخضوع
يختار لنفســـه الراحة و الحـــرية ( أي عدم الطاعـــــة )
فإنه في زمــان الراحة الحقيقيـــة ( أي في الأبديـــــــة )
بالعــــــــــــــدل يبكي و يجوع و يشقي بالندم و يضنـي .
+ الراهـــــــــــب الـــــــــذي
في زمان الحصاد و الفرح الشامل يملك عليه الندم و الكآبـة ،
فهو شاهد علي ذاته إنه في أوان الــــزرع و الخضـوع و العمـــــل لم يغصـــب نفســه
لأن يحتمــــل و يصـــــــبر على حـــدة البــــرد و الجليــــــد
ليشـــــق بالمحــــــــراس خطوطاً عميقة في أرض قلبه و يطمر فيها زرع خبز الحياة .
هـــــــــــــــــــــــــــو الآن يشقي بالجوع في وقت الحصاد .
+ أعمــــــال التـــوبة و الصـــلوات و الدمـــوع باتضــــاع و إنســـحاق القــلب
لا تقـــــلع فقــــــط الآلام و الخطـــايا من النفــــــس بل تقيمها من الموت .
حفـــــــظ الحـواس يقطع الخطــايا ،
و حفــــظ القـــلب يقطع الشـهوات التي هي الآبــــاء و الـــدي الخطــــــايا .
+ الراهـــــــــــب الـــــــــذي يحــــارب مقـــابل الآلامبتنفيذ الوصايا
لكي يقطـــــعها مـــــن القــــــــلب ،
فالنعمـــــــــــــــــــــــــــــة لا تهــــدأ عن مســــاعدته خفيــــة .
+ اجمـــع عقــلك بالقـــراءة بإفـــــراز و عنـــــدئذ قـــم للصــــلاة .
في وقــــــــت الصـــــــلاة و جــه نظـــــرك إلي الإنجيــــــــــل ،
و انظــــــــر إلي الصــــــــــــــليب و المســــامير و الحـــــربة
و أحــــزان تنهـــــــد و أبـــــــــــك و انصبت للجمـوع الصارخة :
اصلبــــــــــــــــــــه اصلبــــــــــه ،
و تعجب من مخلص الكل
كيف يصرخ بشكل صلاة : يا الله لا تحسب عليهم هـذه الخطية ،
و تشـبه به بكل قدرتك ، ثـــــم أبــــــــدأ بالصـــــلاة و الدمـــوع .
+ فكـــر المتوحـــــد هــو المســــــــــــــــــــــــــــــــــــيح ،
و إيمـــــــــــــــــانه هــو رجــــــــــــاء المواعيــــــــــــــد ،
و علامة الحــب له هــو حفــــــــــظ و صـــــــــــــــــــاياه ،
و عمـــــــــــــــــــــــــله الجهــــــــــاد مقابـــــــــل الآلام ،
و غلبتــــــــــــــــــــــــه استئصــــال ذكــــر هــــذا العـالم .
و تميــــــــيزه لمجـــد العالم الجـديد
و الفـــــــــلك الذي تدخل إليه النفس
و تحل (فيه) هــــــــو نـــــــــــــــــور انعــــدام التـــألم ( الشــــــــــهوات ) ،
وترديدات قلبــــــــــــه بســــــــــاطة معرفة الصيادين ( أي الآباء الرسل ) .
العزاء الخفي :
+ الاتكال على البشر يمنع تماماً الاتكال على المسيح .
العـــــــــــزاء الظاهر يمنع العزاء الخفي ( أي الإلهي ) .
و ( كــــذلك ) الاهتـــمام ( يمنـــــع ) الاهتمــــــــام ،
و ذكر ( العالميات يمنع ) ذكـــــــــر ( السمائيات )
و الفــــــــــــــــــــــــــرح يبطــــل الفــــــــــــــــرح .
و هكــــــــــــــذا فبقدر ما يكـون الراهــــــــــب منفــرداً في وحشـــــه
فــــــــــــــــــإنه يُخـــــدم مـــن العناية الإلهية و الملائكة و القديسين .
+اهتم بملاحظة التغيير الذي يحدث في أوقــــات الصـــــــلاة ،
أتدنـــــو إلينـــا الملائكة القديســــين أم الشياطين الأجناس
و المنفعـــــــــــــــــــة و الخســـارة منهـــــم .
كن حقيراً مـــزدري في عيني نفسك أكثر من الكل
فيكــون رجـــــاءك عظيـــم بالله .
+ محاســن الصــلاة ( أي الفضـــائل التي تكتســـب من الصــــلاة ) هي :
التغصب و الصبر و الاحتمال و طول الروح و التجلد ، فلا تقطع الرجاء منها .
+ الصـــــــــلاة هي صـــــراخ العقـــــل لا إراديـــــاً من حرقـــة القــــــلب .