الميمر السادس والعشرون
تدبير سيرة السكون
يا ابني إن كنت تريد أن تسير بتمييز ـ حسب قول السيد ـ
فـــــي الطريق التي كثيرون بدأوا وقليلون أكملوا ( مت 7 : 14 )
فبعد أن تقوم وتوفي واجبات المعرفة النفســـانية جزئيــــــــاً ،
وعرفت أن تميز الحــــق عما يشـــــــبه مــــــــن الضـــــلال،
ابدأ فـــــي طريق الصلب بتغصــــــــــب
وكابد واصبر علي جميـــع ما يأتي عليك عــــــــــام وخـــاص كأنها لك
وكمثل من وضعها هو علي نفســـــــه ليدفعها إلي الجهــاد .
+ يا ابني إن سلمت نفسك لله ،
سلمت ذاتـــــــــك لجميع التجارب وما يتبعها (من ضيقات ) .
+ اصلب ضميرك وأفكارك مقابل الآلام (الشهوات )
بواسطة عمل الوصايا بتغصب وقسر .
+ بدء تدبـير سيرة الصلب هــــو الصبر بتغصب ،
والانقطاع عن كل المحادثات محبة للصلب ، وأن تكون بغير اهتمامـات،
وعـــــدم ذكر ما هـــــــــــــو جيد أو رديء ، وبغـــض الكرامــــــــــــة ،
والصـــبر بشجاعة علـــــــي الظلـــــــــم و العـــــار و الهـــــــــــــــزء ،
مثـــــل ذلك الذي استهزأوا به بالصلــــب وهـــو يعطي الحيـاة للعـالم .
+ المتوحــــد ينفر بإرادتــه من الشهوات وقد حدد في فكره بغض جميعها ،
وبدأ الجهاد مقابل الشهوات والشـــر،
حتـــــــى لا يتسجس ويتذمر إذا أتـت عليـــــــه بالتدبــــــــــــير لإمتحانه ،
ولا يكابدها بتغصب وبلا شكر، ويرجـع إلي الحنق الذي يؤدي إلي الحزن ،
ويكــــــــون جهاده خالياًَ مــن النقاوة ،لأن العالم الشرير البعيد (عن الله )
لا يجلــــب للمجاهدين كرامة ونياحــاً ،بـــــتل مــــــــــا هــو عكس ذلــك ،
أي يشقيهم ويذلهم ويشبعهم ازدراء وعاراً واحتقــــــــــــاراً في كل شيء
حسبما يتاح لهم .
+ مقاومـتــة العالم الشرير المنحـــــــــــــــرف الممـــــلوء شـــــروراً ،
يعلنهـــتـا الراهــــــــــــب الذي يريد أن يكون نقياً مقابل الشهوات
التي هي ســــــــــــلاح هذا العــــــــــالم .
إن نقاوة القديسين هــي فوق الطبيعة لأنها مواجهة للشهوات والخطية ،
من دون إنعام ومراحم ومعونة سيدنا يسوع المسيح
الخفية والظاهرة لا يتقدسون بالـــــــــــــــــــــــــروح .
يا مــــــــن يريد أن ينصب سـلم عقله
ليصعـــد بسيرة الفكر مع يسوع صليب الحياة ،
فلا تضل نفسك
بل كما اختبر آباؤنا وسلموا إلينا ( إن الأمور تكون هكذا ) :
مخــــــــــــافة اللــــــه
تسبق محبـــــة الـــــله .
وصلــــــــــيب التعيير والبصاق والمرارة والحرية ،
يسبق صليب الحيـــــاة .
ومـــــــــــرارة السيرة
تسبق فـــــرح السيرة .
والضجـــــــر والكآبة والملل و الشعور بالعجز داخل القلاية
يسبق سلام القلايــــــــــــــــــــة .
و الحـــــروب والتجارب والضغطات وضيق السيرة
التي بها يتنقــي الراهـــب ويختــبر
تسبق ثمــار القلايــــــــــــــــــــــة .
محاربــــــة الشهوات وتنفيذ الوصــــايا ،
يسبق تدبير ســــــيرة الحــــــرية .
و تـــــــرتيب الحواس وحفظ القـلـــــب ،
يسبق ســــــيرة العقل .
و المحبـــة التي تكون قبل المخافة هي زنى ،
لأنهــــا تخــدع النفس بضغوط شــــهوة اللذة وتسبيها (خداعاً )
بحـــب السيرة المرتفعـــــــة بالمغــــــــــــــلاة بحركـات حـــارة
ويتخيل العقــل إنـــه يصعــــد صليب الحياة قبل طرد الشـهوات ،
و هــــذا كتب عنـه الآبـــاء إن الذي يريـد الصعـود على الصلـيب قبل الوقـت ،
فإن غضب اللــه يأتــــــي عليـــه لأن أمــــور (أي نعـــم ),الــــــرب
تأتـي مـن تلقـاء ذاتهـــا إن كــان بلـــد القلب طاهـــــر و غير دنس .
