الميمر التاسع ( ج 2 )
مما سمع و نظر من الشيوخ
ج1 ج2 ج3
المحبـــــــــــــــــــــــــــــــــــة
: تدبير المتوحــدين شبه الملائكة : أشياء تحفــظ يقظـة النفـــــــس:
التنعــــــم بالمزامــــــــــــــير
: تأمـلات في رموز السبت والأحد : ضرورة الاتضاع والفضائل والأحزان :
الأفكــــــار المضــــــــــــــادة
: تغيرات
الضمير والتي تميز بالصلاة:
قصة ( 1 ) : الدهش لمدة ثلاثة أيام
قال أحد القديسين :
كنــــت في ضنــــــك من الأحــــــــزان و التجـــــــــــارب
فمضـــيت إلي متـــوحد شــيخ عظيـم كان راقداً مريضاً ،
و لما سلمت عليه قلت :
صلي علي يا أبي لأني مضغوط من تجارب الشياطين ،
ففتح عينيه و تميزني جيداً و قال :
يا ابني أنت شاب و الله لا يترك عليك تجارب ،
فقلـــــــت له : أنا شاب و لكن علي تجارب الرجال الأقوياء ،
قـــــــــــــــال : إعلــــم أن الله يريــد أن يجعــــلك حكيمــــاً ،
فقـــــــــــلت : كيف أصير حكيماً و أنا أذوق الموت كل يوم ،
أجابني قائلاً : اسكت فالله يحبك و هو مزمع أن يجود عليك بموهبة ،
و قــــــــــــال : إعلم يا ابني أن لي ثلاثين سنة أجاهد الشـــياطين ،
و في مدة عشرين سنة لم انتفـــع شـــيئاً بالكليـــــة ،
و في السنة الخمسة والعشرين بدأت الراحة و كانت تتزايد ،
و بعد ثمانية و عشرين سنة كثـــــــــــــرت جــــــــــــــــــــــدا ،ً
و في تمام الثلاثين بلغــــت الراحـــة حداً لا اعـــرف مقــداره
و عندما أقـــــوم للصــــلاة لا أتلــــو غـــير مزمـــــــور واحـــــد
و بعد ذلك أمكث ثلاثة أيام بالدهش مع الله و لا أحس بتعب .
فانظر الراحة غير المحدودة التي تولدت من عمل زمان كثير .
قصة ( 2 ) : ثمار الصمت و السهر :
كان أحـــــــد الآبـــــــــاء يــأكل مرتيـــــــــن في الأســـــــــــبوع ،
هـــذا قال لنـــــــا : إنه
في النهار الذي أتكلـــــم فيــــه مع إنســــان لا أقـــدر على التمســك بقــــــانونى
( أي نظامي ) في الصـــــــــــوم ، بل أجـبر عـلى الأكل قبـــل موعـــده ،
ففهمنـــــــــا جميعـــــاً أن حفــظ اللســـــــان ليــــــس فقـــــــط يوقظ العقل مع الله ،
بل يمنح قوة عظيمة خفية لإتمام الأعمال الظاهرة بالجسد و ينشط علي إتمامها ،
و يستضيء العقـــل خفيـة على الــدوام ، و هـــذا حســـب قول آبائنا :
إن صمت الفم إذا كان بمعرفة يحفظ الضمير مع الله .
و كان هذا القديس يسهر كثيراً و هو يقول :
في الليلة التي أسهر فيها من العشــاء إلي باكـــر و بعـد ذلك اســـترح قليـــــلاً ،
فعندما استيقظ من النوم أتمم نهــــاري كـــأني لسـت من هذا العالم ،
و لا يصعد على قلبي فكر أرضي ، و لا احتاج لتكميل القوانين المحددة
و لكن أثبت نهاري كله في الدهش .
