الصفحات

الصفحات

في التقوى ـ الفصل ( 4 ) من الكتاب الثاني ـ خواطر فيلسوف القديس اوغسطينوس


الفصل الرابع
في التقــــــــــــــــوى

حكمة الإنسان تقواه :
هذا ما جاء في كتاب أيوب البار :
( حيث قالت الحكمة عينها للإنسان . أن خشية الرب هي الحكمة )
                                                                       " أيوب28:28 ".
فضلاً عن أن التقوى عبادةُ الله ولا يُعبد الله إلا بالمحبة .


و بالتالي ،

فالتقوى السامية الأصلية مرتكزة على هذه الوصية الأولي القائلة :

{ أن تحب الربّ إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك } " متى  37:22 ".

ولهــــــــــــذا ، فالتقـوى هي :
أن تحب الله ولا تُفــــاضُ في قلوبنا المحبةُ ،
إلا بواسطة الروح القــــــدس الذي أعطيناه .

وعليـــــه ، فإن : التقوى أو عبادة الله الحق ، عبادة صحيحة مفيدة للجميـع ،
وهي التي تبعد عنَّا متاعب الحياة أو تخففها وتؤدي بنا إلي الخلاص والحياة ،
حيث لا وجع بل تمتعّ دائم بالخير الأبوي الأسمى .

إني أحثك على  :
أن تبلـــغ هذا الخــير ، ما أستطعت إليه سبيلاً ،
وأن تحافظ عليه باستمرار كما أشتهيه لنفسي .

أقـــــــــــــــــــــرع باب الحياة بقداسة حياتك يفتحه لك إله الحياة .
سل وأطلب وأقرع بقلبـــــــك لأن الله يفتـــــح للســـــــائل بقلبـــه .

وعلى القلب أن يكون ورعاً ليسأل وفقـــــــاً لنظــــــام ،
                                 ويقرع حيث يجد أن يقرع ،
                                 ويطلب ما هــــو نافـــــــع .

تقوم التقوى على أن : تحـــــــــــــــبَّ اللــــــــــــــه مجـــــــــــاناً ،
              وعـــــلى ألا تطلب خارجاً عنه المكافأة التي ترجوها .

إذ لا أحد خيرُّ منه ، وهل يسأل الله شيئاً ذا قيمة مم لا يحترم الله ؟
أنه يعــطي الأرض ، أنت تفرح يا من تحب الأرض فتصير أرضاً .

إن كنــــــــت تفـــــــرح حين يعــــــــــــــــــطي الأرض :
فكم يكون فرحكُ عظيماً حين يعطيــــــــــــــك ذاتـــــــه ،
                                   صانع السماء . والأرض ؟

أنت تبحث كيـــف ترضي الله ؟
وماذا تقدم له ؟ قدم له نفسك .

وماذا يطـــلب منك الــــرب ســــوي ذاتــك ؟  
لقـــــد خلقك أفضــل مخلوقات الأرض كلها ،
وبحث عنك بعيــداً عنــك ؛ لأنك كنت تائهـاً ،
فأحتقر ما أنت الآن لتصــير ما لست الآن .

أصلحْ نفسك وســـــبح الله في يسرك ،
               وأشكْ نفسك في عسرك .

يوم تأنفُ من فســــاد فيـــك : وتصلح نفسك بمساعدة خالقك ،
                                     تستقيم وترعي التقــوى والبر .
إن خدمت الله حباً بالزمنيات : لم تكـــــن نيتـــــك مســــتقيمة .

إنك تراقب من لا يعبدون الله :
                                    فتجدهم يملكون خيوراً تتوق إليها بطاعتك لله ،
                                    قائلاً في قلبــك : وأي نفع لي من طـــاعة الله ؟
                                    وهــــــــــــــــــل أمــــــــــــلك ما لـــــــــــــذلك
                                                        الذي يجــدفّ عليـــه كل يـوم ؟
                                    أصلي فأجوع  ؛ ويجدفّ فيعيش في بحبوحــة

إن وضعت همـــك في هذه الأمـــور ،
كنـــت ذلك الإنسان القديم ،
لو كنـــــت الإنسان الجديد لرجـــوت
            الميراث الجديد لا القــديم .

إن رجوت الجديد دُســــــتَ الأرض واحتقــرت مجد العظمــاء ،
ومــتى احتقـرت هذا كله تواضعت لئلا تـــــزلَّ إن إرتفعــــت .
أرفــــــع قلبــــك إلي العلى إلي جوار الـــرب ، ولا تخــــــالفه .

المتكــــــــــبرون يرفعون قلوبهم إلي فــوق ،
                     ولكنهم يخالفــــــــون الله .

إن أردت أن يكون قلبك فوق فألزم الـــــرب .
وإن كان قلبـــــــــك ملازمـــــــــــاً للـــــرب ،
فالــرب يمسك به ، لئلا يسقط على الأرض .

أكــــــــــرم الله يكرمــــــــك الله ،
إن أنــــــــــت أكرمــــــــت الله ،
فلست تصّيره أفضل مما هو .

أنت تكــــرم الله عابـــداً إياه لا حـــارثاً له .
أما هو فيكرمك كما يحرث الحارث حقله .
وبذلك يجعلك أفضــــــــــــل ممـــــا أنت ،
كالفــــــــــلاح الذي يحرث الحقل فيصيّره أفضل مما كان ،
                 ويطلب فيـــك الثمـــــرة عينها ، تكريماً له .

