الصفحات

الصفحات

في عبودية الخاطئ ـ الفصل ( 4 ) من الكتاب الثالث ـ خواطر فيلسوف القديس اوغسطينوس


الفصل الرابع
في عبودية الخاطئ
كل إنسان :
يهوديــاً كــــان  أم   يونانيـــاً ،   غنيــــــــــــــــاً   أم   فقـــــيراً ،
نبيـــــــــــــــلاً   أو  حقـــــيراً ،    ملكــــــــــــــــاً   أم  مستعطياً ،
أجل كل إنسان يعمل الخطيئـة ،    يكـــــــــــــون عبداً  للخطيئة .


ليتَ الإنســــان عبد للإنســـان من دون الخطيئة !

أني أسأل الله ، لــــي ولـــــك ، قدرة للتحدث عن
تلك العبودية التي يجب علينا أن نهـــرب منهـــا .
أصغ إلــــي النبي القـــــــائل :
( ويل للذين يجرّون الإثــــــم بحبـــــــال البــــاطل .
              والخطيئـــــــــــة بمثل أمراس العجلة )
                                              " أشعياء18:5 ".

العجلة هي الخطيئة ، ويجرّ الإثم بمثــــل أقراس العجــلة ،
أولئــــــك الـــــــذين  يزيـــــــدون خطايا عــلى خطــــــايا ،
فيعملـــون خطيئـــة  ثم يقترفون أخري تخلّصاً من الأولي .

وكما أنه يلزم لمن يصنع حبلاً أن يجمع خيوطه خيطاً خيطاً ويشــــــــــــدها شـــداً قويـــــــــاً ،
هكــــــذا هو الحال في الخطايا التي تتجمــــــــع وترتبــــط الواحدة بالأخرى لتؤلف حبلاً طويلاً .

وما الغاية من هذا الحبل ،
إن لم يكن لربـــــــــــــط رجــــــلي الخاطئ ويديـــــه
                              وزجّه في الظلمة الخارجية ؟

إنـــك لتذكر ما جاء عن أحد الخطاة في الإنجيل : ( متى13:22 )
لو لم يعدهّ هو لنفســـــه لما كـــــان له هذا الحبل لتقييد يديه ورجليه .

ولقد قيل في مكان آخر
( المنافق آثامه تأخذه وبحبائل خطيئته ينشبُ )
                                            " أمثال 22:5 " .

لا تثقْ بغبطة تجنيهــا من خطيئـــة ،   لأن  آلامها تفـــوق أفراحهــا بمقـدار .
أنـــك تصبو إلي الســـــــــــــــــعادة ، بيـــــد أنك مشدود إلي حديد غــــريب ،
                                             بـــإرادة لك مـــــــن حـــــــــــــــــــــديد .

ويمسك العدو بإرادتك  ،
جـــاعلاً منهــــــــــــا  قيـــــــــداً يضغـــــــط به عليـك :
لأن الشـــــــــــــــهوة انبثقت عن إرادتــــك الفاســـدة ،
وعن الانقياد للشهوة : تنشأ العادة التي إذ لم تقاومها صارت فيــــــــــك ضــــــــــرورة .            
وعلى هذا النحو فإن : القيـد الذي شبكت حلقــــــــاته ينطبق فيأسرك في عبودية قاسية .

ويا له من استعباد مُـــذلّ استعباد الخطيئـــة !           
إن معظــــــم الناس الذين يتألمــــــــــون مــن استبداد أسياد ظـــــــــالمين ،
يتمنّـــــــــــــــــــون لــــــو يباعون من آخرين ليغّيروا على الأقل مواليهم .
وماذا يســــــتطيع أن يعمل عبد الخطيئــــــة ؟
وبمن يســــــتجير؟ وممّن يبــــــــــــــــــاع  ؟

وأخيراً نري العبد الرقّ ،
وقـــد ملَّ مطالب سيده ، يأبق تخلصاً منه ،
ولكــن إلي أين يهــرب عبد الخطيئــــــة ؟
أنــــيّ هــــرب جــــــــرَّ وراءه خطيئتــــــه .
لا    يســـــــــــــــتطيع الضـــمير الشـــرير أن يهرب من ذاته ،
فما مــــــــن مكـــــــان الا و يصل اليــــه ؛
أو   بالاحـــــــــــــــرى لا يســـــــــتطيع أن ينفصـــل عن ذاته ،
لأن الإثـــــــــــــــــــم الــــذي اقـــــــــترفه باطـــــــــــــــــــني ؛
لقـــد صنــــــع الإثــــم ســـــــــــــعياً وراء لـــــــــــذة جســـدية ،
فـــإذا بما قــــد كــــان ســـــــــــبباً لغبطته يبتعـــــــــد عنــــــه ،
ويبقي الجريح وحيداً . يا لشـــــــــــــــــــرّ العبوديــــــــــــــة !!

لقد خطئ طمعاً بإشــباع شهوة جسدية ،
فــــــــإذا باللذة تنقضي وتبقي الخطيئة :
           اللذة تنقضي والأسر يبـــــقي .
فـيــــــــا للعبوديــــــــة الأثيمـــــــــــــة !

يروقك طريق الخطاة  :
                         لأنـه رحب والسائرون عليه كثيرون :
                         أنت تدرك عرضه ولا تري نهايتــــه .
                         في آخــرة هــــــــــــوة عميقــــــــــة ،
                        وقعـــــــرها ســـــــحيق جـــــــــــــداً ،
                        والمغتبطون في الســـــــير عليــــــه ،
                        ينتهــــــون إلي الهــــــــــــــــــــــوة .

وطالمــــــــــــــــــا إنك عاجز عن رؤية نهاية الطريق بعينك ،
                                    فثـــــــــق بمــــــــــــــن يراهــا .

أليس من وأجبك أن تثـــــــــــــق بالـــــــــربّ إلهـــــــــك القـــــــــــــــــــــــــائل :
( واســـــع الباب ورحب الطريق الذي يؤدي إلي الهلاك والداخلون فيه كثيرون )
                                                                                             " متى13:7 " .

سيقضي الربّ على هذا الطريق ،
                طريق الخـــــطاة إفــــــــزع إلي المسـيح ،  
وأطــــــــــلب عـــــــــــون الله الذي حررك من الخطيئة ،
وأطـــــــــلب أن تبــــــــــــــاع فيشـــتريك بدمـــــــــــــه .

فإنه هكذا قال الرب :
( مجاناً بعتُمْ وبغير فضة تُفْدَوْنَ )

يقول الرب  :
هذا الكلام لأنـــــــه هــــــــــــــو عينـــــــــــة دفع الثمـن .