الميمر
الثامن عشر
ـ نتبين مرتبتنا من تغير فكرنا .
ـ لا نتكل على تعدد أعمالنا كالبلهاء ، بل
نعرف أنفسنا ـ كحكماء ـ
من
التجديد الخفي الذي نحس به يوما بعد يوم
ـ درجة المعرفة .
أيها الأخ الحبيب :
تفـرس في ذاتــــــك على الـــــــــــــدوام
في أعمـــالك الكثيرة و في الضــــوائق التي تصـــــــادفك ،
و سيرتك في القفــر ، و دقه سمو عقلك ، و حدة معرفتك .
و مدى سكينتك الطويلة فى الفقر مع( ما صاحبها من) أدوية
تــــــزداد عليــــــك مــــــن الطبيــب الحقيقــــي ( أي الله )
لأجل سلامة الإنسان الداخلي من التجارب الكثيرة التي تقع :
1 ـ فـي وقت : من الشــــــــــــــــــــــــياطين .
2 ـ وفي وقت : من الأمراض و أوجاع الجســد .
3 ـ وفي وقت : بالخــــــوف و رعـــب النفــــس.
بذكر الأمور المحزنة المزمعة أن تكون في الآخرة .
4ـ و في وقت : من الحنو ( الإلهي ) بعزاء النعمة و الحــرارة
و الدمــــوع الحــــلوة و الفــــــــرح بالـــــــوح .
و بالإجمال فمتى وجدت أن جرحـــك قد ختـــــم بهــــــذه جميعهــــــا ،
فهذا يعنــــــــي أن الآلام ( حروب الشهوات ) بدأت تضعف ،
فضع لك الدليل والعلامات ، وذلك بأن تغوص داخـــلك دائماًً ،
و انظـــــــر أي مـن الآلام قد ضعف أمامك ، و أي منهـا قد بـدأ يســكت ،
و أي منهـــــا الذي اضمحــــــل و انقطــــــــــع كليـــــــــــــاً ،
و أنك حققت هذه بسبب صحة نفســـك ،و ليس بسبب ابتعاد وعدم وجود ما يحركها ،
فالفكــر قــــد تشـبب ( أي التهب ) و ليس إلي انعـــدام المســـــــــببات ،
و افحص أيضاً جيداً و أبصر
إن كان جرحك المتقيح بدأ يغطيــه لحم حـــــي
الذي هـــو سلام النفس ،
و مــــــــــا هـــــي الآلام التي إلي الآن تضغط كثيراً أو من وقـــت لأخــــــــــــر ،
و ان كانت جســــــــــــــــــــــدانية أو نفســـــــــــــــــــــــانية ،
و إن كانت تتحـــــرك بتجـــــــــبر أم بضعف متواتر ( أي كثير ) ،
هل تثــــور على النفــــس بقـــــوة و ثبـــات كأن لها ســــلطة
أم كأنها تسرق ، ( ومن جهة أخرى)
كيف يواجهها العقل الذي هو صاحب السلطة على الحواس عندما تقرع أبواب النفس ،
إن كان يقاتلها و يكسرها بقوته ،
أم إنــــــــــــــــــه لا يلتفـــــت إليها تمــــاماً و لا يحســــــــــبها ( ذات قيمــــــــة )
و أيضــــــــــــــــاً : هل هي آثار الأشياء القديمـــة ، أم إنهـــــا أشـــكال جـــديدة .
و هـــــــــــــــــل : الآلام تأخــــذ أشــكالاً تتحــــرك ، أم بالحــس بغير أشــــــكال ،
أم تذكـر دون ألــم ( الشــــهوة ) ، أم حركة بلا حرب ولا إغـــراء .
بهــــذه الأمــــور : نعــــرف قـــدر منزلة أنفســــنا، و أين هــــي قائمــــــــــــــــة .
فان كان في المنزلة الأولى ( أي : " أن الآلام بدأت تضعف " ــ كما سبق الذكر )
فإنها ( أي الآلام ) لن تحقق نجاحاً ، حتى وإن كان القتال ثابت في النفس ،
ما دام ( الإنسان ) يظهر شجاعة وقوة مقابلها ولننتبه لمعنى قول الكتاب :
إن داود جلس في بيته لأن الرب أراحه من جميع المحيطين به2 ) صم 7 :1 .(
فمن هذا نفهـم ( أن تكون لنا شــجاعة و قوة ) ليــس مقـــابل ألم واحــــد
بل تجـاه ( جميع الآلام الطبيعية ) أعني الشهوة و الغضب و محبـة المــــديح
الذي يصــور وجـوه ( المادحين ) و يجـذب ( إليهم ) و ألـــــم محبـــة الفضــــة
الذي تشترك فيه النفس خفية ـ هذا ان لم تخضع بالفعل بدل تتصور فى العقل
أهمية محبة الفضة ليحصل على مقتنيـت ( يتخيـــل انه فى حاجــة اليهــــا )
و هكـذا يخدع النفس لتنشغل بها و توسوس في اقتنائهـــا ، و ما شـــابه ذلك .
