مدونـة رئيــس الملائكــة روفائيـــل



بسم الآب والابن والروح القدس اله واحد امين : مدونة رئيس الملائكة روفائيل ترحب بكم : افرحوا فى الرب كل حين واقول ايضا افرحوا
Home » » ميامرماراسحق ـ الجزء الثانى ـ الميمر الخامس عشر ج2 ( كامل ) ـ رسائل القديس مار اسحق

ميامرماراسحق ـ الجزء الثانى ـ الميمر الخامس عشر ج2 ( كامل ) ـ رسائل القديس مار اسحق


   الميمر الخامس عشر ج2
 رسائل القديس مار اسحق

لأخيه بالجسد ردا على رسالته
التي سأله فيها أن يحضر إليه في ديره
لأنه كان مشتاقاً لنظره وهو في السكون


نحن لسنا أقوياء كما تظن أيها الأب ،
ألعـــلك لا تعرف ضعفي و عجزي فهل يسهل عليك هلاكي ؟!
فكيـــف تطـــــلب على الــــدوام حضـــــــوري إليــــــــــــــك
ألــــــق من فكرك طلب الطبيعـة  الذي تحرك فيك كعـــادته .

ألعلك تظـن أن هذا الشــــيء الذي أهتـــــــم به لا يســــــتحق هــذا الاهتمام ،
لا تطــــلب ما يخص الجسد و إرادته ، بل فكر في خلاص نفسي يا أخـــــــــــي
لأنه بعـــــد قليـــل من الزمـــــن ننتقــل مـــــــــن هـذا العـــــالم .

بكــــم مــــــــــن وجــــــــــــــوه ألتقي إذا ما أتيـــت إليـــــــك ،
و بكـم أنواع من الناس و مواضع أصادف حتى أرجع إلي مكاني ،
وكـــم من مســــببات للأفكــار تستقبل نفســـي بملاقـاتهم ،
         فتضطــــــــرب مــــــــن  الآلام     ( أي الحـــــــــروب )
 التي تنبههـا فيها هذه الأشـياء و التي استرحت منهـــا قليـلاً .

 لا يخفي عليك أن نظر العلمانيين فقط يؤذي المتوحـــــد
 و ليس النســــاء فقـــــط بل و الرجــــــــــال أيضـــــــــاً .

 انظـــــر كــــم من تعبــيرات تحــــدث في فكـــــــر
 الذي امتــد به زمان كثير مع نفسه ( أي متوحداً )
 إذا مــا صــادف هـــــــــــــؤلاء بغتــــــــــــــــــــة ،
و ينظر و يسمع شــــيئاً آخر خارجـاً عمــا اعتـاده ،

 لأنــه إن كـان ملاقــــــــــاة أهــــــل زيــــــــــه أعنـــــــي الرهبــــــــــان
        تـــــؤذي من هو قائم بعد في الجهاد و ما زال في حرب مع خصمه 
        إذا لـــم يكونـــوا موافقــين قصـــده و لا سـائرين في طريقــــــــــه .

إذاً : فبـــــأي حفـــــرة نســـــقط و كيف نخلص من شماتة الأعداء ؟
      و بالأكثر نحـــن الذين أخـــــذنا معرفـــة و خبــرة أشــياء كثيـــرة .

من أجل هذا : فإنه من غير ضرورة   تجلئنـــــــا لفعــــــــل ذلــــــــك،

 لا يجب أن يضل قلبنا بأقوال الذين يدعون أنهم :
 لا يتــــأذون بشـــيء مــــــن السـماع و النـظر
و أنهم على حالة و احدة سواء : في القفــــــر أو في العمران ،
                                           في القلايـــــة أو خارجهــــــا ، 
لا تتغــــير أفكارهــــــم ســــواء : في السجس أم في الهدوء ،
                                           ولا يحصل لهــم تغـــير رديء ،
 و عنــــد ملاقــــاة الوجــــــوه :
                                        لا يحسون بشيء من ضغــط الآلام ( أي الحروب )
 فالذين يقولون هذا فإنهم متى ضربوا و جرحـوا و لا يعرفـون .