و في أحد الأيام الـــــذي كنت أنــــوي تنـــاول طعـــامي فيــــه لــــم أذق شـــيئاً ،
بــــــــــل بعد أربعة إذ قمـت أصــــلي وقت المســاء لكــي آكـــل ،
قمـــــت في دار ( أي فناء ) قلايتــي و كــانت الشـــمس غـــاربة ،
و شعرت فقط بتلاوة مزمور بدء الخدمة( ثم أخذت فى دهـــش )
فمكـثت إلي ثاني يـوم حتى أشـــرقت الشــمس في وجهــــي
و حميت الثياب التي علي جسدي و لم أشـــعر أيـــــن أنـــــــا ،
و لمــــا أحرقت الشمس وجهي تجمع عقلي علي ، و نظــــــــرت
و إذا هو نهار ثاني فشكرت الله على كثرة إنعاماته لجنس البشر
و لأي رفعة و عظمة أهل طالبيه .
قصة ( 3 ) : تذكر الأفكار الصالحة
شيخ آخر كان مكتوباً على حوائط قلايته كلام و أفكار مختلفة ،
و لما سألوه ما هذه ؟ ،
أجابهم قائلا ً:
هذه أفكار البر التي تأتيني من ملاك العناية
و من خلجــــات الطبـــــــــع المســـــتقيمة ،
و أنا أكتبها في الوقت الذي أكون فيه على هذه الحال ،
لكــــــــي في أوقات الظلام أتفاوض بها فتخلصني من طغيان الضلال .
قصة ( 4 ) أفكار العظمة
شيخ آخر :
مدحته أفكاره لأجل أعمال سالفة ،مثل أنه أهل لرجاء عدم الفساد ،
فأجاب الشيخ أفكاره قائلاً :
أنا الآن ســـائر في الطـــــريق ، و باطـــلاً تمدحـــونني
لأن الطــــريق لم ينتــــــــــــــه حـــــــــــــــــــتى الآن .
قصة ( 5 ) : لا تترك عمل الله
مضيت مرة إلي قلاية شيخ كان لا يفتح بابه كثيراً ،
و لمــا رآني من الطــــاقة و عـــــرفني
قال لي : أتريــــــــــــــــــــد الدخــــــــــــــــــــــــول ،
فأجبتــه : نعــــــم أيهـــــــا الأب المكـــــــــــــــــرم ،
فلما دخلــت وصلينا جلســـنا نتحـــادث ،
فسألته أخيراً :
ماذا أعمل يا أبي لأن قوماً يأتون إلي و لا انتفع بحديثهم
و لا أربح شيئاً و اســـتحي أن أقـــول لهــــم ألا يجيئـــــوا ،
نعم و يعوقوني عن صلواتي في أوقـــاتها مراراً كثــــــيرة ؟
فأجابني : متى جاءك قوم محبين للبطالة ،
فإذا ما جلسـوا قليـلاً اظهــر نفسـك أنك تريد القيــام للصـــلاة ،
و أعطهم مطانية وقل لهم :
يا إخـــوتي أريــد أن أصــلي و لا يمكن عبـور وقــت صــــلواتي
حتى لا يثقل علي أن أوفي ما فات في وقت آخر فأقلق لذلك ،
و من غير ضرورة شديدة لا يليق أن أترك صلاتي في وقتهـــــا ،
و الآن لا ضرورة تدعوني إلي ذلك ؛
أو : أدع الحاضر( إليك ) ليصلي معك
فإن قــــــــال لــــــــــك :
صـــلي أنـــت فأنــــا أريــــــد أن أمضــــــي ،
فأسأله بمطانية و قل له :
بالمحبة صلي معي و لو هذه الصلاة الواحدة لأنتفع بصلاتك معي ،
و إذ قمــت تصـــلي أطـــــل صـــلاتك عمــــا جـــرت به العـــــــادة .
فإذا صنعت هذا مع من يجيئون إليك يعرفون أنك لا تحب البطـــــالة
و لا يأتون ثانيـــــة إلي الموضــــــع الذي يســـــمعون أنـــــك فيـــه ،
و انظر : لا تحابي وجه إنسان و تترك عمل الله
أمــــا إن طرق بابك أحد الآباء الكبار أو غريب متعب فجلوسك معهيحسب لك صـــلاة ،
و إن كان غريباً ممن يحب الكلام البطالفأريحه حسب طاقتك وأطلق سبيله .
