الصفحات

الصفحات

ميامرماراسحق ـ الجزءالثانى ـ الميمر السادس ( كامل ) ــ ما يتميز به السكون ـ حد الصلاة وبعده لا تكون صلاة.



الميمر السادس
 الســبح للــــذي أفــــاض مواهبـــه على جنــــس البـــــشر ،
 إذ وهم جســـدانيون جعلهم يتعبدون مثل الطبائع غير المتجسدة (أي الملائكــــــة )
    و هم عـلي الأرض و أيضـاً أهل الطبيعـة الترابية أن تتكلم على مثـل هذه الأسرار ،
 بالأكثر الخطاة مثلي الذي لا أستحق و لا لسماع الكلام عن شيء من هذه الأمور ،
 بل بكثرة إنعامه فتح عمي قلبي لكي أفهم ما تصوره الكتب من تعليم الآباء الكبار ،
 إذ بجهـادي لا أســــتحق أن أختبر واحــدة من آلاف مما أكتـــــب 
و بالأكــــثر في هـــــــــذا الميــــمر  الــــذي أقـــــــوله لأجـــــــــل 
              جذب و نفع كثـيرين ،و استنارة نفسي و الذين يصادفون ،
 هـــــــــذا لعلنـــــا ننتبــــه لاشتهاء هذا الشيء و ندنو من العمـل .. .. 
 و ما هو هذا الشيء ! ؟

النظر بالصـــلاة :
                    اللـــــذة بالصــــــلاة شــيء آخـر غـــير النظــــــر بالصــــــــــــــلاة ،
                    و الثانية أفضل من الأولي كأفضليــــــة رجل كامل عن طفل صغير ،
                              ( فأحيانا ) تحلـــو الألفــــــاظ  في الفــم  ، 
فكل لفظ من الصلاة يتلي بغير عدد و لا يعرف الشبع منه، و لا يتركه ليعبر إلي آخــــــر .

و ثم وقـت في الصلاة تتولد ثاؤريا و مناظر إلهية  ،فتقطع استمرار الصلاة من الشفتين ،
و يكون ذاك الذي ينظر كجثة لا نفس فيها من التعجب ، و هذا ما ندعوه النظر بالصـــلاة
ــ و لكن ما يتصور ليس شبه أو شكل حسب قول الجهال ــ
 و أيضاً هذه الثاؤريـــــا التــــي بالصلاة فيها منازل ( أي درجات )و مواهب متميــــــــزة ،
       و الي هذا الحد ما زالت صــــــــــــلاة
         لان الفكــــر لم يعبر الحد ليصل لذاك الشيء الذي هو أفضل من الصلاة .

 لان حركات اللســـان و القــــــلب بالصـلاة  هي مفتــــــاح لـــــذاك الشـــــيء
 الذي من بعده يكون الدخول لمحل الكــنز ، حيث تهــــدأ كل الأفواه و الألسن
 و القلـــب الذي هـــو مخزن الأفكـــــار
 و الذهــن الذي هـــو مــدبر الحــواس، 
 و الضمير الـذي مثــل الطــــــائر الرشـــــــيق الخفيـــــــف الجســــــــــــــــــــــور ،
             و لا يتوقف هذا التضرع و الأفكـــار و نشـاطها لان صاحب البيت قد أتي .

الدهش :
إن قــــوة النامــوس و الوصايا التي وضعت للبشر نهايتها نقــاء القـلب حسب قول الآباء ،
    وأيضاً جميع أنواع وأشكال الصلاة التي يصليها الناس قدام الله نهايتها الصلاة النقية ،
بل وأيضاً كل التضرعـــــات القلبيـــــة و الحـــــزن و الخضــــوع و الدمـــــوع الحـــــــــلوة
          و أي نـوع آخـر من الصــلاة ، فحـــــــــــــــــــــــدها ( أي أقصي ما توصل إليه ) 
هو الصلاة النقية حسبما ذكرت .

و عند تجاوز حد نقاوة الصلاة ( أي الوصـــول إلي ما هو أعمـــق من الصـــلاة النقيـة ) ،
فلا يكون للضمير صــــــــلاة و لا حــــركة و لا دمـوع و لا تضــرع و لا سلطان ( أي إرادة )
                  و لا حـــرية و لا شهوة و لا اشــتيـاق إلي شيء ممكنـــاً يرجــــي
                  و ينتظر في هذا العالم و في العالـم الأتــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي .

