الصفحات

الصفحات

في الخوف ـ الفصل ( 2 ) من الكتاب الأول ـ خواطر فيلسوف القديس اوغسطينوس


الفصل الثاني
في الخـــــــــــــوف

الخـــوف نوعـــان :
                      خــــوف ســــافل و خـــوف نقي ،
                      أحدهما  يخــشى أن يفقـــد الـبر ،
                      و الأخر يخشـى العقـــــــــــــاب .
الخوف الســافل : هو خوفُ من يخشى الاحتراق مع الشيطان ،
و الخوفُ النقي :  هو خوف من يخشى عــــدم مرضـــــاة الله .


و أين العظمــــــــــة في أن يخشى الإنسان العقــاب ؟

تـــلك حــــــــــــــالُ العبد الخاطئ و اللص الشـرس .
لا عظـــــــــمة فــي أن يخـــشى الإنســان العقــاب ؟
إنمـــــا العظمــــــــةُ فــــــــي أن يحـــــبَّ الـــــــبر .
وكل من يحبّ البرّ لا يخـــــشى العقــــــــــــــــاب ،
                       بل يخــــشى فقــــــدان الــــبر .

اللصّ :
         يخشى العقاب إنما لا يخــــشى الإثـــــم :
إنـــــه لا يسرق حــــــــين لا يستطيع أن يسرق ، مع أنه سارق .

الذئب : يســـطو على حظيرة الخــراف  ، و يحاول أن يدخل ويقتـــــــــــل ويفـــــترس ؛
         وبمـــــــا أن الرعــاة يسهرون ، و الكـــــــــــــــلاب تنبــــــــــــح ،
         فلا يستطيع أن يخطف أو يقتل ، إنما يخــــرج ذئباً كما جاء ذئبـاً .
         الأنـــــــــــه لم يستطع أن يسرق نعجـــــــةً نقول : جـــــاء ذئبـــاً و عاد نعجة ؟
         لقد جــــــاء ذئباً محتدماً غضباً ، وعاد ذئبــــــاً ، مرتجفاً فزعــاً ،
        و مـــــع ذلك فهـــــو ذئـــــــب ،
                      غاضباً كان أم خائفاً لا خطف فريسة و لا تخلًّي عن خبثـــــــه .
                     إن كـــانت تــــــــلك هي حـــــــــــالك فإنك تفكر بألا يعذبك البر .

أنت و اللص .. الفرق بين خوفك و خوف اللص ،
هــــــو أن :
اللـــــــص يخشى قوانين البــــشر فيـسرقَ أملاً في أن يخدعهـــــا ؛
و أنـــــــت تخشى شرائع و عقاب  مـــــن لا يسـعك أن تخـــــدعه .

سؤال :
        هب إنك استطعت أن تَغُشَّ ، ألا تغــش ؟
        المحبــــة لا تنـــزع منـــــك الشــــهوة ؛
        إنمــــــــا الخــوف ، وحـده ، يكبتهــــا .
        إن مـــــن قيَّـــده الخــــوف  يظل ذئبــاً .

تحوًّلْ أنت إلي نعجة  ـ  ذاك ما صنعة الرب بــــــبر منه لا منك .
و طالما إن لك بــــرك ، فاخشَ العقــــاب و لا تحبّ الــــــــــــبر .

إني أطرح عليك سؤلاً : تفحَّـــــــــــــــــــــص سؤالي المدويّ ؛
                            و أجعل لك من نفسك سؤالاً صــــامتاً .
لك أقول :
إن لم يرَك الله حين تعمل ،  فهــل تعمـــــل إذاً لم يكــــن ، يومَ الديـن ،
مـــــــن يقنعــــــــــــــك بإنك عملت شراً ؟
تأمــــلَّ نفسك بنفســــك إذ لا يســــــــعك أن تجيب على كل ما أقـول .

تأملًّ نفسك ، أتفعل ؟
إن فعــــــــلتَ ، كــان ذلك خوفاً من العقاب و ليس حباً بالـــبر ،
و لم تكــــــن على شيء من المحبــــــــة لأنك تخـاف كعبــــــد :
               إنـــــــــــه الخـوف من الشر و ليس الحب للخــير .
وبرغم ذلك ؛ يجب عليك أن تخاف خوفاً يؤدي بك إلي المحبة .

إن خوفك هذا يجعـــــــــــلك تخـــاف من جهنـــــــــــم ويمنعـك عـن الخطيئة ،
ويغمـــــــرك من كل جانب ولا يدع فكرك الباطني الحر يريـــــــــــد الخطيئة .

و بالتالي ،
فالخوف هو كالحارس و المعـــلم في السنَّة ،
التي كان حرفها يهدده قبل أن تنجده النعمة .
فليحفظك هذا الخــــوف من الســــــــــــوء ؛
          و لتدخــــــــــل المحبــــة قلبـــــك ؛
           إذ بقــــــــــدر ما تكـون فيـــــــه ،
           بقــــدر ذلك يخرج منه الخـوف .

و طالمـــا إن الخــــــوف يحفظــــــــــــــــــــــــــك مــــن الســوء ،
                فالمحبـــة تستأصل ما فيك من رغبة فــــي الإثــــم ؛
و لـــــــــــو استطعت أن تعمــــــــــــــــــل دون أن يطول العقاب .

عانقْ المحبــــــــة وأدخل فيها ، اقبلهْا تفادياً للخطـأ ؛
كفَّ عن الخطيئة واقبل المحبة واحَي حياة صـــالحة .