إكرامه فيك ، ولذلك لا ينفك ،  
ينزع بكلمة ، من قلبك بذور الشـــــــــــــــــــــــر ، ويفتحه بالوعظ كما بالمحراث ،
ويـــــــــــــــــــــــزرع بذور المشورات الصالحة  ، منـتــظراً التقـــــــوى ثمــــرة .

وثمرتك هذه لا تكُثر غناك ؛
بل تزيد ســعادتك ويلازمك هــــذا الشعور إن كنت حقاً تحـب الله .

وحـــين تقبل راضياً بالعناية التي أحاطك بها ، تقدم لــه إكراماً ،
ولا تنكر فضل الحارث عليك إنما تعطيــــه ثمـــــرة  بها يفــرح .

وإن أردت أن تكــــون ســـعيداً  :  فلا تموت في خيور أحبتها وبين ملذات الأرض وشهواتها .
فقد تكرم الله وترفع إليه الصلاة  لتحيا طويلاً فيها وتحتفظ بكل ما هو لك
                                        فلا تفقد مثلاً لا الذهب ولا الفضة ولا ما يشبع لذة النظر فيك ،
                                       وتطلب لأصدقائك ولبنيك ولزوجتك ولزبائنك أن لا يمــــوتوا ،
                                        وتــود لو تعيش إلي الأبد في وسط تلك الملذات .

وبما أنك  : لا تسـتطيع أن تحيــــا إلي الأبـــــــــد ،
تفهم أنك  : صـــــــــــــــائر إلي المــــــــــــــــوت ،
فتكرم إذ ذاك الله وتبكــــي أمــــامه وتســـــأله أن :
          يبقي لك تلك الأمور حتى أيام شيخوختك .

ولو أن الله قال لك :
ها أني جعلتك وسط هذه التي تحبها خالداً إلي الأبد ،
لاعتبرت كلامه هذا خيراً عظيماً ولما استطعت أن :
تضبط نفسك في نشوة الاعتراف بالجميل .
الرجـــــــــــل التــــــــــقي : لا يسأل شيئاً كهذه ،
لأن من يكـرم الله  بتجرد : يرغب في التـــــأمل بمحـــاسن الله ،  
                                                          طول أيام حياته .

لا تســـأل الله : ما يدعوك هو عينه إلي أن تــــــرذله .
جزاء التقوى : حيــــــــــــــــــــــاةُّ إلي الأبـــــــــــــــد .

لا تؤخرُّ توبتك إلي الله يا من تثقُ به جزاء لـــــــــك ، أنــت الذي تتجــــــه إليـــــــــه .
                           أنـــت تثق به جزاءً موعوداً ،  برغم انـه لم يسمح لك بالتأخر .

ويوم أستأجر رب البيت عمّالاً لكرمه :
هل قال له عمال الساعة الثالثة : رويدك نحن لا نذهب إلا في الساعة التاسعة ؟                                        
أم قال له عمّال التاســـــــــــعة : لـــــــن نــــــأتي إلا في الحــــادية عشــــرة ؟
وطالمــــــا أن الكل يتقاضون الأجرة عينها ،
فلمــــــاذا نرهـــــق أنفســــــنا بالتعــــــب ؟

إن الذي يأتيــــــــــــــــــــه رب البيــــــــت ،
ويعطيـه هو أمر خاص به دون ســـــــواه ،
أمَّا أنت فتعــــــــــــــــــال سـاعة يدعـوك .

ومع أن المختارين يتألقــــــــــــون وفقـــــاً لاستحقاقاتهم :
هذا يتألَّـــق أكــــثر وذاك أقـــــــــل فالجميع يتسـاوون في السعادة الأبدية ،
لأن الأبـــــــــــــديًّ لن يكون طويلاً بالنسبة إلي هــذا ،

                                وقصيراً بالنسـبة إلي ذاك ،
لأن ما لا ينتــــهي ، لا ينتــــهي بالنســـبة إليـــــــك وإليّ على الســواء ،
ويتسـاوى الجميع أمام الجزاء إنما المهم أن تعرف ساعة بدء العمــــل .

هـــبْ أنــــك دعيت الساعة السادسة في نضرة شبابك ،
                أبــان الساعة السادسة ، وأجبــــــت الله :
رويدك رب ، ها قد سمعت في إنجيلك :
               بأن الكل يأخـــــذون الأجـــــرة عينهــــا ،
لهذا حــــين أصبح شيخاً  في الساعة الحادية عشرة ،
              أجيء إليك ولما المــــزيد من الشــــغل ؟
أتـــــــــدري إن كنت ستصل إلي الشـــيخوخة أم لا ؟

إن دعيت في الســـــاعة الســـادسة فتعــــال ،
في الواقع لقد وعـــــدك رب العمــــل بالأجــر،
           الذي وعد به عمّال الحادية عشرة ،
و لكن ، من يضمن لك البقاء حتى الساعة السابعة؟ اني اقول لك حتى الساعة الحادية عشرة
           بــل حـــــــــــــتى الســــــــــــــابعة .

ولم ترجئ تلبية من يدعوك ؟
                      يا من تأكدت من الأجر ولم تتأكد من اليوم الأخير ؟؟

إن صحّ هذا الكلام في الأولاد المدعوين ، الســـــــــــاعة الأولي ،
                    والفتيـــان المعينَّــــين ، للســــــــــــاعة الثـــــــــــــالثة ،
                    والشبان الشــهوانيين ، عمــال الساعة الســـــــــادسة ،
                     فأحـــر به أن يصح في عمّــال الساعة الحادية عشرة ،
                                  الهرمين  ؛ أجل هي الساعة الحادية عشرة ،
                                  لا تزال تنظر أيها المتخــاذل عن المجـــيء.