إن كـــــــــنت بالحقيقــــــة تريد أن تصعـد على صليب الحياة أيها الحبيب ،
فأولاً عــــــم وأســــــــــبح فــي الكــتب كليــــاً ،
وأجعـل قلبـك فردوس الكتب وعقلك ينبوع الحب
و لتغذي نفسك مــــــن مذبحـــــين :
الأول دور سياسة الله وحكمته المملوءة تميـــــــــيزاً
والثــــــــــــاني تدبـــــــيره في جميع الأجيال .
إن كنت تتضايق من عمق التفكير فأوفي دين معرفة اليونانيين جزئياً
تعجب من عمل صبرهم رغم أنهم كانوا مجردين من معرفة الحق .
ثــــــم اشـــكر الله الذي أهــــلك للإيمـــــان بالمســـــــيح مجانــــاً
هـــــذا الذي اشتهى كثير من الملوك والأنبياء أن ينظروا أو يسمعوا
الشيء الذي نظــــرناه و ســـمعناه و به نســتريح فــــلم ينظــــروه .
لأننا بواسطة :
الإيمــــــــان بالمســـــــــيح اســـتحققنا معرفـــة الحــــــــــق
و بالإيمان بالثالوث المقدس ،أخـــــــــذنا ذخـــيرة البنـــــــــين
التي بها ندعو الله أبانا الســـمائي .
من الإيمـــــــــــــــــــــــــان لبسنا سلاح الروح لكي نعمل بما فوق الطبيعة
بتدبـــــــير ســـــيرة الملائكــــــة القديســـــين .
من الإيمــــان بالمســـــيح استحققنا هذه النعمة
أي لنكون ورثة الله وبني ميراث يسوع المســيح ،
وإذ و نحــــن في جســـــد معـــــرض للغــــــواية
نحس بالعربون الذي وعد به القديسون في النور .
بر المســــــيح عتقنــــــا من بـــــــر العــــــــدالة ،
و بالإيمـــــان باســــــــــمه خلصنــــــــــا بالنعمــــــــــــــــة مجــــــــــــــاناً .
ألبس السلاح الذي لا يقهر أي الإيمان والرجاء والمحبة ، ثم ابــدأ بالعمـــل
اقـــــــــرأ لكــــي تعمـــــل ، و افهــم لكي تؤمـن و تصدق مواعـــيد الـــروح .
ضـــع كــنزك في الســــــماء لتثــــــــــــــــبت بالرجــــــــــاء .
أرسل خبزك على وجه الماء بالشفقة على الصالحين والطالحين بغير تمييز
لتكـــون نفســـك مســــكنا لله.
ــ لتصـــــــلب مقـــابل الشــــهوات و أسرع في طلب ســلام القــلب .
ــ في البداية احرص بتغصب
أن تغيير الشيء الذي ليس من الطبع إلى ما هو طبيعي ،
وبـــــــدل الســـلوك و العـــــادات الســــــابقة بالنقـــــاوة ،
وهــــدئ شــــراسة الشــــهوات بتنفيـــــتــذ الوصــــــايا .
ــ لا تثبـــــت مـع أي فكــــر
و لو كان ذي أهميــــة لئـــــلا يتأســــس فيك إعتيــــــاده ،
و اضطرار العـــــــــادة يجعـــــلك عبـــداً لتـــلك الشــــهوة .
ــ المتوحــــد الذي يخــدم ( أي يخضع ) للشــــهوات هو تلميـــــذ لهـــا ،
واضطــــرار عـــادة معلمــــه ( أي الشــــهوات ) تغصبـــــه
ليكــــون مثل معلمــــــه بغـــــير إرادته كقــــول الســـــيد .
ــ كل ملـــك حتــــــــــــــى لو كان حقـيراً ، فهـو في بلـده فاتـك و قوي،
وكل ألــــم ( أي شهوة ) ولو كان صغيراً ، يظهر سـلطانه في بلــــده .
ــ العــــــادات تنشــــــــط الشــــــــهوات ،
والجهــادات تنشــــــــط الفضيــــــــــلة .
ــ ســــــلاح (كل من ) الفضائل والآلام هــو تغيير العــادات والطباع .
ــ العـــادات تطالب بما سبق (الاعتياد عليه )
و هي أربطة للنفس،سهولة تقتنيها و بالصعوبة تنحل منها.
ــ الآلام و الفضائل التي لــم تتأصــــل بالتعـــــود مـــــدة من الزمان ،
هي مثــل الشـــجاع العـــــاري من الســـــلاح،
والعـــــــــــادات التي عتقت التي إستمرت زماناً طويلاً مع الإنسان
فإنهــــــا تقـــــــــــــوم مقــــــــــــام الطبــــــــع .
