الميمر السادس عشر
مشورات مفيدة
كيف يقتنى الإنسان تدبيرا حسناً .
ــ التـــــوبة هي أم الحيــاة , تفتح لنا بابهــا بفرارنا من الكـــــــل .
ــ نعمــــــــــــة المعمودية التي أضعناها بانحــــلال ســـــــيرتنا
تجديدها فينا التوبــــــــة بتمييـــــــــــز العقـــــــل.
ــ من الماء والروح لبســـــنا المســـيح و لم نشــــــعر بمجــــــــــــده ,
و بالتــــــــــــوبة ندخل إلى نعيمـــــة بنعمته التمييز التي تظهر فينا .
ــ عدم التوبة يحرم من النعيم الأبدي .
ــ القريب من الكل هو بعيــد عن التوبة ,
و المبتعد عن الكل بإفراز هو تائب حقاً ,
لان عندما يبعد الإنسان عن البشر وينقبض ( أي ينفرد ) على ذاته ،
فمن وقته ترتسم في عقلة خلجات التوبة ،
و يتقبل من النعمة زرع الحياة مثل الجنين ،
و يتحرك فيه حزن الإفراز ويختلج بقلبه ذكر
حيـــــــــــــــاة العالم الجديد
و انتظـــــــــــار القيــــــــامة
و الاهتمـــــــام بالدينـــــــونة .
لا تظن انه بدون النعمة الإلهية يقـــــع الحـــــزن في القــــــــلب ،
فهو يقبل هــذه الموهبة خفية رحمة من الله ليجذبه للحياة بالندم ،
حسب قول مار أوغريس :
" إن العقار المطهر هو :
ندم النفس الحار الذي يكون من الرب بواسطة الملائكـــة القديسـين
و هو يُعطـــــــى بالتدبير و العناية لمن يتوبـــون للتطهر من الشهوات ".
و أيضـاً قــال :
" نار الكور هي ندم النفس الحار الذي يولد فيها ــ بنعمة المسيح ــ وقت الصلاة
حيـــــث يدرك و يتذكر صورته (الأولى عند المعمودية) ،
و هـــــو مـــــاء الحيــــاة الــــذي يمنـــح الشــــــفاء ".
ــ أساس التوبة هـــــو الاتضاع غير المصطنع وليس الرياء الكاذب .
ــ مــــــع ارتداء الثياب الحسنة اللامعــــــــة لا توجد توبــــــــــــة .
ــ طريـــق الحكمــة ضبط الأعضاء ،
طمــــوح الجسد تخبــــــــــــط .
ــ الحكمة الحقيقيــة هــــــي النظر بالله ( أي المشاهدة الإلهية )
و النظــر باللــــــه هـــــــو صمت الأفكار .
ــ سكوت الضمـــير هـــــــو هدوء بإفراز ( أي بتمييز ) ،
و اضطراب الحواس هـــــــو ينبوع الأفكار .
ــ الإحســاس بالله هـــــــو عمق الاتضاع .
ــ ثاؤريا تصور الحق( الله ) هي موت القلب ( عن الخطية ) ،
و القلب الذي مات بالحقيقية عن العالم
فــــــــــــانه يتحرك باللـــــه كليـــــــــة ،
و الموت الحقيقي هــــــــو التحرك ( أي تحرك بالفكـــر ) بالحــــــق .
ــ الأخــــــــير لنـــــــا أن نستنشق الحيــــــــاة بالبعــــــــد عـــــن الكــــــــل ،
عن أن نعزي الأحباء بالاستنشاق ( أي نعطيهم أن يستنشقوا هم الحياة ) .
ــ الذي يبني نفسه أخير له من أن ينفع المسكونة جميعها ،
وأخير له أن يأخذ الحيـــــاة من أن يقسم الحياة .
ــ من ماتت أعضاءه الخارجية عاشت أعضاءه الداخلية .
ــ التواضـــــــــع بتمييز هو معـــرفة الحــــــق ،
و معــــــــرفة الحق هي ينبـــوع الاتضــاع .
ــ متضع القلب :
متضـــــع بجسده ،
و المتكـــبر بجسده متكـــبر بقلبه ،
و المضطرب بجسده مضطرب بقلبه ،
والمضطرب القلب جاهل العقل ،
و الجاهل بعقله طرقه رديئة ،
و هذا مائت وهــــــو حي .