و إذا دخلتك شهوة الاهتمام بغيرك كأنها نوع من الفضيلة ،
فلكي يــــزول ما في قلبــــك من شـــــك قل لفكــــــــرك :
إن طريق المحبــــة جيــــد و الرحمـة لأجــل الله مقبــــولة ،
و لكن أنا من أجل الله لا أريدها .
قال راهب : إن لم تقف لي من أجل الله أجري خلفك ،
فقــلت له : و أنا لأجــــــل الله أهـــــــــرب منـــــــــــك .
قصة ( 6 ) : لكل عمل وقت
في أحد الأيام مضيت إلي شيخ عجوز فاضل ، و كان يحبني كثيراً ،
و هو أمي في الكلام ، نير مضيء بالمعرفة و عميق الغـــور بقلبــه ،
و ينطق بما يمنحه الروح من النعمة .
فقلت له أيها الأب : إن فكري يقاتلني
أن أمضي يوم الأحد إلي رواق الكنيسة و أجلس فيه و آكل باكراً
لكيما أحتقر و يزدرى بي .
فأجابني الشيخ :
قد كتب إن كنت :
تعمل عملاً تجلب به عثرة و شك للعلمانين ( فإنك ) لا تبصر نوراً ،
فأنت لا يعـــرفك أحــد في هـــذه الكــورة و لا يعــرفون طريقتــك ،
لكنهم سيقولون :
إن الرهبان يأكلون باكراً و لاسيما ههنا إخوة مبتدئون ضعيفو الأفكار ،
و كثير منهم لهم فيك إيمان وينتفعون بك،
فمتى رأوك تفعل شيئاً مثل هذا يتـــــأذون ،
أما الآباء القدماء :
فلأجل كثرة المعجزات و العجائب التي يعملونها ، كانوا يفعلون هذا ،
لكي يهينوا و يحقروا مجد سيرتهم و يبعدوا عنهم أســـباب الكـــبرياء ،
إما أنـــــــــت : فما لك سيرة متميزة و لا لك هذا الاسم ،
لأنك تســـــــلك كأحد الأخـــــــــــــــــــــــوة
و لا تقــدر على منفعــــة نفســك و لا عــلى لا أذية غــــيرك .
و أيضـــــــــــاً هذا السلوك ليس نافعاً للكل ، بل لأولئك الكبار الكاملين وحدهم ،
لأن هـــــذا ينتــــــــج عنــــــه انحــــــــلال الحــــــــواس ،
و يسبب خسارة للمبتدئين و المتوسطين ،
إذا كانوا محتاجين إلي تحفظ و إذلال و إخضاع حواسهم ،
فأما الشـيوخ فقد عبوراً زمان التحفظ و هم يربحون في جميع ما يعملون ،
لكن عديمي الخبرة فيخســرون كثيراً في الأمــور الكبيـــرة
و يغرمــون غرامـــات ليست قليـــــلة ،
لكنهم من الأشياء البسيطة الصغيرة
يتقدمـــــــون إلي الأمــــام بســهولة ،
و أيضاً حسبماِ سبقت و قلت : فلكل عمل وقت و ترتيب و لكل سيرة( أي سلوك )
زمان معلوم ، و الذي يتعـــدى طــــوره ( أي قامته )
لا يربح شـــيئاً بل يســـبب لنفســـه الخســــــارة .
و إن اشتقت إلي هذا ( أي احتمال الازدراء )
فاصبر على الاحتقار الذي يأتيك كرها على سبيل التدبير الإلهي ،
و اقبله بفرح و لا تقلق و لا تمقت شاتمك .
قصة ( 7 ) : لا بد من التعب في الصلاة
كنت في وقت أتفــــاوض مــــع ذلك النشـــيط الفـــــــائق
الذي أكل من شجرة الحياة بالعرق النفساني ( أي بالجهاد )
من باكر شبابه إلي عشية شــــيخوخته ،
و بعد أن وعظني بكلام كثير عن الفضيلة ،
قال لي أيضاً :
كل صــــــلاة لا يتعـــــب فيها الجــسد و لا يحــزن فيها القلب
فلتحســـبها مثــل الســــــقط الذي ليـــــــــس فيه نفـــــــس .