   أما نحن فما وصلنا بعد لصحة النفس هـــذه
   و لنـــــا جراحـــــــــات صعبــــــــــــة منتنــة
وإذا تركت يوماً واحداً دون أربطة و مراهم أنتنت و نفثت دوداً .


رسالة
إلى أخ محب للسكوت

ــ كيف يحتال الشيطان بحجة محبة القريب لتعطيل الحريص عن مداومة السكوت .
ــ وأنه على المتوحد رفض كل الأشياء لأجل معرفة اللـــه
التي لا يمكن الحصول عليها إلا في السكون مثل الآباء القدماء.

من أجل أني أعرفك أيهـــا الأخ محبــاً للســكون و الشــيطان يعرقــلك بوسـائل كثـــــيرة
و يعرضها عليـــــك على أنهــــا عمـــــل خــــير ، لأنه يعـــرف قصـــــــد ضمـــــــــــــــيرك
و يريد أن يشتتك عن هذه الفضيلة (أي حياة السكون )التي تحوي كل خير وكثير الهبات

                   

فأنا إيها الأخ الفاضل مثل عضـو مـع صاحبه أبيِِّن لضميرك الحسن كلمة منفعة :
من أناس حكماء في هـــــــــذا التدبـــــــــــــير ؛
و من كتب الآباء و ما اكتسبته بالخبرة أقول لك :
إن لـــــــــــــــم يســـتهن الإنســـان بالكرامــــة و الهــــوان مــن أجـــل الســـــكون
و يصـــبر عـــلى التعـــيير و الهـــزء و الخســـــارة حتـــى الضــــــــرب و الســــخرية
و يظن بــــــــــه كل ناظريه أنه أحمق و تائه فإنه لا يقدر أن يقتني خيرات  الســكون .
                   لأنه إن فتــح بــــــاب قلايتــــه مــرة واحــدة لإنسان لسبب ما
فالشيطان لا يهدأ من أن يحضر إليه أناس بأسباب كثيرة مع لقاء دائم ليس له عدد .

فمن أجل هذا يا أخي: إن كنـــــت تحــــــب للغــــــاية تـــــــدبير الســـــــــكون
                              فهذا ليــس فيه سجس  و لا تنقـل و لا يتخــلله انقطـاع
                             ( أي مستمر) هــــذا الــــذي بـــــه غــــلب الأولــــــون .

و هكذا تستطيع أن تتمــم شــهوتك الممـــدوحة هــذه ، حتــى تتشـــــبه بآبـــــــائك
          لتكــــــن سيرتهم مرسومة في عقلك ، هؤلاء الذين أحبوا السكون بالتمــــام
          فلـــــــم يهتموا بمحبة القريب خشية من انحلال نفوسهم فلم يقابلوا الوجهـاء
          و مـــــن يظــن بهــم أنهــم أصحــاب كرامــة و هكــذا كانـــوا في ســــكوتهم
          و لـــــم يكونوا بهذا يهينون إخوتهم ، لذا لم يلومهم الحكماء و أصحاب المعرفة
          كانـــــوا يكرمون السكوت و الانفراد أفضل من لقاء الناس .

الإنسان الذي تعلم بالخبرة وذاق حلاوة سكون القلاية
            فليـس احتقــاراً لأخيـه أن يفـــر مـــن لقـائه
بل لأنه يود أن يقطف من ثمر السكون كل يوم . فلأي حال كان الآباء يفرون !!؟
القديس أرسانيوس ما كان يستريح بلقاء إنسـان و الأنبـا تاودروس الفرمي :
و إن كان يلاقي كان حاداً مثل السيف في لقــائه
 فلا يسلم على انسان اذا لقيه و هو خارج قلايته .

