الميمر التاسع ( ج1 )
تعاليم يجب تذكرها على الدوام
+ على الإنســـــــــــان أن يســـــأل في صـلاته بثقـــة و اتكــــــال عـــلى الله
فهــذا جـــــانب كبـــــــير مـــــن مواهـــب الإيمـــــــان ،
والإيمـان الحقيقي بالله ليـس هـو صحة العقيـدة ـ و إن كانت هذه أم الإيمان ـ
بل أعني أيضـــــاً أن تـــــري النفـــس حقيقـــــــــة الله
من خلال القـــوة التي تســير بها في تدابـير الفضيـلة .
وإذا وجـــــــــــدت في الكتب المقدسة الإيمان مختلطاً مع التدابير ( أي الحياة الفاضلة)
فلا تتصـور أن معنى الإيمان ينصــب على صحــــة العقيـــــدة فقـــط ،
لأن الإيمــــــــــــــان الذي يعطـي الاقتنـاع و الثقــة لا يطــــلب من غــــير المعمــــــدين
أو من الذين زاغت ضمــــائرهم عن معــرفة الحــق أي الهراطقــــــة .
بل الإيمان الحقيقي :يظهر ذاته في النفس على قدر تعمقها في الســيرة ( الفاضلة )
بقصد وغرض كما يليق بوصايا سيدنا التي هي نور النفس وضيائها .
+ الهـــذيذ الدائــم في الكـــتب يرســم في العقـــل تذكــــارات ( أي أفكـــــــــاراً )
نافعــــــــــــــــة للتحفظ و الاحتراس من الآلام ،ولدوام محبة الله و طهارة الصلاة ،
فالكتب ترشدنا و تقــوم أمامنـــا طريق الســلامة التي وطــأتها أقدام القديسين .
+ لا تتكل عــــلي تلاوة الألفاظ في الصــلاة ،
إذا لم تقترن بها يقظة كثيرة و حزن متصل .
+ الكلام الذي يقال عن تجربة وخبرة من الضروري قبوله حتى لو كان قائله بسيطاً أمياً ،
فكنـــوز الملــــوك الأرضييــــــــــــن لا ترفــــض أن تأخذ زيـــــادة مــن فلـس الفقـــير ،
و من خرير صغير يتجمع نهر غزير الفيض .
+ إن كان ذكر الفضـــلاء
يجدد فينا شهوة الفضيـلة ، وهذا يكون إذا تفاوضنا معهم بأفكارنا
هكذا أيضاً ذكر الفسقة يجدد في ضميرنا الشــــهوة الســمجة ،
لأن ذكـــر كـــل واحــــد من هـــــذين يرســم أعمــاله فــي عقلنــــا ،
ويشير لنا بإصبع إلى رذائل أفعالهم أو شرف ارتفاع فضائل سيرتهم ،
فإن كان هؤلاء أم أولئك فانه يجذب فكرنا قهراً إلي الميل إما لليمين أو للشــمال ،
إذ ينشـــغل فكرنــــا خفيـــة و يتصـــور تفاصيـل ســيرتهم في مخيلتنــا و فكــرنا
و كأننا ننظرهم بوضوح .
و ليس الحديث معهــم فقط هو الذي يـــؤذي ، بل و نظر و ذكر الذين يصنعون هذه .
و عمل الفضائل لا ينفع فقط الذين يمارسونها ، بل مجــــرد تخيل و جــوه الفضــلاء .
و من هنا نســـتدل علي أن : الذين اقتربــوا من الوصـــول إلي رتبـــــة الطهــــــــــارة
يؤهلـــــــــــــــــــــــوا
لنظر أناس قديسين في أوقات الليل على الدوام ، و في أوقات النهار
تكون لهم مـادة للفـرح و الانشـراح بالمفاوضـة الفكريــة في عقولهـم ،
لأن منظر القديسين إذا ما ارتســـــم في النفـــس يزيد فيهـــا حــرارة لعمـل الفضــائل ،
و يشعل فيهــــــا نار مضطرمة لمحبــــــة الفضيلة .
و قالــــــــــــوا إن : الملائكــة المقدســين يتزينـــون بشــــكل أنـــاس فضلاء قديسـين ،
ويظهــــرون للنفس في أحلام النوم ، فتطير حركات النفس من الفرح و تـــزداد ســرورا ،ً
و أيضــــــــــــــــــــاً في النهـار يحركــــــــــــون هـــذه أمــــــــام نظــــــــر الفكـــــــــــر
و يخففــون عنهـم تعـب النهـــار من سرورهم بأنــــاس قديســـــين.
و بهـــــــذا يزيـــــــــــدون في جهــــــــادهم و ســــــــــــــــــعيهم .