ــ إن كنـــــــت محبــــــاً للتواضع ، فلا تكـــن محبــــــاً للــــــتزين ،
لأن الإنسان الذي يحب الزينـة ، لا يستطيع أن يتحمل الازدراء ،
و لا يسرع إلي الأعمال الحقيرة ، إذا هـــو صعــب عليه جــــــداً
أن يخضـــع لمــــن هــو أقل منه ، و يخجــــــــــــــــــــل من ذلك .
المتعبد لله لا يـــــزين جســــــــــــــده ،
و اعلم أن كل من يحب زينة الجســـد
هو ضعيف الفكر ، و لو كان له حسنات.
ــ من يحب الربح المنظور ( أي المادي )
لا يستطيع أن يقتني حباً حقيقياً لأحد .
ــ كل مـــن يسرع إلي الكـــــــرامة فهو متعبد لهذا العالم .
فإن كنت تكـــــــــــره فاعلي هذه فأبتعد أنت عن فعلها .
الاتضـــاع و العفــة شيء واحد و يعضدهما التحقـير ( للنفس ) ،
والذي يحب التزين و الكرامــة لا ترجـــــو منــــه هذه ( الفضائل ) كامــــلة .
إن كنت تحب العفة فــــــــــلا تكــــن محبـــــــاً للطياشة
لأن اللقاءات التي تنتج عن الطياشة
لا تدع نفسك تتمسك بالحرص على العفــــة ،
فكل من يحب الطياشة لا يكون عفيفاً .
كل من يتعلق بالعلمانيــين ، لا تصـــــــــدق أنــــــــــــــــه متواضـــــع .
كل من يحـــــــــــــــب الله ، يحب الحبس و الثبـــــات في القلايـــــــة .
و إنسان طائش لا يمكنه أن يحفظ الحق ( الله ) في نفسه بغير دنس .
كثيرون يعــــــدون و يتظاهــرون بالتوبــــة و لا يقتنيها أحد حقاً
إلا الحـــــــــــــزين فـي قلبــــــــــــه ،
و كثيرون يســــــرعون إلي الحــــــــــــزن و لا يجده ( حقيقته )
إلا الذي اقتني الصمت على الدوام .
كثيـــر الكـــلام فارغ من الداخل حتى لو أخبر بأمور عجيبة .
الحزن الداخلي هو لجــــــام الحـــواس
فــــإن كنـــت تحـــــــــــب الحـــــــق
كـــن محبــــــــــــاً للصمـــت
فالصمت مثل الشمس يجعلك تنير بالله ،
و يخلصـك من أوهــام عـــــدم المعـــرفة .
و السكوت يجعل لك خلطـــــة مـــع الله .
احــــــــــرص أن تجعل الوقت الذي يحلو لك فيه أداء المطانيات ألا يتوقف ،
فلعـــــله لا يتــوقـــف ما دمـت في هذه الحيــــاة .
في الوقـــت الذي فيه يتجمــــــــــع فكـرك لا تقطـــع صـــلاتك ،
و لا تحسب مداومــة الصلاة القلبية باطلة لأجل تركك المزامير .
أداء المطانيات أفضـــــل مــن تــلاوة الألفاظ ( في الصـــــــلاة ) ،
فهـــــــــــــذه إذا بلغتك فهي تكفيك عوضـــاً عن الخـــــــــدمة ( أي صلاة المزامير ) .
و إذا ما أعطيت في الخدمــــة موهبة الدمـوع ،
فلا تظــــــــن أن التنعــم بهــا توقــف للخدمة ،
لأنــــــــــــــه كمال الصلاة هو موهبة الدمـوع .
عندما تكون جاثياً في الصلاة و قد تركز فيها فكرك و هدأت حواسك ،
فلا تتعجب من ذلك
فهذا يكون أحياناً وقت الخدمة ( أي الصلاة ) و أحياناً وقت القــراءة .
و في الوقت الذي يتشــتت فيه فكـــرك
أثبـــــت في القراءة أكثر من الصـــــلاة .