                              ما كــــان يســــلم عــلى الــذين يجيئــــون إليـــــــه
                              فواحــــد من الآبــاء ذهــب مــرة لــيرى أرســانيوس ،
                             و قد فتح له الشيخ بابه حيث انه كان يظن أنه تلميذه
                             و إذ أبصر أنه ليس هو طرح الشيخ نفسه على وجهه ،
 وأن هـــذا الآخــــــر طلب منه كثيراً أن يقوم ليسـلم عليــه عند الباب فقـط و يمضي ،
 فأجابه القديس و قال : " لن أقوم حتى تنصرف " و لم يقم إلا بعد أن مضي هذا الأخ ".
                                و لقد فعــل الطوباني هـــذا حتى لا يعتـــادوا المجــيء إليه .

 انظــــــــر قـوة الكلمة 
و لا تظـــن أن الشيخ أبى أن يفتـح له احتقـــــاراً ، فهو لـــم يكن يحقر واحداً و يكرم آخر ،
               بل كــــان كل الناس عنده سواء و ذلك من أجل كرامة الســكون و الصــمت.

ذهـب إليه مـرة و معـه و الي البلاد شوقـاً لنظره فلم يريحهم و لا بكلمـة صغـيرة اعتبـاراً                                                                  لمقامهم إذ كانا مشتاقين لسماع كلامه
و عندمـا طـلب منه رئيـس الأسـاقفة أن يحدثهما سـكت الشيخ قليلاً ثم أجابهما قائــلا ً:
" حيث يبلغكم أن ثم أرسانيوس فلا تتقدموا إليه " .

أرأيت كم يستحق هذا الشيخ الإعجاب ،
أرأيت زهده حتى في توقيره للناس هذا هو حقاً الذي يعرف كيف يقطف ثمرة السكون
فلـم يفكر القديس في أنه أمام رجل ذو شرف ورئيس الكنيسة كلها فهــو كان يفكــر :
 أني مت عن العالم تماماً فما منفعة الميت للأحياء .

 و لقد لامه على هذا ملامة ممتلئة حباً  الطوباوي مقاريوس  حيث قال له :
                                                    " لمــــاذا تفـــر منــا ؟
 " أجابه القديس إجابة ممــدوحة :
" الله يعلم  أني أحبكم و لكن لا أقدر أن أكون مع الله و مع الناس " .

 و مرة أخرى بعث إليه رئيس الأساقفة من أجل هذا
                 ( أي من أجل أن يســمح له بزيــــارته ) 
 فبعث إليه الشيخ قائلاً :
                               " إن أنـــت جئت فأنا أفتــــح لـــك 
                               و إن فتحـــــت لــك فسأفتح للكل
                               و إن أنا فتحت لكل النــــــــــاس
                                      فما أقـدر أن أجلـس ههنـا " .

 إن هذا الكلام الحكيم لم يتلقنه من آخر بل علمه إياه صوت الهي :
" أرساني فر من الناس و أنت تحيا " .

 و لا يتجاسر إنسان من المتكاسلين لحب التحدث مع الآخرين على ترديد هذا الكــــلام
                           معترضاً متحججاً منه تحايل إنساني هراباً إي تأييداً لحياة السكوت ،
                        
 بل أنه حقاً تعليم سمائي و قد قيل له أن يفــــر من النـــاس
                                    ليس فقط عن الخروج من العالم ،
 بل بعد تركه العالم و مجيئه إلي الدير صلي إلي الله قائـــــلاً :
" يـــــــارب كيف أستطيع أن أحيا و أعيش كما ينبغي دبرني أنت كيف أحيا و أخلص "

 و كان يظن أن يقال له شيء آخر غير الذي سبق أن سمعه وهو في العالم
                لكنه سمع أيضـــاً صـــوت الهـــي رد عليه قائلاً له هذه الكلمــة :
 " أرساني فر و اصمت و اسكن 
 و إن كان منظر الإخـــوة ( أي الرهبـــان ) و حديثهـــم نافعـاً جـداً
 فأنـــــت لا ينفعك أن تعمل معهم مثلما تنتفع من الانفراد عنهم " .


