الميمر العشرون
الصلاة ، التجارب والتوبة
هو التضرع الحزين كل وقت بالصلاة المملوءة ندماً ،
نقدمها لله لأجل غفــــران الخطــــايا الماضيــــــة
و طـــــــــــــلب الحفـــظ في الأمــــور المقبــــــلة .
و لأجل هذا حث ســـيدنا ضعفنــا عــــلى الصــــــــلاة بقــــــوله :
" تيقظــوا و صلوا لئلا تدخلوا التجـــارب " (مت 26 : 41 )
" صلــــوا في كل وقــت و لا تمـــــــــلوا " ( لــــو 18 : 1 )
" اسهروا كل حــــــين و صـــــــــــــــلوا " ( مـــر 13 : 33 )
" اطلبـــوا تجـــــــدوا ، اسألوا تعطــــــوا ، واقــرعوا يفتح لكم ،
و كل من يسأل يأخــــذ ، ومن يطلب يجـــــد ، ومن يقرع يفتح له " ( مت 7: 7)
و أكد كلامه و شجعنا بالأكثر بما أوضح في المثل الذي قاله عن
الذي مضى إلي صاحبه في نصف الليل وسأله خبزاً ، وقال :
" الحـــق أقــــول لكـــم إن لم يعطـــه لأجـــــل الصـــــداقة
فلأجـــل اللجـــاجة يقـــوم و يعطيـــه جميــع ما يطـــــــلب "
( لو 11 : 8)
و هكـــــذا أنتــــــــم صـــــــــــــــــلوا و لا تمـــــــــــــــــلوا .
يا للتشجيع الذي لا يعبر عنه ، فالذي يعطي يجذبنــا قائــــلاً :
اسألوني فأعطيكم المواهب ، و لأنه يدبر حسبما يوافق ويليق ،
لــــــــذا كلامــه هنــا مملـوء من كل ثقـة و تشـجيع عظيــم ،
و ذلك لأن ســـيدنا يعرف أن التغيير لا يبطــل قبــــل المـــوت ،
و طالما هو قائم ، فالتغير سيحدث من الفضيـــلة إلي الرذيلة .
فالطبــع سيواجه ما يعارض ، لهذا حثنا على التضرع الدائم ،
فلو كان في هــــذا العــــــالم حــــــــد موثـــــــــوق بـــــــــه
إذا بلغه الإنســان عنــد ذلك يرتفــع عن الطبــع المتغــــير
و يتخلـــــص عمــــــله مــــن الخـــــوف ( من الانحــــراف )
لما كان يحثنــــا على الصــــلاة و يوصــــي بإلحــاح (من أجلهــــا ) .
( لأن عدم الصلاة ) هــــو في العـــــالم الجــــــديد
إذ لا يقدم الناس لله صلوات و تضرع لأجل شيء ما
لأن في بلد الحــرية هــذا لا يقبـــل طبعنــا تغـــــير
و لا يكون هناك مســجون تحت رعــب المضــــادات
بل هــــو كامــــل تــــــام فـــي كـــــل شــــــــيء .
و هو يحثنا على الصلاة و الاحتراس ليس لأجل هذا فقط ،
بل أيضـــاً بسبب عدم إدراك الأشياء الطـارئة على الدوام
التــــــي تفـوق قـدرة معرفتنـــا لأنهــا دقيقــة ورقيقــــــة .
و نوجــــــــــــد داخلهــــــا مـــرات كثــــيرة بغـــــــير إرادتنــــا
و في أي وقت ، حتى لو كان ضميرنا يشاء الصلاح وثابت جداً .
في كل حين يلقينــــــــا تدبيــــــــــره ( أي الله ) فـــي التجــــــــارب ،
حسب قول السعيد بولس :" لكيــلا أتعظم بكثرة الاســـتعلانات
أســــلم جسدي لشماتة ملاك الشـــيطان ليلطمنـــــــــــــي ،
و سألت سيدي من أجله ثـــلاث دفعــــات ليبعد عني التجربة ،
فقــــال : تجــازيك نعمتــي لأن قـــوتي في بالضعـف تكمــــل " ( كو 12 : 7 ـ 9)
فيا سيد :
إن كانت هذه إرادتك لأنه هكذا تحتاج طفولتنا للمعلم ليؤدب و ينبـــــــه ،
فهـــــذا ( أي الرسول بولس )
الذي لم يكن هناك إنسان قد شغف بمحبتــك و لا تلهــف للصـلاح ، مثله
حتى لم يظهـر له العـالم تمامــاً ( أي غاب عنه ) لأجــل ســـكره بـــــك
الـــــــذي و اصله لمناظر و استعلامات لا يقدر أن يشرحها لسان الجسد
لأنه كان ينظــر و يســمع صــوت و خـــدمة الروحــانيين (كو 12 : 1 ــ 4 )
و أيضــــاً رآه لرؤيتـــــــك بالـــروح ( الرؤيــــــــا ) و الممــــلوء قدســـــــاً .
و رغم ذلك كله لم يكن هــــذا الرجــل الكامــل بالمســيح كفء يحفــظ ذاته .
