الميمر الثالث والعشرون
درجات الجهاد
الجهاد الأول : للمبتدئين هو الطاعة بسرور لجميع ما نؤمر به .
الثـــــــــاني : هو تغيير العادات و الطباع و التصرفات السابقة
من وضعها غير الطبيعي إلي النظــام الطبيعي .
الثـــــــــالث : هو الصبر والاحتمال بتغـــــــــصب للآلام ( أي الحـــــــروب )
وذلك بحفظ الوصايا التي بها ينسحق القلب و يتضع ويتنقي .
الـــــــــرابع : هو التخلص من اضطراب اشتعال الغضب الذي يشل العقل،
ثم يبدأ في الجهاد بتمييز، فيتأمل العقل في الأعمال( الإلهية ) الظاهرة
و أيضاً يتعمق الفكر في القوة الخفية الفاعلة في طبائع المخـــــــلوقات ،
و يأخذ الحكمة من فهم الكتــــب ، و من هنـــا تنفتــــح عينــي العقــل ،
ليحس بحكمـة الله و عنايتـه و سياسـته في هذا الكون .
الخـــامس : عقل يهذ بالثاؤريــــــــــا العلـــــــــــــيا غير الجســدية .
الســـادس : عقل يهذ ويتعمق في أسرار اللاهوت المســــجود له .
الســــــابع : عقل يؤهل لفعل النعمة بســـر يفوق ( الوصف ) بالألفاظ
إذ من وقت لآخــــر يبتـــلع بالحـــــب الإلهــي .
وكل تدبير نبدؤه ، ينبغي أن نشـتعل بمحبتـــه ،
حتى ندخل إليه بحــــــــرارة و بهـــــذا نـــذوق الحلاوة المخفيــة فيــه ،
وهنا فلننتبه إلي أن : كل ألم ( أي شهوة ) تمســــــك القــلب بمحبته وشغف به ،
فانه يتحــــرر منـــه بعد جهد ، بألف وسيلة من الجهادات و ربوات صلوات و دمــوع .
كتب القديس غريغوريوس للقديس باسيليوس :
" إن الأفكار تنبع من الكلى حيث تنبع الشـــهوة وتتصـــاعد إلى المـــخ
و تكون في القلب مثل بخار مـــاء ، والقـــلب يشـــكلها كأنـــها صـــــور
إن كانت لليمين أو للشمال ،فلهذا ينبغي أن نحفظ قلبنا بكل احـتراس
لأن منه مخرج الحياة والموت حسب الكلمة الســــيدية
إن مــــن داخل القلب تخرج الأفكار الرديئـــة " ، وباقي القول .
ذلك الغيور في أمور سيدنا أي غريغوريوس
الذي اغتــــــــدى بالشهد وجرب ، ومع الأقوال والقوانين ( التي وضعها )
ســـــــــكب جواهر الدموع عـــــــلى الأوراق المبهجــة ،
قال :" ينبغي علينا هنــــا التمتـــــييز والاحــــــــتراس
لنحفــــــظ و نحـــرس القلب من سرقة الأفكــــار
حتى نهدئها بالسلام ونحفــظ بيـــت القــــلب الذي هــو بيت المســيح سالماً
لعلــــــه يزهــر الزهــــــر الذي منــــه يكـــــــــــون الثمــر " .
إن عرفـــــت السكون الكامـل و التــــدبير المـــــــلائكي
فاحترس من الشــــــــــــكوك و الأفكـــــار الباطــــــــلة
التـــــــــــــي تشغل النفــس بالأمـــــــور المرتفعـــة (عن مستواها )
وهذه يعرفها من اختبرها بذاته ،فبها ســقط كثـــــيرون وتأذت عقـــولهم .
احترس بالأكثر من التدابـــــــير الشمالية المتشبهة بالتدابير اليمينيــــــة ،
فهـــــــــــــــــــــــــــــــــــــي كالـــزوران المتشــــــــــــــبه بالحنطــــــــة .
