رسالة إلي أخ يحضه فيها
علي محبة السكون
+ حب السكون يا أخــي بحــــرص لأن فيـــه تجـــد نفسك الحيـــاة .
وليكـــــــــــن نظرك إلي ذاتــــك و لا تتركه ليخــــــــرج عنـــــــــك ،
لأنه ما دمت تنظـــر إلي غــيرك فـــــــلن تبصــــــــــر نفســــــك ،
و إن أنـــــت رددت نظــرك إليـك استطعت أن تبصـــــر نفســـــــك .
هــدئ حواســــــك الخارجيـــــة حتـــى يمكنك أن تسكت الداخلية .
لا تهتم بالأشياء الباطلة ( أي الفانية ) حتــــى تكــتنز لنفســـك المغفرة .
هـــدئ نفسك من الاهتمام الباطل لتجـــــد نفســــك الفهـــــــــــم .
اجمــــــــــع نظــــــــرك إليــــــــــك حتــــــى تبحـــث عن المعــرفة .
حـــــــــــــب ســــكوت الإفــــــــراز لأنــــــــه ينبــــــوع المعــــــــرفة ،
فبالســــكوت يتنقــــي العقــــــــل و بالصمت يقتنى الرأي (الحكيم ) .
لأن السكوت يكســـب الحكمـــــة و يجمـــع الحواس للمعـــــــــرفة .
يا أخــــــــي انتبه لذاتك دائمــــاً لأنـــــــك فيهـــا تجـــــد العــــــلم .
و إن أنـــــــت أحببــــــت الخلطــــة فقـــــــد أبعدت ســـترك عنـــــــك .
لا تهبـــــط مع المــــــــــــــــــــــــتراخين
و إلا صيرت نفسك في الدرجة السفلى ،
لكن لتكن مناجاتك مع محبي الخير ( أي الصلاح )
لتكــــــون ســكناك معهم في الأعالي ،
و كذلك أيضاً في المواضع التي فيها المعرفة السامية
فهناك اجعل مقامك بشجاعة .
ارتفــــــــــع إلي بلــــدة النور
و لا تهبــــط إلي الخطاة فحياة الحكماء متضاعفة ،
لأن مناجاتهم مع العلويين بالروح و الحكمـــة
تعطي للذي يقتنيها رجاء الروح .
و كذلك أيضاً يصير الإنسان ملاكاً لابساً جســــداً .
ذاك الذي يتدبر بالمعرفة بين الجهــــــال ،
و كمثل الضـــــوء في الظلمة يضيء بنـــوره بين المــــائتين ،
لأن الذي استضاء فهو يضيء للآخرين لأن ضوءه معه دائماً .
و الذي عـرف ضــــوء النفـــس فهــــو يرشــد قومــــاً آخــــــــرين
لأنـــــــــــه إذ أدرك المعرفة الحقيقية فهو يصير عينا لقوم آخرين .
الــذي بإفرازه
وجد خلاص نفسه فهو قادر أن يرد الذين ضلوا
وهلكوا.
و
مادام الإنسان
لم
يجد خلاص نفســــــــــــه فهو لا ينفع قومـــــاً آخـــــــــرين ،
و
مادام الخــــير
مخفي عنـــه فلا يقدر أن يعطي خيراً لآخــرين .
و
مادامت نفسه
مخفي عنها فهو أعمى في هذا العــــــــــالم ،
و
كذلك
مادام لا
ينظـــــــر إلي ذاتــه فلا ينظر شــــيئاً في هذا العــالم ،
لأنـــه ليس
بنظر الجســد يرى عالم الروح
لأن
النظر الحقيقي إنما
هو للنفس لا غير،
لأن
النفس تنظر
بمعرفة كل شيء على الحقيقة ،
فالنفـــــس تنظر
دون تدخــــــــل الجســـــــــــــد
و
الجسـد ،إذا
نظر بلا عقل فهـو يشبه البهيمــة
و
النفــس بغير
الجســد تنظــر نظـــــراً روحانيــــاً .
