الصفحات

الصفحات

في أن الإيمان هو رأس الحياة الروحية ـ الفصل ( 5 ) من الكتاب الثاني ـ خواطر فيلسوف القديس اوغسطينوس


الفصل الخامس
في أن الإيمان هو رأس الحياة الروحية
الإيمان المستقيم هو رأس الحيــــاة الصالحـــــــة التي تحق لها الحياة إلي الأبد .
ويقوم الإيمـــان على القبول بما لا تري، وجزاؤه أن تـــري ما تؤمــــــــن بـــه .


زمن الإيمــــــــانُ هو زمن الــزرع .إحـــــــــــــــــــذر من أن يفــــوتك ؛
وثابر عليــــــــه حتى النهايـــــــة ، حتى تحصـــــــد ، مـــا زرعــــــتَ .                    

الإيمـــــــان بالله أولي الوصــــايا ؛ وهـــــــــــــــــــــو بداية الديــــــــن ،
                                                                   و    الحياة فيك .

ثبــــتّ قلبــــــك في الإيمـــــــــــــــــــــــــــان ؛  
                   ثــم عشْ حياةً صالحة مترفعـاً عن كل ما يغري متحملاً آلام هذا الدهـــــــــــــر ،
                   حتى إذا غالت في ملاطفتك أو في تهديدك لا يجرفك تيارها ولا تحطّمك شدًّتها ،
                   بـــل فليصمُد قلبك بوجهها .

لـــــن تحيا حياة صالحة إلا إذا بدأت تؤمن ؛
ومتى رعيـــــت الإيمان زيد لك البــــــاقي .

كثيــــــرون يفاخرون بأعمالهم ؛
وكثيرون ، مًّمن لا يؤمنون يأبون أن  يعتنقوا الدين المسيحي ،
             معتقــــــــــــــــــــــدين بأنهم يحييون حياة صـلاح ،
             مكتفـــــين بخيــــــور هـــذه الدنيــــــــــــــــــــــــا ،
             قائلين بضـــــــــرورة الحياة الصــــــــــــــــــالحة .

وبما يوصينا الســـــــيد المســـــــــــــــــيح ؟
     أيوصينا بــــــــــأن نحيــا حياة صالحة ؟
               هــــا أنّــــا نحيــا بالصـــــــلاح
              وليست لنا حاجة إلي المســـيح :

نحن لا نقتل ولا نسرق ولا نسلب  ولا نشـتهي مقـــتني غــــــيرنا        
              ولا نزنـــــي لا شـــيء في حياتنـــا يستحق اللــــــوم ،
              ومــــــــــــن لا منــــــا في شـــــيء صيًّرنا مسيحيين .

إن كل عمـــــــــــــــــل مستقيم يأتيـــــــــــه إنســــــــان
لا يمكـــن أن يكــون مستقيماً إذا لم يرتبط بتقوى الله ،
( وإذا لم يكن الإيمان ســـــباقاً ، فلا صَلاح في الحياة ) .

أسمع الرسول :
{ وبغير إيمان لا يستطيع أحد أن يرضي الله }
                                        "عبرا 6:11".
تظـــــــن أن أعمالك شجرات صـــالحات .
إنمـــــا ، يكفــــي لكي تكون غير صالحة ،
          أن تكون بلا ثمــــر أمام اللـــــــه .

لا تعتبر صالحاً عملاً أتيته قبل أن تؤمن ؛ لا صلاح حيث لا إيمان .
                   النيـــــــة تكونّ العمل الصالح على نــــور الإيمان .

لا تنظر كثيراً إلي ما تعمل ؛ بل أنظر إلي ما تبتغيه من عملك هذا ،
                                  ثم انظر إلي نشاط إرادتك الصــالحة .

تصوَّر  ربَّــــــاناً يقود سفينته بمهــــــــــــارة وقد ضيـــع وجهة ســـــفره ؛
إذ ذاك ماذا يفيده أن أمســـــــــك جيــــــــــداً بدفة السفينة ووجهها بحكمة
                      وجابه الأمواج بمقدمتها وحفظ التوازن لجانبيهــــــــا ؟
وبالرغم من تلك الجهود الجبارة التي يبذلها ليسير بالسفينة حيث يشاء ،
          هبْ أن واحداً سأله قائلاً: إلي أين ؟
وهب أنه       
أجاب :
لا أدري أو { إلي هذا الميناء } ثم اصطدم بصخرة وتحطم .
أكيد أن ذاك الرجل الذي يقود سفينته بمهارة وقدرة نادرتين يسير بها حتماً إلي الغرق .