و قال لي أيضاً :
كل إنسان يحب أن يغلب بكلامه ،
و يكون ماكراً في فكره غير ضابط لحواسه فلا تعاشره نهائياً ،
لئلا يطـــــرد منـــــك النقــــاوة التي اقتنيتهــا بأتعــاب كثيرة
و يمـــلأ قلبــــك ظــلام واضطراب .
قصة ( 8 ) : حرارة الجهاد
في أحد الأيام مضيت إلي قلاية أحد الإخوة القديسين
و اتكأت في أحد الأركان لأني كنت مريضاً لكي يفتقدني من أجل الله .
لأنه لم يكـــن لي أحد يعـــرفني في تلك البلاد ،
فكنت أنظـــر ذلك الأخ يقوم ليلاً قبل (الميعاد ) بوقت طويل ،إذ كانت عادته أن
يستيقظ قبل كل الإخوة ، و يبدأ في المزامير .و بعــد أن يتلــو منهــــا قليـــــلاً ،
يترك الخدمة ( أي تلاوة المزامير المقررة في الصلاة ) بغتــة و يقع على وجهــه ،
و يدق رأســـه في الأرض مقـــدار مائة مرة بحـــــــدة
من الحـــرارة التي كانت تشتعل في قلبه من النعمة ،
ثم يقوم و يقبل الصليب و يسجد أيضاً و يقوم و يقبله ،
و يخر أيضاًَ علي وجهه ، و هكذا كان يصنع مرات كثيرة
حتى أني ما كنت أتمكن من
تعـــداد المطانيـــات ( أي السجدات ) التي يؤديهــا ذلك الأخ ليـــلاً ،
و كان يقبل الصليب عشرين مرة بشوق ومحبة ممزوجة بالمخافة ؛ثم يعود للمزامير .
و من وقت لآخر : من تواتر حركة الأفكار التي كانت تشعله بحرارتها ما كان يحتمل
ذلك الالتهاب ،و يُغلب من فرحه فيصرخ بغتة لعجزه عن ضبط نفسه .
و كنت متعجبـــاً من النعمة الكثيرة التي كانت مع هــــذا الأخ ،
و هو حريــــص متيقــــظ فـــي عمــــــــل الله .
و بعد صلاة باكر يجلس ليقرأ ، فكان يشبه إنساناً قد اختطف ،
و كل فصل يقرأه يخر على وجهه مرات كثيرة
مردداً الكلام و يرفع يده إلي السماء و يمجد و يشكر دفعات كثيرة .
لقد كان كهلاً ابن أربعين سنة و أكله قليـــل و روحه حــــارة ( و جسده يابس ) ،
و كان يغضب نفسه كثيراً فوق قدرته و جسده يظهر كأنه خيــال ،
و وجهه مقدار إصبعين ،
وقلت له مرارا كثيرة :
أشفق على نفسك يا أخي و ترفـــق بها ( كي تستمر)
في تدبيرك المستقيم هذا و على هذه السيرة الحسنة ، لئلا تتخبط وتقطع
و ها هي مثل السلســــلة الروحــــانية ( أي العمــــل الروحــــي مســـتمر ) ،
حتى لا يصـير العمل القليـل زائـداً عن قدرتـك و هنـا تتوقـف كل ســــــيرتك .
كل بمقـــــــدار حتى لا تضطر أن تأكل باستمرار ( بسبب الضعف و المرض ) ،
و لا تكثر جريك زائداً عن قدرتك لئلا تتوقف تماماً .
كان رحيمــــــاً بشوشاً شديد الحياء ،
نقيــــــاً فـــي طبعــه
بسيطاً فـــي الطاعة
حكيمـاً باللـــــــــــــه ،
و من أجل وداعته كان محبوباً من كل أحد ،
كان يعمل الطين ( اللازم لبناء القلالي) مع الإخوة في قلاليهم أربعة أو خمسة أيام ،
حتى يفرغ الأخ من شغله ،
لأنه كان يجيد حرفة البناء ، وفي العشاء يعود إلي قلايته .