إن كنت تحب معرفة الحق فأنا أريك الطريق :
ــ حول غرضك عن الكل إلي الواحد ( أي الله ) .
ــ إذا كنت تساكن كثيرين وعلى وفاق معهم ، انقطع عن كل أحد ،
ولا ترتبط بشـــــيء مـــــا ، ولا بإنســــــان من غير ضـــــرورة .
ــ لا تطلب ربحــــــاً زمنيـــــاً .
ــ حتــــى على جبتك ومئزرتك لا تشفق بل ارفضها من و قت لآخـــر ،
و تكـون نفســـك كالصلوميــة التي كـــــــتب عنهـــا الأب إشـعياء .
ــ نبهنا الآباء أنه لا يوافقنا اللقاء بالكثيرين
لكي نصبغ كلياً بالصلاح ، وتحل علينا قوة السكون حسب القول
" أنت يارب تســـــكني في الهـــــــدوء وحــــــــــدي
إلي أن يجوز الاضطراب والضجر ويملك العزاء والنعمة "
( مز 4 : 8 + مز 140 [141 ] : 10 + مز 83 [ 84 ] : 11 ) .
وهذه هي أدلة وإشارات الرحمة :
+إنها تهدئ الحــــــــواس الخارجيــة والآلام الداخليـــــــة ،
وتنبــــــه حركات الروح ، وتنقـــي عينيك من نظر الشرور .
+ تستطيع أن تتغذى من جميع أثمار فــــــردوس البيعــــة .
+ ألا تكـــــره صورة الله .
+ أن تكون بجملتك ملحاً و نور الإنجيل لجميع من يلاقونك .
+ وتظهر فيك ثمـــــار الـــروح التي كتبها بولس الرسول . (غل 5 : 23،22 + أف 5 : 9 (
حتــى أن ملائكـــة النـــــور يدنون إليك من وقت لآخر
و يملأونــك فرحـــــاً وسلاماً و عـــزاء و ســــــــــروراً ،
و يعلنون لك أسرار المعرفة .
إن كنت قد حولت وجهـك (أي سلكت) بالإهمال و الضجر و بردت حرارتك ،
فاجلـــس بينـــك و بين نفســك ، و اجمع أفكـارك و مــــيز بدقـــة
ما هو سبب الإهمال ، و من أين بدأ ، و ما الذي يعوق مناجاتك الروحانية ؟
فإن كان السبب قابلاً للتقويم فقومــه بمعرفـــة ،
وإن كان يلزم أن تقطعه فاقطعه عنك في الحــال لا تشفق أبداً و لو كانت معيشتك منه .
و إذا كنت لست قادراً و لا يوجد معلم تستشيره في أمور سيدنا
ليرجع بك إلي أول الطـــــريق التـــي بــدأت منهــــا ،
اصنع الفصح بمرارة ، و تذكر تمرد مريم علي موسي،و تحول إسرائيل حيث عدوا العجل
عاند الغيظ بمرارة و أوجعه، وأعطه كتاباً يهذ به ( إشارة الي لوحي العهد )
و ضع له صـــلوات الأب أوغريس ، مع مـــــرارة الفصــــــح ،
ففي زمان قليل تصبح حاراً و تحس بالحق و ترفع إلي الحال الذي زغت عنه و سقطت ،
وفي صعـــودك الثاني تعايــــن المنـــــازل التي عبــــرت عليهــــــا في صعـــودك الأول .
الويل لنا إذا لم يكن للحق أصل داخلنا ،
أي إذا كان القلب يميل ناحية الشمال .