لان ما بعـد الصــلاة النقيـــة ليـس صــــــلاة  ،
لان جميــع حـركات الصــلاة و أشـــكالها تقف قدرتهــا عند الوصول بالعقــل إلي هنــا.
و لأجل هذا فيها جهاد وعناد ومن بعد هذا الحد لا يبقي إلا دهش و تعجـب وليس صلاة .

فهنـــا تتوقـــف الصــــــــــــلاة ، و العقل لا يصلي صلاة بل ينظــر نظــرا ،ً
لان كل أنــواع الصــــــــــــــلاة  تتحـــــرك بالحـــــــــركات النفســــــــــانية
و لكن إذا مــا دخل الذهـــــن إلي الحركات الروحانية فليس هناك صلاة .

الصلاة شيء ، و آخر هي الثاؤريا أي النظر الروحي ،
و إن كانت تتولد من بعضها ، فتلك بذار وزرع ، و أما هذه فهي حمل الأغمار ،
و إذ بالنظر الذي لا يعــبر عنــه بالكلمـــات يدهــش الحاصــــد و يتعجـــــــب ،
فكيف من حبــوب صغــيرة بذرهـا ينبت أمامه بغتة سنبل جليـــل ممجــــــد ،
و في نظره هذا يتوقف العقل عن أي حركة .

كل صــــــــــلاة إنما هي طلبـة أو ســؤال شــــيء ، أو تمجيــد و شـــكر ،
فأبحث و أفحص :
إن كان العقل عندما أخترق الحـــد  و  عبر إلي تلك البلدة ( أي الدهش )
          هــل يكــون في أي حـال من هـــذه من حــــــــالات الصــــلاة ؟ .

و سؤالي هذا هو لمن يعرف الحقيقة ( أي حقيقة الدهش ) ،
 لان هـــذه الإفرازات (أي الحالة المتميزة أي الدهش ليس لكل إنسـان أن يتفحصها ،
بل للـــذين رأوا بأنفسـهم ،و خدمـــوا هذه الأمـــــور ، أو تربـــوا لدي أبـــاء عارفــــين ،
فمن فم هؤلاء تقبل الحقيقة ،فهم بهذه المفاوضات إجتازوا بحياتهم في فحص هذا الأمر
 بالسؤال و الإجابة عن حقيقته .

و كما انه بعد جهد تجد و احداً بين ربوة من الناس
 قد أكمل الناموس و الوصايا و أهل لنقاوة النفس ،
هكذا أيضاً و احد من كثيرين تجده قد أستحق ــ بعد تحفظ كثير و حرص ــ
للصلاة النقية و أخترق ا لحدو أستحق ذاك السر .

 فليــس كثيرون يستحقون و لا للصلاة الزكية ،
بل أفراد قليلون،فالسر الذي هو أسمي منها 
انه بعد جهد تجد واحداً في كل جيل قد دنا من هذه المعرفة بنعمه الله .


ما بعد الصلاة الطاهرة
 الصلاة هي: تضـــرع و هــــذيذ و اشـــــتياق لشـــيء مـــــــا ،
                 أو طلب الخـــلاص من الشرور الحاضرة أو الآتية ،
                 أو اشتهاء الوعود ، أو سؤال شيء ينتفع به الإنســــان بمعونة من الله ،
                 ففي هذه الخلجـــات تنحـصر و تحـــــدد كل حركـــــــات الصـــــــــــــلاة ،

 و أما طهارتها أو عدم طهارتها فهي هكذا :
في الوقت الذي يبدأ العقل في أداء احدي حركاتها (أي أفكار الصلاةالسابق ذكرها ،
و يختلط معه فكر غريب أو يطيش في أمر من الأمور ، فهذه الصلاة تدعي غير طـاهرة  ،
 فهذه هي الحيوانات التي لم يأذن الناموس بإصعادها إلي هيكل الرب الذي هو القـلب .

