الصفحات

الصفحات

ميامرماراسحق ـ الجزء الثانى ـ الميمر التاسع عشر ( كامل ) ـ المعرفة الحقيقية ـ التجارب التي ترشدنا إلي الحق.



الميمر التاسع عشر
المعرفة الحقيقية.
التجارب التي ترشدنا إلي الحق .

                   
الجهاد على الجميع :
إن الآلام ( أي الشـهوات ) الجسـدية :
                    لا تحارب فقط الضعفـــــــــــــاء و المتهـــــــاونـــــين و غير المختبرين ،
                     بل أيضـــــــــاً الذين و صلوا للتخلص من الآلام و بلغوا كمــال الضمير ،
                                         و اقتربــــوا إلي النقـــــــاوة الجزئيـــــــة
                      التي تعتبر كأنها موت( للجســـــــديات ) ،  وأصبحوا فــــــــوق الآلام
                      لكن طالما هم في هذا العالم و حياتهم مرتبطــــــة بالجسـد المتألم ،
                      فعليهــــم الجــــهاد لأن القتــــــــــال قائـــــــــــــم .

ويحـــــــــدث أن تتخلى عنهـــم ( النعمـــة ) 
                     و هذا من عمل الرحمة خوفاً عليهم من الزلل بسبب حرب الكبرياء ،
                      و كم من مرة يزلون ثم يتعبون أنفسهم بالتـــوبة فتقبـــلهم النعمة .

تقلب الأفكار

   إن الطبـــع الناطق ( أي البشري ) معــــــــــرض للتغـــــــــير دون استثناء ،
         فيحــــــــــــدث كثــــــــيراًَ لكل أحــد ، وفـــــــــــــــــــــــي كل الأوقات .
 العارف يســـــتطيع أن يتعلم من التجـــارب التي تعــــــــــرض له كل يـــــــوم ،
  فهي تزيده حكمة إن كــــــــــان متحفظاً لذاته حارساً لما اقتناه  )من فضائل)
 عندما يتعـــــــــــرض الفكر للتغير كل يوم ،
 فكم ينقلب من هدوئه  ، إلي الاضطراب بغتة ،
دون أن يكون هناك سبب لذلك ،
وقد  ( يكون هذا التحول ) أمراً خطيراً جداً لا يعبر عنه .

 وهـــــــــــذه ( الحالات ) كتــب عنهـــا القديس مكاريوس بعناية شديدة واهتمام
 لتذكرة الإخوة وتعليمهم لئلا يميلوا إلي قطــــع الرجـــــاء ،عند التغيرات المضادة ،
 فالقائمـــــون في مرتبة النقاوة يحدث لهم في بعض الأوقـات عوارض ضــد غرض
 وقصــــــــــد نياتهم مثلما يتغير الهواء ،
 وهـــــم لم يكونوا متهاونين أو منحلين ، بل كانوا سائرين بحميتهـــــم ،
 ويشــــــهد بهذا القديس مرقس عن تجربة حقيقيـــــة دونها في كتـــاب ،
 و هـــــــــذه تثبت حقاً وتزيد التأكيد
 لئلا يظــــن أحـــــــد أن ما قــــــاله القديس مكاريوس في رسالته
 كان كيفما اتفــــــق و ليـــــس عن اختبــار حقيقي ،
 وهكــــــذا من شاهدين حتى يقتنع الفكـــــــــــــــــر بغير تشكك أو تردد ،
و يتعــــــزى وقت الحاجة والضرورة ، قل :

 " إن التغيرات تحدث لكل أحد مثل الرياح " ،
انتبه لقوله " كل أحد " ،
لأن الطبع ( البشري) واحد
 فلا تظن أنه يحدث فقط للضعفـــاء الحقــــيرين
 و أن الكاملـــين تخلصوا وتحروا من التغــــــــير
و أنهم قائمون في حالة واحدة هي عدم التغير
 و لا تتحــــرك فيهم الآلام حسب قول ( أصحاب بدعة )  المصلين .
لأجل هذا أوضح بقوله إنها " لكل إنسان " .

ما معنى قول القديس :
 " في وقت برد وبعد قليل حرارة ؟ "
 ( ففي وقت التقلبات الجويـــــة )
 يكون برداً وبعد قليل صحـــــــــــــــــــو ، هذا لنمونا ولتعليمنا
و قت قتال ، ووقــــت معونة من النعمة .

 وقت تقع على النفس عواصــــــــف وتتواثــــــب عليها أمواج صعبة ،
 ثم يحدث التغـــــــيير ، فتفتقدهما النعمـــــــة
وتمــــــــــلأ القــــــلب فرحـــاً وســـلاماً إلهيـــاً 
وأفكــــــــــــــــــــــــاراً عفيفـــــــــــــــة سلامية  .
و قـــــــــــــــــــــــــوله " أفكــار عفيفــة سلاميـة " يشير بوضوح أنها
 تحــــــل بــــــــــــــدل الأفكار الحيوانية النجسة التي كانت قبلها ، أنه ينبه بقوله
" إلي أن بعـــــد تــــلك أفكار عفيفـة سلامية
  حتى إذا توالــــــــــت  (الأفكار النجســـــــة )على العقل لا نقصر ولا نقطع الرجاء " .