تلك هي حــــــــــــال من يعدو بسرعة خارج الطريق ،
أليس من الفضــــــل لهذا الربــان أن يكــــــــون أضعف مما هو عليه
دفة سفينته بصعوبة وحذر ويحافظ على الوجهة الواجب أتباعهــــا ؟
ليته أقل نشاطاً و حذقاً وسار في الطريق ولم يسرع خارجاً عنه .

ممتاز هو ذاك الذي يتبع الطريق ويسير عليه سيراً حسناً ،
             ثم يتبـــــــــع خطــــــــــــــــاه أخر ؛
           وإن تأخر أحيــــاناً فلا يتأخــر عن ضــــــــــلال ،
            أو ليبقي ؛ بل لكي يتقـــــــدَّم على مهــــــــــل .
           إننا نرجو وصــــول من يحب أن يصــــــــــــل
           إلي غايتــــــــــــــــــــــــــــــه ولو متأخـــــــراً .

تأمّل هذه المقارنة : الإيمـــــان في النفس جذر صالح يُخصبُه المـــطر .
                         والكفـــر أصل الشرور كلها وشبيه بجذر الشوك ،
                         الــــــذي إذا سقطــــــت عليه قطـــــــرات قليــــلة
                                    من المطــــــــر حوَّلتــــــه إبـــراً حـــادة .
                         لا جمال في الجــــذر الصالح إنما جمــــاله كامن
                                    في باطنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه .

حين تنظر إلي شجرة جميلة مخضوضره تعجب بها ويطيب ،
            لك أن تتنـــــــــــــــاول مــــــــــــن ثمــــــــــــرها .
           وأن تستريح في ظلها أثناء الحر وتمتدح جمالهـا .
          وإذا كشف لك عن جذورها فلا تحتقر ما خفي منه .
           إذا عنـــــه ينبثــــــــــق ما يروقـــــك حسّـــــــــه .

كل ما ينطلق من الإيمان عظيم ؛
وهكذا فقد تعوَّد الجهـــــــال أن لا يقدروا أساس البناء حق قدره .

في البـــــــدء تحفر حفرة عميقـــة ثم تردمها بالحجـــارة بلا جمـال ولا رونق ،
وتنظر إلي الأساس ولا تفـــــــرح به ثم تنظر إلي البناء وقد ارتفع فتتعجب به !
يا أحمــــــــــــــق ، إن ما أعجبت به مرتكــــــــــــــــــز على ما احتقــــــرته !!

تلك هي حالك : إن لم يكــــن الإيمان فيك ســــباقاً فلا مجال لحياة صالحة .
                   إن لم يستقم إيمانك فلست باراً ؛ لأن البار بالإيمان يحيــا .
                 وإن لم يكــــــن فيـــــك إيمـــــــان فلا مجال للصــــــــــــلاة ،
                           تصلي لمن لا تؤمــن به ؟
                         الإيمان هو ينبوع الصلاة .

ويُظهُر الرسول أن الإيمان هو ينبوع الصلاة
وأن الساقية تجف متى جفت ينابيعها قائلاً :
{ وكيف يدعون إلي من لم يؤمنوا به }
                      " روميه 124:10 ".

و بالنتيجة آمن لكي تصلي : وصلّ حفاظاً على إيمانك الذي به تصــــلي .
الإيمــــان يفيـــــض صلاة : والصلاة المفاضــة تقـــــــــوّي الإيمــــــــان .
                                  وحفاظـــــــاً على الإيمــــــــان من التجارب .      

قال السيد :
{ اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة }
                                " لوقا46:22 "
الدخول فـــــي تجربة خــــــــروج عـن الإيمان
و بقدر مــــــا يضعــــــــــــــــــــف فينا الإيمان
         تقوي علينا التجربة
و بقدر مــــــا نقاوم التجربة يقوى فينا الإيمان .

