الميمر الخامس عشر ( ج 1 )
إيضاح وتفسير الأمور العقلية
+ العقل : هو حاســــــة روحـــــــانية جعــــــل لقبـــــول القـــــــوة الممــــــــيزة ،
و هو مثل حدقة العيــــــــن الجسدانية التي بها يعاين النور المحسوس .
ــ النظر المعقول ( أي الروحاني ) :
هو المعرفة الطبيعية التي امتزجت بقوة مع النقاء الطبيعي
و الذي يسـمونه النــور الطبيعي .
ــ القوة المقدسة : هي نعمة هي شمس التمييز التي للنظر الروحاني .
ــ الطبــــــائع هي :أشــــــياء نمــــيزها بالنـــــــور المنظـــــــــور .
ــ الآلام ( أي الميول الشهوانية ) هي جواهر ( أي ليست مادة )
تكون حائلاً أمام النور فتمتنع تمييز الأمور ( لأنها تجعل العقل ينحرف عن الصواب ) .
أمـا النقــــــــاوة فهي : صقل مجال العقـل الذي يطير فيه الطبع السـامي الذي فينا .
إن لم يكن العقل صحيحاً في طبعــــه فـــلا تعمـــــــل فيــــه المعــــــرفة ،
وذلك مثل حاسة الرؤيـــة الجسدية إذا ما أصيبت لأي سبب يفقد النظــــر
وإن كان العقــل صحيحــاً لكن بدون المعرفة ، لن يكون له تمييز للروحانيات ،
و ذلـــك كالعين الصحيحة تمامـــــاً و حاســــــة النظـــــر فيهـــا فائقـــــــة
و لكنها تتعطل وقتــاً ليــس بالقليـل كمـا في الليـل ،
فان كان العقـــل و المعـــرفة باقيـــان حســب طبيعتهمـا لكن بعيداً عن النعمــــة ،
فإنهما يلبثان بلا فعل خلو الأجل عدم وجود الشمس تكون العيون بلا فعل ولا تنظر
و لا تميز الأشياء رغم أنها سليمة تماماً .
هذا هو الذي قيل عنه : بنورك نعاين النور ( مز قبطي 35 [ 36 ] : 9 ) .
و إن كانت نعمة الشمس المعقولة ( أي الروحية ) قريبـة
و تجذب و تخضع و توقظ و تعمل ، لكن ليس فينا الطهارة
فإنها تكون مثل الجو الفارغ القاتم من كثافة السحب والمواد المظلمة
التي تمتد بسهولة إلي أشعة الشمس ذات النور الحسن المشتهى .
والذي يعطى حلاوة النظر في كل الأمور الروحانية
فيتعطل هذا النظر عن الإفراز ، ويبطل الطبع( أي طبع الإنارة ) من الفعل
وتفقد النفـــس الإحســاس بلذة الشمس الثانية التي تشــرق على الكل
ولكن لأجل حاجز ما جســداني تحجب إشـــراقات الحـــق فلا تمتـــد إلينـا .
نحن ذكرنا كل هذه مضطرين بسبب الضرورة ، لأنها ( أي نعمة الشمس المعقولة )
بالجهد توجد في إنسان واحد بغير نقص ، لأن كثيرين لا يســتطيعـون أن يبلغـــــوا
ولا حتى كمالاً جزئياً في المعرفة الروحانية ،
ومثل هذا العجــز يكـــون بســـــــبب :
ـــ أن العقل ليـس له القـدرة الواجبـة .
و من أن القصد لا يكون مستقيماً . و من عـدم قطع الهــــــوى
و من نقــــــــــص النقــــــــــــاء . و من عدم وجود المرشدين .
و من امتنــــــاع النعمـــــــــــــة .
لأن الغنــــى ، و الســـــعادة لا تلقيــــــان بالجاهـــــــــــل ،
و لا أن يحكم على أشياء عظيمة ، و لا أن يعوق المعلمين .
أعلموا يا إخوتي أن العين الجسدية قدرتها على النظر هي :
من أن هناك ما يشبه القناة توصلها بالمخ
و أيضاً من دون وجود نور خارجي :
فلا تقدر أن تمييز الأمور و تري جميع المحسوسات الطبيعية دون تفرقة ،
و هـــذه الحـــــالة من قـــــــــدرة العقـــل الطبيعيــــــة .
