الصفحات

الصفحات

في نوعية حب العالم ـ الفصل ( 8 ) من الكتاب الأول ـ خواطر فيلسوف القديس اوغسطينوس


الفصل الثامن
في نوعية حـــب العالم

الحب نوعان : حـــــب العالم ، و حــــــــــــب الله ،
إن كــــــــــان فيك حب العالم ، فلا محل لحب الله .
أنــــــفِ عنك حب العالم
و أقـــــم فيك حب اللــــه ليحل محله الحب الأفضل .


إن كنت تحب العالم فلا تحبه بعد الآن :
إن سلخت قلبك عن حب العـــــــــالم ،  أدخـــــــــلت فيه حب اللــه ،   
   و ســـــكنتْ فيك المحبـــــــــــــة  التي لا يصدر عنها أدني شـر .

بين الصانع و المصنوع : ـ
كل ما في العالم ، صنعـــــــــــه اللـــه :
أقم فيك روح الله ترَ كل شيء صالحاً ،
و لكن الويل لك :
إذا أحببت المصنوع  ، وتركـــــت الصـــــــــــــــانع .
إنك تـــــراه جميــــلاً  ، ولكـــــــــن ما أجمل صـانعه !

إن الله لا يحـرمّ عليك  محبـــــــــــة هـــذا الجميـــــل ،
شرط ألاّ تحبــه سعياً وراء سعادتك وبحثاً عنهــــــا ؛
بــــل حباً بالخالق و تمجيــــــداً له .

الخطيب و الخاتم :
إذا صنع خطيب لعروســــــــه خاتمـــاً فقبلته ثم فضلتــه عليه ،
ألا تكون زانية بحق خطيبها بســـبب تـــلك الهــــــــــــــــدية ؟

إنهــا تحــــب في خطيبهـا  هــــــــديتــــه ، و لو قــــــالت : حسبي هذا الخاتم ،
و لا أريــــــد     أن أري   وجـه خطيبـــــي ، فمن تكــــون هـــــذه العـــروس ؟
ومن ذا الذي يقبـــــــــــــل بهذا الجنــــون ؟ ومن لا يعترف بـزني هذه النفس ؟

إنــــــــــــــك تحب الذهـــب حبــــاً بالرجــــــل ،
             وتحب الخـــاتم حبــــاً بالـــــــزوج  ،
فلـــو أنـــك أحببــت الخاتم حبـــاً بالــــــــزوج  ،
ثــــــــــــم اســــــــــتغنيت عن رؤية الــزوج ،
فكأني بـــه يعطيــك الخاتم لا ليرسّخ اتحادكم  ،
بل لكــــــي يستميلك عنه إلي الخــــــــــــاتم .

العروس يقّـــــدمُ لك تقدمــــــة لكــــــــــي تحبـــــــه من هديتــــــه  .
والزوج يعطي عهده ليكـــــون ميثاق حب بينه وبين شريكه الآخر .

عطايا الله :
إن الله قــــــــــد أعطاك نعمة ، لكي تحبــه في تلك النعم التي صنعها ،
وأكــــثر منهــا أعطــــــــــاك ، لقـــــــــــد أعطــــــــــاك ذاتــــــــــــه .

إن تعلقت خيور الله وأهملت خالقها ، حباً بالعـــالم ،
                         ألا يعتــــــــــــبرُ حبك له زني ؟
لست أقول لك :
لا تتعـــلق بما للأرض بل أحبــه باعتـدال ،
حبـــــــاً بالخـالق لئـــــــلا يزعجـك حبـه ،
بل فليكن حب اســــتمتاع لا حب استعباد .

أرعَ محبة الله في قلبك كي تحيـــا إلي الأبد ،
                           كما هو الله إلي الأبد ،
لأن الإنســان يكــون كما تكـــون محبتــه .