لذلك
أيضاً العقل و النفس غير مرتبطان بشيء ،
لأن
النفس :
و إن كانت ســـــــــــــالكة في الجســــــــــــد
و لكن معرفتهــا هي عن الكل
وهي و
إن
كانت مرتبطـــــــــــــة
بالجســــــــــــــــــد
لكـــن أفكارهـــا متحــررة
منـه
وإن كانت مقيــدة مع هـــذا الجســد الثقيــــل
لكــــن فرحهـــا مع الروحـانيين ،
وهي و
إن كانت علي هذه الأرض يحتويهــا
الجســــد
إلا أنها تزرع دائماً في
السماء
و إن كانت محبوســـــة في هـــــذا الســـــفلى
لكنهـــا تحسب مع الفوقانيين
،
و إن كانت داخــــــــل هـــــــذا
الجســـــــــــــــد
فهـــي تطير بأجنحـة خفيفـة ،
و إن كانت متداخلة مع الأجساد الترابية
الظاهرة
إلا أنها مشتركة مع الروحانيين ،
لأن لها أجنحة خفيفة مثل
السارافيم ومعهم دائماً ،
تمجد الخالق
وتسبحه هذا إن هي اختارت .
اجمـــــع نفســـــــــك يا أخــي و احـرص أن يكون مسكنك
عند سيدك،
ارفـــــع أجنحتــك عـــــن الأرض
و تطلـــع إلي البلــدة
التي أعـدت لك،
لأن الخـــالق يشـــــــــــــــــــاء
أن
تكـــــون ســكناك
هنــــاك دائمـــاً ،
لأنه مشتاق إليـــــــــــــــــــــك عطشــــان لرؤيتـــــــــــــــــــــــــــــك .
لأنه يحـــب كلامــــك وحديثــك أفضــــــــــل من المراتـب
العــــــــلوية ،
و هو أيضـاً مشتاق إلي صوتك أعظـــــــــم من هتـــاف الروحـــــانيين ،
و هـو يحب التـــــــــــــــــرابي
أفضـــــــــل من مجمـع النورانييــــــــن ،
و هو يفرح بحسن هذه الأقوال أكــــــــــــثر من بهـــــاء الســـيرافيم ،
و يحــــب صــــورة الإنــــسان
أفضـــــــــل من ضيــــاء الســــمائيين .
و سماجة (أي ضعة ) آدم الذي خلقــه ،
لهي أحسن بين يديه من كل الخليقة وأفضل عند الخـــالق من الكــــل .
فهـــو يريـــــــــــدك أكـــــثر من الكـــــــل
و أنت أكــــــــــــــرم عنـــده من الكـــــــل .
الخالق الذي خلق الكل اهتم بك ، لأنـه لمحبته لك أتى ليطلبــك ،
فاخـرج أنـــــــت
في طــــــــــلب الذي خــــــرج ليطلبـــــــــــك ،
فهــــو تنــازل إلي حقـــــــــــارتك حتى ترتفــــــع إلي علـــــوه .
أظهر نفســـــه للســـــــــــفليين
لكـــــــــــي يرفعـــــــك أنــــــــت
إلــــي بلـــــــــده
الحقيقيـــة ،
فبالمحبــــة التي أتى بها إليــــك اسـلك أنت بها و امض إليــــه ,
و في تلك الطـــــــــــــريق التـــي
نـــــــــــزل بهـــــا إلي بلـــــــدك
اصعــــــــد أنــت بهـــا إلي علوه .
هـــــــــــو ســــــــــــــــــــــكت
في
الأحشاء (
في بطن العذراء ) ،
وبعد ذلك خـــــرج و خاطبــــــــــك
فاخــــــتر أنت الســـــــكوت مثله
حتــــــى تختــــــــــــــــــــــــص
أنـــــــــت بمناجــــــــــــــــــــاته .