و بهذا القياس تكون المعرفة النفسانية فمن دون أن تقبل النور الإلهي
لا تقدر النفس أن تتصور الحق الذي من الســـيرة الفاضـــــلة الذي به
تبني وتقتني الصحة الطبيعية لجانب النفـــس الخــــاضع للشـــهوات .
لذا فهناك كثيرون من الفلاسفة لما فيهم من شهوات نفسية و جسدية
و لعدم قبولهــم النـــور الإلهــي زاغــوا عن الحق الذي كانوا ممسكين به ،
بل و فقــــــدوا البصيرة العادية ،
و ذلك كمثـــل العيـــــون التي تبـــــصر خيـــالات في الجـــــــــو
و هذا ناتج من : عدم سلامة بصــرهم بســـبب وجــود غشــاوة ،
هكــــــــــــــذا : هؤلاء كل منهم حسب ما تشبه أمامه يتخيل أنه الحــق
و عـــــوض الحق تظــــــهر لهــــــم أشـــكال كـثيــــــرة
وهذا حدث لهم لأنهم لم يطلبوا أشعة النعمة التي تشرق فتمنح التطهير النفساني .
+ الحـــــــــق هو:
الإحساس باللـــه الذي يذوقه الإنســــان بحـــــواس العقــــل الروحــانية .
+ زهرة معرفة الروح هي:
الحب الإلهي الذي يوجد بالأحاسيس الملتهبة بواسطة الروح في الصلاة .
+ الحـــــــب لله هــــــو :
ثمرة الصلاة التي لما فيها من تصور للسمائيات ينجذب العقل بلا شبع لمحبة الله ،
و ذلك إذا ثبــــت فيهـــا بغـير تضـــجر ســـواء كــانت :
الصلاة بالجسد أو بحرارة بحركات هادئة في الضمير .
+ الصلاة الحقيقية هي :
إماتــــــة نزعـــــات الإرادة للحيـــــــــاة اللحميـــــــة .
الصلاة الحقيقية و الموت عن العالــم هما مرتبة واحدة على السواء .
وهــــــذا جحود الإنســــان لنفســــه أن يكـــون مداومــاً الصــــلاة .
و معروف لجميع من يطــالع الكـــتب ما هو طــلب الصلاة الحقيقية .
و معلوم أيضاً أن :
الذين بلغوا الضمير المتوحد المنفرد في سبيل اقتناء الصـلاة الحقيقية
أن يكونوا معــــاندين إرادتهــم الذاتيـــة أي لا يطـــاوعون أنفســـــهم
حتى لا تتحرك فيهم الشهوات المضادة بعد الانتهاء من الصلاة .
و هكذا يظهر أن حب اللــــه يوجد بجحود النفس .
كما أنه بذار عرق الصوم ينبــــــــــــــت ســـــــــنبل العفـــــــــــــــــــــــــــــــــة
كذلك مع الشـــــــــــبع يتولـــــــــــــــد الفســـــــق ، ومن الامتلاء النجاســــــة ،
و الأفكار السيئة ما تجسر قط على البطن الجائعة المتذلله
فكل مأكول نتناوله
يكون منه زيـــادة في مادة الــزرع الطبيعي المتجمــــــع في جســدنا ،
وإذا امتـــلأت الأعضــاء التي هــي أواني الـــــزرع من الإفــــــــرازات
فإنه يسيل إذا نظر جسداً ما أو تحرك فيه أي فكر من غـــــير الإرادة ،
فمع تحرك الفكر فللوقت تتحرك اللذة وتنطلق في كل الجســـــــــم ،
وهذا يحدث حتى لو كان الفكر شجاعاً جداً وعفيفاً ونقياً في خلجاته
ولكــــن بســــــــبب ذلك الإحســــــــاس الــــذي في الأعضــــــاء ،
يسقط من منزلته القائم فيها كما من علو ، وتتسخ أفكــاره النقيــة
و تتنجس طهـــــــارته ، لأجــــــل اضطـــــــــراب تلك الشـــــــــهوة
التي تتحـــــــــــــرك في القـــــــــــلب من اشــــــتعال الأعضـــاء ،
وفي الحال يفقد نصف قوته وتنسى قصده وهدف رجــــائه الأول
وهكـــــــذا فإنــــــــه قبـــــــــــل أن يدخــــــــــــل صفوف الجهاد
يوجــــــــد مغلوبــــاً مهزومــــاً دون قتال،ولا يتعب العـــــــــــــدو في الحرب معه
لأنه غــــــــلب تحـــــــت إرادة الجســــــد ،
إن كل هذا الفشل يفعله الشــــــبع الدائم
ويـــــــــــــــــــــؤذي إرادة الإنسان الجيدة
والمتدبر بالنقاوة في ميناء العفـــــــــــــــة .