أما إذا غاص القلب باشتياق ببعض من خلجاته بعمـــــــــــــــــق ، 
( مثل مكان ) ضــــــــــرورياً يــوم السبت في وقــــــــت التضـــرع ، 
فبســـبب الاشتياق الكثير ينجـــــــــــــــــذب نظـــــر خلجـــــاته
 بعــــــين الإيمــــــــــــــان إلي داخل حجاب بــــاب القـــــــــلب ،
 لان بهـــذه الأشـــــــواق تصــــــــــــــــــان مداخل النفـــــــــس 
قبـــــــــالة الأفكـــــــــــار غير الطـاهرة التي تشبه بالغــــــــرباء 
الذيـــــــــن لـــم يكـــــن يــــؤذن لهم بدخـول قبــة الشــــهادة ،
و هذه ( أي عندما  يغوص القلب بالأشواق ) تسمي ذبيحة القلب المقبولة ؛
و حدود الصلاة الطاهرة هي إلي هنا ،و من هنا إلي فوق لا يسمي صـــلاة ،

و إن قال إنســـان إن هذه يســـــــميها الآبــــــــــــاء " صـــــلاة روحــــانية " ،
 فهذا لم يفهـــم معني كلامهـــم بقـــوله إنهــــا من  حـــدود الصـــــــــلاة ،
 فلــو انه كان قـــد وصــل إلي الفهــم الحقيقـــي لأدرك انه غــير صحيـــح
أن يصلى بالصلاة الروحانية ،لان كل شيء يصلي هو أقل من بلد الروحانية ،
و كل شيء روحاني هو مرتفع عن حركة الصلاة .

و لان الإنسان بعد جهد يستطيع أن
                  يصلي صلاة طاهــــرة التـــي يقـــــــال عنهـــــــــــا صـــلاة روحـانية
                     لان الآباء القديسين من عادتهــم أن يكنـوا باســم الصـــــــــــــلاة 
                      كل خلجات فاضلة وكل انفعــــال روحـاني ، 
وليس هذا فقط بل وكل نور المعرفة حتى و الأفعال الحسنة يعتبرونهـــا صـــــــلاة  ،
                  مع أن الأمر الظاهر هو أن الصــــــــــــــلاة بشيء آخر غير الأفعال .

أما تلك فأحياناً يســمونها صلاة روحانية ، وفي وقت يسمونها طـريق ،
                  و في وقت معــــــــــرفة ، وفي وقت أسـتعلان عقلي ، 
 فأنظر السبب : 
فها الآباء يشبهون أسماء الأمور الروحانية بما هو قائم في الأمـــور الحـــاضرة  ،
 لان أمور العـالم الجديـد ليس لها أســماء حقيقيــة ، بل معرفة واحدة بسيطة
تسمو عن  كل تســـمية و علم و صـــور و ألــــــوان و أشــــكال أو كنــــــــــاية ،
و ذلك تعــــرفه النفــس عنــدما ترتفـــــع عن هـــــذا الســـــياج المنظــــــــور ،
 أما الآباء فإنهم يعبرون عنهـــــا بما يدل عليه ،
و أما الأسماء الحقيقية فليس هناك من يعرف ،

 بل حســــب الأفكــــــار النفســــانية يعــــبرون عنهــــا بالكنــــــاية و الأمثـــــال ،
 مثلما قال القديس  ديوناسيوس :
أننــــــا نستعمل العلامات و الدلائل و الكلمات وذلك من أجل الــحواس ،
لكـــــن إذا تحـــركت أنفســـــنا بالإلهيـــــــات بفعـــــــل الــــــــــــــروح
فعنـــد ذلك تصبــح الحـــواس وعملهـــا كالفضـــلات( أي بلا قيمــــــة ) ،
وأيضــاً إذا ما صـارت أنفسنا في شبه اللاهــوت بالاتحاد غير المــــــدرك
فـــــأن الحركـات الروحانية للنفـس تصبـح كالفضـــلات ( أي بلا فاعلية )
و تستنير حركات النفس بإشراقات النور المرتفعة التي لا تدرك بالأعين .

لهـــذا فالصحيـــح أيهـــــا الأخ :
إن العقـــل ليس له قــدرة علي  تمييز الخلجـات التي تـــؤدي إلي الصلاة الطاهرة ،
لكنـــــــــه إذا ما وصــل إليهــــا  فلا يرجع إلي الوراء و لا يتوقف عن الصـــــــــــــلاة ،
لان الصلاة تكـــــــــــــــــــون له  كوســـيط من النفســـــــانية إلي الروحـــــــــــانية ،

لأنه إذا تحركت مشاعره بالصلاة فهـــــي في بلـــــد ( أي مجــــــال ) النفــــــــــس ،
و إذا دخلـــــــــت ذاك البـــلد بطلت الصلاة و تكون مثل القديسين في العالم الجــديد ،
                                  حيث لا يصـلون صــلوات إذ قد أبتـــــــــلع العقـل الـــروح ،
                                  بــــل يكونـــــوا في دهـــــــــش ذلـــــــــك المجــــــــــــد
                                  الذي يعطــــــــــي الشــــــــعور بالنعيــــــــــــــــــــــــــــم.