و هكـــذا أيضــاً : في وقت تواتر الحرب فمن هو ساقط علي الدوام في مفاوضة رديئة
فالشـــــــياطين تصنع معه هكذا أيضاً ، إذ يتشكلون و يأخــذون لهم أشباها و أشكالاً ،
وكثـــــــــيراً ما يظهـرون للنفـــس مناظــــر تتحــــرك أمامهـــم ،
ثم يذكروهم نهـــــــــاراً بهذه الأشياء التي أظهروها في الحلم ،
و أحيانـــــــــا يظهـرون بمناظـر مخفية تزعج و ترعـــب النفــس و تضعفهـــــا ،
و يظهـــــــرون صعــوبة ســـيرة الســـــكــون و الوحــــــدة مع أمـــــور أخــــرى.
أما نحن يا إخـــــــــوتي فينبــــغي أن نمــــــــيز هـــــــذه الذكــــــــريات ،
فمع أي نوع من هذه الأفكار نتفاوض في هذيذنا ،
و أي نوع نطـــرده عنــا عاجلاً و بسرعة إذا ما دنا من فكرنا ، ( أي علينا تمييز الفكر )
إن كان من الشياطين الذين يهتمون بإلقاء مادة الآلام الشهوانية أو الغضبية فينــــا ،
أم من الملائكــة المقدسين الذين يمنحـــــون أفكــــارنا إشـــارات
توجب الفـــرح و المعــرفة و المعـــونة .
( و كـل من الملائكة والشياطين ) يحركـــون هــذه بسـبب قربهـم إلينا
أو تتحــرك فينــا أفكـــــار تتجـــــه نحــو واحــد من هــذين النـــــوعين
نتيجـــة تذكر الأمور القديمة و الإحساس بها ،
و من تجـــــــربة النظر و التفاوض و ممارسة الأعمال يمكن معرفة و تمييز هذيذ الأمرين .
و عندما تمتحن بواحـــد من هـــــذين النوعين ففـي الحـال قــدم صــــلاة مناســـــــبة .
المحبــــة :
الحـــــب الــــــذي يقــــوم عـلي الظـــــــــروف هـــــــــــــــــــــو
كالشعاع الصغير الذي يغتذي بالزيت و يستمد نوره منه ،
وهـــــــو كالنهــر الذي يتكـون مـــــن المطــــــــــــــــــر
هذا الذي إذ نقصت المادة التي يقوم عليها تبطــل حدة ســـريانه .
أما الحب الذي من الله ، كمعــــين ( أي ينبــــــوع )
يندفـــع من الأعمــاق و لا ينقطـــع قـــط تدفقـــــه ،
لأن الرب هو وحده ينبــوع الحـب الذي لا تنقص حصيلة كنزه .
التنعم بالمزامير :
إن شـــــئت أن تتنعم في المزامير خدمتك و يكون لك الإحساس بكلام الروح الموجه لك ،
اترك عددها و لا تقم بمعرفة مقدارها ، و لا تكــون تلاوة الاســتيخونات لقصد و غـرض ما ،
و اترك تلاوة العــــادة . و أفهم الشيء الذي أقوله لك .
( أ ) المزامير التاريخية :
التــي قيــلت بنــوع الســيرة ،
عندمــا تتلوهـــــــا فليفحــــــص عقــــــلك فيهــــــا عن تدبــير اللــــه ،
لكــــي تنتبه نفسك إلي المعاني العظيمة التي فيها بدهش وتعجب من التدبير الالهى
و من هنا تتحرك نفسك إما بالتمجيد أو بحزن نافع .
( ب ) المزامير التضرعية :
و التي قيلت بنوع الصلاة ، فخذها علي نفســـــك ،
لكي إذا ما ثبت الفكر فيها يمضي عنك الاضطراب (أي تشوش الذهن ) .
و ليس في عمل العبودية سلام الفكر ، و لا في حرية الأولاد سجــس التخبـــــــــــــط
هذا الــذي من عادتـــــه أن يمتــــــــــص مذاق المعــــاني و يســـلب التمـــــــــــــييز
الذي فيها مثل العلقــــة التي تمتـــــــص حياة الجســــــد بامتصاصها الدم من أعضائه .
و التخبـــط ينبغـــــــــــي أن يدعـــــــــى مركب الشــيطان ،
فالشـيطان مثـل النوتـي الذي من عادته التسلط علي العقل دومــــــــــــــاً
آخذاً معه جميــع الآلام ( أي حـروب الشــــــهوات )
و يدخـــل على النفس المجاهـــــــــــدة ليسقطها فــــــي هوة التخبـــــط
و أفهم هذا أيضاً بتمييز :
أن لا يكــــــون الاســـتمرار في التــــــــلاوة كـــــأنه مـــــن شــــخص آخــــــر ،
بــــل هـــــي ألفاظ مزاميرك و صلاتك أنت ،لئلا يظن بك أنك توصل كلام غيرك ،
إذ بهــــــــــذا لا يكــــون لك أبـــداً الحــــزن أو الفرح ( التي هي الانفعـــالات )
التي توجـــــــد فيهــــــــــــــا النفس ( أي في الصلاة الروحانية ) .