أنه ينحني ويخضع للشيء الذي ما صعد على باله قط ،
إذ وهو راقد وحده تحيط به الكثير من الأفكار الدنســـــة
و يتحول سريره الطاهر إلى فندق للزواني ومكان للمناظر الدنسة
ويفعل ويتكلـــــــــــــم معهـــــــا بســـــكر الأفكـــــــــــــــــــــــار ،
وتتدنـــــــــــــــس أعضاءه الطاهرة من غير أن تدنو منه امــــــــــرأة .
أي بحر يضطـــــرب هكــــــــــــــذا ويتســــــجس من الريــــــــــــــاح
كمثل ما يضطرب العقــــــــــــــل المدقـــــــــــــــق الســــــــــــــديد
بقـــــــــــــــــوة الأمواج الثائـــــرة عليه من جسمه بسبب امتلاء البطن .
أيتها العفة :
ما أنقى حسنك بالرقاد على الأرض مع ألـــم حــــزن الجـــوع
الذي به يتشتت النوم لأجـــل جفاف الجسد،
و خلو البطن التي تكون مثل الجـــب العميق بين الضلــــوع
من قلة الأكـــل ونقص الغذاء .
كل راحة ينتج عنها أشــــكال مــــــرذولة داخلنــــــا
و أيضـــاً صوراً مثيرة تظهر لنا في بلد عقلنا الخفي
تجذبنـــا إلى الشركة معها خفياً بأعمال الفســـق .
خـــــلو البطـــــــــــن بالنســــبة للضمير
مثــــل بريـــة قفـــــرة خالية من الأفكــار وهادئـــــــة مــــن تشـــــــــوش الأحاسيس
أمــــا البطن المملوءة مـــــــــن الشـــبع فهي أماكن الفرجة والمنـــاظر ( أي مسارح )
وتكون النفـــــــــــس مكانـــــــاً لسـماع الأمور الدنسة حتى لو كانت في البرية والقفر .
وقـــد وجـــــــــــــــــــــــــــدنا الشـــبع ســـــــبباً لأمــــــور كثـــــــــيرة مثل هـــذه .
اذا ما أهلت من نعمة اللـه لعدم التألم النفساني( أي التخلص من حروب الشهوات )
فافهم أن هذا ليس معناه أنه : لن تجـوز فيــــك الأفكـــــار الدنســــــــة
و لن يحدث اختلاع الحركات في الجســم
و لكنها لا تتمكن منك لأجل أنك تغلبها بسهولة
و الفكر لا يتسجس و لا يضطرب على الإطلاق
حـــتى و ان كانــــت الأفكار شــــديدة جــــداً ،
و تحقق أنه من عمل العقل الفاضل
و اشتغال الفكر فيه ( أي في الله ) ،
فــــإن الذهن لا يتراجـــع عن القتــــال معهــــــا و يبيــــــــدها
بل عندما
تبدأ الأفكار بحيلها فالعقل يخطف منها بتغصب بسبب العادة
( اى تعود العقل علي التفكير في الإلهيات )
و من النعمة قد أرتبط ضميره إلي القلب النقي الذي هو بيت العقل .
العقل المجاهد شيء و شى آخر هو رتبة الكهنوت .
الضمـــير الذي مــات عــن العــالم بعمل الرحمـــة الإلهيـــة ،
تكون فيه أفكــار بســـيطة فقـــط حــــول الأمـــــور العالميـة
و هذه لا تقاتل بشدة ، و إن كان يقهرها الإحساس بالموت .
فالكمال ( الروحي ) و يتملك على الأشياء التي تتولد و تفيض من اللحم و الدم .
لأن
خواص الطبيعة لا تبطـــل تمامـــاً مادم الإنســـــــان في هذه الحيـــاة
حيــــــــــــــــث تتأثر و يتأثر عقله بالمكونات الطبيعية لجسـم الإنســان
و التـــــــــــــي يغير أثرهــــا في كل لحظـــــــــــــة .