الهذيذ الروحاني هو المفاوضة الدائمة ( التفكير الدائم )
في ذاك الأمل الـــذي بعد القيـــــامة ،
و تبـــدأ حركتـــه (عند بلوغ ) حــــــــد التــــــــــــــوبة .
ضابط التــــــوبة في النفس هو الهذيذ الدائم بالأمور المزمعة ( في الدهر الأتي ) .
إذا ما تحرك ( القلب ) بالتوبــــة ، انتقــــــل برجـــــائه للعالم الجديد
الذي ينسي هذه ( أي التوبة ) ، فإن ضميره متمسك بالعــــــــــالم .
الــذي يحب الحديث مع المسيح يحب أن يكــون وحـــــده ،
و الذي يريد أن يكــون مع كثــيرين هــــــــــــــــــــو محـــب للعالم .
التوبة هي حــــزن القلب الدائم بهذيذ مستمر بتـــــلك الهيئة العظيمة ،
التـــي تكـــون فـــي العالم الجديد ، و التي لا توصـــــــــف ،
و بفكر كيف يصل إلي ذاك المدخل الــــــذي لا يعــبر عنـــه .
إن كنــــــــت تحب التوبــــــة فلتحب السكون أب التــــــوبة ،
و لتحب أيضـــاً أن تقبل بلذة الخسارة الجســـدية و اللوم الكثــير الذي يقــع عليـــك ،
لأن بدون هذا الاستعــــداد لا تستطيع أن تعيش في هذا السكون حراً بغير اضطراب
و إن كنت تحتمـــل هــــذه فإنــــــك تقتنــــي الســـــكون الذي حســـب إرادة الله .
إذا ما ظُلمــــت و هـزأ بـــك أو فقـــدت ما هــو لك و ما يشـــابه هـــذه الأمـــــــــور
لأجـــــــل محبـــــــــة الســــــكون فلا تنـــــــــــــزعج ،
لأن محبـــــة الســكون هي انتظــــــــــار المــــــــــوت عــــــــلي الـــــــــــــــدوام .
و الذي يدخل الســـــــكون دون أن يكـــون لـــه هــــذا الفــــكر بل له فكـــر آخـــر ،
فانه لا يستطيع التطلع إلي الأشــياء التي نضـــطر مـــن أجلهــــــا
أن نصــبر و نقاســى في أي مكــــــان
و أن نموت من أجل الله لكي نحيا بالله .
كمال الحيـــاة هو الهــذيذ بالمــوت لأجــــــــــــل الله ،
و هــــــــــــذا هو الذي يقرب عقلنا إلي الاتحــاد بالله .
قال القديس أوغريس :
" أعلم أيها العارف ذو التمييز ،
إنما نحـــــن نطلب الانفراد مع أنفسنا في الوحدة و السكون و الحبس
ليـــــــــــس من أجل الازديـــاد في ممارســة الواجبــات الرهبــانية ،
لأنه معـــلوم أن الشـــركة مع كثـــيرين في المجمـــــع ( الرهباني )
تساعد على حفظها ( أي هذه الواجبات ) و ذلك لأجل نشاط الجسد " .
الذي يشـــــــعر بخطـــــــــــاياه
أفضــل له من أن ينفــع الخليقــــة بمنظــــره .
الذي يتنهد على نفسه كل يوم
أفضل من أن يقيم موتى بصلاته ،و هو مقيم في وسط كثيرين .
الذي اســـتحق أن ينظــــــــر خطــــــــــــاياه
أفضل من الذي ينظر الملائكة ، لأن هذا ينظرهم بعين الجسد أما ذاك فبعين النفس
الذي بالنوح في الوحدة يتبع المسيح كل يوم
أفضل من الذي يُمــــــــــــدح في المجـــــــــامع ( من أجـــــــل فضــــــــــــــــائله ).
كيف يولد في النفس الإحساس الروحاني
ومدى ارتفاع منزلته
يتولد من الهذيذ إحساس روحاني يعطي النفس النعيم و الفرح و البهجة ،
و قد يوجد هذا الإحساس في الإنسان من ذاته .
