الميمر الرابع
في الأسباب التي من أجلها
يترك الله التجارب على محبيه
المحتوبات :
الذين من اجــــل اســــــــمه يحتملون أن يكونــوا في الشـدائد
و لا يبتعدون عما يحبـــــه الله ، وبهذا تقتنى قلوبهــــم دالـــــــه
لينظروا إليه بـــلا حجـــــــــاب ، وبالثقة يطلبـــــون منه سؤالهم.
+ عظيمة هي قـــــوة الصلاة النقية ،
و لأجل هذا يـــدع الله قديســــــيه يجربون من الأعداء ،
لكي بالتجربة يعرفون معونتــــــه
و كــــــــم هـــــــــــــو معتنى بهم ، و انه يكون لهم مخلصاً في شدائدهم ،
و هم يقتنــــــون مــن الشـــــــدائد حكمـــــــــــــــــــــــــــــــة
كيلا يكــونوا امـــــين بلا المعـــــرفة و مدربين على الناحيتين ،
فهم مــــن التجربـــة يقتنــــــــــــون معـــرفــة كــل شــــــيء
و أيضـــــــاً لا تســخر بهــــــــــــــــم الشـــــــــــــــــــــــياطين .
فلـــو انه يدربهــــم بالصــلاح فقـــط لكان تدريبهـــم ناقصــــــاً في الأمور الأخرى ،
و يكونون امين في القتال .
و إن قلنـــــــــــــــــا انه يمكنــــــــــه تدبيرهم أي يسوس أمورهم
دون أن يكــــــــــون لديهــــــــــــــــم معــــــرفة أو تــــــــــــــــدرب ،
و لمن يفكر بذالك نقــــول :
لعله يريدهم أن يكونوا مثل الثيران أو الحمير الذين ليـس لهم حــــرية في شــــــيء.
فالإنســـــــــــــــــــــــــــان لا يتذوق الـخـــير إن لم يجرب أولا بالبلايا وتصادفه الشرور ،
و هو بمعرفة وحرية يجرب حاسباً إياهــــــا أموراً خاصـــة به (أي لمنفعتـــــــــــــــه).
+ كم هي حلاوة المعرفة التي تكــون عن تدرب واختبــــــار للأمــــور ،
و كم مـن قوة عظيمــــة تمنحها التجربـــة للمختـــــــــــــــبر الــــــذي
نال هذه المعرفــة في نفســــــــــه ،
و هــــــى معلومة لمن تذوقوها ،و أدركوا أيضاً ضعف الطبيعــــة و معونة القوة الإلهية
و عند ذلك يدركون انه منع عنهم قوته ، أولاً
و عندمــــا دخلوا بطبيعتنا الضعيفة في صعوبة البلايا وشرور العدو ،
و شــعروا بما عليهم من قتال وأي طبيعــة هـــــم لابســـــــون ،
و كيـــــــف هم محفوظون بالقوة الإلهيـــــة،
و كيــــــف أنهم مهما سعوا ومهما ارتفعــوا
فإنهــــــم يضعفون و يخــزون أمام كل وجــع
و ذلــــــك إذا ابتعدت عنهـــم القوة الإلهيــة ،
لكـــــــي من كل هذا يقتنــون الاتضــــــــــاع فيتقدمـــــــون إلــــــى الله
و لمعونتـــــــــــــــــه يربحــــــــــون و على الصلاة يداومـــــون ،
فمن أين اقتنوا هذا؟!
لولا أنهم اكتسبوا التجربة و الخبرة من بلايا كثيرة تركهم الله ليجربوا بها
كما قيل :
لكيلا أتعظم بكثرة النعمة ترك على جسدي منخاساً ملاك شيطاني .
) 2كو 12 : 7 )
+ و لكي يقتنى الإنسان إيماناً ثابتــاً
فإنـــــه من البلايـــا يختـــبر المعونة الإلهيـــــة ،
و يزداد في الإيمان بالاختبار مـــرات كثــــــيرة ،
و من هنا فهو ـ لا محالة ـ يقتنى ثقة و قوة من التأديب ،
إذ أن التجارب و البلايا نافعة لكل إنسان ،
و إذا كان بولس قد انتفع من التجــــــــــارب ،
حـــــــــــــين إذ يستد كــل فـــــم و يبهت العالم كله قدام الله .
