الصفحات

الصفحات

في جهاد المسيحي ـ الفصل ( 7 ) من الكتاب الرابع ـ خواطر فيلسوف القديس اوغسطينوس


الفصل السابع
في جهاد المسيحي

في كل تجربة من هــــــذه الحيـــــــاة حبـــان يتعاركان : حب العالم وحب الله .
فالحـــــــــــب الذي يتغلب على الآخر يجذب إليه المحب كما يجذب حمــــــــلاً .


جاء المسيح
لكي يحول الحب ويجعل ممن تعــــلّق بالأرض ،
            إنساناً مولــــــــــعاً بالحيـاة السماوية .

يطــــلب منـــــك ، فــــــــــــــــــــي حياتك هـذه ،
أن تجــــاهد ضد الجسد والشيطان والعــــــــالم .
ولكن ثق بـــــأن من جـــــرك إلي هذه المعركة ،
                   لا ينظر إليــــــك ، متفــــــرجاً ؛
بل يساعدك ، ولا يدعك تعتمــــد على قــــــواك .

جاهـــــــــد لأنه وعد المجاهدين ، دون ســــــــــــــواهم ، بإكليل النصـــــــــــر .
غالبــــــــاً ما تــــــــــــــــــــري في الكتاب المقــدس أن الإكليل هو للظافرين ،
كمــــــــــا جــــاء واضحـــــــاً في قول بولس الرسول :
( لقــــــد أتممــت ســــــــــعي وحفظــــــــت إيمــــاني
           ولــــم يبـــــــــقَ لـي ســـــوي إكليل الـــــبر ) .

أعترف بخصمـــك حـــــــــــتى،  تكافــــأ متى انتصرت عــليه .
شهوتك الجسدية خصــــــم لك . إنها تجــربك وتجرّك وراءها ،
وتغريــــــــــــك فتحبـــــــــــل وتلـــد الإثــــم
حـــــــــــــــــتى إذا أكتمل الإثم أنجب الموت .

جاهــــــــــــــد ضد شهوتك : لقـــــــــــــــد محــــا العمــــاد المقــــــدس خطــــــــــاياك ؛
لكن عليــــك أيهـــــــــــــــا المولود ثانيةً بالعماد أن تجاهد ضد الشهوة التي تبقي فيك .

فيك الحرب فلا تخـــــــــــــــف من العــــــدو الخـــــــــارجي .
أنتصـــــر على ذاتـــــــــــــــــــــك  ينهـــزم أمامك العـــــالم .
وما يعمل بك المجرب من الخارج ســـــــــــــــواء أكـــــــان
                                        شيطاناً أم خادماً للشيطان ؟

أنت لا تشعر غالباً بعدوك إنما تشعر بشــــــهوتك ؛
ولا تــــــري الشــــــيطان بــل تري ما يشّدك إليه .

جاهـــــــــد ،
جاهـــــــــد لأن الذي ولدك ثانية هو القاضي ،
              ومــــن أعدَّ المعركة يعدّ الإكليل .

إذا رفضت الحرب وعشت في سلام حقيقي ودائم شيء ،
وإذا حـــــــــاربت وأنهزمــــــــــــــــــــــــــــــــت شيء
وإن استســـلمت بلا حـــــــــــــــــــــــــــــــــــرب شيء آخر .

إذا لم تحــــــارب لأنك لا تكره الشر جرفــــــــــــــــــــــك الشر بخبثـــــــه .
أمــــــــــــــــــــــا إذا باشرت الجهاد واعتمدت على قواك تكبرت فتحطمت : وحاربت فانهزمت .

أنــــــــــــــــك تحارب وتنتصـــــر ؛
ومتى رأيـــت في أعضائك شريعة تضاد شريعة ضمــــيرك
فلا تعتمـــــــد على قـــــــــــــــــواك بل قل مع الرســـــول     
( ما أشقاني ، من يخلّصــــــــــــني من جسد الموت هذا ؟
                 نعمــــــــــــــــــة الله بربنا يسوع المسيح  ) "روميه23:7 " .

توكَّل على من أمرك بالجهاد في ســـبيل النصــــــر .
            ستنتصــــــــــــــر إذا عضدك من أمـرك .
           الشــــــهوة شيء والعمل بها شيء أخر .