و بمجرد نوال هذه الأمور المتولدة من الهذيــذ و محبـة التعــــليم
بتفــــــاوض الضمــير و لهجه بمخافة الله على الدوام ،
و بالهذيــــذ الحسـن فـــي محبــة الله ،
و الاهتمام بالإلهيات ، و اهتمام نفسه بتقويم عمله
ـ فإنه شيئاً فشــــيئاً ـ يتولد فيه على الدوام نظر الأمـــــــــور بالــــــــــروح .
و إذا ما تنقت نفسه قليلاً بسبب خوف الله و الاحتراس ، فعنــــــــد ذلك :
تحل في النفــــس ـ دون ســـــــــــــــــــــــــــــعي ـ الثاؤريا الروحانية ،
و في كل وقت يجد الإنسان في ضميره
فهم ما ( أي مدارك و إحساسات إلهية جديــدة ) ،
و للوقت يصبح الضمير بلا حركة ( أي بــلا فكـــــر عالمــــــي ) بغتـــــــــــــــــــــــــة ،
و كـــــــأن عليه ســـحابة إلهيــــة تذهـــله فيصمـت ،
و ثم وقت يكون (العقل ) كأنه متوقف عن التفكـــــير ،
و وقـــــت يقع على الإنسان بغتة ذهـول لا يُعبر عنــه
فيغـــــوص الضمــــــير داخـــــله .
و هذا هو ميناء الراحـــــة الذي ذكـــره آباؤنـا في كتبهــم ،
إن الطبع ( البشري ) يدخل إلي هناك ( أي إلي ميناء الراحة ) ،
و هــــذا إذا ما دنا إلي تدبير السيرة الروحانية ،
و هـــذه هي بداية الدخــول للمنزلة الثالثــة التي هي التدبير الروحاني .
و تطلعاً لهــذا المينـــــاء يكون كل جهاد المتوحد بالجسد و النفس
و الممارسات المتعددة من بداية رهبنته و حتى القـــــــــــــــــــبر .
و إذا ما اقترب المتوحد إلي ههنا و وصل إلي الميناء و دنا من التدبير الروحاني ،
فهنا تدركـــه أشــــياء مدهشـــة و يأخذ العربــون بنعمـــة ربنا يسوع المسيح .
ما تسأل عنه أيها الأخ لا يناسب كل أحد بل الذين لهم ســـــــــر الــــــــــــروح
و قلب هدأ بالسلام و بالنعمة و ذاق الحق في الخفاء ،
و بالموت عــــــن الكـــــــــــل ، و يسعى تابعاً النقــاوة ،
لأن الله يحــل حيــث السـلام .
المتوحـــد :
الذي يريـد أن يكون قلبه مسكناً لله ينبغـــي عليــه أن ينشـــط في تفليحـــــه بالجهـاد ،
و أن يجعله هادئــــــــــاً من جميـــع خلجات الطبع (الإنسـاني) التـــــــــــــي تسجسه ،
ومــــــــن المحادثات و اللقاءات سواء النافعة أو المسببة للخسارة،وبالأكثر مع الأقرباء ،
لأنـــــــه بواســـطة هــــــــذه يســـجس الشــــــيطان النفـــــس و يكــدر نقاوتهـــــا ،
لذا فهــو يهتم ألا ينشغل الضمير في داخله مع أحد كلياً،لا بذكر الأصـدقاء و لا الأقـرباء
بل يضبط محبته و مودتــــه ( السابقة )غير مميز واحـد عن الآخــــر ،
فهــــــذا يعطي قلبه الهدوء ، لأن ( أمور) هذا العالم تُسجس وتكدر
فينفعل في داخله بالصلاح وبالشرور ، لأن العالم لا يمكن أن يتخلص من الشرور .
يمكننا عمل الفضيلة بالبر الطبيعي مثل نوح و إبراهيم و أيوب فهذا مستطاع ،
لكن لا نستطيع و نحن في العالم أن نكــــون مســــــكناً لله بالطهـــــــــارة
و لا أن نقتني القداســــة لذواتنــــــــــا .