 و حـــيث أن الطوباني قد قبـــل الإعــلان الإلهـــي الــذي قــــال له
 أولاً        و هــو في العالم و أمره أن يفر و أنه بعد أن يقتني الحياة الفاضلة
             إلا بالفـــرار مـن العلمـــــانيين و مـن كل النـــاس على الســواء ،
   لأنه لا يمكن أن يبطل و يعـــارض كلام الله .

و الأنبا أنطونيوس قيل له بإعلان :
 " إن كنت تريد أن تكون في السكون فلا تذهب إلي طيبه إلي البرية الداخلية ".

فـإذا كان الله أمرنا هكذا أن نفر من الكل و هكذا نحب السكون ،و نحب كل من يثبت فيه.
فمن هو الذي يتحجج لكي  يلبث في المفاوضة ( أي الأحاديث ) و القرب من الناس ،
فـإن الاحتراس و الانفراد نافع لأنطونيوس و أرسانيوس فكم يكون أكثر نفعاً للضعفـــــاء 


 فــإن كان أولئك الذين يحتاج العالم كله إلي 
        صلواتهـم  و تعاليمهـم  و  كلامهــــــم  و ينتفع من مشاهدتهم ،
        قد كرم الله ثباتهم في السكون أفضل من منفعـة الناس كلهــم
فكــم بالأكـــثر جــــداً مــــن لا يقـــــــــــــــــدر أن يحفظ حتى نفسه !!

ينبغي على الإنســان أن لا يقبــــــــل أفكار التهاون
ويقول أن هــذا غير ممكــن و يبطــــل الســــــكون ،
فهــــا الطبيعة التي لا تغلب قد غلبها القديســــون .

نعرف واحــداً مــــن القديســــين مــــرض شقيقــــه
        أما هـو فكــان قــد حبـس نفســه في قلايتــه ، 
        و صـبر كل زمان مـرض أخيه و لم يخرج ليفتقده ،
و لما دنا موته بعث إليه قائلاً   :   
 تعالى الآن لأبصــرك قبــــل موتي و لو ليــلاً حتــى أســــلم عليــك و اتنيـــــح
 فلم يجبه حتى في هذه الساعة التي فيها تتحرك الرحمة و الشفقة الطبيعية
              و تغلـــــــــــب الإرادة ، و قال في نفسه :
إن خرجت لن يكون قلبي نقياً أمام الله لأني لم أفتقد بقية الإخوة الروحـــانيين
فهل ما للطبيعة أكثر كرامة مما للمسيح !؟ 
 و مات أخوه و لم يبصره .

و الشيخ أرسانيوس كان يستهين بنفسه
 لأنه كان يكرم السكوت حسب الوصية التي تقول :
" تحب الرب إلهك من كل قلبك و من كل نفسك " (مت 22 : 37 )

و أفضل من العالم و من الطبيعة و كل احتياجاتها ، و هذا يكون لك إذا دمت في السكون 
و الوصيـــــة التي تأمر بحب الأخ أي " تحب قريبك كنفسك "  (مت 22 : 39 )

   فانــــــك تتم هذه الوصية الإنجيلية داخل نفسك ( أي ليس بالتعامل الظاهري )
و ذلــــــك عندما تبتعد عنه فحينئذ تشتعل فيك حــرارة حبـــــه
و تشتاق إلي منظـــره كمثـــل محبــــة رؤيـــة مـــلاك النــــور .

أتريد أن يتعطش إليك أحباؤك 
فليكن نظرك إلي وجوههم  في أيام محدودة .
و بالحقيقة فان الخبرة تعلم كل شيء .
 كن معافى في الرب .
 آمين .


