الصفحات

الصفحات

في أن حزننا لموت النفس يجب أن يفوق حزننا لموت الجسد ـ الفصل ( 5 ) من الكتاب الثالث ـ خواطر فيلسوف القديس اوغسطينوس


الفصل الخامس
في أن حزننا لموت النفس
يجب أن يفوق حزننا لموت الجسد
كمـــا يموت الجسد عندما تفارقه النفـس ،
كذلك تموت النفس عندما تنفصل عن الله .


بيـــــد أنَّ مـــــــوت الجســـــــــــد محتـــــــــــــــــوم ،
        و  مـــــــوت النفـــــــــــس اختيـــــــــــــاري .
عندما   تنفصل النفس عن الجسم ، يمــــــــــــــوت :
         كأن قُبَيْـــــــل المــــــــوت جميـــــــــــــــــلاً ،
         فأصبـــح بعــــــــــــــــــده قبيحـــــــــــــــــاً ،
وتبقي الأعضـــــــــــــــــــــــــــاء كالعينين والأذنين ،
بمثابة نوافـــــــــــــــذ لبيـــــــــت هجـــره ســــكانه .

ومن يبكــــي عــــــــــــلى الميـــــــــــــــــــت ،
كمن يصرخ بــــــــــــدون جـــــــــــــــــــدوى ،
عــــــــــــلى نوافذ مسكن ليس فيه من يسمع .

شعور الباكي يعــبرّ عــن أمــور كثــيرة :
كم يـــحُصي من حسنات ويعدّد من مآثر .
وما أشــــــد حـــــــــــزنه متكلمـــــــــــاً  ،
كأن الناس يفهمـــــــون ما يقـــــــــــول مع أنـــــــــــه يتكـلم إلي غائب !
أنــــــــــــه يســــتعرض عــــــــــــاداته ومظاهر عطفه عليـــــه فيقـول :
( أنـــــــت أعطيتني كذا ووهبتـــــــــــني كـــذا وكــــذا وغمرتني بمحبتك ) .

لو أنك فكرت  : وأدركــــــت فسبرت غور حزنك الجنوني  ،     
لـــــــرأيت أن  : من أحبَّــــك قـــد ابتعـــــــــد عنــــــــك ؛ وعبثـــــاً تقـــرع بــاب بيت لــن تجـده فيــه .                 
الجســـــــــــد  : يحيـــــــــــا والإنسـان يــــأثم ويخـون ، ويــأبى أن يؤمن ويتصــلَّب في تقويم أخلاقـة ،
وبـــــــــــرغم : أنــــــــــــه حـــــــــــــيّ بالجســـــــــد ، فالنفـــــس التي تحـــــــــيي الجســـد ميتـــــة .
النفـــــــــــــــــس كنز ثمين ، أنها لتحيي الجســــــــد ، وإن ميتــة ،
والنفـــــــــــــــس خليقــــة ، ســـــامية ، جــــــــديرة ، وإن ميتـــة ، بـــــــــــــــــــأن تحـــي الجســـــد .

هل تبكي ميتاً ؟
               من الأفضل أن تبكي الخاطئ والكافر والأثيم لأنه مكتـــــوب ،
( النــــــــوح على الميت سبعة أيام والنوح على الأحمـق جميع أيام حياته )
                                                                     " بن سيراخ13:22 " .

وهل فيك رحمة مسيحية وتبكي جســداً فارقته النفــس ،
                              ولا تبكي نفساً فارقهــــــا الله ؟
ولمَ تخشي موت الجسد ،
ولا تخشى موت النفس ؟

تســــــــــــهر لكــــــــــــــي تبعـــد موت الجسد ، مع أنه آت حتماً .
وكذلك فأنت تتعذب :
تعمل جهدك كيلا تمـــــــوت يا من حتم عليــه أن يمـــــــــــوت .
ولا تســعي للكفر بالخطيئة يا من يجب عليه أن يحيا إلي الأبد .

ومع أنك تعمـــل كيــــــــــــــــلا تموت ، فعمــــلك باطل ،
لأنـــــك تعمـــلَ لكـــــي تؤخر الموت ، لا لكي تتحاشاه .

أما إذا سعيت جهدك كيــــــلا تخطـــــــأ ،
فــــــلا عذاب لــــــك بل حياة إلي الأبـد .

أضـــــرم فيــــــــــــك نار الحمـــــــــاس ،
ثـــــــــــم أضرمهـــــا في  نفـــــــــــسي ،
لنحـــــــب تـــــــــــلك الحيــــاة إلي الأبد ،
كما يحب الناس هذه الحيـــاة الفانيــــة .

وبالنتيجة ، عليك أن تخشي موت النفس ،
وايــــــاك أن تخـــــــــــشى موت الجسد ،
لأنــــــــــك :
           إن   خشـــــــــــــيت مـــوت النفــس ،
                 حييــــــــــــــــت فـــــي اللـــــــه ،
          وإن احتقـــــــــــــرت جسدك بحــــــقّ ،
                 اســـــــــــتعدته  فـــــي النهـــاية ،
            لا    للعذاب الأبدي ، نظــير الأشرار ،
           بل    للحياة الأبدية ، نظــير الأبـــرار .

استحق القديسون ،
مـــــــن الله ، المجــــــد ، إكليـــلاً ،
وخلّفــوا لنا اســـــــمهم ممجـــــداً ،
بعــــــــد أن خافــــــــوا من ذلك المــــــــــوت ،
وأحبــــــــوا هذه الحياة منتظـــرين تحقيــــــق مواعيـــد الله ،
محتقـــــرين إلي جانب ملاذّ الدنيا مضطهديهم وتهــديداتهم .