فهكــذا أيضــاً إذا أهــل العقــل ليحس بتلك السعادة المزمعة التي في الدهــر الأتي
                                    فانــــــــــــــه ينســــي ذاتـــــه و كــــل الأشياء الحاضرة
                                   و لا يكــون له منذ الآن حركــة الهذيذ بشيء من الاشياء  

 و لأجل هذا فالإنسان يجسر أن يقول بثقة : إن كـل فضيــــــــــلة كـانــــــــــــــــــــت ،
                                                   و كــــــل درجــــــــــــــات الصـــــــــــــــــلاة
                                                  إن كانت بالجســــــــد أو بالفكــــــــــــــــــر
فـــــــــــــــــإن حرية الإرادة هي التـــــي تحركهـــا
و تدبرهـــــــا بواسطة العقل فهو المتسلط على الحواس ،
 أما إذا تسلط تدبير الـروح علي العقل ــ المنظــــــــم للحــــــــواس و الأفكـــــــــــار ــ
                                   فالحرية تنزع من الطبيعة ( أي من طبيعة الإنسان )
                                   و من هنا فليس هو الذي يدبر ذاته بل يتدبر من آخر.


 ( إذاً ) :
 كيف يمكن الصلاة في ذلك الوقت الذي يكون فيه الطبع
  ليس له أي سلطان علي ذاته !؟
  فهـــــــــــو يســاق و يتـــدبر من قــــــــوة آخــــــري إلي ما لا يــــدرى ،
 فليس هو الذي يقوم و يصوب حركات الفكر كما يشاء و الي حيث يريد ،
لأنه في ذلك الوقت يملك علي الطبع سبات و يخطف إلي حيث لا يحس
 حيث ، لا تكـــون له إرادة و لا مشــيئة فهنـاك يحــق القـــول انه في تــلك الســــاعة :
 (إن كان بالجســد أم بغــــير الجسـد لا أدري حســـبما قال الكتــــــاب)2 ) كو 12 : 2  (

 فأي صلاة تكون للذي قد سبي هكذا 
 حتى انه لا يعرف حتى نفسه و لهذا لا يضل أحد و يجسر أن يقول :
 انه من المستطاع تقديم الصـلاة الروحانية ،
إذ هم بهذه الجسارة يعلنون عن أنفسهم أنهم المصلين المخدوعين عديمي المعرفة 
 هؤلاء المدعين في أنفسهم انه يمكنهم أن يصلوا بالروح.

أما المتضعون ذوو الفهم الذين ينحنون ليتعلموا تعاليــــم الآباء العارفين حدود الطبيعة ،
                                فإنهم لا يســـــلمون أفكارهـــم لهذه الجسارة الخــــــــاطئة .
نعمة تعطي و قت الصلاة :
 ـ إذا لم تكن هذه الموهبة ( الدهش التي لا تعبر عنها الكلمات صلاة  ،
   فلماذا تسمي صلاة ؟

ما ينبغي قولـــه هـــــو  أن الصــــلاة هــــي ســــــببها  ،
                                و لان هذه الموهبة تحل علي المستحقين وقت الصــــلاة ، 
                                و لا يمكن أن تحل إلا في و قت الصلاة حسبما قال الآباء .

و أيضاً : لمـــــاذا تســـــمي باســــــــــم الصـــــلاة ؟ :
         لأنـــه من الصلاة يخطف العقل لهذه السعادة  ،
         و لأجل أن الصلاة كانت ســبب وصـــوله ( أي وصول العقـل لحالة الأنخطـــاف ) 
      و لا يمكن حلولهـا في أوقــات آخــــري ، هذا حســـبما نفهــم من كتـب الآبــاء ،
لأنــه قد سطر في سيرهم أنهم عندما كانوا يقفون في الصلاة كانت تخطف عقولهم .
و إن سأل إنسان :
                لماذا في هذا الوقت فقط تكون تلك المواهب العظيمة التي لا توصف ؟  
 نقـــــــــــــــــول:إنه في وقت الصلاة أكثر من كل الأوقات يكون عقل الإنسان مجموعــاً
 ( أي مركز الفكر ) وشاخصاً إلي الله و منتظراً بكل اشتياقه أن تأتيه الرحمة من عنده .