و قد حذر آباؤنا أيضاً ألا تتفاوض مع الذين
لا يشاركونك في السيرة و التدبير و التصور و الفكــر ينبــوع الهــــذيذ ،
لأنهم يعيقونك عن سيرك و تبرد حرارتك و يتعطل جريك.وهم لا يلامون ،
وذلك لأنهم يســــلكون في سيرة الرهبنة طريقــاً أخرى للملكــــــــوت ،
وأما أنت فلأجـــل تغيير واختـلاف طريقـك فإنهم يعطلونك عن ســـيرك .
إن كــنت محتاجاً إلي معرفة الحق المزروعة في الكتب فلتكن قراءتك للكتب بفهم وإفراز
لأننا نعلم أنه إذا انفتحــــــت أعين ضمـــيرنا فكـــــل و احـدة من الألفاظ لها مجلـــــــــد
وإذا تأملنا فيها مع الصلــوات ينفتح أمامنـــا فهمها .
وإذا قرأنــا في كتب الآباء و نجد ما هو مكتـوب فيهــــا عـن معرفـــة الحـــــــــق ،
فلا نضـــل و نظــــــن أن بقــراءة الكـلام فقـط و تأملنـا فيـه بمعـــرفة نفســـانية
نصـــير بغتـة إلي داخـــــــــــــل أســـــــــــــرار سيرتهم الروحــانية ،
لأنهــــــم احتملــــــــوا أولاً ضــــــــوائـق كثـــــــــــــــــيرة مـــــدة طويلــــــــة ،
و صلبــــــــوا أنفســــــــــــهم بالأعمـــــــــــــــال لأجــل المســـــيح ،
و طهـــــــروا قلوبهــــــــــــــم من جميـع دنـــس الجسد والـــــــروح ،
فأشـــــــــــــــــــــــرق عليهـــــــــم الشـــــــــــــــــــــعاع الممجد الروحاني ،
و نظـــــــروا قدس الأقداس الساكن فيه المســيح
و اتحـــــــدوا بــــــــــــــــــه بالرجــــــاء الكــــــلي ،
و فرحــــــــوا بعربــــون الطـــــــــــــــــــــــــــــــوبى
( أي ) النور الموعود به القديسين في العالم الجديد .
و هـــــم كرحـــومين كتبوا لنا ارشــادات وعلامـــات ( الطريق ) التي ساروا هم فيها
فوجدوا كنز الحياة ،
و نحن المتضجرين إذا ما قرأنا في كتبهم عن الإرشادات و الإشارات المسطرة فيها ،
فإننا نركـــــــــب ( أي نؤلف ) تشابيه ، ( وهي فقط ) تشـــــبه ما ذكـروه ،
و نحن نظـــــــن أن هـــــــذا هــــــــــو الحـــــق الذي قال عنه الآبـــــــــاء .
فمـــن قبل مجيء المسيح نادي الأنبياء و أنذروا بالسر عن الحبـــل به و ميلاده تدابيره ،
لأن من قبل ظهــــــــــــوره لو كان أحد قال عن الإيمـــان بالأب والابن والـــروح القــدس
لكان عندهم بصفة مجنون و عابد وثن ،
هكذا نحــن النفســــانيين :
إن قال لنا أحد عن ذخيرة الحياة و عن أسرار آبائنا الخفية
نستهزأ به و يكون عندنا كالجاهل و كمن زاغ عن الحــــق ،
لذا كتب الرسول بولس : أن الإنسان النفساني لا يقـــدر أن يقبــــل الروحانيــــــات
فهي عنده جهـــــــالة ( 1كو 2 : 14 )
الويل لنا : فأي نعمة نفقدها بإرادتنا .
إذا ما أفرزت نفسك للتوبة :
فكل يوم لا يصادفك فيه احتقار
فلا تحســــــبه يومـــاً البتـــة .
و كل يــــوم لا تجلــــس فيه ســــاعة بينـــك و بين نفســــــك
و تفكر بأي الأشياء أخطأت و بأي أمر سقطتو تقوم ذاتك فيه
فلا تحسبه مـــــــن أيـــــــــــــــــام حيــــــاتك .
