الصفحات

الصفحات

في أن التواضع ضروري لبلوغ الإيمان ـ الفصل ( 6 ) من الكتاب الثاني ـ خواطر فيلسوف القديس اوغسطينوس


الفصل السادس
في أن التواضع ضروري لبلوغ الإيمان
دواء مرضـــــــك تواضـــــــــــــــــــــع المســـــــــيح ،

ولا هـــــــلاك لك إلا إذا أصبـــــــــــــت بداء الكبرياء ؛
                    الخطيئـــــــــــــــــــــة فيـك الكبرياء ؛
و البر ضروري أصلاً لمقاومة الخطيئة في أصــــلها .

إن  كانت الكبرياء أصل كل خطيئـــــــة ،
فأنيّ لورم الكبرياء
أن  يشفي لـــــولا تنازل الله واتضاعه .

و لــــــــــذلك فقد تنــــازل السـيد المسيح
و اتضع مبيّناً لك الطريق الواجب سلوكه إذا شــئت .
إتضاع الرب في نظـــــر المتكـــــــــبرين غير لائق ؛
              ولذا فالشفاء بعيــــد منهــم .

لا ترتفـــع ، بل انحــدر إذا شــــــئت أن تشفي .
            وإذا شـــئت أن تبلـــــــغ إلي ســـموّ الله فأبحــــث عنـــــــــه  أولاً في تواضعه .
أتضـــــــع إن شـــئت ؛ فالتواضع مفيد لك لأن الله قد أتضع من أجلك وليس من اجـــــله .

خذ المسيح المتواضع وتعلّم منه التواضــــــــــــــــــع ؛ إياك والتكبر .
حين تأخــــذ تواضعه ترتفع معه ،
                         وترتفع ليـــس كما يرتفع هــــو .
                          بل انه يرفعك معه رويداً رويداً .

في البدء كـــان عقلُك متأرجحاً بين الشـك واليقــــــــــــــــــين :
          أمــــا بعـــد فســـوف تفهم بثقــة و وضـــــــــــــــوح .
هــــــو لا ينمو أمـــا أنـــــت فتدنــــو منه و كأنه مرتفعُّ معك .

آمــــن بوصايا الله وأعمـــــــــــل بموجبهــــا ،
                      ليعطيك القدرة على الفهم .

لا تعتـــدَّ بعلمـــــك ولا تؤثــــــره على وصيـــــــــــــة اللــــه
                       مخـــــــــــافة  أن تخسر قدرتك وتضعف .
أنظر إلي الشجرة كيف يبدأ النمو من أســـــــــــــــــــــــفلها
                                         ثم ترتفــــع في الجــــــــــو .
جذورها في الأرض ورواسيها إلي الســــــــــــــــــــــــــــماء .
وهل تستطيع الشجرة أن ترتفع في الجــــــــــــــــــــــــــــــــو
إذ لم تعتمــــــد على جذورهـــا في الأرض ؟

إن شئت أن تبلــــــــغ السموات ،
بمعــزل عن التواضع والمحبــة ،
         فـلا أصــــــل لـــــــــــك .

حينذاك تطلب الهلاك ، لا النمو وتبتغي الريـــح .
المســــــــيح يســكن في قلبــك بالإيمــــــــــــان ،
تأصل في المحبــــة واثبت فيها لتمتلئ من الله .

أسمع شهادة الرب القائل :
( أعترف لك يا أبـــــــت ، رب الســــماء والأرض ،
إذ أخفيت هذه عن الحكماء والعقـــــــلاء وكشفتها للأطفال )
                                                  "  متى25:11 ".

لا تفهم هذا الكلام بغير معناه :
                                     لقد أخفاها عن الحكماء والعقــــــــــــلاء
                                    ولم يكشفها للجهـــــــال والبلهــــــــــــاء ،
                                    بل أظهرها للأطفــــــال .
                                    لم يضع مقابل الحكماء والعقلاء الجهال ،
                                    والبلهـــــــــــــــــــاء ، بل الأطفــــــــــال .
                                                             

ألم يعن الرب بالحكماء والعقــلاء أولئك المتكبرين حــــــين قــــــــال :
                                        ( لقـــد كشــفتها للأطفـــــــــــــــال ) ؟
                                          لقـــد أخفيتهــا عمن ليسوا صغاراً .

ومـــــــــاذا يعنــي بكلامه هذا ؟
يريــــــد : عمَّن ليســـــــــــــــوا متواضـــــــــــعين ؛
ومن هــــم غـــــير المتواضعين ســـــوى المتكبرين ؟
كن طفلاً ، لأنـــك لو شئت أن تكون كبيراً نظــــــــــير
            الحكيم والعاقل فلا تنكشف لك طريق الرب .
اسمع الرسول :
{ زعموا أنهم حكماء فصاروا حمقي }
                               " روميه 22:1 ".

أتخذ لك علاجاً يضاد هذا القــــول :
                         إن كنت تصير جاهلاً لمجرد ادعائك الحكمة ،
فمــــا لك ســــــوى ان تعــــــــترف بجهلك لتصـــــــــــير حكيماً .

ولكــــــــــــــن قـــل هذا القول وفكر به باطنيـــاً ،
      ـــــــــــــ       لأن الحقيقــــــــة باطنيـــــة .
وإذا قلــــــــــــــت ، فل تقل أمام الناس وحسب ،
                        بل فليكن كلامـــك أمام الله .