و أقول بإيجــاز :
                 إن هذا هو الوقت الذي ينبغي فيه الوقوف علي باب الملك للســــؤال  ،
                 وفي هــذا الوقت يليق أن يعطي للســائل الـــذي يتضـــرع طلبــــــه .
فأي وقت يكــــون فيـــه الإنســـــان مســـتعداً محترســـاً كمثـــــل وقـت الصـــــلاة ،
هل عند نومه ، أو إذا باشر عمل ما ، أو إذا كان مشتت العقل يؤهل لهذه الموهبة!؟

إن القديسين لم يكـــن لهــم وقـــت  يكونــــون فيه متوقفين عن الصلاة ،
                  لأنهم في كل أوقاتهم   يتفاوضون في الأمــــور الروحــانية ،
أعنـــــــــي :
  إما أن يكونوا مستعدين للصـلاة ، و إما في قــــــراءة ســـــــــــير القديســـــــــين ، 
 وإما أن يلهجوا في أقـوال الكـتب ، و إما أن يتصوروا بعقولهم الثاؤريا التي للمخلوقات ،
 وأشياء أخــــــــــــــري فاضـــــلة ،  و هـــذه كلهــــا هذيــــذ فاضـــــــل نافــــــــــــــع ،

ولكــن في وقــت الصــلاة يشــــــــــخص نظـر عقولهــــم في الله وحـــــده
                                 و اليـه يمــــدون و يوجهـــــــون كــل حركـــــــاته  ،
                                 و يقــدم إليه تضرعات قلبية بحرص متواتـر وحرارة ،

ولأجل إنه في هذا الوقت يكـــون هــذا هـــو الهذيـــذ الوحيــد في النفــس ،
                                 لذا فهـــو الأنسـب لتفيـض عليها المراحم الإلهيـة ،
 لأننا ننظر إنه في الوقت الذي يكون فيــه الإنســـان مســــتعداً باحــــتراس
                            و واقفاً يتضرع بالصلاة و عقله مجمــوع إليه ( أي غير مشتت )
                           يحل الروح القدس علي الخبز و الخمر الموضوع علي المذبح ،

و أيضـــاً وقــت الصـــــلاة : 
 ظهر الملاك لزكريا و بشره بالحبل بيوحنا )لو1 : 11 ـ 14 )
 و القديس بطرس لما كان يصلي علي السطح
                    وقت الساعة السادسة ظهر له استعلان بدعوة الشعوب إلي الإيمان
                    علي شكل ازار مدلي من السماء  )اع 10 : 9 ـ 10 )
وأيضـــاً كرنيليــوس في وقـــت الصـــــــلاة
                     ظهر له الملاك وقال له : الأمور المستترة عنه )اع 10 : 30 ـ 32 )
و أيضاً يشوع بن نون :
                لما كان ملقي علي وجهه في الصـلاة تكـلم الله معـه (يش 5 : 14 ،15 )
وأيضاً الغطاء الذي كان موضوعاً فوق التابوت(خر 25 : 17 ـ 22 ،لا 16 : 15 ـ 17) الذي كان 
                       عظيم (رئيس الكهنة) يعلم منه باســـتعلان الأشياء المحتاج إليها
                        لما كان يدخل دفعة واحدة في السنة وقت الصــــلاة المرهـــوب ،
                      و كل أسباط بني إسرائيل واقفين للصلاة بخوف في الدار الخارجية،
في ذلك الوقت المرهوب كان عظـــيم الأحبـار يدخــل إلي القدس الداخــــــــــــــلي
                    و يقـــع عـــلي وجهــــه و يســمع كلمـــــــات الله من ذلك الغطاء
                    الذي فوق تابـــــوت العهـــــد باســـــــــــــــتعلان مخـــوف جـــداً ،
                    كانت تلك الأســرار الحـــادثة في ذلك الوقــــت مرهـوبة جــــداً .