الحريصون يجربـــــــــــــون ليزداد غناهــــــم ،
و المتوانون بالضـــــــــــربات يحفظـــــــــــــون ،
و كل ابـــن لا يقبل التأديب لا يكون أهـــــلا لغنــــــــى أبيه ليتقــــوى به ،
من اجل هذا يــــــؤدب الله ويضنـــــــــك أولاً و من بعد ذلك يظهر عطاياه.
المجد لذلك الافتقاد الذي بالعقاقير الحـادة يقدمنـــــــا إلى نعمة الصحة.
ما مـــــــــن احــــــــــــــــــد لا يكون وقت التأديب عليه شديداً ،
و لا احد لا يتوجع إذا شرب مـــــــــرارة ســــــم البـلايــــــــــــا ،
التي بدونها لا يمكن اقتناء مـــــــــزاج صحيـــــــــــح .
و كل صــــــــبرنا في هذه البلايا ليس هو منـــــــــــا ،
فمن أين للوعاء الذي مــن الطين أن يصبر لتيار الماء ،
إلا إن تشــــدده و تقــــويه النـــــــــار الإلهيـــــــــــــة ،
فإن نحن انحنينا و طلبنا باتضاع و بشوق و دوام و تجلد
فإننا نأخذ كل شيء.
ينبغي
ألا نسأل أو نشتهى
عمل
أعجوبة ظاهرة أو استعلان
من غير
ضرورة ملحة
و إن كان الـــــــــرب قريبـــــــــــــاً في كل حــــــــين بمعونتــــــــه للقديســـــــين ،
لكنه من غير ضرورة لا يظهر قوته ، وبدون ســــــبب لا يفعـــــــل أية ظــــــــــاهرة
و ذلك لكيلا تكون معونته الخاصة بلا طعم ، و مزدراة انه يفعل هكذا لاهتمامه بهم
و يريد أن يظهـر لهم أن اهتمـامه الخفـــي بهم لا يتوقف و لا سـاعة واحــــــــــدة .
و ذلك لكي يكون لهم حرص حسب قوتهم و يتعبون في الصــــــــــــــــلاة
حتى لا يتركهــــــــم فــــــــي أي شـــــــــــــــــيء.
إمـــــــا إن كان هنـــــاك شــــيء عســــر لا تدركــــــــــــــــــــه معرفتهـــــــــــــــــــم
و ضعفوا و احتـــــاروا بســـبب عدم كفــــــــــــــاءة الطبيعــــة الإنسانية ،
فهو حين إذ يتممــه كعظيــــــم قوتـــــــه كمـــا ينبغــــــــــي ،
فيعرفـــون أن لهـــــم معـــــين ،
و هو كقادر يقويهـــــــم خفيـــــة تجـــــــاه الشدة بالمعرفة التي يعطيها لهم ، و تنحـــــــــــل عراقيل ضيقاتهم
و بالنظر و الثاؤريا (أي التأمـــــــل ) ينتبـــــه إلــــــــــــــى التمجيـــــــــــــــــــــــــــد ،
و بهـــذا تكـــــون المنفعـــة للناحيتــــين (أي النجـاة و تمجيــد الله) ،
و لكــن إن كـــان الأمر يحتاج لفعل ظاهر لأجل الضرورة يصنع ذلك .
حكيمة هي تدابيره و هو يعمل بحسب الحاجة و الضرورة و ليس تخبطاً أو كيفما اتفق ،
و الذي من غير ضرورة :
يجثر على هذا أو يطلب من الله و يشتهى أن يفعل على يديه عجائب وآيات ،
فهذا قد امتحن و ســــــــخر به الشيطان المستهزئ و ضعفت نيته طلباً للافتخار .