ــ لا تتـــــــــــرك عـــادة لتتـــأسس فيــك ، فهي تفـرض أفكارهـا
ولا تســــتطيع التخلص منها و تجدد فيك الآلام التي هدأت قليلا ً.
ــ الهذيــــــــــــــــــــذ عادة يكــــون بأمـــور كثيرة
و هو غــذاء النفـس سواء كان صالحاً أم طالحاً أو مختلطاً من هذا وذاك .
ــ الهذيذ بالواحــــــد هو الانحـــلال من الكــل ،
والانحلال من الكل هو الارتبــــاط بالواحـــــد .
ــ إن كنت مشتاقاً لسلام القلب و راحة الضمير اللذان هما ثمار شجرة الحياة ،
اقلع من قلبـــك شـــــــجرة معـــــــــــرفة الجيـــــــــــد و الـــــــــــــــــرديء
التي أمــــر أول جنســنا ألا يـــــذوق منهـــــا لئـلا يمـــوت ،
لأنهـــــــــــــــــا تولد سجســـاً في النفــــس و تـــنزع الســلام من القلب .
ــ فحص طباع الإخوة و طـــــــرق ســــــلوكهم يعــــــثرك ،
و تخســـر بالضـرورة في أي حال ، ودون أن تشعر
فإنك تلوم الذي يسوس و يدبر الكل بتشــامخك و تزكي نفســـك بجنــون .
ــ إذا كانــــــت نفســــك قد استعدت لتدبير الصلب لتحتمل عـار الصليب
وتجـــــــــري تابعــــــــــــة يســــــــوع ابــن الله ،
فأحــــــــــذر مـــــــــن معرفــــــــــة الأفعــــــال و من فخــــاخ المعــرفة ،
هاتان المخفيتان عن يمين و يسار سيرة الصليب .
ــ إذا ما اســتنار عقـــلك في الســــــــكون بأعمــــــال النســـــــــك ،
فأحــــــــــذر مـــــــــن معــــرفة أهــــل أثينــــا الكثــــيرة الأبـــــواب
التي تخدع و تجذب النفس إلي الهلاك لكثرة اهتماماتها .
ــ متى استنارت معرفتك بفهـــم الكـــتب و تفســـير الأســـرار الخفيــــة فيهــــا ،
فأحــــــــــــــذر مــــــن الشـكوك والكبرياء و الجـدال و المناقشات حول البـــدع ،
و الادعاءات المتعددة و فحص الألفاظ و باقي هذه الأمور،
و اتبع بســاطة الإيمــان كمـن قتد أعـد نفسـه للصـــلب
حسب التعليم المستقيم الذي للصيادين( أي تلاميذ الرب يسوع)
وســـر في أثرهـــم بهذيـــذ عقــــلك على الـــــدوام .
ــ إن الإحســاس بالإلهيـات الذي تتشوق له هو أسمى من الفكر (الإنساني )
فإن كانت أجنحة معرفتــك تطــير يمينــاً و شــمالاً لتســبح في ســائر العـــلوم
فلن يرتفع عقلك إلي العلو ليشعر بجــو الحـــرية الـــذي تكــلم عنـــه الآبـــــاء .
الهذيـــــــــــــذ الـــــــذي يرعــــــى على الـــــدوام فـــــــي مـــــــــرج العــــــــــادة
وينتقل من ذكر إلي ذكر ، ومن فكر إلي فكر، ومن معني إلي معنــى،
فإنه عندمــــــا يرتبط بطريق هـذيذ و احــد إما بصـلاة أو بتــلاوة مزامــير أو بصــــمت،
فإن العقــل يتضــايق و يتملمــل لأن اضطـرار العـادة يقطـع حبـل الصبر،
فيمضـــي و يـــرعى في الطياشــة كعـــادته .
و هكذا العقــــل الذي اعتـــاد زمــاناً عـــلى هذيـــذ و احـــد ،
فإنـه إذا انتقــل من هــذه الحــال يتضـــــايق
لأن اضطرار العادة يجذبه إلي حلاوة الواحـــد .
محبــة العالــم غــــــــــــير المملحــــــة بيسوع المسـيح
وبمعـــــــاني كــــــــــتب روح القـــــــــدس
وبالتغيير الذي في منازل العـــالم الجــديد
( أي الدهر الآتي ) وبتدبير ســيرة النسك
هي لا تقطع الآلام بســـيف الوصـــــــــايا .
النفس المحبة لكل جديد لا تشبع ، وشـــراع قلبهــا مفــرود
لكل ريـــح فيميــــل إلي كل أمر يجذب العقل .