رسالة
إجابة على سؤال للأب سيماؤون


الســــــؤال :
 إن ســــيدنا شـــــبه الرحمــــــــــة ( أي رحمة القريب )
 بتلك الرحمة العظمى أي رحمة الأب الذي في السموات
  فلمــــاذا إختــار الرهبــــــان الســــكون و آثـــروه عنهـــا ؟

الجــــــواب :
حسناً هو قولك و سؤالك لي عمل ورد في الإنجيل ،
 هل يقـــــاس تدبــــير الســـكون بالرحمـــــــــــة ؟ 
                         نعمـاً تســــــأل عن مثـــل في الإنجيــل المقــدس
                         و أردت إيضاحاً عن السيرة العظمى سيرة السكون .


 إننا لسـنا ضــد هــذه الوصيــــة و لا نطـــلب إبطالهــــا كأمـــر زائـــد لا حاجــة لنـــا بـه ،
فالرب حدد أن الرحمة تشبه عمل الأب و يقرب متمميها إليه هذا أمر صحيح لاشك فيه 
و نحن الرهبـــان لا نلـــزم الســـكون لأننـــــا بـــلا رحمــــــة
بل نبتعد عن الاهتمـــام بالجســديات و التخبـط بقـدر قوتنــا ،
و نكون حريصين على ذلك ، ليس لأننا نقاوم الأمور الضرورية
لكننا نتوافـر على السـكون حتى نثبت مـلازمين لله تعالى .

و بهذا الســكون يمكنـــا أن نهـــدأ و نصفوا كثــيراً من المكــدرات ، و نقــترب مـــن الله ،
و لكن إذا ألجأتنا الضرورة في وقت ما لفترة من الزمان فما يليق بنا أن نتهاون بالمحبة
لأجل الســكون و لنغـــصب أنفســـنا دائمـــاً لنصـــير كامـــلين في كل وقت
في نطاق الرحمة لسائر الطبيعة الناطقة و ذلك لأن هذا بأمر و تعليم المسيح.

ومن قواعــــد ســـــكوننا وليـــــس الأمــــــر جزافــــــاً أو كيفمــــا اتفــــــــــق
فلا نحفظ فقط الرحمة في داخلنا بل متى دعت الحالة واضطررنا إلي العمل
بسبب حدوث أمر من الأمور الضرورية ، فما يليق بواحد منا أن يتهـــــاون في
 إظهـــــار محبتــــه بالفعل ظهورا واضحاً .

ســيما أولئك أصحــاب السـكوت الكلي 
الذين فرضــوا على أنفــسهم ألا يـلاقوا أحــداً إلا طبقا لقانون ( أي نظام ) الأســابيع ،
وأيضاً أولئك الذين فرضوا على أنفسهم سكوت لمده اسابيع محددة اى لفترات محددة .

فهؤلا لايمنعوا أنفسهم بسبب هذه القوانين( أي الأنظمة )  .
عــن إتمـــــــام تــــــلك الأشـــــــــياء ( أي عمل الرحمة )
 لأنه ربما يكون هناك إنسان قاسي بعيداً عن محبة البشر ويكون سكوته للرياء .

و إذا كنا قد عرفنا إنه بدون محبة القريب
لا يمكـــــن للعقــــل أن يســـتنير فــــي المحــــــــادثة و الحـــــــــب الإلهــــــــي
 فأي راهب إذا كان من الرهبان الحكماء عندما يرى أخوه أو قريبه جائعاً أو عرياناً
وكان لديه ملابس أو طعام و يحتمل أن يمسك هذه الأشياء عنه ؟!
أو من هو الذي يشاهد أخاه مريض الجسم وليس له من يفتقده
 ولميله إلي الســـكون ولكيــــلا يقطع نظام الانفــــراد والتوحــــد
يؤثر ذلك على نياح أخيه وقريبه ؟

أما إذا لم توجد مثل هذه الأمور ولا هي قريبة منا
فإننا نحفظ في عقلنا المحبة والرحمة نحو القريب ،ومتى كانت هذه الأمور قريبة منا
فلنكمل المحبة والرحمة للقريب عملياً أيضاً لأن الله يطالبنا أن نكملها ونتممها بالفعل.