و ليست كل الآلام تقاتل بالإغراء
فمنهــــــــا ما يضغـــــــط النفـــــس و يحزنها بالضوائق
مثــــــــــــل المــــــــلل و الضجــــــر و الكــــــــــــــــآبة
فهـــــــــذه لا تقاتل بالإغراء و لا بالخداع و لا بالراحـــة
بـــــــــــــل تضـــــع على النفـــــس ثقـــــلا فقـــــــط ؛
و لمـــــــا كـــــــان نشـــــــاط النفـــــــس لا يظهـــــر إلا بالفتك والتغــلب
على تــــلك التي تقــــــاتل بخــــــــــــــداع و تمــــــلق ،
فينبغي على الإنسان أن تكـــون له معــرفة دقيقة حاذقــة وعلامات لذلك ،
لكــــي يحـــــــــــس إلي أين يصل بكل قــدم يضعــــه ،
و في أي بلد بدأت نفسه تسلك ،
أفي أرض كنعــان أم إنه لم يعــبر الأردن بعـد .
و أيضاً تفرس من أجل استضاءة نفسك بالنور ـ
إن كان فيـــــــك الكفـــــــــاءة لتمـــــــــيز هــــــذه الأمــــــــــور
أم ( تعجز عن ) تميزها ( كأن نظرك ) غير صافي وعليه غمام ،
أم أن نفســـك عديمــــة المعرفــــة بهــــــذه الأمـــــور تمـــــاماً ،
و انظـــــــر أيضــــــــاً : أي ألم يسجســـــك إذا ما دنا العقــــــل مــــــن الصـــــــلاة .
عندما تبدأ نقاوة الأفكار فإنك :
أولاً : لا تجد موضعاً للطياشة في العقل وقت الصلاة ، و تحس أنت في ذاتك
إن قوة السكون قد حلت على النفس بذهول و ســلام على غير العـادة .
ثانياً : تتولد في الفكــــر ، و يخطف العقل على الدوام لا إرادياً بحركات غير جسمانية
ـ هـــــذه التي لا تســــــتطيع الحـــــواس أن تشــــــرحها ـ
و يتقد فيك بغتـــة فرح يُسكت اللسان بسبب إحساسه بنعيم يفوق كل قياس ،
و تفيض من القلب دوماً حـــــــــــــلاوة تجـــــــــــــــــذب الإنسـان كله بشــدة .
و دون أن يحــــس يحــــل عــــلى الجســــد من وقـــــــت لآخــــــر
نعيم و سرور لا يســـــــتطيع لسان جسداني وصفه ،
و تكون كل الأرضيات عنده مثــــل الرماد والنفاية ، بل ولا تطرأ علي فكره .
و تلك الأولى ( أي أولاً ) : فإنها تكون :
أحيانــاً في الصــــــلاة ،
و حينا في القـــــــراءة ،
و حيناً في الهذيــــــــذ الذي يهدئ الفكـــــــر
و كثيراً ما يجعل العقــل حـــاراً على الـــدوام .
أما هذه الأخرى ( أي ثانياً ) :
فهـــي بالأكـــــثر تكـــــون خــــــارج ( هـــذه الظـــروف ) ،
و كــم من مــــرة ( تحــدث ) و في ( أثناء ) أي عمل كان .
و في الليالي عندما يكون ( الإنسان ) بين النـــوم و اليقظـــــة ،
و يكـــــــــون و هـــــو نائــــــــــــم كمثـل أنه ليس نائمــــــــــاً ،
و أيضـــــــــــاً و إن كان مســـتيقظاً كـأنه غـــــــــير مســـتيقظ .
و هــــــــــــــــــــذا الإحساس بالنعيم يسري في جســمه كله
حــــتى يظــــــــن الإنســــــــــــــــان فــــــي ذلك الوقـت ـ أن
ملكــوت الســـماء ليـــــــس هــــــو شــــــيئاً غــــير هــــــذا .