الويــــل للذي لا يبكي و يتضايق و ينقي عيوب نفســـه ما دام للتــــوبة وقـــت .
+ الذي يتهــــاون بالصــــــــلاة و يظن أن ثم باب آخر للتوبة فهو محل للشياطين .
+ والذي لا يداوم قراءة الكتب فهو سائر في التيه ، لأنـــــه إذا أخطـأ لا يشـعر .
+ المتنسك في الأكل و شرب الخمر ،
و في قلبه حقد مخفي و أفكار رديئة على أخيه ، فهـو آلــــــة و أرغن للشيطان .
أحذر من هذه الحالة :
أن تكون جالساً و أنــــت تهـــــذ ( تنم ) فـــي أخيـــــــــــــــــك
لأن هذا يقلـع جميــــــــــــع بنيـــــــــان الفضيـــلة العظيــــــم .
حتى لو أنـــك وصــــلت الي أقصــــــي حــــد في النســــــــك .
لأن القــــــــلب إذا انشغل بالشر يتقسى جداً و يصبح مثل الباب الحديد الذي ارتج .
+ القلب المتضع ينفتــــح من ذاتــه بالرحمــــة .
+ حريـــــة لا يســــبقها خضـــوع ارادي و عبــــودية اختيارية
( فهي ليست حــرية بل ) هي عبــودية لــــلآلام ( أي الشــــهوات )
و يسقط من يتبعهـــــا فيهـــــــــا ( أي في عبوديــة الآلام )
و لا يقــوم ، و لا يكـــــــــون ســـــيداً عليهــــــا أبــــــــــداً.
+ من لا يكون حاراً منذ البداية لعدم المعرفة فلا يصـــــل إلي عمـق المعرفـة .
+ كل من لا يصــــل إلي الحـرارة التي تسيطر على العقــــــــــــــــــــــــــــل
و يهزأ به الجهال منـــذ البدايـة فما يبلغ إلي قامــة الرجل الكامل بالمسيح .
إن هذه ( التي ذكرت ) هي درجات ومراحل نمـــــو إنســاننا الداخلي ،
رتبهــــــا الروح القدس و وضعها مثل درجات و مراحل الإنسان الخارجية
( أي مراحل نمو الجسد ) هذه بالطبيعة و تلك بالإرادة .
+ الذي اقتني الفضـــــــائل العظيمــــة مثــل الصـــوم و الســـهر و النــــــــسك
ولـــم يقتني حراسة القلب و اللسان ،فانه باطـــــــــــــلاً يتعـــــب و يعمـــــل ،
وإذا وضعت كل أعمال التوبة في ناحية والحفظ في ناحية فالحفــظ يرجـــــــــح ،
لأن المســـيح وضــــــــــــع فأس الوصــــايا علىأصـــــل الأفكـــار القلبيــــــــة
+ إن حفظت عينيك وأذنيك لئـــــلا يدخـــــل ماء عكــر على نقـــاوة نفســـــــك
فإنـــــــــــــــــــك لـــــــــــــــــن تخطـئ بلســـــانك .
+ باطـــلاً يشقى و يعمـــل الذي يســـــــهر بإرادتـــــه في الخدمـة والصــلوات
وبأفكاره يطيـــــــــــــــش في أفعـــــــــــال أخـــــــــرى .
+ طوبى لمن يكون حاضراً ( بقلبه وفكره ) فيما يصلي و يخدم .
+ طوبي لمن اقتنى فهم (وصايا ) الكتب وهــذ فيهــا بفهــــم .
+ طوبى للنفــــس التي أكلــت الخــــبز عــلى مائــــــــدة الله .
+ طوبى للذي يحسن علي الــدوام للمتألمين على الـــدوام ،
لأن من هنــــا يشــــرق في قلبـــــه نور الحيـــــــاة .
