الصفحات

الصفحات

في الدينونة الأخيرة ـ الفصل ( 18 ) من الكتاب الأول ـ خواطر فيلسوف القديس اوغسطينوس


الفصل الثامن عشر
في الدينونة الأخيرة

نحــــــــن نعلم بأننــا ســـــــوف نمثــل أمـــام منــــبر المســــيح ،
ليقدم كل منا حساباً عن أعماله في حياتـــــه خيراً كانت أم شراً .


ونعلـــم بـأن كل واحد ينهض مع قضيتـــــه ،

ويمثــــــــــل أمام القضـــــاء بالطريقة عينها ،
               التي بها دخـــــل سجن المــــوت .

عليــــــك أن تهيئ منــــذ الآن قضيتـــــــــــك ،
             إذ لـــن تتمتكن من إعـــــــــــدادها بعد أن يغُلق الباب عليك .
أسمع ما جاء في الإنجيل :
{ اســــهروا إذن لأنكــــم لا تعلمــــون متى يـــــأتي رب البيــــت
أفي المساء أم في نصف الليل أم عند صياح الديك أم في الصباح
لئلا يأتي بغتة فيجدكم نياماً . وما أقولة للجميع أن يســـــــهروا }
                                                          " مرقس 35:13 ".

ولم يوجهّ كلامه إلي من كانوا يصغون إليـــه آنـــــذاك وحسـب ،
                          بــل إلي من عاشوا بعدهم وعاشوا قبلنـــا ،
ويوجهه إلينا أيضــاً وإلي من يأتون بعدنا حتى مجيئــه الثـــاني .

إســـــــــــــــــــهر كيلا يفاجئك الرب بمجيئه فيجــــــــــــدك غير مستعد .
لن يجدك مستعداً إذا لـــــــــــم تكن مستعداً في آخر يوم من حيـــــــاتك .

ومجيء ابن الإنسان هكذا يكــــون على حد قول السيد المسيح :
وكما كانوا في أيام نوح يأكلـون
            ويشــــــــــربون ويزوجـــــــون ويتزوجــــــــــــــــــون ،
            ويجــــــــــددون ويبنـــــــــــون حتى دخل نوح السفينة ،
             فجاء الطــوفان وأهلكم جميعاً .

هكذا يأتي الرب :
                    ويدين الوالغـــــــــــــين في شـرورهم ،
                              الجاحـــــــــدين لرحمتــــــــــه ،
                              المحتقـــــــرين لأناتـــــــــــــه .

وماذا يحدث بعد أن يـــــأتي  ويجمـــع الأمم كلهــــا للدينونـــــة ؟
                                   ويجمعهم لديه ،
كما جـــاء في الإنجيـــــــل ، ليمــــــــــيزهم
ويضعهم عن يمينه و يساره فيقـــــــــــــول للــذين عــن يمينـه :
( تعــالوا يا مبـــــاركي أبي رثوا المــــــلك المعد لكــــــــــــــــــم منذ إنشاء العـــالم ) .
                                                                                              " متى 32:25 "
خذوا الملك السماوي الأبدي للحيـــــــاة مـــــــع الملائكــــــة ،
       حيـــــــــــــــاة أبديــة لا ولادة فيهـــــــــــا ولا مـــــوت .
{ لقد جــــــعت فأطعمتمـوني وعطشـــت فسقيتمــــوني
 وكنت عرياناً فكسـوتموني وغريبــــــــاً فآويتمــــوني
 وسجينـــــــاً فزرتمـــــوني ومريضــــــاً فعضدتموني )
فيجيبونه قائلين :
( متى رأيناك ، يا رب ، متضايقــاً وسـاعدناك ؟ )
إذ ذاك يقول لهم :
( إن ما فعلتموه مع واحد من أخوتي هؤلاء الصغار فمعي فعلتموه )
خذوا ما أعطيتم وليكن لكم ما قبلتم ، لأنكم لهـــــذا سلمتموني إياه .

و يلتفت إلي الذين عن يساره ،
و يكشف لهم كنــــــوزهم الخالية من الأعمال الصالحة قائلاً  :
{ أذهبوا إلي النار الأبدية المعــــدة للثلاب وملائكتـــه
لأني جعـــــــــــــــــــــــت ولــــــم تطعمـــــــــــــوني } .
وإن وجــــدتم في كــنزي شـــــــيئاً بعثتـــــــم به إلي  فكّروا ها أنا أرده إليكم ،
فيجبونه قائلين :
متى رأيناك يا رب جائعاً ؟
فيقــــــول لهم :
ما لم تفعلوه مع واحد من أخوتي هؤلاء الصغار فمعي لم تفعلوه .

بالطبـــــــع أنتم ما عملتم بي شيئاً لأنكـــم لم تروني على الأرض ،
ولــــــــــــو رأيتموني لحَملَكَم ما انطويتم عليـــه مــن شــــــــــر ،
عـــــلى أن تصلوبنى كما فعل بي اليهود .

وفي الواقع
فإن الأشرار الــــذين يقاومون بناء الكنائس حــــــيث يتعلمون وصايا الله ،
ألا يصلبون المسيح لو وجدوه على الأرض حيــــــاً ؟ لكنهــــم تجاسـروا ،
وقالوا له :
{ متى رأينــــــاك جائعــــــاً } وكأنه يجهــل أفكـــــار النـــــاس .
أما هو فقد أجاب :
إنَّ ما لــم تفعلوه مع أخوتي هؤلاء الصغـار فمعي لم تفعــــلوه .
أنـــــــــــا وضــعت بقربكــــــم على الأرض اناساً لي بؤســـاء ؛
أنا الــرأس جــــــــــــالس في الســــــماء الى يمـــين الآب
و أعضائي تتألم و تشقى على الأرض ،
ولو إنكـــم أعطيتمــوهــم شـــــــيئاً لوصـل إلي الــــــرأس .
وعلمتم آنذاك أني :
أقَمْتُهــــم إلي جانبكم جبُاةً يحملون إلي كنزي أعمالكم الصــــــالحة ؛
وبما أنكم لــم تلقــــــــوا شـــــــيئاً في ايديهم فلم تجدوا شيئا عندي .
اذ ذاك يقولــــــون بأسف شـــــــديد بعـــــــد فــــــــــــــوات الأوان :
آه !
لو قُدّرَ لنا أن نعيــــــــش مــــن جـــــــــديد ،
لنحفــــــظ ونعمل ما قد أهملناه في الماضي .

ويردد أولئك الذين تشجبهم آثامهم ،
ما جــــــــــــــــاء في كتـاب الحكمة :
{ ماذا نفعتنــــــا كبريـــــــــــــاؤنا
 وماذا أفــــــادنا افتخارنا بالأموال ،
 قـــد مضي ذلك كله كالظــــــــل ؟ }