و إذا كـــان له حاجة و لو ضرورية يستحي و لا يقـدر أن يقــول أنا محتــاج إليهــا ،
و أكثر خروجه لمساعدة الإخوة ، و من حيائه كان يغصب نفسه على غير إرادته ،
و مرات كثيرة أفصـــــــح لي عــــــــن حـــــــــــزنه لخــــــــروجه مــــن قلايتـــــــه .
و هكـذا كان تدبير هذا الأخ العجيب .
قصة ( 9 ) : التفرغ للصلاة
قال لي شيخ قديس :
أنا متعجب مما أسمعه عن أناس يعملون في قلاليهم
و مع هذا يكملون قوانين القلاية بغير نقص و لا يتخبطون .
و قال كلمة يتعجب منها :
أني إذا مضيت أريق الماء أتخبط عن ترتيب العادة
و أعاق عن تكميــــل عمـــــلي( أي الصــــــــلاة ) .
قصة ( 10 ) : المتوحد عمله سمائي
أخ سأل شيخاً :
ماذا أصنـــــــع عندمـــا يكــــون لي شـــــيء مــا و أنا في حـــاجة ضــــرورية إليــــه ،
أما لأجل مرض و إما لأجل حرفة ،
أو لأني أستعمله في أغراض أخري تساعدني علي الثبات في السكون ،
و إذا نظرت أخ في احتيــاج إليـــه أغــلب من الرحمــة و الشــفقة و أعطيـه له ،
أو إن طلبه أحد مني فما أقــدر أن أمنعـه عنه من أجـل الوصيــة ،
ثم بعـــد ذلك أحتـاج إليه ،و احتيـــاجي هـــذا يلقيني في همــوم و اضطـــراب
و سجس الأفكار و يتشتت العقل و الاهتمام بما يليق بالسكون ،
و كم من مرة اضطــر للخـــروج من قــلايتي و من هــدوئي ماضيـــاً في طلبــه ،
و إن تجلدت و لم أخرج أكون في ضيق و شدة و تخبـط الفكـــــر ،
و لهذا السبب أنا متكــدر و متســجس على الدوام و لا أعـــرف ما هـــو الأوفــق
و أيما أصنع ، هل ما يعطــل ســكوني في ســبيل راحة القريب ،
أم ما يثبتني في الهدوء و اهتم باحتياجات نفسي فقط مداوماً على سكوني
و مسكنتي و لا أبقي في اهتمــام كثــير من أجــل أي إنسان ،
قـــــــل لي : أيما أصوب لي؟
أجاب الشيخ : كل صدقة أو محبة أو عطيـــة أو ما يظـــــن أنه واجــــب و لائـــــــــق
أو أنه فعل من أجل الله و يعطلك عن الســـكون و يمنعك عن ترك العالم
و يسجسك باهتمامه و يكدرك عن الهذيذبالله و يقطع مواصلة صلواتك،
و يدخل عليك اضطراب الأفكار ،
و ينسيك مفاوضة القراءة التي هي السلام المقاوم للطياشــــــة ،
و يشـــــتت تحفظــــــك و يدفعك للطواف عوض أن تكون حبيساً ،
و الخلطـــة عوض الانفراد ،
و يثــــير عليــك الآلام ( أي حروب الشهوات ) التي سبق أن دفنت ،
و ينقــــص نســــــــــك حواســــك ،
و يقيم موتك الذي مته عن العالم
و ينزلك من عمــــل الملائكــــــة الذي هــــو الهــــــذيذ بالواحـــــــــــد،
و يجعلك من معشر خدام العلمانيين فلتهلك تلك الحسنة و هذا البر .