إن أحببـــــــــــــت الأرض كنــــــــتَ أرضـــــــــــاً  ،
وإن أحببـــــــــت اللـــــه  ماذا أقول ؟ أتصير إلهاً ؟
لا أتجاسر على التلفـــــظ بهــــــــــذا الكلام تلقائياً
إنما أسمع الكتاب القائل :
{ قد قلـــت أنكم ألهــــه وبنـــــــــو العلى كلكم }  
                                            " مزمور 6:81 "

وعليه ، إن أردت أن تكون إلهاً ، وابن العلى ،
          فـــــــــلا تحـب العـالم ، وما فيـــــه :
حب العالم أشبة بيد النفس ،
التي إن أمسـكت شـــــيئاً ، اســــتحال عليهـــــــــا الإمســاك بـشيء أخـر ،
ولكي تستطيع أن تمسك بما يقدم لها ، يجب عليها أن تتخلى عمـــا معها .

إن أنـــــــــت أحببـــت العــــالم ،
فلا يسعك أن تحـــــب اللــــــه ،
               لأن يداك مشغولة .
الله يقول لك :
خــــــذ مـــــــــــنى مـــــــــــا أعطيـــــــــك ،
أما أنت فتــــــــأبي أن تتخلي عما بيـــــدك ،
إذ ذاك لن يسعك أن تقبــــــل ما أقــدمه لك .

وإذ لم تســــــــــــتطع بحكـــم الضــــــرورة فأمــــــلك ولا تكــن مملـــوكاً .
وخذ ولا تكن مأخوذاً ، كن ســــــــــــــــيداً على ما لك ولا تكــن عبـــداً له .

أسألك و أرجوك و أحثك على أن :
تحـــــــــــــــــب الحياة الأبديـــــة ،
نظير من يحبون الحياة الزمنيـــة .

تعــــــــــلَّم أن تحب و ألا تحـــب :
أحــبَّ لسـبب و امتنـع عـن الحـب لســبب أخــر .

في العــالم أشـــــــــــــياء تحبهــــــــــا لكـــــــــــي تتقــدم ،
            وأشياء أخري ، إن أحببتها ، منعتك عن التقدم ،
لا تستمسك بالمــــــــــــــانع إن لـــــــم تشأ العقــــــــاب :
             المانع هــــــــــو ما تحـــب من هذه الأرض ،
             وهو بمثـــــــــابة دبــــــــق للأجنحة الروحية ،
             أي الفضـــــــائل التي تطير بواسطتها إلي الله .

أنــــك لا تريد أن يقبض أحد عليك ومع ذلك نــــــــــراك تهــوي الدبــق !
أتظــــن أنــك لن تقع بين أيديهــــم إذا كان القبض عليك أمـــراً ســـهلاً ؟
إن العالـــــــم يضــــــــيّق عليــــــك بقـــــــــــــــــــــــــدر مــــا يفرحـــك .

عُــــــــــــــــدْ أيها الخاطئ إلي قلبك ،و استمســـك بمـــــــــــــن خلقـــــك ،
أمكث معـــه لكـــــــــــــي تسـتـقـــر ، و استرح فيه لكــــــــــــي تطمــــئن .

أين تذهـــب في تلك الطرق الوعرة ؟ إلي أيــــــــــــن ؟
إن الخــــير الــــذي تهـــــــــــــــــواه هــــو من اللـــه ،
و بقـــــــدر مـــا يقـــــــــــــــــــــودك إلـــي اللــــــــــه .
بقــــدر ذلك هــــــــــــــــــــــــــــــــــو صـالح وطـــيب ،
لكـــــــــــن ســــــــــــــــــــــــــــــوف يكــون مــــــــراً .
عــلى مــن لم يقبـــــل ، بصـــــــدق ، ما يأتيـه مـن الله .             

أنك تسير باستمرار ،
على تلك الطـــرق الضيقــة والوعرة ،فـــــإلي أيــــن تريــــــد أن تصـل ؟
لن تجد الراحـــة حيث تبحـــث عنها ،أطلب مبتغاك خارجاً عن هذا المكان

و هل تبحث عن السعادة في ديـار الموت ؟ لن تجـــدها ،
و هل تكـــــــــــــــــــــون الحيــــــاة سعيدة حيث لا حياة ؟