    وفي وقت افتقاد النعمة لا نفتخر ،
 بل في وقت الفرح نتوقــــع الضيقة ،
و قوله " لا نقصر " إذا ما تكاثرت علينا العوارض ،
لا يعني ألا نقاومها أو نقبلها بفــــرح الفكر ،
 أو قال ذلك كأنه بالنسبة لنا شيء طبيعي ،
بل لكــــي لا نقطع الرجــــاء
مثل إنسان يطمع ويتوقـــــع أن يكون بلا قتال وفي راحــة كاملــة
ليس فيهــا تغيـــــــــــــــــير ولم يعد له جهاد ولا تعب و لا معاناة
و لا تحــرك لشـــــــــــــــيء من الأمور المضادة ،
فهذه ( الحالة ) لم يرد سيدنا أن يعطيها لطبعنا في هذا العــــالم
حتى لا نتــــــــوقف أبـــــــــــــــــــــداً عـــــــــــــن التعب والجهاد .
إن رأي المنحـــرف يؤدي إلي التراخـــــي بســـــبب قطع الرجـــاء ،
 فتتخلف عن سيرك وسعيك ،

 لكن تيقن 
حقيقــة
أن جميع القديسين قائمـــــــين فــــــي هذا التعـــــــــــــــب طالما هم في هذا العالم ،
 و يكون لنا عزاء خفياً متزايداً ، ففـــــــي كل يـــــوم ووقـــــت
تظهر حنكة محبتنـــــــــا لله بالجهاد مقابل التجــــــــــــــارب ،
وهذا هو معنى قوله : " لا نحزن " أي : " لا نقصر وألا نتضجر " في الجهاد ،
" لأن هذا هو ترتيب طريقنا ، والذي يتخلف عن هذا فهو من نصيب الذئاب " .

يا للعجب من قول هذا القديس ،
 كيف بكلمة صغيرة حصر هذا الفصل الذي يتردد كثيرا على الذهن ،
 و طرد الشك تماماً عن فكر القارئ ، بقوله :
" أن المتخلف عن هذا فهو من نصيب الذئاب ".

أعني يريد الســــلوك في غير طريــق ، فيقـــع تحــت قصـــاص هـذا الحـــــكم ،
أنه يريــــد أن يسلك بمفرده ( أي ) في طريق لم يســر فيه القديسـون و الآباء .
( إن القديس يقول هذا لأنه ) خشية أن تكون بعض الذئاب القديمة مرتدية لباس     الحمـــلان كي تخطـــــف بشـــــرورها النفــــوس التــي تجهــل شــكل الحــق ،
  أمــا قـــوله :" في وقــــت الفــرح تنتظــــر الضيــــــــق " ،
  فهذا معناه : أنه إذا وقع في نفوسنا بغتة ـ بفعل النعمة ـ خلجات و معاني عظيمة
                   و دهش النظـــر العقـلي عن الأشــياء التـــي هي فـــــوق الطبـــــع
حسبما قال القديس مكاريوس :
                                     إذا دنا منا الملائكة القديسون يملؤوننا من الرؤى الروحية 
                                     و يهــــــــــــــــــــــــــــــــرب جميــــــــــــــع الأعــــــــداء
                                      و يكــون لنا  ـ عندئــــــــــــذ ـ سلام و هدوء لا يعبر عنه.

ففي الوقت الذي تحدث فيه مثل هذه الأشياء تكون النعمة قد حلت ،
       والملائكة القديســون ، محيطـــــــــــون
       ولأجل هذا يبتعد عنك جميع المجــربين

فلا تتعظــــم وتظن في نفسككأنك قد بلغت 
المينــــــــــاء  غير المضطـرب 
والجـــــــــــو  غير المتقــلب
وأنـــــك قــــد ارتفعت كليـــاً    من و سط هذه  ( الأمور) المحيطة ،
 وليس شيء مضـــــــــــــاد ،   و لا ريـــــــــــــــــاح متقلبــــــــــة
 ولــم يبــــــق عـــــــــــــدو ،    و لن تـــــــــــــلاقي شــيئاً رديئــاً .

إن الكثيرين ظنوا هكذا فسقطوا في أمور خطرة ، 
مثلما قال القديــــــس نيلــــــس .
عندما تنال نعمة :لا تظن ) أنك
                           أرفع من كثيرين لذا نلت هذه الأشياء عن اســــتحقاق ،
                          و أن آخرين لأجــــــل حقارتهم وعــــــــدم استحقاقهــم
                          و سيرتهم الناقصة   وعدم كفاءة معرفتهم حرمــوا هـذا ،
                          و أنك باستحقاق ـ ومن الآن وصــــلت إلي العفة الكاملة
                          و الدرجـــــة الروحانيــــة و الفـــرح الــــذي لا يتغـــــــير.