أما إن كنا لا نمـلك شـيئاً من القنية ، فهو لم يأمـــرنا أن
نلقي نفوسنا في اهتمامات وتخبطات لأجل المساكين ،
لكن يطلب منا ما في مقدرتنا .

إن سيرتنا توجــب علينـــا الابتعــاد عن النـــاس
 وعن رؤيتهم ومن الاختلاط بهم والجلوس معهم
و لا يليق بنا قلالينــا ومكــان توحــــدنا وانفرادنـا
ونســلم أنفسنا لندور و نطــوف العالم و نتعهـــد المرضى
ونتشــــاغل بهــــذه الأعمـــــال لأنـــه مـــــن الظـــاهر
إن هذه الأمور هي انحطاط وانحدار من الأعلى إلي الدون .

أما إذا كان الراهب بالقرب من الكثيرين وسكنه بجوار الناس
وينال راحة من تعب آخرين معه في زمـان صحتــه ومرضـــه
 فيجب عليه هو أيضاً أن 
                              يعمل معهم كما صنعوا هم به فلا يطلب هو راحته من آخرين
                              وعندمـــا يـــرى ابن جنســـه وابن شـــكله وزيــه في ضيــــق
                              لا بل الأولى أن نقــــول أنه يبصـــر المسـيح طريحــاً متعبــــــاً
                              يفــر و يختفــي عنـه وينهـزم من تخيـله الكــاذب عن السكون
                              فكل من كان هكذا فهو غير رحيم .

وإن أتيت إلي بذكر يوحنا التيباسي و أرسانيوس و من يشبهما وتقول لي :
من هؤلاء سـلم نفســه إلي مثــل هذه الأشــياء
أو أهتم بأحد المرضي والمساكين وترك السكون ؟

 فأقول لك :
 لو كنت قد بعدت أنت عن كل راحة بشرية وزهدت في لقاء الناس مثل هؤلاء
لكان لك أن تطرح المرضى والمحتاجين ولا تتعاهدهم
أما إن كنت بعيــداً عن ذلك و عن طـــريق الكامــــلين
وتداوم على أتعاب الجسد ( أي مهتم بالأعمال الجسدية )
وتلازم الحديــث مع النـاس وقريب منهم في كل وقـــــت
فينبغي ألا تتهاون بالوصايا التي يقتضي حفظها لمن في منزلك
و لا تحتــــج  بسـيرة الآبـاء العظـماء  و القديســين الكامــــلين
 الذين أنت بعيــداً عن طرقهــم . وأنا أذكر هــذا الأب العظيــم ،
فمـــا كتـــب عنـــه يقطــع حجــج الــذين يتهــاونون بإخوتهــم
إنه مرة ذهب ليفتقد أخا مريضاً ولما ســأله عما يشتهيه قال :
اشتهي خبزاً طرياً
فمضى ذلك المستحق الطوبى من الإسقيط إلي الإسكندرية
وكان ابن سبعين سنة و استبدل خبزه اليابس بخبز طري وأحضره إلي الأخ .

و لقـــد فـعـــل أعظـــم مـــن هـــذا قــــديس آخـــر مــن الآبــاء و هــــو الأب أغــــــــاثو
 هذا الذي كان يلزم الصمــت والســكون والهــدوء طـول أيام حيــاته أكـثر من كل أحــد
أنه مضى مرة إلي الريف ليبيع شغل يديه فوجد في السوق إنساناً غريباً ملقى مريضاً
فاستأجر له بيتا وأقام معه يعمل بيديه وينفق عليه ويدفع إيجار البيت
وظل يخدمه ستة أشهر إلي أن عوفي وبرأ ،وكان هذا القديس يقول :
أني أشتهي أن أجد واحـداً مجزومـاً فأعطـيه جسـدي وآخذ جسـده .