لأجــــل الشـــــــدة ينبغـــــــي أن نســــــــــــــــأل معــــــونة الله ،
و من غير ضـــرورة لا ينبـغي أن نجــربه ،لان هذا الأمـــــــر خطر ،
و الذي يشـــتهى هذا فليـــس هـــو صـــــــــديق حقــــــــــــــــــاً ،
أما كل القديسين فالـــــرب كان يفعــل المعجـزات على يدهـــم من غــير إرادتهــم ،
إما إن الإنســـــان يشـتهى هـذا فهو سقوط من الاحتراس و قد ذل عن معرفة الحق ،
و إذا أعطـــيت هذه لمن يســأل( هذا مجـــرد افــــتراض )
فإنــه سيشـابه ذلك الذي تجاســـــــر على ســــــيدنا
و يجد الشيطان الفرصــــة ليجــــربه بمـــا هو أعظــــــم .
الصديقـــــون الحقيقيـــــون يفكرون على الدوام في أنفسهم أنهم
لا يسـتأهلون النظــــــــر إلــــــــى الله ،
و ليس فقط لايشتهون هذا ، بل وان أعطـوها فلا يريـدوهــا ، ليـس فقـط قدام النــاس ،
بـــــــــــل و لا بينهم و بين أنفسـهم ،
حتى إن احد القديسين ـ لأجل نقاوته ـ
أعطى هذه الموهبة إلا وهى أن يعرف مسبقاً أن إنساناً يريد المجيء إليه ،
فطلـــــب مـــــن الله وســأل آخـرين إن يطلبــوا معــه ليأخذهــــا منـــــــه ،
و إن كان احدهم رضي بذلك الأمر ، فإن من الضرورة أو من البســــاطة صنـــع هــذا ،
و إما الباقــــــــــون فكان الافتقـــاد الإلهــــي يتحــرك فيهـــم ليـــــس كيفمـا اتفق ،
فهوذا القديس امونيوس لما مضى لزيارة القديس انطونيوس ،
و ضل الطـــريق انظــر ماذا قـــال ؟ و مــاذا فعــل الله معـــه ؟
قال : " يارب دلني إلى مغارة عبدك "
فرأى يدا تــــريه الطـــــريق .
و اذكر أيضاً ما صنع مقاريوس :
لما كان ماضياً في الطريق وزنابيله على كتفه قال :
" يارب أنت تعلم أن ما بقـى في قـــوة "
فوجد في الوضع الذي كان ماضياً إليه .
الصديقــــون الحقيقيــــــون يفكرون على الـــــدوام ، أنهم لا يستحقون الله ،
و هم بهذا يختبــــــــرون أنهم متســــــــــحقين ،
فهـــــم يحسبون أنفسهم حقراء و غير مستأهلين ان يهتـــــــــم بهـــــم
و كانوا يعترفــون بهـــــــذا ســراً و علانيـــــــــــــــة لأنه كانوا يعطن حكمـــة
كيـــلا يتهاونـون فـــــــي الشيء الــــــــــــــــــذي ينبغـــي التمسك بـــــه ،
و لم يتوقفوا عن العمل كل حين ،
لان زمان النياح محفوظ لهم في العالم الجـــــديد ، و الذين يسكن الله فيهم
لا يشتهون أن يكونــــوا في نيــــاح ههنــــــا و لا خلوا من الأحــــــزان ،
و إن كانوا يعطــــــــــــــــون العزاء بالروحيات خفية من وقـــت لأخـــــر .
الفضيلة و الجهاد :
ليست فضيلة تلك التي إذا بلغ إليها الإنسان يتوقف عن الاهتمـــام و التعــــب ،
بل من هـــــو مسكن الروح فإنه منه و به ـ على الدوام ـ يخضع نفسه ويكلفها ،
حتـــــــــــــى و إن كان له حيلة لعمل شيء بالنياح (أي براحــة ) ،
لان هذا هــو هــوى الروح الذي يسكن فيهم إلا يعــــــــودهم التهـــــــاون
و لا أن يجلب لهم النيـــاح ، لكن يعلمهم التعب والبلايا الدائمة و التيقــظ ،
فان بالأتعاب ينشـــــطهم و للحكمــــــــة يقدمهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم .
هذه هي إرادة الروح أن يكونـــــــــــــــــــــــــــــوا محبيـــــــن للتعـــــــــب،
أم الــــــــــــــــــذين يتدبــرون في امورهــــــــم بالنيــــــــــــــــــــــــــــاح
فهــؤلاء ليس فيهم روح الله و لكـــن روح الشـــــــيطان ،
كما قال واحد من محبي الله إنه كان يموت كل يـــــــوم.
لكــــم ضيـــــق :
+ بهذا يفرز بني الله من غيرهم ، أنهم بالبلايـــا يعيشــــــــــــــــون ،
فأمــــــــا بنــــــي العـــــــــــــــــــــــالم فبالنياح و النعيم يبتهجون ،
و اللــــه لا يــــسر أن يتنيـــح (أي يرتاح) محبـــــــوه جســـــــــدياً ،
فإرادته ــ ماداموا في هذه الحياة ــ
أن يعيشوا في العالم :
بالأحـــــزان و الضنـــــــك و الشـقاء و التعــــــــــــــــب ،
عـــــــــــراة محتاجـــــين مرضــــــي مهانين مرذولـــين ،
منكســــري القلــــــــوب ، تعــــــــابي بالجــــــــــــــسد ،
يكفـــــــــــر بهـــــــــــــم أصــــــــــــــدقائهــــــــــــــــم ،
عقولهــــــم ممتلئة أحزاناً ، غربــــــاء بمنظرهم عن العـــــالم ،
وفــــــــــــي جلوســــــهم غربـــــــاء عـــــن كل النــــــــاس ،
متوحــــدين منفـــــــــردين ، اسقطوا هذا العالم من نظرهم ،
متخلين عن كل أفراحـــــه و همــــــــــــه ،
هم يبكـــــــون و العالم يفـــــــــــــــــــرح ،
هم يعبســـــون و العالم يضحــــــــــــــــك ،
هم يصومـــون و العالم يتنعــــــــــــــــــم ،
بالنهار يتعبـون و بالليل للجهاد يسـتعدون .
هــــــــم فـــي الشــــــــــــدة و التعـــــب ،
فمنهــــم أناس في الضيقـــــــة بهواهـــم ، و منهم من هم بالضنك من أوجاعهم ،
و منهــــم المرفوضون من الناس بقســــوة ، و من الشــــياطين وما يشــــبه هـــذا.
+ آخــــــرون طــــردنوا و آخـــــرون طافـــــــــوا و هم لابســـين لباس المســــــكنة ،
و هــــؤلاء تمت فيهم كلمة الرب :
في العالم تكونون في الشدائد لكن بهذا يكون لكم فــــــــرح بي .
إن الرب يعلم انـــــــــــه لا يمكن أن يدومــــــوا في محبتــــJJـــــه
و هم في نيـــــاح الجسد ، من أجل هذا منعهم عنه و عن لذاته .
إن حب المسيح يقهر كل ميتــــات الجســـــد ،
و هو يظهـــــر فينـــــــــــــا قـــــــوة حبـــــــــــه
أمين .
ما أكرب الطريق :
+ ماذا تقـــــــول أيهــــا الإنسـان :
إن كنـــــــــــــــــــــت تريـــــــــــــــــــــد ، أن تصعـــــد إلي الســـــماء ،
و لتــــلك الملكــــوت تأخــــــــــــــــــــذ ، و الشركة مع الله تنـــــــــال ،
و لتلك الطوبه و النيـاح الذي للقديسين ، و الخلطة مع الملائكـــــــــة،
و لتـــــلك الحيـــــــــاة التي لا تفنـــــي ، تريــــــــــــــــد أن تــــــــــدرك ،
و أنـــــــت دائمــــــــــاً تســـــــــــــــــأل ، إن كان في هذا الطريق تعب !
يا للعجب ،
إن الذين يشتهون أمور هذا العالم الباطل
يعبــــرون البحـــــــار الهـــــــائلة ،
و يسلكون الطـــــرق الصعبــــــة ،
و لا يرون في هذا تعب أو حزن من اجل الشيء الذي يحبون الوصول إليه ،
أمـــــــــا نحـــــن ففي كل شـــيء نفتـــــش و نســـــأل علي النيــــاح !