إن تكميل واجبات حب القـــريب بإراحتــــه في الأمــــــــور الجســــدانية
هو بر أهل العالم أو الرهبان الذين هم خارج عمل السكون
أو الذين في مجمـــع ( أي دير ) المجتمعتتين مع بعضهــم
و يدخلون ويخرجـــون كل وقـــت فهــذا يليــق جداً بهــؤلاء ،
أما المتوحدون الذين اختاروا البعد عن العالم بالجسد و العقل ،
الذين يريدون دوام ذواتهم في الصلاة وحدهـــا
و ذلك بالمــــوت عن جميــــع الأمـــــور الزائــــــــلة
و عن الاهتمام بأي عمل ، وعدم نظر أو ذكر كل الأشياء ( الجسدانية ) ،
و أن يخدموا المسيح ، فهذا لا يكون بعمل هذه الأشياء الجســــــدانية
و لا يتبررون بالأمـــــــور الظــــــاهرة أمــــــام العيــــــــون ،
بل بإماتة أعضائهم الأرضية حسب قول الرسول( كو 3 : 5 )
يتعبدون لله ويقربون له في كل وقت ذبائح أفكارهم النقية
( هذه التي تكون) باكورة أعمالهم مع أوجاع أجســـــادهم
و احتمالهم الضوائق و ذلك لأجل الرجـــاء الذي ينتظــــــروه .
إن تدبير المتوحدين هو شبه الملائكة ،
فلا ينبغي أن نترك عمل السماويات لنربح البر بأمور أرضية .
ســؤال : هل يلازم أحد الإخوة لأنه ما عمل رحمة ؟
الجواب : فعل الرحمة ليس إلزاماً على المتوحدين .
من الظاهر و البين إن : الراهب الذي ليست الرحمة إلزاماً عليه ،
هو الذي يمكنه أن يقول للمسيح له المجد بصدق مثلما ،
كتب : " ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك ") لو 18 : 28 ،(
يعنــــى بذلــك أنــــه : ليس له في الأرض مشيئة و لا يملك عليها شيء ،
و لا يتعب نفسه في الأمور الجسدانية و لا يخطر بباله شيء من جميع هذه المرئيات ،
و لا يهتم باقتناء شيء ، و ان أعطــاه أحد شـيئاً لا يأخـــذ منـــه إلا ما به إليـه حاجة ،
و أيضاً لا يحفل بما يفضل عنه و تكون سيرته كسيرة طائر ،
فهــذا الذي هذه صفته فالرحمــة ليســت إلزامــاً عليــــه
لأنـــه كيف يعطي غــيره شـــيئاً قد تحـــــرر هـــو منـــــه .
أمــــا إن كـان يعمل بيديه ، و أيضاً يأخذ من آخـــرين ، ( ففي هذه الحالة )
يجب عليه أن يتصدق ويعطي ، لأن إهماله لهذه هو تجاوز واضح لوصايا الله ،
و هو بذلـــــك ليــــس له فضـــل بالـــروح أمـــام اللــــــه لأنه اذ يتهـــــــــاون
حتى في عمـــل ما تصـل إليه مقـــدرته بالأشـــياء الظاهــرة ،
فبـــأي شيء يترجى أن يقتني الحيـــــاة ، و هذا أيضــــاً يدل على جهــــله .
ســـؤال : ما دام الله صالح ، فلما خلق الخطية و جهنـــم و المــوت و الشـيطان ؟
الجــواب : الله لم يخلق الخطية و لا الموت و لا الشيطان لأنها أفعال و ليست أقانيم ،
فالخطية هي ثمــــــرة الإرادة و لم تكـــن موجــــــــــــــــودة ،
و أيضاً يأتي زمان لن توجـــد و ينعـــدم فعلهــا .
أما جهنم فهي ثمرة الخطيـــة و يأتي وقت تبدأ فيه و أما نهايتهـــا فغـــير معروفـــــة
و المــــوت هو ثمرة المخالفة ،
و هو يحدث حسب حكمة الخالق ،
و سلطانه علي الطبيعة إلي زمن ثم يبطل بعد ذلك .
و أما الشيطان فليـــس الشــــر من طبعــه ، ( أي لم يخلق هكذا )
بـــل مــــــــن الإرادة وحتى اسمه يوضح انحراف الإرادة و جنوحها عن الحق .