هذه هي المحبــــة الكامــــلة محبــــة الخائفــين من الـــــرب .
لقد قال الرب إن الناموس والأنبيـاء متعــلق بهاتــين الوصيتـــين
وهمـــا محبــة الله تعالى ومحبــة القريــــب )مت 22 :   37ــ 40 ) 
وهذه ( أي محبة القريب ) عندما يكون بيدهم ( أي المتوحدين )
عملها وتكميلها فما كانوا يتركونها تفوتهم ولو كانت شاقة جــداً
أما الأولى أي محبة الله فهي بقصد وغرض اقتناء ثاؤريا أي الرؤيا الروحية
وهي بطبيعتها تخـــص الفكـــر فلا تحتــاج إلي العمــل الجسدي
 أو عمــــل مـــــادي لأن فعلهـــــــا بســــيط يكمـــل بالعقـــــــل
 وذلك حســــب بســـاطة المســــجود له الذي هو عـــلة الكـــل
 والذي يفوق إحساس الجسد واللحم .

أما الوصية الثانية التي هي :
محبــــة القـــريب فهـــي تقـــوم على العـلم و العمـل
بحسب الطبع الإنساني المزدوج ( أي الجسد والروح )
فهكـــذا يكـــون عملهـــا مزدوجــــاً بالتصـــور العقــلي ،
و هــذا الشــق غير منظور وتكمل أيضاً بالجسد ظاهرياً
 أي تعمل خفية في الذهن و بالعمل مع عمــل النيــة
و ذلك لأن الطبيعة البشرية مركبة من جزئين أي الجسد والنفس
و هكذا يكـــون تصـــرف الإنســان مزدوجــاً حسـب ازدواج خلقته
و لأن العمل يسبق العلم ( أي إدراك الروحيات ) في كل شــيء
و غير ممكــــن لأحــــد أن يرتفـــــــع إلي ما هــــــو أعلى
 قبل أن يكمل بالفعل المطـــلوب عمـــله بالجســــد أولاً ،
لذا لا يقدر أحد أن يقول أنه يكمل محبة القريب أو يقتنيها
إذا ما تـرك هـــذا الجـــــزء أي الــــذي يعمـــل بالجســـد
 حسب القدرة والإمكان ومناسبة الفرصـــة و ســـهولتها .

و ليس صحيحاً أن يكون قد اقتنى تلك المحبــة بالتصــور العقـــلي الصحيـــح ،
و هكذا تعرف وتكمل محبة القريب في المؤمن الحقيقي حسب الاستطاعة .
و عند ذلك تعطــى للنفـــس قــوة لتنطلق إلي ذلك الجــزء المرتفــع الجليل .
و التصـــــــور للإلهيـــــــــات بالخلجـــــــــــات البســـــــــــيطة لا تشــــــــبه .

و الإنسان الذي لا يكمل محبة القريب التي تتم بالجسم بأفعال منظورة بسبب توحده
يكفيه حينئذ أن يحفـــظ محبــة القــريب في فكــره مع محبـــة الله ،
إذا كـــان قــــد اقتنــــي الجـــزء العــــــالي ( أي ثــاؤريا الإلهيـــات )
لاكتفائه بالحبس الدائم ، أما إن كنا عاجزين عن إتمام عمل السكون
فينبغي أن نكمل الوصية الثانية أي محبة القريب بالعمل المحسوس
كمــا تدعــو الضــرورة ونتمـــم راحـــــة إخوتنـــا بتعــــب أجســــامنا
 و لا تكــــون حريتنــــــــا حســــب هــــــــوى الجســــد
 إذ يكون لنا فقط اسم التوحد كأننا نتفاوض مع الله دائماً
و نحن نهدس ( أي نفكر ) ونشقى باطلا ً.

لأنه معلوم لكل أحد أن من
أبتعد عن المحادثات والخلطة بالناس والقرب منهم كلياً
و صار ماًئتــــا عنهـــم لأجـــل مفاوضتــه مع الله وحـــده
 لا يطـــلب من مثــــــــل هــــــذا أن يخــــــدم الناس .