هكذا أيضاً جميــــع الاســـتعلانات و المنــــاظر يحظـــى بـها القديســون وقت الصلاة ،
             لأنــــــه ليــس وقـــــت يكــون فيه الإنســـان أقــــرب لهـــــذه القدســات ،
            و لا أوفـق لقبـول المواهب مثل وقت الصلاة لأن فيه يتكلم الإنسان مع الله ،
لأن في وقت التضرع والكلام مع الله :
             تكـون حركة الإنسان و فكره مجمـــوعة إليه( أي مركز ) بضبــــط شــــديد
             و يهـــذ بالله و حده فقــط و يشـــخص إليه و يبتــلع ضميره بالكــلام معـــه ،
            و يكـون قلبـه مملـوء منـه ، و مــن ههنـــا يجـــود عليــــــه بالـروح القدس
            بمفهومات عالية على المدارك ـ وهي تكـون حسـب منزلة ذلك الإنســان ـ
            و تتحرك فيه ، ومن ألفاظ الصــلاة تتحــرك فيه ( أي في العقـل ) مدركـــات
            حتى أن حركة الصلاة تتوقف إذ يبتلع العقل بالدهش و ينسي شهوة طلبته
      و تغوص حركاته في سكر عظيم عميق و يكون كأنه ليـــس في هذا العـــــــــالم ،
      و لايكون له في ذك الوقت شيء من معارف الجسد ولا النفس ولا ذكر شيء ما 
و حسب قول القديس غريغوريوس :
                         " إن الصلاة في هذه الحالة هي حالة نقــاوة العقـل
                          التي لا تتوقف إلا من الدهش بنور الثالوث المقدس فقط ".
انظر الآن !!
            كيف من الدهش بالمعاني التي تتولد في الفكر تتوقف الصـــلاة ـ
            حسب قولنا في بداية هذا الميمر و في مواضع كثيرة ـ  وأيضاً قال :
         " إن حالة العقل هذه هي الارتفاع إلي المعقولات ( أي الأمور غير المادية )
          و يكــون كلـون الذي يشــرق عليه نور الثالـوث المقـدس وقـت الصـــــلاة " ،  

و هذه النعمة يؤهـل لها الإنسان وقت الصـلاة :
           إذا ما تعري العقـل من الإنسان العتيـق ولبس بنعمة الله الإنسان الجــــديد ،
          فحينئذ ينظر هيئة ذاته في الصلاة تشبه لون السماء الذي يدعي موضع الله ،
  حسبما ظهر لشيوخ إسرائيل )خر 24 : 9 ،10 )

  و لهــــذا حســـبما قــلت : لا يليق أن تسمى هذه الموهبة صلاة روحانية ،
 بل الصلاة في هذه الحالة 
                       تبتلع ممــا يولد من الصــلاة النقية التي بالــــــــروح ،
   و يكون العقـــل في ذلك الوقت مرتفعاً عن الصــلاة
     لأن    بوجـــوده فيما هو أفضل تبطل الصلاة وتتوقف .

و من ههنا ليست صلاة تصلى
         بل نظر بدهــش للأمـور غير المـدركة السـامية عن عالمنـا عالـم المـــوتى ،
         و يصمـــت و يصبـــح في حــــالة عـــدم معـــرفة الأشـــياء الحاضــــــــــــرة ،
         و هـــي في الحقيقــــــة المعرفــــــة الأرفـــــع من كـــــل المعـــــــــــــارف ،
        طــــوبى لمن وصل لعدم المعرفة هذه والتي لا تبلغ إلا بالصلاة حسبما قيل .

عن المعرفة الحقيقية 
كل شيء محسوس صالح  ،  يصــــدر من الإنسان  ســــواء كان عمـلاً أو قـــولاً  ،
                                    فهـــــــــــــو تعبــــير عما هـو مخـــفي داخــــــله ـ 
هذا إن لم يكن حدوثه عرضاً ، بل يكـــــــــون عمــــــلاً متصــلاً باســــــــــــتمرار ،
                           لأن هذا الأخـــير هـــو ما يعطــى عنــه المكـــافأة ،
                         أما الأول ( أي العارض ) فالمكافأة عنه غير كاملة .

