الصفحات

الصفحات

في أنه لا يجوز التفريط بصبر الله ـ الفصل ( 16 ) من الكتاب الأول ـ خواطر فيلسوف القديس اوغسطينوس


الفصل السادس عشر
في أنه لا يجوز التفريط بصبر الله

 لا يظنن أحد أن رحمـــة الله تتــرك الذنــب بلا عقــــــــــــاب لأن الله عـــــــــــادل ؛
وليس واحـــد ممّن صــــــلح ســـــــــلوكهم يخاف قضاء الله  لأن رحمته سابقة له .
غالبـــاً ما ينقـاد الناس وراء الرحمــة فــي أحكــــــــــامهم ،
فتسـيطر وحـدها عليهم دون العــــدل ؛
ثــــــم يفقدونها أحياناً حفاظاً على صـرامة أحكـــــــــامهم .


أما الله فلا يفقد صــرامة حكمه في طيبـــه رحمته ،

                 ولا طيبة رحمته في صرامة حكمه .

حين تري الأبرار والأشرار على السواء
يتمتعون بنور الشمس عينــه ويستقون مـــن الينابيــــــــع ذاتهــا ،
ويثرون بفضل الأمطار عينها ويقتاتون مـــن ثمار الأرض عينهـا .
ويستنشـــقون الهـواء عينــه ويمتلكون على الســــــــــــــــــــواء ،
خيور العـــالم فلا تقــل أن اللــه ظـــالم ،
               لأنه يهب الأبرار والأشرار على الســـــــــــــــــــواء .

زمننـــا هو زمن رحمـــــة ، وليــــــــــس زمـن قضـــــــــــــــاء ،
ولــولا رحمـــــــة الله الآن ،  لما استحق إنسان يوم الدين أجراً .

الزمن زمن رحمة ، إذا أدت بـــك رحمــــــة الله إلــي التـــــوبة ،
فكّــــر بخطــــاياك ، وأصلحها الآن ، طالما أن الوقت متـاح لك ،
واجعـــــــــــــــــــل الألـــــــم فيــــــــك خصبــــاً ،
                       ولتكــــن توبتـــــك عقيمـــة .

ها هو يقول :
لقــــــــــــــــد أصدرتْ حكمي و لم الفظـــــه ،
                وأعلنتــــــــــه و لا مــــردَّ له ،
ولماذا تخاف وأنا القائل لك :
إن صلُحْت غيّرت قضائي ، الحكم قابل للتغيير ، أما العــــدل فباق .
العدل باق وعلى كل ذي سـلطان أن يخلّـــص  ، من يصلح نفسـه .

الله لا يرحــــم الخاطئ المصرَّ على خطأه بل التـــائب إليه ، إيـــــاه يرحـــــــــم .
واضع الشريعة هو عينة رب الغفـــــران : أرسل الشريعة ثم جاء مع الغفران .

بالشــــريعة صـــــــــــــــرتَ خاطئــــــــــــــــاً ،
وبمواضعها حللــــــــــــــت من خطـــــــــاياك .
أم بالأحرى فإنه لم يحــــلك من خطـــــــــاياك ،
             لأن الحل منها إقـــــرار بالـــبرارة .
             بل يترك لك خطاياك إن تبتَ عنها .

إن الله لا يريــــــــد أن يديــــــــن النــاس بل أن يخلصهـــــــــم ؛
ولهذا يرجئ حكمه ويصبر عليك لتنتقـل من الخطأ إلي الصلاح .
اللـــه صالح  ، وجواد  ، وصبور ،
      يرجئ  ، ولا يأخـــــــــــــــذ .

وأنت تحتقره متجاهلاً أن صبره عليك ، يجــــــــــــــــــــــــب أن
                                                 يقـــــودك إلي التــــوبة  :
{ ولكنـــك بقســـاوة قلبك تدّخــــر لنفســـك غضبـــاً ليــوم الغضـب
واعتلان دينونة الله العادلة الذي سيكافئ كل واحد بحســـب أعماله }
                                                               " رومية 6:2 "

مهما تعمل الآن يكن لك ذخراً :
إن صلحت حياتك أدَّخرت للســـــــماء أعمال رحمــــــة ســــــاعدت بهــــــــــــــا النــــــــــــــــــاس .
وســـوف تعرف مدي أمانة القيــــــمّ الـــــــــــــــــــذي يرعــــى كل ما عهـــــــدت بــــه إليــــــــــه .
ومع أنك لا تـــــــــــري ما تدّخــــر ، تطمئن إلي كنزك الذي لــــــــن يسـطو عليه لـــص وعــــــــدوّ .
ولـــــــن ينتزعه منك ذو سلطان أو أي إنسان شـــرير بــل يبقي لك إلي الأبد لأن الرب القدير يرعاه .