و قد يكـــون هذا لأفراد قلائـل بمعـــونة الله بنــوع مـن التدبــــير ( الإلهي )
و لهذا هرب آباؤنا القديسون من المناطـــق المأهـــــولة إلي القفــــــــر ،
حيث كانوا في مجمع متوافق و أخوة و احدة ،
كما كتب في الإبركسيس ( أي سفر أعمال الرسل ) :
"أن الشيء الذي يقتنونه هو للجميع ، و كان كل الإخوة نفساً واحدة
و رأياً واحداً بسلام و مودة بلا انقسام قلب ( أع 4 : 32 )" ،
و كانـــوا باجتماعهم مع بعضهم يصعدون إلي السماء بضمائرهم .
أما في زماننا هذا فيتم علينا المكتوب :
اثنـــــــــين ينقسمون على ثلاثة و ثلاثة على اثنين ( لــــو 12 : 52 )
و يكـــــــون الناس محبـــين لذواتهــــم و للشهوات
أكــــــثر من حــب الله مفتخـــــرين متكبـــــــــــرين ( 2 تي 3 : 2 ــ 4 )
و أشـــر من هــــذا .
لذا ، فالعاقل ـ في هذا الزمان ـ ( يلجأ ) إلي السكوت
و يهرب من التشويش إلي السكون لأنها أيام رديئة ،
فليس فقط اثنين منقسمين على ثلاثة ،
بل في جيلنــا هذا فالواحــد منقسـم علي ذاتــه ،
و يتكــدر من كثرة المحادثــات التي تلاقيــه كل يوم ،
لأن قلبــــــــه سوف ينشغل داخله ( مما سمع ورأى ) عندما لا يكون في الســكون،
و هو بهذا يظل على الدوام يبني ويهدم دون تقدم بسبب اللقاءات المتعددة الحتمية .
و أيضاً في الأيام الأخيرة :
لما كثرت المجامع بدأ الانحلال يتسرب
و بردت الحرارة ( أي حـــرارة الجهــاد ) .
أما آباء تلك الأجيــــال :
فقد خلصـــــوا أنفســـــهم بالأعمـــــــــال النشـــــــــــطة
بالحبس و السكون في القلاية وهم في مجمع مع كثيرين ،
و عنــدما شـــعروا أنه :
قد بدأت تظهــــر فيهــم ثمـــار الــــــروح لجأوا إلي السكون الدائم ،
و بذلــك هربوا لئلا يفقدوا سلام قلوبهــــم بسبب التشويش الكثــير
و التكـدر الناتــــج مــــن اللقاءات الحتمية مع الســـاكنين بينهــــم .
وحســـبما أظــن أنه كما بدأت الوحـــدة المباركة ،
بأن يقيـــم الإخـــوة المتوحدون في مكان منفــرد
و يمارسون الفضائل بالسلام في الوسط ( أي دون تشويش حيث لا تكون لقاءات ) ،
وذلك عندما اتسعت المجامع والأديرة و نمت جداً ،
فهكــــــــذا هو مزمع أن يكون في المنتهى ، كما يلوح ذلك من كلام سيدنا و الآباء ،
لأنه عسر على الكاملـــين الســكنى مع كثـــيرين لأجل اختــلاف ســير الإخــوة ،
لأن الضمير المتحفظ المصلوب إلي الواحد عندما يريد أن يسير في جميع الســـبل
( وذلك مسايرة لفكر كل واحد ممن يعيش معهم ) و أيضـــاً يمـــارس الفضيـــــلة ،
فان معرفة الأخ الممـــيز تتخبــــط في وســــط طـــرق الإخـوة ،
لأن الطبع البشري الضعيف غير قادر على ذلك .
إن من جاهد في برية التوبة مدة من الزمان
يتضايق ويتكدر في وسط سبل أخرى كثيرة ، بسبب الإخوة المنحلين ،
لأنه بواسطتهم يصنع الشيطان قتالاً مع النشطاء الذين يكملون الفضيلة
كما قال أوغريس :
" تثير الشياطين الإخوة المنحلين على الشيوخ العمالين
في المجمع و لهذه الأسباب هرب الآباء من المجامع " ،
مثلما هرب شيشوي و سكن في جبل أنطونيوس لأنه قال :
في الأول كنت مستريحاً مع سبعة إخوة ( فقط )
و الآن لا أقــدر أن أســـــــــــــكن مـع كثيــــــرين
لأن قلبي يتكــــدر و يتخبــــــــــط بغير إرادتـــــي .