أما إن وضعنا في عقولنا طريق الصلب و عنه نفتش و فيه نفكر ،
فــــــأي حزن و شدة لا تكون هينــة و خفيفــــة علينــــا ! ،
فــــــان كان لا يمكن أبداً لإنسان نيل الغلبة في القتــال ،
أو يكلل أو يبلـــــــــــــــــــــــغ إلي شــــهوة إرادتـــــــــــه
إن لــم يقنـــــــع نفســـــــــه أن يصـــــبر إلي المـــــــوت ،
هكـــــــــذا ليس أحد يمدح فـــــــــي الأمـــور الإلهيــــــــــة
أو يقـــــوم بشـــــــــــــــــيء مـــــــن الفضائل والخدمـــــات ( أي العبادات )
إن لم يكن قد هانـــــت عليـــــه أولاً الأتعـــاب والأحـــــزان ،
و يبعد عن اهتمامه كل شيء يحركه للنيــــــــــــــــــــــــاح
الذي يتولد منــــــه الغفــــلة و التهـــــاون و الخــــوف
الذي يكون منــــــه العجـــــز فــــي كــــــــــــل و قــــــــت .
الغيرة الروحية :
إن لم يغر القلب من اجل الفضيلة و كذلك الحواس الظاهرة
أي النظر و السمع و الشم و التذوق و اللمس مقابل شدة الأعمال المعاندة لها ،
فلا يقدر الإنســـــــــــان عـــلي غلبة قـــــوة الطبيعــــة ،
حينئـــذ يتدبر بالغضب ، و تكون حياة هذا الجسد هينة ،
و إذا كان القلب بالغيرة الروحانية يتدبر ، فعند ذلك لا تقوي الأحزان علي الجسد
و لا تهوله المفـــــزعات ، إذ يعضده العقل ( المنتبـه مقابل كل البلايــا )
و يسير مثل حجر المغناطيس فنغادر بغيرة الروح من أجل مسرة الرب يســــوع ،
و نبعـــد منا كل غفـــــــــــلة ،
فهي التي تولـــــــــد فــــــي العقــــل التهــــاون ،
لان الغيرة تولــــــــــد فــــــي النفـــس الجــــرأة
و الشـجاعة و حــــرص الجســد .
فأي قـــــوة تكـــــــــون للشياطين إذ حركــــت النفـــــــــس غيرتها الطبيعية مقابلهم !
النشــــــاط يقــــال عنه انه يلــــــــد الغيرة ،
و الغيرة إذا حركــــت قوتها للعمل تصـــــــــــير قـــوة ثابتـــة في النفـس لا تفـرغ ،
فأكاليـــــل المجـــاهدين التي يقبلها الشــــــهداء في صــــــــــبرهم
هـــي من جــراء الناحيتيـــن :
اعنـــي الغــيرة و النشــــــاط ، و هــذان يتولدان من قــوة الغضب الجيـــد ،
و يصير الإنســان بلا حـــــزن و لا وجع و هـــــــــو فــــي شـــدة العذاب .
الاتضاع يجلب المواهب :
+ إن أنت عملت فضيلة و لم تحس بمذاق منفعتها فــــلا تتعجــــــــــب ،
لأنه إن لم يتضع الإنسان لا يأخذ مكافأة عمـــــله ،
فالذي لا يحفظ الثانية ( أي الاتضاع ) يهــــــلك الأولي ( أي الفضيلة ) .
الفضيــــــلة هــــــــي الأحــــزان ،
و مــــــــن الأحــــزان يولد الاتضـــــــــاع ،
و للاتضـــــــــاع تعطي النعمة و المواهب
و هي تعطى ليس للفضيـــــــلة و لا للأحـــــــــزان التـي تكـــــون من أجـــلها
بــــل للاتضـــــــاع الذي يولد منهــا ، فإن انعـدم فالأولي باطـلة .
+ عمل الفضيلة هـــو حفظ وصايا الرب .