وإن كنـــت شــريراً وبعثت بما أتيت من شــر ، فإن الله يدخـره لك .
ويباشر الله يوم الدين باســتعراض كنوزك لتتعــرف إلي ما سلمت .
أصغ إلي قول الرب :
{ هاأنذا أحكم بين ماشية وماشية وبين الكباش والتيوس }
                                                  " حزقيال17:34 "

{ هاأنذا أحكم }
يا لهـــا من طمأنينــة ، أنه هو عينه يحكـــم فاطمئـــن ،
إن كنت صالحاً إذا لا يمكن لأي خصم أن يرشوا ديانك ،
ولا أن يتواطــــأ مع محـام ولا يخدعه شــــاهد ،
وبقــــــــــــــدر ما تطمـــئن إذا كنت صــــــالحاً ،
                     تخـــــاف إذا كنت شــــــريراً .
إذ لا يخفــــــــــي شــــيء على ذلك القــــاضي .

وعن نفســــك يســــــــألك ولا يســــأل عنــك أحــــداً ســــواك .
إنمـــا لا يسألك لكي يعرفك بل لكي يخجلك أمام ذاك القـــاضي ،
الـــذي لن يســـتطيع أحد أن يغشـــه . لا لمصلحتــك ولا ضدهــــا .
أعمل كمن لا يخـــاف قضــــاءه الآتي بل كمن ينتظره ويتوق إليه .

وهل تخشى حباتُ الحنطة الاهراء ؟ ما أطول الزمن الذي تتوق فيه الأهراء !
و بالنتيجة على من يصلون أن يقولوا بصدق من كل قلوبهم ( ليأت ملكوتك )
                                                                                          " متى1:6 ".

مـــن شأن الإنسان الشرير أن يرتجف قلبه رعباً ،
                                 ويتلعثـــم لســـــــانه .
حين ينطق بتلك الكلمـــات وكيف تقـــــــــــــول  : ( ليـــــــأت ملكـــــوتك ) ؟
هـــا هـــــــــــــــــوذا آت . وكيف يجــــــــــــدك ؟ اسع لأن تصلي بطمأنينة .

إن أحببت المسيح :
وجب عليك أن تتمنى أن يأتي  .
وممّ تخـــاف ؟ من هو الآتي ؟ ولم لا تفــــــرح ؟
أليــــس الآتي ديـاناً لك هو عينـــه الذي جــاء وحُكم عليــه بالموت بسببك ؟
لا تخش محامياً فاشلاً : ديانك الآتي هو المحـــامي عنك في الوقت الحاضر .

لو كانــت لك دعـوى أن تقدمها إلي قاض وأخبرت عنها محامياً فراح يدرسها ،
وقبل أن يتم دراستها علمـــــــــــــت  بأنه هو ذاتـه ســـــــــــوف يحكم فيهـــا .
ألا تفـــرح به قاضياً من كان لمدة وجيزة محـامياً لك ؟
لقد أصبــح هو عينه يصلي ويتوســـــــل من أجـــــلك ،
            وقــد كان لمــــدة وجــــــــيزة يســــــــــألك .

وهل تخــشى القاضي بعد أن أصبـــــح المســــيح محاميـــاً عنك ؟
أحــــــر بك أن تنتظـر مجيئه باطمئنان بعد أن كان عنــــك محامياً .

إن خفــــــت مــــــــــن القاضي الآتــي ،
 فسـارع إلي إصــلاح القاضي الحاضر ،

وهل تعتبر أمراً قليل الأهمية أن يبحـــــث ضمـــــــــــيرك عن أخطائك السابقة ؟
أصـــــلح نفســــــــــــك الآن حتى تتمكـن من إصلاح ذاتك في المســــــــــتقبل .