و آخـــرون كانـوا يبتعـدون عن المجـامع بالجســـد
( في مغـــائر خــارج نطـــاق الأديـــرة ) ،
و يتلقـون احتياجاتهم من المجمع باتفاق مع الإخوة .
و الأب أمون قال للأب بيمن : لما اضطرب لأجل أخيه :
" أنت للآن حي يا بيمــــــن ، مٌت الآن عن كل أحد و ضع في ضميرك
أن لك سـنة في القــبر لعــلك تهــــــدأ "
و الآباء الذين كانوا يُرسلون من الله لبنيــان النفوس
كانوا يكملون ( جهادهم ) في القفر و في الوحدة أولاً
و بعد ذلك يٌرســــــــلون لخــــــلاص آخـــــــــــرين ،
و منهــــم من سكن في المغائر و النواويــــــــــــــــــــــــــس ( أي القبور )
و الجبـــــــــــــــــــــال و الجزائر المقفرة فهؤلاء نجوا ( أي نقوا )
حياتهم من التشويش إلي الصلاة الطاهرة
هذه التي لا يبلغهـــــــا الســـــــاكن بين كثـــــيرين .
أما ( بلوغ ) الصلاة الروحانية ، حيــث يكـــون قلب الإنســـان قدســــاً للــــــرب ،
فلا يؤهــــــــل لهــــــــــــــــا من يتجـــرد فقــــط من المفاوضــــــة البشـــــرية ،
بل وأيضــــــــــــــــــــــــــــــاً من كل تذكار عالمي ،هذا لكي يتجدد قلبه بالروح .
و أيضاً من يتفاوض عقله خفية مع الروحانيين و مع أرواح الصديقين الذين كملـــــوا ،
و ذلك كما كتب القديس يوحنا التبايسي :
" إن الذي يبتعد طلباً لحـــرية الســــكون ينجـو من أمور كثيرة خارجية تسـبب له الضنـك ،
و يتحـرر قلبه منالمفاوضات غير اللائقة التي تصادف سمعه كل يوم باللقاءات الحتمية ،
و كـــذلك ينجو من المثلبة و الدينونة و الحنق و الغضـــــب
هذه التي تثير الإنســـــان و تنجـس و تكدر نقاوة نفسه " .
كما قال القديس مقاريوس :
" إذا غضبنا على الإخــــــــوة يُنزع من قلوبنا ذكر الله ويظلم العقل ويتكدر ،
و إذا غضبنا على الشياطين فالعقـــــــل يثبـــــت بـــــــلا ضــــــــــــرر " .
كان الآباء يطلبــــون من أجــــل ( النجاة من ) الشياطين و النــــار و الوحوش
و بهــذا كانـــوا ينتفعــون و يجدون عزاء بسبب بساطتهم ،
وأما من جهة الإخوة المنحلين و تعـــدد تدابير الإخــــوة العمــــالين
و لقاءات الإخوة المسببة الخسارة في وسط الكثيرين ،
فـــــلا كــــــــان القديســــــون يصلون من أجل أذيتهم و لا أن يغضب الله عليهــــــم .
الفضائل الكبار و الجهادات الشــــــــاقة التي يعملهــا المتوحد ( أي الراهـــب )
و هو في المجمــــــــع و سط كثــيرين تكــــون ناقصة في عينيه
بالقيــــــــــاس لعمـــل آخــــــــــــــــرين ،
لأنه ليـــــس في شــخص الكفــاءة أن يكمــــــــــل جميع أعمال التوبـة و النسكيات
التي يتمــيز بها كل واحد من الإخوة ، و أن يضعهـــــا عـــــــــلى ذاتـــه دومــــــــــــاً ،
لأنه لم يأخذ قوة على إتمامها كلها ، بل نال جزء من النعمة كمثل اللسان من الجسم ،
( أي جزء صغير جداً).
أحد المتوحدين قال لشيخ :
أنه قد اصطلح مع النار و الوحوش ،
فأراد الشــــيخ المختـــبر أن يكـــسر افتخـــاره ، فقــال له :
" إن أردت أن تعرف كمالك ، امضي اخضع نفسك ( أي أسلك بالطاعة )
في المجمـــــــــــــــــع ، لأن هنـاك ليـس لك سلطان عــلى كـوز ماء " .