بل قل الكلام علي أنــــه نابـع من ذاتك بتضــــــرع و حــزن و تمـــــييز و إفـــــــراز ،
مثل إنسان متيقــــــــــن بالحقيقــة أن يقـوم بهـذا العمـل من ذاتـه .
الأفكار المضادة :
الضجر يكون مـن طياشة الأفكار ،
و الطياشة تنتــج :
مـــن التوقف عن الجهاد و القـــــــــــــــــــــــــراءة ،
و عن المحـــــــــــــــادثة و المفاوضة غير الملتزمة ،
و عن ملـــــئ البطـــــن .
إذا لـــــــــــــــــم نردد أفكـــار الأعــداء المتكلمــين فــــــــــــــي داخلنـــــــــــــــــــا ،
بل بتضـــرع الصــــــــــــــــــلاة نقطــــــــــــع كلامهـــــــــــــــــم ،
فهذا دليل واضح عــــــلى أن العقــــــــــــــــــــــل قد وجد حكمة و قـوة من النعمة ،
و أن معرفته الحقيقية قد عتقته ( من الأفكــار الشــريرة ونتائجها )
و فتحــت له وســـــائل فعــالة ،
فـــــــــــأدرك طريقاً مباشراً عـــوض الدوران في طــرق طــويلة ،
لأنه ليـــــــــس في كل و قت تكــــون لنـــا القــــوة ( أي القـــوة مــن النعمــــة )
لنجـــــــادل الأفكــــار المضــــــادة و نســــــــــــــــــــــــــــكتها ،
بل قـــــــــد يعرض لنا في وقــــت أن نجـــرح منهـــا بجراحــات
لا تشـــفى إلا بعــــــــــــــــــــــد زمـــــــــان طويـــــــــــــــــل .
لأنك بذلك تدخل نفسك في المجادلة و الكلام مقابل الذين لهم ستة آلاف ســــنة ،
و هم أيضاً أكثر عدداً منك و لهم حيــل و سبل تفوق حكمتك و خبرتك لذا يجرحونك،
فحتى لو أنك غلبت ،فإن
صـدى الأفكار يوســــــــــــــــخ عقلك
و رائحته نتانتها تمكث زماناً في أنفــك ،
و أما بالنوع الأول ( أي عــدم مناقشـة الأفكــار و مقاومتها بالصــــــــــــلاة )
فانك تعتق من هذا جميعــه و تستريح من هذا الرعب .
ــ ليس شيء يعضد و يعين مثل الصلاة .
ــ الدموع في الصلاة هي علامة الرحمة الإلهية التي حظت بها النفــــــس
و أنهـــا قد قبـــــــلت بواســــــطة التـــــــــــــوبة
و بـــدأت تدخــــــل برية النقــــاوة .
إن لم تنتشل الأفكار من هذيذ الأمــور الزائلــــة ،
و ينبـــــــــــــذ منهــــــــــــــــــــا رجاء هذا العالم ،
فــــــلا يتحرك فيهـــــــــــــــــــا الازدراء بـــــــــه
و لا تبدأ بجمع الزاد الصالح ليوم انتقال الإنسان .
عنــــدما يرسخ في النفس الفكر في الأمور التي هناك ( أي في السماء ) ،
حينئـــــذ لا تتمـــكن الأعــــين ألا أن تســــــكب الدمــــــــــــوع ،
هذه الدموع التي تنتج عن الهذيذ الحقيقي الذي بغير طياشة ،
و من الأفكار الكثــيرة المســـــــــــــتقيمة ،
فالدموع تتواتر عندما يوجد في الفكر شيء ما خفي و يحزن القلب بالاهتمام به .