أفضل عمـــــل هــو نقـــاوة الفكــــــر و هي تقوم بالاتضاع و التحفظ ،
و إذا كانت قوة الأولي ( أي نقاوة الفكر ) ناقصــــــــــــــــة ،
فالاتضاع و التحفــــظ يقبـــــــل عوضــــــاً عنهــــــــــــــــــــا
المســـــــــــــــــيح لا يطـــــلب فقــــــط أعمـال الفضيـــلة ،
لكن نقاوة النفس التي من اجلهــــــــــا وضعت الوصايـــــا ،
أمـــا الجســـــــد فإنه يعمل سواء الى اليمين أو الى الشمال حسبما توجهه النفس ،
وأمـا العقــــــــــل فكمـــــا يشــاء
إمـــا أن يكــــون في البـــــــــــــــــــــــــر أو يخطئ و يزل فهــــو معرض للتغــير .
ثــــم من يقتني الحياة بالأشياء الشمالية و ذلــــــــــــــك بحكمة أعطيها من الله ،
و ثم من يسقط فـــي الخطــــــــــــــــايا بما منــــــح من الإلهيات
و ذلك بزلة واحدة ثـــم تليهـــــــــــــــــا أخـــــــــــــري .
المتحفظون هم حراس الصدوقية أي البـــــــــــر .
موهبــــــة بلا تجارب تبيـــــد من الذين يقبلونها .
إن أنــــــت عملت شيئاً مـــــن الصلاح قدام الله و أعطاك موهبـــــــة ،
فأطلب منه أن يعطيـــك معرفة كيف ينبغي أن تتدبر فيها باتضـــــاع ،
و أن يقين لك حافظاً ،
أو يأخـــــذها منـــــك لئلا تكــــون لك ســـــبب هلاكـــــك ،
فليـــــــــس كل أحـــــد يحفـظ الغني بلا مضرة .
الفضيلة والأحزان :
+ نفس عزمت علي الاهتمام بعمل الصلاح والفضيلة و الحياة باستقصاء خوف الله ،
لا تقـــــدر أن تكـــــون بلا حــزن كل يــــــوم ،
لان الأحزان متشابكة مع عمــــل الفضيــلة.
والذي يفــــر مــــن الأحـزان فلا محال أنه يبتعد عـــــن الفضيلة ،
و أن اشتقت إلـــي الفضيلة فســـــــلم نفسـك لكــــل حــــزن ،
لان الأحــزان تولــد الاتضاع ، واللـــــــه لا يريد أن تكون النفس بعيدة عن الهم ،
فالذي يريد أن يكون بلا هم فأنه يوجد بعيداً بفكره عن إرادة الله.
و قولي : " هم "
ليس من اجل الجســــــــــــــــديات لكن عن الضوائق التي تلازم الفضيلة
حتى نصل إلي المعرفة الحقيقية التي هي انكشاف الســــــــــــــــــــرائر .
+ لا ندنـــــو من الاتضــــــــــــــــــــــــــاع إلا بالتجـــــــــــــــــــارب ،
أما الذي يوجـــــد بلا أحزان في الفضيــــــــلة فقد فتح له باب الكبرياء ،
أذاً فمـــن الــــذي يشـــتهى أن يكـــــــــــــون بلا حـــزن في فكـــره ؟!
إن العقل لا يقدر أن يثبــــت في الاتضــــــــاع من غير مسببات الاحتقار و المقت ،
و لا يمكــن و هــو بعيـــــــد عن الاتضــــــــاع
أن يـــــداوم عـــلي التضــــــرع و المفاوضــــة مـــــع الله بنقــــاوة .
الكبريــــــــــــاء :
+أول مـــــا يـــــؤدي إلي السقوط في الكـــــــــــــبرياء
هو ابتعاد الإنسان بعملـــه عــن الاهتمام بما ينبغي ،
فبعــد هــــــذا يدنــــو إليـــــه شـيطان العظمـــة ،
فان دام الإنســـــــــان في الكــــــــــــبرياء حينئذ يبتعد عنه الملاك المعتني.
