الصفحات

الصفحات

في أن ما فيك يظهر واضحاً أمام المسيح الديان ـ الفصل ( 15 ) من الكتاب الأول ـ خواطر فيلسوف القديس اوغسطينوس


الفصل الخامس عشر
في أن ما فيك يظهر واضحاً أمام المسيح الديان

ســــــــوف يأتي يـوم يخضــع فيـه كل شيء للقضاء :
              إن كان هذا اليومُ بعيـداً في الزمــــــــــن ،
              فهو قريـــــــــــــــــــب من كل إنســـــان ،
              لأنه آخـــــــــــــــر يوم من حيـــــــــــاته .
وشـاء الله أن يظل هذا اليوم خفيــاً عن البـــــــــشر .
إن أردت ألا تخــــــاف اليــــــــوم الذي تجهــــــــله ،
               فاســــتعدّ لمجيئـــــه .


     شـــاهدُك الوحيدُ ، ضميرك .
فلا تخفْ بين القاضي وضميرك سوي قضيتــــــــــــــك :
إن لم يكن لديك دعوى ســـــــوء فلن تخشى شاهد زور ؛
                                         ولن تطلب شـاهد حق .

أطلـب اللــــه قاضيــــاً لك وشــــــــــاهداً ؛
ولـــن يرفض القاضي أن يكون شـــاهداً .
أن  الشـــــــــــــــاهد هو قــــــــــــــاض ،
      فأطلب منـــــــه أن يســـــــــــــــرع   في دعـــــــــواك .
انـــه شـــــــــــــــــاهد لا يستشهد بآخــر  لأنه يعــــــــــرفك .

وهو قاض له سلطان أن يحكمَ بالمــــوت وأن يعفــــــــــــــــو ؛
                         أن  يلقـــــــــــــــــي في جهنـــــــــــــــم ،
                          و  يرفــــــــــــــــع إلي الســـــــــــــماء ؛
                         أن  يســـــــــــــوق مع الشـــــــــــــيطان ،
                         و يكـــــــــــــــــــلل مع الملائكـــــــــــــة .
يــــــــــــــراك الآن من سوف يحاكمــك فلن تستطيع أن تغشّه ،
ويقـــــــــول الله لك :
احتقرتني فرأيتــــك وكفـــــــــــــــــــرت  فلم أسحب دعواي
                       بل أرجــــــــــــــأتها وما تراجعت عنها .

رفضـــــــتَ تعليـمي فذقْ تهديـــــــــــــــــدي :
لو أنك قبلت تعليمي لما كنت تكبدت العذابات التــــي حدثتك عنها ،
                       بـــل الخـــــــــــــــــيرات التــــي وعدتك بهــا .

أنه يمتنـــــــــــــع الآن عن أن ينتقـــــــــــم
                     بـــل يرجئ العقاب منتظراً التوبة .

ومــــــاذا تريد أن تعمل ؟ سلْ نفسك حـــــــالاً ،
           ادرس وضَــعْك وتأمـــله باطنيــــــاً ،
وضـــــع ذاتك أمام ذاتك وافحصهـــــــــــــــا من الـــــــــــداخل
                             واجلــــــــــــس إليها وابســــــــــــطها
                             عـلى مركبة الوصايا الإلهيـــــــــــــــة
                             وخوّفهـــــــــــــــــــا ولا تغــــــــــــــترّ
                             وأجـــــــــــــــــــــــبْ نفسـك بنفســـك .

تأملْ نفســــــــــك منذ الآن وافحصهــــــا ؛
لأن الله يدينـــــك علنـــــــاً ساعة مجيئــه .

وماذا يصنــــع بك مـــتى قاضــــــــــاك ؟
 يريك مـــــــــــــا لا تـري الآن .

لــــو انك فحصت ذاتـــك بحســــــــــب الحــــــق ،
      وما رضــيت بهــــا لكنت أرضيت الآن الله .

ولكن بما أنـــــــك عميت فارتضيت بذاتك ؛
فلن ترضـــي الله ولــــن ترضــــي ذاتــك :
لــــن ترضـــي الله ساعة يدينــــــــــــــــك ،
ولــن ترضي ذاتك ساعة تحترق بالنــــار .

وكيــــف يقنعــك ؟ يضعك أمام نفســــك ؛
ولمــــاذا تخفـــي نفسـك عن نفســــــك ؟
تقف إلي الــوراء كيلا تـــري نفســـــك ،
أمــا هو فســـــــوف يريـــك  مـــــــــــا أخفيت وراء ظـــــهرك
          فيضعــــــه أمامــــك لــــــــتري قذارتك وتخجل منهــا ؛
    ولن يبقـــــــــي لك مجال للإصلاح .

كــــــــن مطيعاً مــا أمكـــــــن ومـــــــــا دام ساكتاً ،
                  لأنه آتٍ       ولــــــــن يســــــكت ،
                 ومـتى اتهمك  فلـــــن يبقـــــــي لك مجال للإصلاح .

 أعمـــل الآن مـــــا سيهددك بـــــه اللـــــــــــــــه ؛
قم من وراء ظهرك  حيـــث لا تريد أن تري ذاتك
                                 مختبئاً عن أعمـــالك .
وقــف أمام نفسك ،
أصعد قوس نفسك وقاضيهـــــــــــــــــــــــــــــا ،
                      واتخذ الخوف مهماز عذاب ،
                      ينتزع منـــك اعــــــــــترافاً .
تقول فيــــه لله :
                  ( أنـــــــــا عارف بآثـــــــــــامي
                   وخطيئتي أمامي في كل حين ) .

ضــــــــــــــع أمـامك
مــــــــــا كان وراءك
مخــــافة أن يضـــعك اللهُ ديانُك بعدئذ أمام نفسك ،
               فـــــــلن يبقي لك مجــال للهـــــرب .

أمـــــــــا إن انقضتْ حيـــــــــاتك بكرامة بين الناس .
ولــــــــــــم يجـــدوا  فيها مـــــا يستحق اللوم العادل
تبـــــــــدأ محاكمتك ، وفقـــــاً لقـــــــــــــــــــــاعدة ؛
فيتفحصك بنظــــره  ،ويجد فيك ما لا يرضاه القاضي
حتى ولو لم يجـــــد فيهـــــــــا حسُــــك البـــــــاطني
                        ولا الناس ما يسـتحق اللــــــــوم .

وإذ   تخشى هذه الأمور تضطرب ، فيسرّ إليك عقلك قائلاً :
ولما تخشى وأنت لا تســــــتطيع أن تتحاشــــــاها بالتمام ؟

  أرجُ الله وضع ثقتك فيه :
            الصـــــــــــــــــــلاة تشفيك من بعض الأخطاء ؛
            والاعتراف الصادق ينقيـك من البعض الأخــر .