الويــــل للذي لديه فرصة ويمكنه جسده ويساعده ثم يتهاون بأعمال التوبة ،
فانــــه عندمــــــا ينتبـــــــه يبكـــــي وينتحـــــب ويطــــــلب زمــان الراحــة فلا يجــــد .
+ سماد ومـــــاء التوبــــــة هــــــو الضيقـــــــات و الإهانـــــــــات ،
وموتها ( أي موت التوبة ) هــــــو حب الربــــح و الكرامة والراحـة .
+ حد تدبير سيرة المعرفـة هـــــو : معرفة المتوحد حفظ جســــمه
وأن يدبره بتمييز لئــــــلا يتعطل ويعثر ويسقط و يتخلف عن رفاقه .
+ الذي يريــــــــــــــــــد الابتداء في ســـيرة الفكــــــــــر
ينبغي عليــــــــــــــه أن يحـــــــدد درجات تقدمه ذهنيـاً ثم بعد ذلك يبـــــــــدأ ،
على أن يكــــــــــــون قد نجح في السيرة الخارجيـــــة ( أي الجهادات الجسدية )
لأني رأيــــــت حقـــــاً أن من تدبير السيرة الخارجيـــــة يتولد تدبير سيرة الفكـــــر ،
ومن الضوائق الخارجية تتـــــــــــولد الراحة الداخليــــــة ،
ومن الحزن والكــــــآبة يتـــــــــــولد الفرح عزاء النفـس ،
وبإيجاز فالسلام الذي لا يتولد من الأعمال فهو ضـــــلال .
+ إذا لم يتوقـــــف لساننا عن تلاوة المزامير و تهليــل الــروح
ســــــــــــــــــواء فـــي وقــت الصــــــلاة أو في غير وقتها ،
فلن يجد الشيطان الفرصة ليلقي فينــــا سهامه المتقـــدة .
النفس المملوءة بالإثمار هي
التي تعرت من الكآبة و الضيـــق و الضجـــر و الاضطراب ،
ولبست اتساع النفس والسلام والفرح بالله ،وربطت أبـــــواب الأفكـــــار القلقــــة،
وفتحت باب الحـــــــب لســــائر النــــــــاس ،وصبرت وتجلدت ليلاً ونهـاراً على باب قلبها،
وطردت من داخلها القول :
هــــــــذا صالــــــــــــــح و هــــــــــذا شــرير ، هــــــذا بار و هـــــذا خاطــئ ،
وجلست علي كرســــي قلبهــــا العــــــالي،وتبصرت فيما يساعد قواهـــــا
إلا وهي العقل والضمير والمعرفة والتمييز، ثم قومتـــه وأصلحتـــه بالنقـــاوة
لئلا ينشغل إحداهما بالغضب أو بغيرة وشر ، فتظلم النية بقتــام السجس .
و النفس العاقرة هي :
التي لبست الحقد و الغيظ و الضيق و الكآبة و الضجر و الاضطراب ،
وتــــــــدين قريبهـــا بجيـد و رديء .
أساس تدبير الوحـــدة هو الصبر و الاحتمال بالتغـصــــــــــب ،
فبهذه ينمو ( الإنسان ) ويبلــــــــــــــغ إلي الكمال التـــــام ،
و هي تعد قدامه سـلم يصعــــــــــــــــد به إلي الســــــماء .
إن كنت تخــــــاف مـــــــــن الطيــــــاشــــة فأقطـــــع عنــــك الهذيذ الـــــــــــرديء
التـــــي تراكــــم ( في فكــــــرك ) بســــبب انحــــلال السيرة ،
و ســـد منافذ الحواس التي تدخل ( كل من ) الصلاح والشرور إلــي القلـــــــــــــب ،
لأن القلب هو مينــــاء للجيـــد والـرديء الذي تجمعه الحواس مـــن خـــــــــــــــارج ،
و لا يقدر أن يكتم شيئاً مما قبله بل ينقله إلي الذهـــــــــــــــن ومنه تغتذي الأفكـــار ،
والعقـل ينبوعه القلب ، و هــو لا يهـدأ من طياشـة العـادة .