هذا الذي عندما يكون قريباً منه يحرك فيه الاهتمام بالبر ،
وإذ خالفه ابتعد عنه و حينئذ منه المحتال ( أي الشيطان )
و لا يكـــون فيه فكــــر واحـــــــد للاهتمــــــــام بالـــــــبر .
+ يقول الحكيم : " من قبل الســــــــــقوط الكبـــــــــــــرياء " ( أم 16 : 18 )
و من قبل الموهبــــــــة الاتضــــــــــــــاع ،
و بمقدار الكبرياء الذي يكون ظاهراً في النفس تكبر السقطة ، و تأديب الله .
+ و الكبرياء : ليس هو عبور أفكار في العقل ،
و لا أن غلـــب منــه أحـــد قليلــاً ، و لكــــــن ذلك الدائم في الإنســــان ،
فالأولي يتبعهــــــــــــــا النــــــــــــــــــدم ، أما الثانية فمن يحبها فلا يعرف الندم .
التغيرات التي تحدث في العقل والتي تميز بالصلاة
المشتاق للمشيئة الصالحة :
يحتاج إلي الله الذي يتمم هذا الاختيار الجيــــد ،و الإنســان محتاج إلــــي معونتـــــه ،
و لهذا نحن نقرن الشهوة الجيدة المختلجــــة فينـــا بصـــلاة دائمـــــة
ليــس فقـــط لطلب التعضيد بل ليكـون لنا تمـييز : هـــل هي حسب مرضــــــاته أم لا
لأنه ليســـت كل شهوة حسنة تقع في القلـب تكون من الله
بل التي تكون بل التـــى تكــــــون للمنفعــــــة،
لأنه ثـــــــــم صــلاح يشـــتاق إليه الإنســان و هو لا ينفعــه ،و لا يعاضـده الله عليـه ،
لأنه قــــــــــد يكون من الشـــــــــــيطان و مثل هذه الشــهوة يظــــن إنهــــا نافعــــة ،
لكنهـــــا ليست مناسبة لمنزله ذلك الإنســان ،
و الشيطان هو الذي يتحايل ليؤذيه بها و يلح عليه إن يعملها ، و هو
لا يكــــــون قد و صــــل بعد و لا بلـــغ مقدارهــــا ، أو تكــــون غـريبة عـن حالتــــــــه ،
أو الوقــــت غير موافق علي فعلها و العمــل بهــا ، أو لا تكون له الكفـاءة لذلك الأمر :
إما من جهة المعرفة أو من جهة الحالة الجسدية ،أو الــزمن لا يساعد عـــلى ذلـك ،
لكن الشيطان بكل نوع يتحــــايل أن يسـجســـه ، أو أن يؤذيـــــــــه جســـــــــدياً ،
أو يخفي له فخـــاً في فكــــــــــره ،
و لهذا قلـــت ينبغي علينا أن نحـــــرص عـــــــــلي تقديـــــم صلاوات دائمة
بخصـــــــوص تلـــــــــــــــــك الشـــــهوة الجيــــــدة المتحركة فينـــــــــــــــا ،
و ليقل كل واحد منا :
" يارب:إن كانت مشـــيئتك في فلتتــمم العمـــل الصــــــــالح الذي اشتهيت أن أعمله،
و إن كان يوافق إرادتك فســـــــهل علــــــــي عمــــــــله ،
لأني بغير معونة وبغير موهبة منك لا يمكنني عمــــــله .
فكلا الأمـــــــرين منـــك أعنــــــــي الإرادة و العقــــــــــل ،
لأني ما اقتنعــــت أن أفعــــــــــــــل هذه الشهوة السائرة خلـــواً من نعمتـــك ،
و إلا ابتعدت عنهـــــا " .
فهــذه عادة المشــــتاق إلي الصالحــــــــــات فإنــه بإفــراز ( أي بتمـيز )
العقل يعمل بها بمداومـــــــة الصـــــــــــــــلاة من أجلهــــــــــــــــــــــــــــا،
و بواســـــــــطة الصــــــــــــــــلاة يقبل قوة تعينه علي فعلها
و ينال أيضاً حكمة بها يفصل الخير عن الشر ، و الحــــــــق عن ضــــــده .