إن الــرب ســـــــــــــــــــــــــــكت فـــــــــــي الأحشــــــــــــــــــــاء
و بعد ذلك في خروجــــــــــــــــه
خاطــــــب البشــــــــــــــــــــــر،
فإســكت أنــــــــــــــــــــــــــــت
اضطــرابات جســـــــــــــــــــــمك
،و بعـد ذلك تكـــــــــــــــــــــــــون
مخاطبتــك مع الروحـــــــــــانيين ،
فيكــــــون ســـــــــــــــــــــكوتك مثل الطفل في أحشــاء والــدته
و منه تولــــد
الكلمــــــــــــــــة ،
و مـــــن الســـــــــــــــــــــكوت تأتــــي إلي الكلام مع خالقـــــك .
مـــــــن الســــــــــــــــــــــكوت خـرج و
تنازل و أتـى إلي عنـــدك ،
فاسـكت أنـــــــــــــــــــــــــــت
عن
المناجاة مــــــع
الآخـــــــرين ،
و بعـــــــــــــــد ذلــــــــــــــــك
تسطيع أن تهــــــدئ أفكــــــــارك ،
لأنـــه مادامت خلطتـك كثــيرة
فأفكـــــارك تائهــــــــــــــــــــــــة ،
فانقص خلطتك مع الكثـــــيرين
حتى تقتني فكـــــراً صالحـــــــــــاً ،
واقطــع حديثك مع المـــــائتين ، حتى تتعــلم الحـديث مع الأحيـــاء
واجمــع نظرك عن كل
منظـــــر
حتى تتفحص في خالقك و عظمته .
و أنــــــــــــــــــت :
إن صرت ســاكتاً مع نفســــك ، فإنك تحس بالســـكوت
الإلــــهي .
و إن أنت ســـكت و
انقطـــعت عـــــــــن حـــديث الكثـــــــــيرين
فإنك بعـــــــــــــد ذلــــــــــــك
تتطلع إلي سبح خالقــــــــــــــك .
إن صــــرت متوحداً في مســــكنك ،
تصــــــير فريـــداً في فرحـــــــك.
وأنت لا تقـدر أن تتفـرس في
منظــــــر خالقــــــــك المفــــرح ،
إن لم تبتعد عن
النــــــــــاس و تبعـــــد نظــرك
وأفكـارك عنهم ،
و لـــــــن تجـــــــد
أحـلى من عشـــــــــــــــــــــرتك
مــــع الله ،
و لا تجــد ألذ و أنعم من حديثه
و لا تجد كلمة أخــير من كلمتــه ،
فلتحــــــــــــب كلامـــــــــه
حتى تكـــــــون حكيمـــــــــــــاً ،
أن كلمة الــرب شــــــــهية لمـــن يقـــــــدر أن يســـــــمعها ،
لأن ليـــــــس كـــــــــل أذن
تقبـــل هذا التعليـــم الروحـــاني .
لا يوجــد فــــــرح يعــــــــادل
ذلك الوجه المملوء من كل فــرح ،
لأن كل جمـــال
في الدنيـــا مـا يســـــــــاوي
حســــــــــــنه
و لا يسـتطيـــــــــــــــــــــــع
البشـــــــــــــــر نظـــــــــــــــره .
الله محبــــــوب عنــــــد كـــل
من شعر به ومحبته تثبت عنده ،
فالذي أحب الله و شـــــعر به ،
هو وحـــده فقط الذي يحب الله ،
و
الباقـــــــــــــــــــــــــــــــين فكـل منهم علي قــدر رتبتــــه ،
و
كل منهم يخدمه بمخـــافة
بما سمع عن الله المرهـــــوب ،
فأمــــــا الـذي اختبر محبتــــه
فهـــــو مُحب أكثر من الكــــــــل .
و
إلــــي أن تختــــبر خـــــف ، و
الذي يحفظ و صاياه لا يخــــاف ،
فالاختبار يوصـــــل صاحبـــــه
إلي المحبة التي لا يعــــبر عنها .
موضوعات ذات صلة :
رسائل القديس مار اسحق .
رسالة لأحد تلاميذ القديس مار اسحق عن السكون .
موضوعات ذات صلة :
رسائل القديس مار اسحق .
رسالة لأحد تلاميذ القديس مار اسحق عن السكون .