أما إن كان يتبع نظام سكون الأسابيع فيخرج و يختلط بالنــاس في نهــاية الأســبوع
ويتعزى بالمفاوضة معهم( ومع هذا ) يهمل الاعتناء بأخيه إذا نظره متضايقاً أو مريضاً
ظاناً أنه يحفظ قوانين ( أي نظام ) الأسابيع
 فهذا يكون بالحقيقــة قاسـياً و أمــره معــروف أنه بســبب عدم الرحمــة
وبسبب الأوهام الكاذبة لا يريد أن يدخل نفسه في شيء من هده الأمور .

 و من البين الواضح أنه لا يمتلك الرحمة .

و اعــلم أن المتهــــاون بالمــــريض لا يبصـــــر نــــــوراً ،
 و من يغص النظر عمن هو في ضيقة يظلم عليه النهار ،
 و المزدري بصوت المتعــب فانه في الظــلام يســـــلك .

لا نمتهن بجهلنــا الاســم العظيــم ، اســم الســــكون ،
لأن لكل ســـيرة وتدبـــــير وقـــت و زمــــان و إفــــــــراز
و بغير ذلك باطل هو عمـل السـاعين كل في منزلتـــــــه
لأن الله عـــارف الكــل و حســب القـــدرة يقبــل عمــله 
فالذي يرجو المساندة في وقت مرضه أو ضيقته و تجربته
لكي يصير عمله بفرح في وقت سكونه بعيداً عن الكبرياء والأوهام وضلالة الشياطين .

لأن العمل الملائكي أي عمل السكون هو أمر عظيم
متى امتزج به الإفراز الضروري لآجل حاجتنا للتواضع لئلا نسرق من حيث لا نعلم .

و لقد قال احد الآباء العارفين :
 إن شــــــيئاً ينجــــــى مــن شـــــــيطان العظمــــــــة
ويساعد على حفظ العفة في وقت اشتداد قتال الزني .
 مثل افتقــاد التعــابي من أمــراض وأســقام الجســـد .

يا أخوتي :
 أنا قلت هذا لا لكي نهمـــــل و نزدرى بعمل الســــكون ,
فنحن في كل موضع نتمســـك بقولنــا في هـــذا الصدد ,
و لم نحد هنـــا إلى الضـــد مقاومــين لمــــا قلنــــــــــاه ,
فلا يتحجج أحد المفسرين ولا يخرج معارضنا قولا (هكذا) ,
فأنا اذكــر أنى قلـــت في مواضـــع كثيـرة ـ داعياً وطالباً ـ
 إن عرض لإنسان أنة توقف تماماً (عن ممارسة النسك ) بسبب مرض اعتراه
 فـــلا يختـــار الخــــروج  (كأنــــه أفضـــل ) من توقفـــه هـذا ,
ولســـت أعـــنى بهـــذا أنه ما قــضت أن تخــرج من حبســنا
لكي نربح بذلك راحة وأخينا أو حياته فلا نحسب هذا البطالة .

فإن فكر الإنسـان إنه أعلى وأرفع من جميع الأمــور الحاضـرة ,
و ان ابتعـــاده عـــن كــــل عمــــــل ظـــــــاهر منظـــــــــــو ر,
و هو لآجل ثبات مداومته مع الله , 
فاختفائه عن هذه الأشــياء واجــــــب , ولمـــــــــاذا ؟ ,
 لأنه عظيم وهو عمل التمييز للقوم الذين يساعدهم الله ,
والذي بكثرة رحمته  يمنحنا إن نتمم القول الذي قاله :
" مهما شئتم إن يعمل الناس بكم فافعلوا أنتم بهم " )مت 7 :   12)

الذي يليق  له المجد والتسبيح إلى الأبد .
 أمين .
Share this article :

أرشيف المدونة الإلكترونية

 
designed by: isaac