قوة الرجاء :
افحص نفسك إن كانت قد اقتنــت قـــــوة لتــــرذل الذكــــريات الحســية بقــــــــــــوة
الرجاء و الأمل الذي تملك على القلب فيشجع الحواس الداخلية باقتناع لا تفســير له ،
و أيضـــــــــاً إن كان القـــلب يتيقـــظ لا إراديـــاً ليسبي ( بعيدا )ً عن الأرضيـــــــات
بســـــــبب المفــــاوضة التي بغــــير انقطــــــاع مع العمــل الدائــــم مع مخلصنـــــا ،
و إن كــــــان قـد اقتنى أيضـــــــاً معرفــة تمييز الأمور التي تدعوه ( لهذه ) المفاوضة .
إذا ســـــــــــــمعت أن : الســـكون يجعـــل النفـــس تذوق هـــذه بســــهولة ،
( فالمقصود هو) الذي يمـــــارس بلا انقطـــــــــــــــاع ،
و لكنها تبدأ في الضياع إذا تراجعت ( النفس) بسبب تهاون و إهمـال من قبلوها ،
( وممكن أن ) توجـــد لكن بعد مدة مع ذات الممارسات (أي مع السكون بلا انقطاع ) .
ــ الإنسان (الذي له قوة الرجاء) يجسر على القول بشهادة النية
وبعقل واثق تلك الكلمات التي قالها بولس الرسول :
"أني واثق أنه لا موت و لا حياة و لا الأشياء الحاضرة و لا المزمعة ،"
مع باقي الأشـــياء تقــــدر أن تفصـــــلني عــــن محبــــــة المســــــــــيح ،
فـــلا ضيـــق و لا عــري الجســـد و لا جوع و لا عــدم ( وجود) مؤانســــة
و لا حبس و لا سيف و لا شيء خطر و لا ملائكة الشيطان و لا جميع قواته
و لا حيلهم المملوءة شراً و لا المديح الباطل بخداعه و تملقته الجــــذاب
و لا الـــــــــــــــــــــــــذم و الهـــــــــــــــوان ظلمـــــــــــــــــــــــــــــــــــاً .
(رو 8 : 38 ،35)
لا تشقى باطــــلاً :
يا أخي : إن كانت هذه العلامــــــــات
( السابق ذكرها تحت عنوان الإحساس بالملكوت السماوي )
لا تظهـــــــر في نفســــــــك ســـــــواء بقليــــل أو بكثــــير ،
فأعلــــم أن :
جهـــادك و ضوائقـــك و ســـكونك كلهــــــا شــقاء و تــعب باطــــل ،
حتى لو كنت تصنـــــع العجـــــائب و تقيـــــم المــــوتى ، فهي ليسـت مقياسـاً .
فينبغــــــي أن تعــــــرف ذاتـــــــك
و تســـــــأل محيي الكــل بدمــــوع
ليرفـــــــــع الحجــــــــاب عــــن البـــــاب ( أي بــاب القـــلب )
لكــــــــــــي تنقشع سحابة ظلمة الآلام من السماء الداخلية ،
لتؤهـــــــل لنظــــــــر إشــــــراق الشــــــــمس ،
لئـــــــــــلا تجلس في الظلمة إلي الأبد كالميت .
كيف تنــــــــال :
السهر الدائم مع القراءة و عمل المطانيات بنهم شــــديد دون تـــوقف ،
يمنح هبات صالحة للحريصين في كـــل زمان.
و الذين ( سبق أن ) نالوا (هذه الصالحات) إنما نالوها بتلك (الجهادات) ،
و أيضـــــاً الــــذين يريـــدون أن ينالوهـــــــــا فبتـــلك يمكــــن أن ينالــوها ،
إذا داومــــــوا الســــــــــــكون مــــــــع العمـــل بهـــــــــا ،
و ألا يرتبـــــط العقـــــــــــــــل بشيء خارج عن ذاته قـــــط ،و لا بإنســـان ،
بل ( فقــــط ) بأعمال الفضيلة التي في الداخل يكون عملها بهذه الجهادات .
و بهـذه الأعمــال التي تكـون داخـل ذواتنـا فإننـا سـريعاً نؤهــــل لهـا
و نجدهـــــــــــــا في نفوســــــــنا بالإحســــــــــاس الحقيقــــــــي .
هذا يكون جزئياً ( في البداية ) ثم ننـال البقيــة بالثبــات في السكون .
و الذين بثباتهــم اختبروا صلاح الله لا يحتاجــون إلي الكثــير من الإقنــاع ،
و نفوســــــــهم لا تضعف كالمتشـــككين في الحق ضعيفي الإيمــــــان ،
لأن شهــــادة ضميرهم فقط تكفي لإقناعهم أكثر من ربوات الكلمات التي بغير اختبار .