الصفحات

الصفحات

مرتا و مريم الفصل ( 6 ) من الكتاب الرابع ـ خواطر فيلسوف القديس اوغسطينوس


الفصل السادس
مرتـــــــا و مريـــــــم

أنت تعلم بأن الربّ يسوع المسيح قد حلّ ضيفاً عنـــد امرأة تقية تدعي مرتا ؛  
وإذ كانت منهمكة ومهتمة بالخدمة جلســــــت أختها أمام الربّ تسمع كلامه :
الواحدة تشتغل والأخرى تتأمل ؛
تــــــلك تعطي وهــــــذه تأخـذ .


مـــــــــع ذلك ، فأن مرتــــــا التي كانت تتعب في شـــــــــغلها ،
نــــادت الرب وشكت إليـــــه إعراض أختها عن مســاعدتها  ؛
فأجاب الربّ مرتا عن مريم ،
وإذ ســــــئل أن يفصل بينهما جعـــــل نفسه محامياً عن مريـــــم قائلاً :
( مرتا مرتا إنك مهتمـــــــة بأمـــــور كثــيرة والمطلوب واحــد ؛
إن مريــــم اختــــــــــــــارت النصيب الأفضل الذي لن ينزع منها  )
                                                         " لوقا43:10-41 ".

سمعت الشكوى وعرفت حكــــم القاضي :
حكــــم صــدر لمصلحــة المدعي عليها .

كانت مريم تصغي إلـــــــــــي عذوبة كلام الرب ،
    و مرتا مهتمـة بتدبــــــير القــــــــوت للربّ :
كانت مريم تتــوق إلـــــي أن تتغــــــذي  بالربّ ،
    و مرتا تعـــــــــــــــــــد وليمـــــــــة  للربّ ،
           الذي أبهـج مريم بوليمتـــــــــــــــــه .

أتظـــــن أن مريم التي كانت تصــغي إلي كـــــلام الرب وتتذوّق عذوبته منــه ،
بقلب مدرك كانـــت تخـــاف مـــــــن أن يقول لها الرب قــومي ساعدي أختك ؟

أسَـــــــــرتَهْا عذوبتـــــــــه الرائعــــــــــــــــة ،
التي كانــــت حتماً في فكره وليس في معدته .
إنها معذورة ولهــــذا جلســــــــت مطمئنــــة .

وكيف ذلك ؟  فَكّــــرْ ، تأمّـــــــلْ ، تعَّمـــــــقْ ،
              ما استطعت لتجد لك غـــــــــذاء .

أنتبـــــه وأصـــغ :
قال الرب لمرتا : أنــــــت مهتمة بأمــــور كثـــــــــــــــــــــــيرة ،
                     والمطــــــــلوب واحــــد ؛
                       لقد اختــــارت مريــــم حظـــــــاً أفضـــــــــل ؛
أنت لم تختــــــاري ما هو عاطل إنما هي أخــــذت الأفضـــــــــل ؛
أنت مهتمــــــــــة بأمور كثــيرة أمّــا هي فلا تهتم ألاّ بأمر واحد .

ما شجب الـــــرب العمل  ،
ولكنــــه ميَّز بين الأدوار .

إن خدمة المساكين عمل صالح ،
وبخاصـــــــــــــــة ما كان واجباً نحو قديسي الله ،
                      بواســـــــــطة التضحية الدينة .

فالله يحثك عليها ويثبتك فيها بكلمة منه حيث يقول :
    لا تتهـــــاون في استقبال المساكين والغـــرباء .

تـــــــــــــــــــلك أعمـــــــــــــــــال صـــــــــــــالحة ،
وأفضل منهـــا هو العمل الـــــذي اختـارته مــريم ،
لأن الأولى منهـــــــــــا ناتجــــــة عـــــن ضرورة ،
أمّا التأمل فله عذوبته النابعة من صميم المحبــة .

كثرة الأعمال زائلة  
أمّـــــا محبــــــة الوحدة فبــــــــــاقيــة :
إن ما اختـــارته مريـــم بـــــــــاقٍ لهـا .
أمّا ما اختـــارته مرتــــا  فسينزع منها ؛
ولكن لخيرهـــا ، لـــــكي تأخذ الأفضــل .
يُنزَع منها العمل لـــــكي تعطى الراحة .

     مرتا لا تزال على سفر في البحـــر ،
أمّا مريم فقـــــد بلغـــــــــــــت الميناء .

لاحـــــــــــــظ أن هاتين المرأتين تمثـــــــــــلان نوعين من الحياة :
الحياة الحاضرة والحياة المقبلة ، حياة التعب وحيــــــــاة الراحــة ،
حياة الشـــــقاء وحياة السـعادة ، حياة الزمن وحيــــــــاة الأبــــــد .

انظر وتأمـــل ، ما أستطعت الي ذلك ســـــبيلا ،
في ما توفّــــره هذه الحياة ، وان بريئـــــــــــــــة ؛ لمرتـا لكي تحيـــاه :
أني لا أسميها حياة شريرة ، أثيمـــة ، مجــــرمة ، فاجــرة ، كافــــــرة ،             
بـــــــــــــــــل حياة عمـــــل مليئــــــة بالمصاعب ، تسـاورها المخاوف ،                       
                                                             وتتجاذبهـا التجــارب .

وكانــت الحياة الشريرة ، بعيــــدة عـــن ذلــــــك ؛
   ليست حياة مــــريم ،
     ولا حياة مرتـــــا ؛
مع انها كانت الي حين مسيطرة عليه ،
                الي ان دخــــــــل الرب .

نوعان من الحياة :
يتمثـــــلان في  هــــاتين المـــــــــرأتين :
                    في ذلك البيــــت حـــيث حلّ الــــرب ضيــــفاً ،
كانت كل منهما بريئــــة في موقفهــــــــا ومشــــــــــــــكورة :
احداهمــــــــــــا تحيـــــــــا للعمـــــــــــــل والاخري للتــــــأمل ؛
 دون ان           تكـــون هــــــــــــــــذه او تلك منهما شريرة ،
                                                 او عاطــلة عن العمل .

نوعان من الحياة ســــــــليمان ومحمـــــودان :
                    أحدهما للعمل والآخر للتأمل ؛
الأول    بعيد عن كل إثـــــــــم يجب أن تتحــاشاه حياة العمل ؛
والثاني بعيد عن الكسل الذي يجب أن تهرب منه حياة التأمل .

في ذاك البيت نوعــان من الحيــــاة
                بل ينبــــوع الحيـــــاة بالذات :
في مرتا صورة الأشياء الحاضـــرة.
في مريم صورة الأشياء المستقبلة .

إنَّا لمقيمون حيـــــــــث مرتا تعمـل ؛
   وراجون لما كـــانت مريم تعمــل .
   فلنعمــل جيـــــــــداً الأمـــر الأول
   حــــتى نحصـل حقاً عــلى الثاني .