إن هــذا الرجل الكامــل بالمســـيح ( أي القديـــس بولـــس )
كانــــت رفعته السامية تفوق قدرته لأنه اقتنى فكــر المسـيح ،
و لهــــذا كان يفـــرح بإمراضه، و بالضيقات ، و بالحبس ، بالقيود بالشدائد .(2كو 12 : 10 )
سواء كانت من الطبع (البشرى) ، أو من أولاد الطبع ،أو من أعداء الطبع ،
( لقد كان) يصـــبر بفـــرح على أمراضــه أي تجـــاربه لتحـــل عليه قـــــوة المســـيح ،
و مع هذا ( المجــد ) جمعيــه ( الذي وهبته له )كان محتاجــاً لعصـا التجـارب
لكـــي بهــــــــا يــــزداد حلــــولك عليـــــه و يحفــــظ بالقــــرب منــك ،
لأنه عارف إنه ليس شيء محبوب لديك أكثر من نفعه ،
فأنــت ر فعتــه أعلا من الكثيرين لأجل ما أعطيته أي معرفة مجـــدك ،
و هــــذا أمــــر لم تعطـه لأحـــــــد مــــن الرســــــــل رفقـــــــــــائه ،
و دعوته إناء مختار مؤتمنــاً على حفـظ درجة محبتــك .
و رغــم كل هـــــذا ، ورغم أن العمل التبشيري كان سينمو و يـــزداد
إذا كان هــــو حـــــراً من رابطــــــات التجـــــارب ،
وكان يعلم انك من الممكن أن تمنحه الحرية ( ومن التجارب )
لأجـل ذلك إن كـــان هذا يناسبه ،ولكنك لم تشأ إن يكون بلا ضيق و لا وهم في العالم ،
و لــــــم تفضــل أن يتســع العمــل التبشــيري و المنـــاداة بــك في العالم
أكثر من انتفـــــاعه هــــــو بالتجــــارب ، لكي تحفــــظ نفســــه صحيحـــة .
فانظـر أيهـا المختـار ما أعظـــم موهبــــة التجــــارب ،
فالإنســـــان حتى لو ارتفع إلى أقصي حد في الروحانية و صار في مرتبة بولـس ،
فهو محتـاج إلى الاحــتراس و التحفـظ إلى ملاقـــاة التجــارب لينــال منفعـــــــها .
من هو الذي :
وصــل بلـــد الأمــــــان في عالــــم المــوت هــــذا الممـــــلوء باللصــــــوص ،
و حظي (بحياة)عدم التغيير التي تنالها الملائكة القديسين لئلا يكملوا بدوننا ؟
من هو الذي :
يتخيـــــل أنه نـــــال رتبـــــــة ليـــــس للروحــــــــــانيين و لا للجســـــــدانين
حتى انه يمكـن أن يعيــش دون تغيير ، و ألا تدنو منه تجربة واحــدة بالفكــــر !؟
فإن نظام هذا العالم ـ حســـــب رأي كـــــل الكتـب المقدسة ـ
هــــو أنـــــــــــــــــه و لــــــــــــو جرحنــا كل يـــوم ألــف مــــرة ،
فـــــــــــــلا تصغــر نفوســـنا و لا نتضجــــر ،
و لا نتوقـف عن الجــــــــري في الصفـــــوف ،
فإننـــــــــــــــــــــــا قــــــــــــــد ننــال بسبب أمر واحـد صغـــير ،
الغلبــــــــــة والفتك بالأعداء ونتــوج بإكليلنا .
إن هذا العالم هو : مصــــــاف الجهاد ، و ميدان الجري و السير،
و هو و قت الجهاد ، و بلــــــــد الضـــــــــال .
و في زمان الحرب و القتال :
لا يضع الملك ناموس ( أي قانون أو نظام ) على جنده
و لا يقطــــــــع فيـــــــه حد تنقضـــــــي الحـــــــــــــرب ،
ثم يجتمــــع الجميـــــــع إلي بــــاب مــــلك الملـــــــوك ،
فيظهـــــــر هنــــــــــاك :
مــن الذي ثبت و تجــــلد في الحــــرب و لم ينهـــــــزم ،
و من الذي أعطـــــاه ظهــــــــره .
لأنه قـــــد يتفــــــق إن :
إنســــــاناً لا يصــــلح لشــــــيء ( أي للحــرب )
و مـــــــــن قلة خبرته يوجـد كثيراً مطعوناً ملقى ،
ثم يحدث في وقت و هو مغلوب أن يخطـــف الرايــــــة من يد عســــكر الجبــــــــابرة ،
فيشـــــتهر اسمه أكــثر من الشــجعان الفاتكـين و المعــــروفين ،
فيأخـــــــذ الإكليل و الهدايا و الهبات أكثر و أجل من جميع رفقائه .
مــــــن أجــــــــل هــــــــــــذا ينبغـــي على الإنسان ألا يقطع رجاءه و يقع في اليأس ،
لكـن لا يتهــاون في الصــــلاة ، و لا يمـل من طـــــلب المعــــــــــونة من ســـــــــيدنا .
و لنضــــــع في ضمـــيرنا أننــا ما دمنـــا في هـــذا العـــــالم و ساكنين في الجسد ،
فلو أننا نرتفع إلي علو السماء فلا يمكن أن نكــون بلا متاعب و شــــــقاء و هــــــــم .
هذا بإيجـــــاز و اختصـــــــــار ، و مـــا زاد عن ذلك فهـــذه الزيــــــادة هي خــــــــرافة .