عمل اليد :
عندمــا تعـــــود إلي عمــل يديك و أنـــت في ســــــكونك الــــــــدائم ،
لا تجعل وصية الآباء من أجله مبرراً لمحبة الفضة ، بل لمقاومة الضجر
اشــــــتغل بعمل قليل بصنــــاعة ليـــس فيهـــا سجـــس و لا اضطــراب للعقــــل ،
و إن كــــان يلح فيك الفكر بالعمل الكثير بحجة الصـــدقة ،
فأعــلم أن : الصــلاة رتبتهـــــا أرفـــــــع مـــــن الصــــدقة ،
و إن كـــان العمل من أجــل حاجــــــة ضــرورية لجسدك
فلا تكــــن شرهاً في ذلك بل حسب قوله :
" اطلبوا أولا ملكوت الله وبره وهذه جميعها تزدادونها من قبل أن تسألوا "
(لو 17 : 20 ،33 (
قال أحد القديســــــين :
ليــس هــذا غـــرض ســيرتك و قصــــدها أن :
تشبع الجياع ،أو أن تكون قلايتك ملجأ الغرباء
لأن هذه السيرة تليـــق بالذين يريدون أن يتدبروا حسنا في العــــالم
و ليست هي للمتوحدين المتحــــررين من جميــــع المحســـــوسات ،
الذين قصـدهم حفـــــظ العقــــل بالصـــــلاة .
الوحــــــــــدة :
إن كنـــــت قـــــد أهــــــــــــلت
للوحـدة الخفيفــــة الوســق و لامتــلاك حريتهـــــــا ،
فلا ترعبك فكرة الخوف كالعادة ،
تلك الأفكار التي تتردد كثيراً بأشكال متعددة متغيرة ،
بل ثق و صدق أن معك حارســــــاً ،
و كن كإنسان متأكد بحكمة ثاقبة إنه :
و جميع الخليقة تحت يد سيد و احد ، و أمر و احد يحرك الخليقة جميعهــا
و يهديهـــا و يسوســها و يدبرهــــا ،
و لا يســــتطيع إحداها أن يؤذي رفيقه من غير سماح و أمر الخالق المدبر ،
و هي جميعها تحت العناية و السياسة . فانهض الآن و ثـــق و تشــــــجع ،
و أعلـــــم أنه : و إن كان قــد أعطــيت حــرية الإرادة لأفــراد مــن الخليقـــة
و لكن ليس في كل شيء ،
فلا الشياطين و لا الوحوش المفسدة ، و لا الدبيب و لا الناس الأشــرار
يقدر أحد منهم أن يصنع إرادته بإيذاء رفيقه ،إن لم يسمح له بأمر المدبر ،
و هو يعطي فسحة محددة لذلك .
الله لم يسمح أن تكون حرية المخلوق تامة ، و إلا ما عـــــــــاش كل ذي جســـــــــد .
و الله لم يترك الحرية
للشياطين و الناس لتدنوا من خليقته ليباشروا معهم ما يريدون من الأذى .
فلأجل هذا قل لنفسك :
إن معي حارساً فلا يســتطيع أحــــــــــد من المخــلوقين
أن يظــــهر مجرد ظــهور أمامي من غـــير سماح من فوق ،
لذا فحتـــى لو كـــنت تنــظـــر بعينيــك و تســـمع بأذنيــــــك تهــديدهم لـــك
فلا تصدق أنهم يجسرون عليك ، لأنه لــو كان سمح لهــــم بالأمر السمائي
ما كانوا مضطرين للقول و التهديد بل لأتموا بالفعل كل ما أرادوه .
و قل أيضاً لذاتك :
اذ كان لسيدي إرادة أن يتسلط الأشرار ، علي فلا اســـتصعب أنا ذلك
و كأني إنسان يريد إبطال إرادة سيدة ، و بهذا تمتلئ فرحاً في تجاربك .
و كمثل من شعر و عرف أن أمر سـيده هو الذي يدبره ،
أسند قلبك بثقة الإيمان بالرب
و لا تجزع من خوف الليل و لا من سهم يطير فــــــــــي النهار ( مز 90 قبطي )
لأن إيمان التصديق بالله يجعل الوحوش البرية كالحيوان ( المستأنس ) و الغنم ،
و قل لذاتـــــــــك :
أنا و إن كنــت لســــت بصــديق حــــتى أتكل على الله و أثــق به ،
لكني متأكد أنني
لأجل عمل البر قد خرجـت إلي البرية و القفر المملوء من كل ضيق ،
و لهذا فأنت خــادم لإرادة الله ،و لكن إن لم يكن الأمر علي هذا المعنى (أي الغرض )
فباطـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــل تشــقى و تكـــابد الأحــزان و تقـــاسي الضيقــات ،
الله لا يريـــــد شـــــــــقاء النـــــــــاس و أحـــــــــــــــزانهم ،
بل لكي تقرب له ذبائح المحبـة التي هي أحزان قلبك،
و بهذا المفهـــــوم يظهــــر كل محبـــي الله نيتهــــــم
أنه لأجــــل محبتــــه يتضــــايقون كمــا قـــال الرسـول :
" جميع الذين يريدون أن يعيشوا بمخافة الله يتضايقون " (2تي 3 : 12 )
و بعد ذلك يعطيهــــم الســلطان على كنــوزه الخفيــــة .