اللاشهوة مـــــيزة خاصـــة بمـــــن أوتي الكمــال :
          أما الإمتنــاع عن دغـــدغة الشــــهوات ،
فشأن من يحـــــــــــارب ويجـــــاهد ويتــــــــألم .
ولـــــم تقنط من النصـــر متى احتدمت المعركـة ؟

أنا عالم بأنك تهوي التنزه عن كل ميل عاطل ومحرم .
                         وأي قديــــــــــــس لم يطلب ذلك ؟
بيــد أنه لا يتحقـــــق .
ومهما عاش الإنسان على هـــــذه الأرض فحلمه هذا لا يتحــــــقق .
   ((  الجسد يشتهي ما هو مناف للروح ؛
     والروح يشتهي ما هو مناف للجسد ؛ لئلا تعمل بعض ما تريد )) " غلا 17:5 ".

سر بالروح ، وطالما أنك لا تستطع أن تقضي على شهوة الجــــسد ،
                                               فامتنع أقله عن إشــــباعها .

في الواقع ، أنك تقــول أنك راغب في القضاء عليها مهمــــا كلّف الأمـــــر .
ولكـــــــن ، طالما أنك تجد فيك وفي أعضائك شريعة تضاد شريعة ضميرك ،
                            فلا تعمـــــــل على إشـــــــباع رغبــــــاتك اللحميــة .

ماذا تريـــــــــد أن تعمل بها ؟ ان تلاشيها ؟
ألا تســـــــــمح لك بــــــــأن تعمل ما تريد ؟
فلا تسمح لها أنت بــــــــأن تعمل ما تريد ؟
فلا تسمح لها أنت بــــــــأن تعمل ما تريد .
وماذا تـــريد ؟ أن لا تكون ؟ ها هي باقية .

إن كان الجسد يشـــــتهي ما هـــــــو مناف للـــــروح ،
فعلي الـــروح أن يشتهي ما هـــــــو مناف للجســـــد .
وإن رفضــت الانصياع إليــــــــــــك انصياعـــــــاً تاماً ،
فلا تستسلم أنـــــت إليهـــــــــــــــا .
لتكــــــــــن المعركة متساوية بينكما لكي يتقرر النصر .

ألا تشعر بهذا النزاع ؟
أو ليست فيـــــــــــك شهوة جســــــــــــــدية تضاد سنة الروح  ؟
إن لم يكن فيـــــــــك شيء يضاد الآخـــــــر فأحذر من أن يكون أحدهما سيداً على الآخر :
إن لم يكن روحـــــك على خلاف مع جسدك في شــــــــــــهوته ،
فخف من أن يكـــــون هذا الســـــــــــــــــلام سلاماً زائفــــــــــاً يمنــــــــــــع الحـــــــرب .

وما معني رجائك بالحــــــرب ولمَّــــــــــا تباشر المعركة ؟
أمّــــا إذا فرحت في سنَّة الله ، بحســــب الإنسان الباطني ،
ثم رأيت في أعضــــــــــــائك سنّة أخري تضـــاد روحــك ،
وفرحت بها قيدتــــــــــــــــك وصرت .... أسيراً بالجســد .
              قـــــــــــــــــاوم ولا تستسلم  تنتصــــــــــــر .

ومع أنه من الأفضل للإنسان ألا يكون له عدو من أن يكون له واحد ،  وينتـصر عليــــــــــــه ،
                                  وألا يكون له شـــــــــــــــــــــــــــــــهوات ويضطــر إلي مقاومتها ،
                                  فطالمــــــــــا أنهـــــا موجــــودة عليــــك ألا تســير في ركــــــابها .

   إن أبت أن تسير ورائك فــلا تسر أنت ورائها ،
وإن أردت أن تسير وراءك بطــــلت أن تكـــــون ؛
           ولن تجدد حربها ضـــــــد روحــــــــك .

إن ثــــــــــارت ثر ؛ وإن حـــاربت حارب ؛
وإن هاجمت هاجم ؛ ثم ضع نصب عينيــك شيئاً واحـــــــــــداً ،
وهـــــــــــــــو أن لا تدعها تخرج مـــن المعركة ظـــــــــافرة .
جاهد باســـتمرار ؛ قد تخف شيئاً فشيئاً ولكنها لن تضمحــــل .