ان هذه الأشياء و ما يشبهها ـ لا تظن أننا تكلمنا بهــا لكي نظهر ذواتنـا أننا معلمـون ،
ولا لكي نمتــــدح بما هو قول الآخرين،بل أعلم أننا رضع نرضع من ثدي ( تعاليم ) آبائنا ،
و قصــــــــــــــــدنا من ذكـــــر هــــــذه الثــــــــاؤريا ( أي التأمـــلات )
التي جمعناها ونضعها قدامنا أن يتفاوض العقل بهــا و يغتـذي ،
لأنه لا يغيب عنا أننــــــــا لا نرتفـــــع عن رتبــــــة المحتـــــاجين إلي التعــــــليم
طالمــــــا نحــــــــن لابســــــــــــــــــون هـــــــذا الجســـــــــــد .
التميـــــيز هــــو الحركــــــة الطبيعيــــة للأفكـــــــار ،
و إذا ما كانــــت تتحرك بشكل و بطريق طبيعي تدرك تغير العوالم و العناصر .
سؤال : متى يثق الإنسان أنه استحق و أهل لمغفـرة الخطـــايا ؟
الجواب : إذا أحس في نفسه أنه قد أبغضها تماماً من كل قلبــــــه ،
ثم يصنع عكس تصـرفه الأول في الظاهــر و في الخفــاء .
فالذي هو هكـــــــذا فلــــه ثقــــة أنـــه ( نال ) من الله غفران خطـــاياه ،
و ذلك بشهادة الضمير النقي الذي اقتناه في نفسه
حسب قول الرسول :
لأن القلب لا لوم فيه هو الشاهد على نفسه ) 1 تس 3 : 13 (
تأملات في رموز السبت والأحد
الأحـــــــد هو سر معرفة الحق التي لم يكن يدركها اللحم و الدم
و التي تعلـــــــو عـــــــن كل الأفكــــــار البشـــــرية .
هذا العالم ليس فيه يوم ثامن و لا سبت حقيقي ذلك الذي قيل عنه
" اســــتراح الله في اليــــــــوم الســـــــــابع " ( تك 2 : 2 )
هو ســـــر ســكون طبعنا عن ســــعيه و جيريه في هــــذه الحيــــاة .
الســـــتة أيـام هـــي ( رمز) إلي الجهاد لحفظ الوصايا في هذه الحياة
و اليوم السابع فــــي القبر يكمــــل ،
و الثــــــــــامن يكون الخروج منـــــه .
و كما أن أسرار يوم الأحد يتمتع بها الذين يؤهلون لذلك هنا رمزيا ( كعربون )
و ليـــس اليــــوم ذاتـــه ( أي الأبــدية ) إذ مازالــــوا بالجســــــــــد،
هكـــــذا أسـرار السبت يتمتع بها النشتطاء ( روحياً ( ههنـا رمزيــا،
و ليـــس السبت الحقيقي الذي هو الراحة و التخلص من كل حزن ،
و لا هي الراحـــة التامة من جميـــع الضيقــــــات .
إن الله أعطــــانا تـــــذوق ســـــــــــــــــر كل الأشــــــــــــياء ،
و لـــم يمنحنــــــــــــا أن نعيشها بالفعل على حقيقتها هنا .
فالسبت الحقيقي و ليس الرمزي إنما يكــــــــون بالقــــبر ،
و هذا يوضح و يدل على الراحة الكاملة من ضغوط الآلام و من الجهاد في مواجهتها ،
فهناك يسبت ( أي يستريح ) الإنسان كله النفس مع الجسد .
في ستة أيام رتب الله قيام هذا العالم
و وضح فيه عناصر عاملة تتحرك بلا توقف للخدمة ( أي لتؤدي دورها )
و ليــــــس لهـــــا حـــــرية التوقـــــــــف إلي أن تنحـــــــــــل ،
و من هــــــذه العنـــــــاصر الأســــــاسية جبــل جســـمنا الأول ( أي آدم )
و لم تتوقـــــف حركتها بعد ، و لا لجسمنا المتولد منها أعطاه راحة من العمل .