يقوم المعتقد المسيحي على التواضع ويوصي به ،
 فلا تفــــــاخر أنـــــت ألا بصليب ربنا يسوع المسيح .
                                                     " غلاطية14:6 ".

ليس من الحكمة أن تفاخر بحكمة المسيح
إنما خـــــــير لك أن تفاخر بصليبـــــــــــه
                   من اجله يحتقرك الكــافر ،
                          و  يمتدحك التقــي .

إن المسيحي يفاخر بما يحتقره المتكبر .
قال بولس الرسول أنه  :
( لا يعرف شـــــيئاً ألا يسوع المسيح
                     وإياه مصـــــــلوباً  )
                          "1كور2:2 ".    
إذا كــــــانت معرفته محصورة بهــــــــــذا الشــكل ،
    ــــــ      فمعرفة البــــاقي مضمــــونة لـــــــه .
أنه لشرف للإنسان أن يعرف المســــــيح مصلوباً ،
لكــــــــــن المسيح قد وضع كنزه أمــــــام الصـغار
           وكـــــأنه خفــــــــــــــــــــــــــي .

ما أكـــــــــثر غني هذا الكـــنز البـــاطني ؟
احــذروا منه أن يسلبكم أحد بالفلســــــفة
و الغـــــرور البــــــاطل حسب سنّة الناس ،
عـــــــــــلى مقتضـــي أركــــان العـــالم ،
لا عــــــــلى مقتضـــي المســــــــــــــيح :
           ( المكنون فيه جميــــع كنـــــــوز الحكمة و العلم )
                                                 " كولسي 3،8:2 ".

احذر من أن تسلبك الحكمــة بإســـــــمها .
و لـــــذلك فأطــــــــــــــــــلب الكنز المخفي وصلّ كي ينكشــــف لك .
أيهــــــــــا الفيلسوف العالمي الأحمـــــــــق تطلب ما ليس شــــــيئاً ،
                                                    و تغُفل ما هو كـــنز لك !!

و ماذا ينفعك العطش إلي المعرفــــة يا من تمـر أمام الينبــــــــــوع ،
و لا تتوقف عليـــه ؟ تحتقر التواضع لأنــــــــك لا تعترف بالعظمة ؛
لكن الحكمة تصـــغي إلي ما تـــــأبي الكبريــــاء أن تصــغي إليــه .

لا  تطلــــب ما يرتفع في قلبك ،
بل أطــــلب ما يســـتحق قلبك ،
             أن يســـــمو إليـه .

إن تعلمـت أن تفتخر بالمصلوب ،
           أخذت المجـــــــــــــــد ،
           مـــن المـــــــــــــــلك .

كثيرون رأوا الهــــــــــــــــــــــدف ،
          ومـا اكتشفوا السبيل إليه .

لقــــــد أحبوا الوطن العلـــوي ،
       وجهلوا سبيل التواضع .

أبحث عن كـــــــــنزك في ما تخجل منـه الفلسفة المتكبرة ،
لأنــك لن تســــتطيع الوصـــــــول إلـي  كــــــــــــــــنزك ،
        إذا احتقــــرت الحجـــــــاب الذي يغطيـــــــــــــــه .

فــي التواضع العظمة ،
وفي الضـعف القـــوة ،
وفي المــوت الحيـــاة ،
إن أردت الوصول إلي الواحد ،
فلا تحتقــــــــــــــــــر الأخـر .

لا تستكبر ، فالإيمــان نعمــــة من الله تعُطي مجــاناً ،
                         و ليست أجـــــراً على عمــــل ؛
                بـــــــل رحمـــة من قبل المعـــــــطي .
                إيمـانك هبــــــة من اللـــــــــــــــــــه .
                وليــس حقــــــاً لك .

أسمع قول الرب :
( لا يقدر أحد أن يقبل إليّ ما لم يعط له ذلك من أبي )
                                              " يوحنا66:6 ".

ويُمـــارس هذا العنف على القــلب ،
              و ليــــس على الجسم .
آمنْ  فتأتي و أحـــبب فتُـــــــدعي .

عذبـــــة هي تلك الشدة وطيبـــــة ،
           وطيبتهــــــــا تدعــــوك .

النعجة الجـــائعة تندفــــع إلي العشب حيث تراه ! أليس كذلك ؟
هلمَّ إلي المسيح ولا تخف من طول الطـــــــريق : آمن وتعال .

يقُبــــــل الإنسان إلي من هـو فـــي كـــل مكــــان ،
                     سالكاً سبيل الحب دون البـــحر .

وبمـــــا أنــــــه طريق محفــــوف بشتى التجارب ،
                                       والعواصـــــــف ،
                                       والأنــــــــــــواء ،
آمن بالمصلوب يكـــن إيمانك على خشـبة الصليب في مأمن منها ،
                  إذ ذاك تُحمــل على الخشــــــــــــبة
                                       و تنجــــــــــــــــو من الغـــــــرق .

إن كنت مؤمناً فأفرح بما أعطــــــــيت ،  أشكر ، بقلب متضـــع ،
                  الربّ الذي أحسن إليك ،  لئـــلا تخســـــــــــــــر ،