الصفحات

الصفحات

في الفرق بين الميتة الصالحة و الميتة الشريرة ـ الفصل ( 13 ) من الكتاب الأول ـ خواطر فيلسوف القديس اوغسطينوس


الفصل الثالث عشر
في الفرق بين الميتة الصالحة و الميتة الشريرة

وأي فائدة لك من معرفة نوع الميتة التي بها تنتهي حيـــــاتك ؟
                     طالمـــــــا أنـــــــك لـــــــن تموت من جـديد ؟

  أن يأنــــــف الشعور الحسي الواهي مـن أمر ما ، شــــــــــيءُّ ؛
وأن يقتنع به ، جـــاداً ، منطـــق العقــــــل النـــيّر ، شــيءُّ أخر .

لا تعتــــبر ، شريرة ، الميتة التي تعقب حياة صالحة  ؛
               بل شـــر الميتة في مـــــــا يعقبهــــــــــا  ؛
وبالتالي فإن الــــذين خُتّـــم عليهـــــــم أن يمــوتوا ،
لا يحق لهم أن يهتموا كثيراً بنــــــــــوع المــــــوت الــــذي يقاسون ،
         بــل بالمكــــان الــذي اليــــــــــه يســـــاقون ساعة يموتــون .

تذكرّ مثل الغني والفقير في الإنجيل :
  كان غنى متشحاً بالأرجوان والبرفير يتنعــم كل يوم بما لديه من خــيرات ،
وكان فقير ملقي أمـــام باب الغنـــــي ، جائعاً ،
       يستعطي كسرات خبز تســـاقطت عـــــن مـــــــــــــــــائدة الغنـــــــــي ،
وكان جســــمه مغطــــــي بالقــــروح والكلاب تلحــــــــــــــــس جــــــراحه .

 مـــــــات الفقير المعدم فحملته الملائكــــة إلي حضن إبراهيم ومـــــات فدفن في الجحيم .
وبينمـــا هو يتعذب رفع عينية فرأي العازر في حضن إبراهيــــــــــــــــم فصـرخ قائــــلاً :
ارحمني يا أبت إبراهيــم وأرســـــل لعـــازر يبل طرف أصبعـــــــــــــــــه بالمــــــــــــــــاء
          ويرطـــــــــــــــب به لســــــــــاني لأني احترق في هـــــــــــــــذا اللهـــــــــــــــيب .

المتكبر ، في حيـــــــاته ، يستعطي في جحيمه :
          نال المســـكين كســــــــرة خبــــــــــــز .
          أما الغنــــــــي فلم يتمكن من الحصول
                            على نقطة ماء .

قل لي : أيُهما مات ميتة صـــــــــــــــــــــالحة ؟
       و أيُهما مات ميتة شــــــــــــــــــــريرة ؟
لا تســـــــــــــــــل عينيك بل قلبــــــــــــــــــك ،
لأنك إن ســـــألت عينيك كان جوابهُما خاطئاً .

 ما كان أكبر جمهور الباكين من الخدم والجواري !
وما كان اكبر جمهور زبانيتـــــــــــــــه وأصدقائه !
وما أفخـــــم جنازته !

إني أظن بأن :
العطـــــــور التـــــــــي رشت على جثمـــــــــانه ،
               قــــــــــــد سحقته سحقاً . ما رأيك ؟
هـــــــــــــل كانـــــــــت ميتته صالحة أم شريرة ؟
عينــــــــاك تقـــــولان : ميتــــــــة ممتــــــــازة .

وإن طلبت الجـــــواب من معلمـــــك أجـــــــاب :
يا لها من ميتة شريرة إن كانت هذه ميتة المتكبرين المتمسكين بأموالهم ،
                           الذيـــــــن يضنون بالقليـــــــل منها على الفقـــراء ،
فما تكــــــون ميتـــــة أولئـــــك المغتصبين لأموال النــــــــــــــــــــــــاس ؟
عش عيشة صالحــــة كيلا تمـــــــــــــــوت ميتــة شريرة نظير ذلك الغني ؛
                         إذ لا شيء يظهر شر الميتـة كالوقت الذي يعقبهـــــا .

وبالعكس ،
ضـــــعْ نصب عينيك ذلك البائس الملقي أرضاً المغطي بالقروح تلحســــها الكلاب ؛
إذ ذاك  ؛ أمـــــام ذاك المشـــــهد ، وبينمــــــــا تصاب بالقرف وتشيح بوجهك عنه ،
            وتسد أنفك بأصابعك أنظر إليه بعيَنْي قلبـــك .

لقـــــد مات لعازر فحملته الملائكة إلي حضن إبراهيم ،
      ومات الغني فبكتـــه عائلتـه ولم تفرح الملائكة .

ومــــــــــــاذا كــان جواب إبراهيــــم لــه ؟
( أذكر يا بني أنك نلت خيراتك في حياتك ،
                وحصرت همـــك كله فيها  )
أجـــل نلتها ؛
وها هي الأيام تمضي وتخـــــــــــسر معهـــــــــا كــــل شــــــــــــيء ،
                           وتبقي أنـــت في الجحيـــم قيـــد العـــــــــــذاب .