إن كنت تحـــــــــب نور الضمير الذي يعـــم كـــل الأفكـــــــــــار :
فأقطع عنـــــــــك ــ أولاً ــ كل هذيذ رديء وفلحه لزمـان طـويل،و بالصبر ألقسري والتغصب
وتعهد عقـــــــــلك بالغذاء الروحاني الذي هو تلاوة مزامير الـروح و الهذيذ بالتماجيـــــد ،
وتصور المـــــــدون في الكتب و تفهمها و أربطـه(أي عقلك) بمحبة العلـــم الروحـــاني ،
وما دمــــت أنـــت (تحـب أن تكــون) متحفظاً مصــاناَ فدربـــــــــه بالهذيذ في الإلهيات ،
حتى إذا مــــــــــا توقف عن التــلاوة (بالفـم)فإنه ينطلق من ذاته بدافــع من التعـــــود
وبإرادتــــــــــــــــه ليسبح في أمـــور الـــروح التي تعودهــــــا ،
لأنه أربطة النفس هي العادات التي أعتادها الإنسان إن كانـــت جيـــدة أم رديئـــــــة .
سئل شيخ :
بماذا تشــبه رهبنـــة القدمــــاء و رهبنــة زماننــا هذا ؟ ،
أجـــــــاب :
كان إنسـاناً موسراً و حكيماً يطـــلب المســك الخــــالص ،
و لما لم يجده حسب إرادته ،
قطـــع جبالاً كثـــيرة و بحـــراً و براً و مضـى إلي الصين ،
و قدم هدايا للمــــلك هناك و ســـأله أن يعطيــه مســكاً ،
فسمح له أن يقطعه بيده ،فأخذه و عاد و أعطاه لأولاده
و قليلاً قليــــلاًِ غشوه و خلطوا به الدغــل ( أي المقـــلد)
و سلموا يعضهم لبعض حتى حل الغش مكان المســـك ،
و فقـــد رائحتـــه و لــم يبقــــى غير الاســم فقـــــــــط
و هــكذا :
فـــــــــإن الآباء القدمـاء جســروا على الحيـــاة و المـــــوت
و ذاقـــــوا كل التجـــــارب و احتملـــــــــوا كل الضيقــــــــات
و ســلموا ذواتهــــــــــم ذبيحـــــــــــــــــة روحانيـــــــــــــة ،
و تضرعـوا للمسيح بدموع حتى جاد عليهم بمواهب النعمة ،
و أهلـــــوا لمعرفـــة الــروح ، و صـــــــــاروا مســــــــكنا لله ،
و صنعــــوا العجـــائب ، و أحسوا بالأســرار و الاســـــتعلانات ،
ثم تفشى الشر شيئاً فشيئاً حتى انتهي إلينا نحن الذين بالاسم و الشكل فقط .
زمان الثاؤريا ( الرؤيا الإلهية ) ليس هو زمان العمل ،
إن كانا متصاحبــــان يـــــؤزران بعضهمـــــا بعضـــــاً ؛
فوقت يسـاعد على الثــاؤريا و وقت عـلى العمـــل .
و وقـت بهجـــــــــة وفــــــرح و وقت كــآبة وضــــجر ،
و وقـت مــــــــــــــــــــــــرض و وقت صحــــــــــــــة ،
و هكذا فالصالحات و الشرور كلها متوافرة في العالم .
أمـــور سـيدنا : مريرة حلوة ، مظلمات نــــيرات ، محزنات مبهجات .
وأمـور العــالم : حلوة مريرة ، نيــــرات مظلمات ، مبهجات محزنات .
و عرف الحق من ذاق تجربة هذه بذاته ،و ليست من سماع الآذان فقط .