الإيمــان النقي يحيــــــا وســــط
                تجارب هذا العالم
                وضيقـــــــــــاته :
العــــــــــــالم يهــــــــــــــــتز ؛
أما الإيمـــان فلا يتزعــــــزع .

آمـــــــــــــن تصبحْ أهلاً لأن تفهــــــــــــــم :
               على الإيمان أن يسبق الإدراك ،
                                   ليكون الإدراك   جزاء الإيمان .
              
 والنبي أوضح هذا الأمر حين قال :
{ وانتم إن لم تصدقوا فلن تثبتوا }
" أشعياء 9:7 ".

مـن الــــــلازم أن تؤمن بما تبشر به ببســـــــاطة ،
                 لأن غاية العقــــــل أن يناقش بدقة .
بالإيمـــــــان تتحد ،
وبالعقـــــــل تحيا .
يجب عليك قبـــل كل شيء أن تتحد بواسطة الإيمان ،
                                     لتحيا بواسطة العقـــل .

 إن لم تتحــد تقاوم ؛
وإن كنــــــت تقاوم فلست مؤمناً .
وإن كنــــــت تقاوم فكيف تحيــا ؟
انك تجعـــــل نفسك عدواً لشعاع النور الداخل فيك  ،
                حين لا تشــــــــيح بنظـــــــــرك عنه ،
                بــــل بعقلك وتقــــــــول :
كل واحد على الإطلاق يريد أن يفهم .
فمن الواجب علىًّ إذاً أن أفهم حتى أؤمن .
فأجيب آمنْ تفهم . الإيمان مرقاة ،
عليها ، تبلغ الفهم ، والفهم جزاء الإيمان .

للإيمان نور خُص به دون سواه من الكتب المقدسة والأنبياء والإنجيل والقراءات الرسوليه .
إن كل من يقرأ في حينه لهو شبيه بسُرج في ظلمة تساعدك على أن تري النور .

يا أحمـــق ، أتـــريد أن تصعـــــــد و تنسى المرقاة ؟؟ !!
لو تمكنـت الآن من أن أريـــــــك مـا سوف تــــــــــــري
                       لما حرضتك على الإيمـــــــــــــــان ؛
لأن الإيمان :
              ( هو الإيقان بحقيقة الأمور غير المرئية )
                                          " عبرانيين1:11 " .

أعطـــــــاك اللـــه عينـــــين جســــــديتين و عقـــــلاً باطنيــــــاً :
أيقظ عقل قلبـــك و أرفـــــع الســــــــاكن فــي عينيك الباطنيتين ،
ليفتــح نوافــذه و يتــــــــــــــــــــــــأمل فــي خليقة اللــــــــــــه .
في باطنك يقيم من ينظــــــــــــــــــــــــر مــن خلال عينيـــــــــك .
                  إذا فكرت بعكس الحقيقة التي فيــــــــــــــــــــــك ،
                  فلا تــــــــــــــــــــــــــري مــا هو أمامـــــــــــــك .

عبثاً تُشرع النوافذ فــي غيــــــــاب من يحُبّ أن ينظر خلالها .
الأعين لا تـــــري إنمــا هنــــــــالك من يري بواســـــــــطتها :
                            أيقظـــــــــه و أرفعـــــــــــــــــــــــــه !
                      أرفع نظر العقــل و اسـتعمل عينيك كإنسان ،
                      أنظر إلي السماء و الأرض .

إلي السماء الجميلة والأرض الخصبــــــــــــــــــة و الطـــــــيور الطائرة
                         و الأسماك السابحة في المياه و إلي الزروع النامية
                         و الأوقات المنظمـــــــــــــــة .
تأمـــل هـــذه كلهـــا و أبحـــث عن صانعها أنظر إلي ما تـــــــــــــــــــري ،
                         و أســــــــــألْ عمَّـــــــــــــــا لا تــــــــــــــــــــــــري .

آمـــــن لمــــــا لــــــــــم ترَ من أجل الأشياء التي تراها .
زمن الإيمان زمن شاق ، ومن ينكـــــــــــــــــــــــــــــره ؟
                                إنما العمل موعود بالمكــافأة .    

لا تكن كسولاً في عمــــــل ترجو عليه أجـــراً .
الإيمان يدرك ما لا يدركـه العقل البشــــــــري ،
                وحيث يعجز العقل ينمو الإيمان .