فبالصلوات الكثيرة و العمل و الاحتراس و الشوق بلا فتور ،و دموع متواصلة و مسكنة،
مع التعضيد الســماوي ، يميز الصـلاح و بالأكثر إذا كانت أفكــــار العظمــة تقــــــاتله ،
لان هذه تمنع معونة الله عنا ،و نحن فلنبطل هذه الأفكار بالصلاة .
تميز الأفكار :
سؤال : كيف أعرف
الفكر الذي من اللـــــــــــه
و الفكر الذي من الطبــــــــع ،
و الفكر الذي من الشيطان ؟
الإجابة : يا أخي سؤالك هذا مقداره عظيـــم .
إن لم تنظـــــــــف العــــين الجوانيــة ( أي البطنيــــــة ) بالعـــرق الكثــــــير ،
لا تتمكن من إفراز هذه،و هنا تهزأ بك الشياطين ،و تضل عندما تصدقهم
لأنهم يغيـــــــرون أشكال الأمور كما يريدون سيما عند ذوي المعرفة بحيلهم
أقطع مشيئتك لله و قل في سائر الأمور : ليس كما أشـــاء أنا بل كما تشـــاء أنـــت .
و هو يعمــل معـك كمشـــــــــــــــــيئتــه . توكل علي الرب وهو يعطيك طلبات قلبك .
أسمع يا أبنى التمايز بين الأفكار التي سلف ذكرها :
متى عرض علي الفكر فعل شــــيء حســـب مشيئة الله
و يجد في الأمــر فرحاً و لا يضاده حزن ، فاعلــــم انه من الله ،
و صارع لتثبت كما ثبت بولس القائل :
" إني اخضع جسدي و استعبده لئلا أكون قد أنذرت
و كرزت لقوم آخرين وأكون أنا متهاونا غير محنك " 1 ) كو 9 : 27 ) ،
و تمم مشيئة الله .
فإن عــــرض لك فكــــــــــــــر طبيعـــي فأجحـــده ،
و جحده هو أن تترك عنــــــك المشيئات الطبيعية ،
لان بهذا افتــــــــخر القديس بطرس قائـــــــــــــــــــــــــلاً :
" ها نحن قد تركنا كل شيء و تبعناك " ( مت 19 : 27 )
لأنه ماذا ترك و هو لم يكـــن غنيـــاً ، لم يترك إلا مشيئاته الطبيعية و عنها تحدث .
و كمـا لا تثبت مع المـــــــــــــــــــيت مشيئاته الطبيعية بالمرة ،
هكذا لا تثبت أيضاً مع من أمات جسـده روحيـــــــــــــــــــاً .
فإن كنـت قد مـــــــــت بالجســـــد فكيف تحيــــــــا فيك الأشــــياء الطبيعيــــة ،
و إن كنـت لســــــــــــــت بعـــــــــــد مــــــــــــــــــــن ذوي المـــنزلة الروحيـــــــة
بل أنــت صبي و طفل في عقـلك فتذلل لمعلمــــــــــك ليؤدبـــك برحمتـــــــه ،
و بـــــلا مشــــــورة لا تعمل شيئاً و لـــو ظننـــــــت انه جيـــــــــــــــــــــــــــــد.
لأنه ضيــاء الشــياطين يصير فيمـــا بعد ظلمــة.
و أفكـــار الأبالســة هــي أولاً متخبطــة و ممـــــلوءة حــــــــــــــــزناً
و تجذب و تســـرق خفية إلي الـــــــوراء ، وهي تلبس لباس الخراف ،
أعنـــــــــــــــــــي يحركون أفكـار صالحــة و هي من داخـل ذئاب خاطفــــة ،
و مثال ذلك أنهم يخطفون بأقوال صالحة ظاهرياً ،و يخدعون القلوب الساذجة ،
فمهمـــــــا سمعته أو عـرض بفكــرك و نظــرته متخبطـاً و لو مقـدار شــعرة
و تحرك ذلـــــك في قلبـك فأعلم انه من الشــــــياطين .