الراهـــــــــب الذي حدة معرفته و استنارة فهمــــه بالكتب
تجعله يردد ما بها ( كمجرد أحداث ) تاريخية ،
فإنه يبقى بغير قيام و تعطله عن مفاوضة الروح و الاتحاد مع يسوع ،
فهو يشــابه الغنــي الـذي أبعــــده غنـــاه عـــــن ملكــوت السماء .
( لو 12 : 16 ــ 21 )
1ــ إن لم يقبض ذاته بالــــواحد
و يسكر بحبه و يبتلع
بمحبته
يكون العقــل طائشاً طوافـــاً .
2ــ جمع الفكر والاتحاد
مع يسوع و صمت العقــل
و هذه فوق
الطبيعة تقيم الذهن في الدهش ،
ولا تكمـــل بطـــول الزمـــان بل بفعــل
الــروح .
3ــ اقلع من قلبك رســوم كل التصــورات الهيوليـة
وكــــل
شــــكل و فكــــــر و ذكــــر
لهــــــــــا
ليقبــل
عقــــلك رســـــم الحــــب وحـــــــده .
4ــ ارسم يسوع في عقلك بغير تحول مثل المجدلية ،
فيعظم شأنك عن كل من يسير معك (في طريق جهادك) .
آه مـــــــــــن البطـــــالة مــــــــــن الروحيــــــــــــــات
فهـــــــــــــي تشتهي غير الموجود و تبغض
الموجود .
5ــ توافر أكثر على عمل الصـــلاة و الهـــذيذ و القـــراءة ،
لكي يهتم العقل بما يخصه و ليس بما
هو خارج عنه .
ــ المتوحــــــــــــــــد :
يجد داخله إما عزاء خفياً أو وجعاً يؤلمه على الدوام .
وليـــــــس له قــــــــدرة علــــــــى تمييـــــــــــــــز
الأشــرار مــن الصــالحين و الخطــاة من الصديقين .
ولا يشعر بالكرامة ولا الازدراء الذي يأتي من الخارج .
ــ العقــــــــــــــــــل الــــذي ذاق الســـر و اغتــذت ذاكـــرته به زمــــاناً ،
وانطبـــع في القــــلب ، يكـــــون مثــــــل الطــــيب
ففي صمت العقل يفوح من ذاته في النفس النقية .
ــ من القراءة و الهذيذ السامي العميق يغوص
العقــــل في تأملات و معاني عن الأســرار الإلهيــة ،
والأفكار التي داخل الذهـــن تكـــون ذات حــــــــلاوة .
وعلى العكس فمتى جمح الذهن وتسيب في الطياشة مع الحواس
فهـــي تلقـــي العقـــل و الأفكـــار فــي الأباطيــــل .
ــ قليلــــون الذين يرذلون غنى العالم الذي اقتنوه وجمعوه
ويفضلون عليـــــه تدبــــــــــير ســــــــــيرة الصــــــــلب ,
ويحبـــون بســــــــــــــاطة الصيــــــــــــــــــــــــــــادين ،
وببساطة قلوبهـــــم يكونـــــون أكاليـــل وتــاج المــــلك .
ــ إن كنت ـ أيها الأخ الحبيب ـ تحب سـيرة الســــكون الملائكيـــــة
وتدبير الصلب و فرح العقل بالمسيح فلا تلق ذاتك في أمور كثيرة ،
ولا تخرج فكرك خارجاً عن فردوس الكتب أبداً .
ــ إن كانت الطياشة بالجســـــد تدبــــــــــــــير رديء ،
فـــــــإن طياشـة النفــــــــس أردأ منها مائة ضعف .
الله يشــــاء أن نكـــــــون أنقيـــــــاء مثلمــــــــا خلقنـــــا ،
لذا فنحن نحزنه إذا ما غيرنا الشيء الذي خلقنا هو عليه .
النفس هي على صورة الله
لـــذا لها القدرة على رؤية الله ولها عنده دالة ،
ونحن الــــذين غيرناهـــــــــــا وضللناهــــــــــا
لأننا نتعبد للآلام ( أي الشهوات ) وليــس لله .
ما أردأ هذا الأمــــــر الا وهـــو الخضـــوع للآلام ،
وبقدر ما تتعبد لها النفس كذلك تكون سيادتها
و ما دام الإنسان ملازما للآلام (أي الشهوات) ،
فهو ليـــــس عبـــد الله بــــل عبداً لآلامــــــه .
التواضـــع :
التواضـــــــــع هـــــــو :
أن يحسب الإنسان نفسه أقل و أحقر من كل أحد ،
ويكـــون هذا من كل قلبــــه كتعلــــيم ســــــــيدنا :
تعلمـــوا منــــي لأني متواضــــع و هــــادئ بقلبي .
ينبغي أن يبتعد الإنسان عن جميع الأسباب التي تجلب له المجد الباطل ،
وليشتهي الأشياء المتواضعة و يمارسها على الدوام .