و لهذه العناصر التي فينا وضع نهاية إلي أن تعود إلي أصولها الأولى
التي هي الانحــــــــــلال من هـــــــذه الحيــــــــــاة .
حســـب قــوله لآدم : أن بعــرق وجهـــــــك تأكـــــــــل خبـــزك
حتى ترجع إلي الأرض التي منها أخذت ( تك 3 : 19 )،
و تعمــــل فـــــي الأرض و تنبـــــــت لك شــــــــــوكاً و قرطبـــــاً ( تك 3 : 18 )
الذي هو سر ( أي رمز ) عالم الشقاء و العمل طالما هو هي في هذا العالم .
و هذه عبرها ســيدنا في تلك الليــلة التي عــرق فيهـــا
و هو بــذلك بـــــــــدل جزع العمل في الأرض التي تنبت الشوك و القرطب
إلــــــــي العــــرق في الصــلاة و التعـب في عمــل الـــــــــــبر .
خمسة آلاف سنة و أكثر ترك آدم ( أي الإنسان ) يعمل في الأرض ويشقي
إذ لم يكن قد ظهـــــــر طــــــــــريق القديســـــــين ،
و كمــــا قال الرســــــــــول أتى بنعمتــــــه في آخــــــــر الأيــــــام ( عب 9 : 26 )
و أمــــــــــــر حريتنــــــــا أن تغير العرق بالعرق ، لم يأمرها بأن تتوقف عن العمل
بل أرانا كيــف نبــدل ذاك بهــذا لأجـــل تحننه علينــا .
و لكثرة تعبنا في الأرض ، فإن كنا نتوقف عن العرق في الصلاة ،
فبحكـــــــــم الضـــــــرورة لابد أن نحصـد شــوكاً و قـرطب الآلام
بســـــبب التوقــــــف عن تعب الصلاة و العمل في جسد الأرض ،
فإنها تنبــت الشوك حسب طبيعتهــــا .
الآلام هي بالحقيقـــــة الشـــوك الذي ينبــــت فينــــا من الــــزرع الجســـــدي ،
لأننـــــــا حاملين صورة آدم فبالضرورة تتحرك آلامه فينا ،
فالأرض لا تتوقف عن أن تنبت وتنمي حسب طبيعتها ،
هكذا جســــدنا أيضـــاً الذي هو من طبيعة الأرض حسب قول الله لآدم :
أنك من الأرض أخذت ( تك 3 : 19 ) ،
فتــــــــــــــــــــــــــلك ( أي الأرض ) تنبت الشوك ،
و أما هذه الناطقـــــة ( أي صورة آدم التي نحملها ) تنبت الآلام .
إن سيدنا صــــار لنا مثــالاً في كل شيء بســـر تدابيــــــره الحكيمــة ،
لأنـــــــــــه إلي الساعة التاسعة من يوم الجمعة لم يتوقف عن العمل
و التعـب الذي هــو ســر عمـــل كل أيـــام حياتنــــــــا ،
و أمــــــــــــــــا السبت فقضـاه في القــبر أعني الراحـة من الأوجـــاع ،
و أما عن نهـار الأحـــــد فعظيــــم هــو القـــــول فيــه
لأن سبتنا هو يوم القبر اذ أن طبعنا يسبت ( أي يرتاح ) فيه بالحقيقة .
لذا ينبغي لنا أن نقلع منه ( أي من الجسد ) الآلام ( أي الشهوات ) كل يوم ،
و هــــــــــذا ضروري طالما هذه الأرض قائمـــة ،
لأن مداومة العمل توقف إنبات الشوك
لأن النقــاء منه تمـــاماً غـــير ممكــن ،
لــــــــــــــذا إذا تكاســـلنا عـن العمـــل قليــــلاً
يصعد الشوك و يغطــــي و جــــــــــــه الأرض
و يخنـــــق الـــــــــــزرع الصالح
و يجعــــــل عملنا و جهادنا الأول كلا شيء ،
لهــــــــــــــــذا فنحن محتاجــــون أن ننقـي كــل يـــــوم ،
لأن التخلــــف عن التنظيف و التنقية يــزيد إنبات الشوك .