وتضطرب حين تري أناساً هانئـــــــــين يحيـــون فـــي الشـــــــــــــر ،
مغمورين بالخيرات، أصحاء ، مكرّمين ، آمنين فـــي ســـــــــكناهم  ،
                         ولهـــم بنون يخلفونهـــــــم فيها ؛
                         ولهـــم زبانية مخلصــــون ،
يخافـــون جانبهـم ويتممون رغباتهــــــــــــــــــــم فــلا يزعجهم شيء .

أما أنت فتضطرب وتقلــــق حين تري أخلاقاً عاث فيها الفســــاد شراً ،
                       تواكبها الـــــثروات فتحـــــــــــزن وتقــول :
لو كان الله يــــري مــا في الناس لما ترك هذا الأثيم في نعمـاه ،
                       وأبقاني أنـــــا البـــــــــــــــــــــار في بؤسي .

لكــــــل داء في النفــــــــــــــس دواءُّ من الكتـــــــب المقدســــة ،
              إن كنت مريضاً به فأصغ إلي الكتاب المقدس القائل :    
( لا تغـــــر مـــــــن الأشــــــــــــــرار
 و لا تحسد صــانعي الإثــــم  فإنهم
   مثـــــــل الحشيش سريعاً يقطعون
 و مثــــــل العشب الاخضر يذبلون )
                             " مز  1،2:37"
أن ما يبدو لك طويلاً
                  قصير هو في عيني الله .

أخضعْ له يبدو قصيراً
                         إنّ أعشــــــــــاب الحقــــل التـي تكسـو ســطح الأرض ،
                         واطئه وليســـت أصـــولها فــي التراب عميقــــــــــــــة ،
                        ولهذا تخضرّ وتيَبسُ صيفاً حين تغمرها حرارة الشمس .

فالوقت الآن وقت شتاء ومجـــدُك لم يظهر حتى الآن ،
ولكـــن إذا كانــــــــــت محبتـــــك عميقــــــــة الأصول
        كمــــــــــــــــــا هي الحال في أشــــجار كثــيرة
فسوف تتحمل الشـــتاء وينقضي الـــــــــــــــــــــــبرد
                            ويأتــــي الصيف ، يوم الدين ،
فييبس العشب الأخضر وينكشف مجد الأشـــــــجار .

الخـــاطئ يتقــدم ، إنمـــا فـي طريقــــــــــــــة .
أمـــــــــا أنـــــت فأعمــل فـي طـــــــــريق الله .
لـه  في الطــريق النمـو وفـي النهاية الشقاء .
ولك في الطريق الشقاء وفـي النهاية السعادة ؛
    لأن طــريق الكفـرة هلاك .
أمــــــــا أنـــــت فســــرْ عـــلى طريق الأبرار ،
أما أنت فســــرْ عـــــلى طريق الأبـــــــــــــرار ،
  وإن تعبــــت فـــــــلا تضل .

طريق الأثمة تـــــــولي ســــــــعادةً زائلـــــــــــــــــــــــــــــة ،
                حتــــــى إذا ما انتهت الطريق انقضت السعادة .

طـريق الأثمة رحبـــةُّ ونهايتها في أعماق الجحيم .
أما طريقــــك فضيقة وقليلــــــون يسيرون عليها ،
تأمّل بالغني الــــذي توصــــــــلك إليـــــــــــــــــه .

لــــــــو أن المسـيح وعــدك بســـعادة عالميــــــــة ،
ورأيـــــتَ الكــــافر سعيداً لكان لك أن تتذمر ضده .

ما هي السعادة التي وعدك بها ؟
إن لم يعــــــــــــــــــــــــدك بها بعـــــد القيامـة ، فهل وعــــدك بشـــــــــيء في هــــذه الحيـاة ؟
أيها الخادم والتلميذ أتحتقر ما أعطاك معلمك ؟  لقد أعطاك ذاته دون سواه ألم تسمعه يقــول :
   (  ليس عبد أفضل من ســيده
    ولا تلميــــــــــــذ من معلمه )                                           
                        " يوحنا10:8 ".
لقد احتمل من أجلك الآلام ، والجــلد ، والشــتم ،
                                  والصلب، والمــوت .
 وأي نوع منها كـــــــــــــان مفروضاً عليـــه ؟
أم أي نوع منها كلها لم يكن مفروضاً عليـــك ؟
آمنْ بمن قال :
                ( فإن الأشرار يستأصلون )
                                  " مز 9:36 "
آمن بــــــه لأنه يدرك أفضل منك وأنتظر قول الرب :
{أما الذين يرجــــــــون الــــرب فإنهم يرثون الأرض }
                                               " مزمور9:36 ".
تريَث قليلاً تنلْ للأبد ما تنتظره.