إن قـــوة الإرادة و ضعفهـــــــــا سـواء في عمـــل الشــرور أو الصـــــلاح ،
 ليست من أمر طارئ به تختبر ، بل هو دائم كونه نابع من حرية اختيارها ،
 لأن العارض 
 قد يتســلط على حرية الاختيار ،و إذا ما صادفت الإنسان عوارض جيدة أم رديئة
و هي تحدث    إما للجـــذب و القيــادة إلي الصلاح ، و إما للتجـــربة و الفحـــص  
                و  إما للتضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــليل  ، و إما للمكــــــــــــــــــافأة .

 و الذي للقيــــادة للصــــلاح      فهـو العارض الجيـد ،
 و الذي للتجــــــــــــــــــربة       يظن انـــــــه رديء ،
 و مــــا للتضليل أو المكافأة       فهما يصاحبان كلا العارض   الجيد أو الرديء ،
 و لا يطرأ عارض ما كيفما اتفق ،
 لأنــه إذا كـــان الأمــر كــــذلك  فلا يحدث للإنسان عارض ، لا جيد و لا رديء .

 المتقــدم إلي الصــــــــــــلاة ، يتــــدبر مـــن إرادة اللـــــــه  ،
فهــــــــي التي تحدد حســب حكمته ،القدر اللازم لمعونتنا  ،
لأنه موجود مدبر يســوس أمــور العــالم ، و مــع كــل منــا حافـــظ لا يفـــوته شـــــيء ،
و كل عارض يحدث فهو على نوع من السياسة من جهة الحافظ ، الذي يأمر به لصيانتنا
و العوارض التي تحدث هي الأربعة أنواع  ( السابق ذكرها ) .

و الصــلاة الحــزينة الناتجـــة من تذكرهــا أمر يدعــو للحـزن ،
                      فإنها تغير أنواع هذه العوارض ، و تبدلهــا إلي ما يليق و يوافق ،
                     فالجيــد تقبــله و تعطيـه ثباتاً ، و الـرديء تغيره لما هو ضـده ،

و لهذا لا تشك في قولي :
                        إن حدوث العوارض ليس كيفما اتفق و من غير سياسة المدبر  ،
                        لأنه إذا كانـت الصــلاة مـــع الـــبر تقــدر أن تغـــير أو تقمـــــع ،
                       لهذا صح أن كل عــارض إنما يكـون حــــدوثه من قبل المـــدبر .

السعيد من أرجع إلي مدبره ( أي الله )
  كل عارض للأمور الخفية غير المكشوفة ،و فحص عن سبب حدوث العوارض .


تحقير و لوم الذات :
+ الذي يريـــــد أن يكون حكيمــــاً أمـــــــــام اللــــــه ،
   فلا يمكنه ذلك إلا إذا كـــــــــان مجهولاً من العالم ، و باغضاً لمديح البشر .

+ عجيب هو الإنسان الذي يخفي عظم جـــلال عمله بتحقير نفســـــــــــــه ،
                            فبهذا تفتتن الملائكة تعجبـــــاً .

+ أعتقـــــــــد أن الــــــــــــــزلات التي تحدث من غير الإرادة من وقت لآخر
  للمحترسين لهي حافظة للبر .

+ ليس هناك صــــــــلاة تقبـــــــل ســـريعاً
  مثــــــــــل صــــــــــلاة الإنســـــــــــــــــان الذي يطلب مصالحة غاضبيه و أعدائه  ،
  و يقطع ( أي يرجع ) الذنب علي نفسه ، فهـــــــــــذا يعطى طلبته دون تأخير .

+ إذ كنت متمماً الأشياء الواجبة  و أنــــــــــــــت محترس فيما يخصـــك ،
  ثـــــــــــــــــم تنظــــــــــــــــــــــر ذاتــــــــــــــــك حقـــــــــــــــــــــــــــيراً ، 
                                       و نفســــــــــك مرذولة في عينيــــــك ،
                                       و مديـح النـاس مكــــــــــروه لديــــــك ،
 فأعـــــــــــلم أنــــــــــــــــــــــــك ســـــــــائر في طــريق الله حقـــــــــاً ،

  أما إذا كنت تحـس أن أمــــورك عـــــلي غــــير هــذه الأوصـــــــــــاف ،  
              و تحس بذاتـــــــــك  و تــــــــرى أن الإهـــــانات توجــــعك
 فأعـــــــــــلم أنــــــــــــــــــــــــك فــــــــارغ من الحــــــــــــــــــــــــــق ،
               و أنــــــــــــــــــــــك مســـروق من المجــد الباطـــــــــل .


الذهاب الى :