و متى دخلـــــــــــــتَ في المحبـة بـــدأ الخـوف يخـرج ؛
و كلما ازدادت ولوجاً في المحبة ازداد الخوف تراجعاً .
و متى دخلــــت بكليتـــــــــــــــك تلاشـــــى الخـــوف :
( لأن كمال المحبة يطرد الخوف خارجاً ) " 1يو 18:4 ".

للمحبة خوف نقي خاص بها يثبت إلي جيــــل الأجيـــــال .
الرجـــل الصـــالح و لو اســــــتطاع أن يحفـــظ قـول الله ،
                      لما أحزن عيني أبيه القــــــــــــائل له :
( أراك حين تخطأ فــــــــــلن أعـــــــــــاقبك
                     إنما لست أرضي بـــــــك ) .

و الرجل الصالح يخشى أن :
يغيظ محبوبه بمعــــــــزل عن صــرامة القاضي ،
لأنه لـــــــــو أحب الآب حقــاً كمـــا يحبــه الآب ،
لاعــترف به ربـــــــــــــــــاً و لما عصــا له أمراً .

هناك أناس :
يخشون أن يعلموا شراً ، عن ضعف جسدي ، أو نفـــــــــــسي ،
و ليـس حبــاً بالخـــــير ، بل خــوفاً مـــــــن أن يدينهم النـاس ؛
فيكفون عن شر الأعمال دون عاطل الأفكار .

إذا فكــــرت بأمثالهــــــــا ، و إن لــم تأت شراً ضد احد ،
تسيء كثيراً إلي نفســـك ، و بإثمـــك هذا تهـــلك نفسك .

أنــــــــــــت لا تـؤذي النـــــــاس لأنــك جبـــــــــــــــان ؛
لكــــــــن الله الذي يري خطيئتك يعاقبك على أفكـــارك .

إن مــــــــــن لا يستطيع اللحمْ إن يحجب عنه إرادتنا ، يري ما تريد ؛
و بالتــــــالي إذا كـان قلبـــــك لا يخشـــى ســـــــوى  العقـــــــــاب ،
ثـــــــــــــــم سنحت لك الفرصة لارتكاب الخطيئــــة فلا تصـــــــير إذ ذاك خــــــــــاطئـاً ،
بـــــــــــــــل يماط اللثام عمَّا فيـــــك من خطــــــــــأ لتـــــدرك أن ما خفي منك موجود ؛
و لا لتعرف أنّ ما هــــــــو طبيـــــعي قد انكشــــف .

الإرادة الأثيمة :
الإرادة الأثيمة تحيا في العمــل الـــــذي لا يرجى عليـــه عقــاب ؛
أما حين تتأكد بأن العقاب ملازم للخطأ فهي تحيى في الخفــــاء ،
و تود لــــــــو يســـــــــــمح لهــــــــــا بأن تعمل على هواهـــــا .

و تكتئب لأنها لا تتسامح مع نفســها بمـــــا يحـرمه الله ،
و هـــــــــــي لا تتمتــــــع روحيــــــاً بمــــا له مــن خـــير ؛
بــــــــــــــــل تخشـى جسـدياً الشـــر الـــذي يهددهـا بــه .

و إن كنت :
تخشى الله بسبب ما ينتظرك من عقاب ،
فلســـــت تحـــب من تخشــــاه هكـــذا .

و عبثـــاً تـــــــــدَّعي التغـلب على الخطيئة ،
إن كنت تكف عنهــا خوفاً من العقـــــــاب ؛
إن خفـــــت من جهنم :
فلست تكـــره الخطيئة بـــــــل الاحـتراق في جهنم ،
أما إن كرهت الخطيئة كرهـت معهـــــــا جهنـــــم .

أحبّ الله الصالح و اخش عدله :
إن أحـــــببت خفت من أن تغيظ المحب و المحبوب .
و أين تجــــد خـــوفاً نقيـــــــــاً يفـــــوق ما فيــــك ،
يا مـــــــــــن لا تفكـــــــــــــــــر بأمــور الدنيـــــا ،
بـــــــــــــــل بما هو للــــــــرب و بما يرضيـــــه ؟؟

إن لم يكن فيــك حــبّ فاحــذر الهــــــــلاك ؛
أما إن كنــــــت تحب فاخشَ أن تغيظ بحبك .
بالمحبة لا بالخـــوف تصير ابنــاً لا عبـــداً .

إن ثابرت على عمل الخير خوفـــاً من الهــــــــلاك ،
فلست من أبنـــــــاء الله . حتى ما تخشى العقاب ؟
الخـــــوف عبد ؛ و المحبة حرة طليقة ،
و الخوف هـــــو عبــــــــد للمحبـــــة .

لا تدع الشيطان : يسيطر على قلبــــــــك ، برغم أن الخوف سبّاق في الدخـول إليـــه .
ليحفتـــــــــــــظ بمركز للمحبـــــــــــــــــة ، ســــــــــــيدته ، التي ســـــــــــوف تدخـل ،  

أعمـــــــــــــــــــــــــــــــل خوفـاً من العقاب ،
أن تعسَّر عليك أن تعمل ، حبــــاً بالـــــــبر ، لأن السيدة سوف تــــــــــــــأتي
                                                                 و سوف ينسحب العبد :
لأن المحبــة الكـــــاملة تطــــرد الخـــوف .