بل لتحضر إلي ذهنك : 
           الأفكار النجسة و الصور السمجة ،التي ارتسمت في ضميرك و قـت الاضطراب ،
          و اضطرابات الأفكــار النجســة التي وثبت عليك قبل قليــل ،و كان الظلام قائمــاً ،
          و كيف بســهولة انخــدعت بالآلام و تفاوضت معها وقت تكــــدر الفكــــر ،
          و لم تكن تخجل من النظـرة الإلهيـــة و من المواهب والعطايا التي نلتها .

  أعــــــــــــلم : أن هذه تحدث حتى نتضــــــع ،
                   و إن العناية الإلهية المدبــــرة تأتي بها علينــــــــا
                   لكي نتضــــــــــع ، ولكل واحد بسياسة تناســبه ،
                  و إن  تعظــــــــم    بما وهب تخلت عنه تماًمــــاً  ،
                      و يســــــــقط    في فعل الأمور التي كان يجرب بها بالفكر فقط .

و أعلــــــــــــم   : أن  قيامـــــــــــــــك ( أي عدم سقوطك )
                        هذا لا يرجع إلي   حرصــــــــــــــــك
                       و لا إلــــــــــــــــي  فضيلتـــــــــــــك ،
 بــــــــــــل لأن  النعمــة حامــــلة لك   على راحة يديها    
                      لئــــــلا  تهـــــــــتز و تـــــــــــــــــزل .
                     ضع هذه في فكرك وقـــت الفـــــــرح .

 وإذا تعظــــم فكـــــرك قل : يا أبانا الذي في السموات ،
                        و ابــــك واحــــزن و انتحــــب و ضــــــع وجهــــــــك عـــلى الأرض
                       و تذكر زلاتك ( التي صنعتها ) فـي وقت التخلية ( أي تخلي النعمة ) 
                        لعلك بهـــــذا تنجـــــــو وتقتـــــــــــــني الاتضــــــــــاع .

 و لا تقطع رجاء نفسك ، بـــــل بأفـــــكار التواضـــــــــــع اصنع مغفرة لخطاياك  ،
                              لأن الاتضاع حتى من غير عمل يغـــــفر خطــايا كثيـرة ،
                              ولهذا اغفر خطاياك بالاتضاع .كما سبق أن قلــــت لك .

  كما أن المــلح يصــلح  جميع  الأطعمة  ،
  هكذا  الاتضاع           لكـــل  الفضـائل ،

 فالاتضاع قادر على سحق خطايا عظيمة صعبة .

 لهذا فنحن محتاجــــين لـــه
                                 حتى يتألم الفكر على الدوام بالاتضاع والحزن بتمييز ،
                                 فان اقتنينــــــاه فهو يجعلنا أبناء الله ، ويقيمنا أمام الله
                                 (حتى لو كنا ) بغـــــــير أعمــــــــــال صالحـــــــــــــة
                                 لأن مـــــن دونــــــــــه باطل هو كل عمل كل فضيلة ،
                                 ومن أجل هذا يسمح الله بتغـتــــــــــــــــير العقـــــل ،
                                 فبالفكـــــر نتفاضل وبالفكر نتنجـــــــــــــــــــــــــــس ، 
وهذا وحده ( أي الاتضاع ) دون غيره فيه الكفاية أن 
                                 يقــــــــــف قــــــــدام الله و يعتــــــــــــذر عنـــــــــا .

اعــــــترف لله بغير فتور ، كيـف و انك بطبيعـة ضعيفة ســهلة التغيير ،
                  لكن بمعونة النعمة ترى إلي أين ترفع من وقت لآخــر ، 
                 و لأي مواهب تؤهل وكيف تمكث فيما يفوق طبيعتـــك ،

 (ومن جهة أخرى أذكر) إلي أي هوة تسقط عند تخلي ( النعمة ) ،
                             إذ يكون لك عقل البهــــائم و الحيــــــوانات ،

هكذا تذكر حقارة طبيعتك و سـهولة التغييـــر اللاصـــــــق بـــــك ،

 حسب قول
 أحد الشيوخ :
                               " إذا أتاك فكر الكبرياء بطريق ذكر فضيلتك ، 
فقـــــــــــــــــــــــــــــل : يا شيخ اذكر زناك "

هــــــذا الزنى الذي يكــــــــــــــون فــــــي وقــــــــت التخــــــــــــــلي ،
                    أي تلك الأفكار التي جرب بها ، حسب تدبــــير النعمــــة
                    إن كان بالقتال أو بالمعونة حســــــبما يوافق أو يليق بنــا .

أنظرت ذاك الشيخ العظيم ، كيف قال هذا بوضوح :
               " إذا ما أتاك فكر بسبب ارتفاع سيرتك ، قل يا شيخ انظر زناك "
   
فالأمر بين أنه : إلي إنسان عظيم وجه الشيخ هذا القول ،
                    لأنه لا يمكن أن يتأذي من أفكـــار الكبـرياء 
                    إلا القائمـــــــون فـــــــــي رتبة عاليــــــة
                    و ســــــيرة تســـــــــتحق المــــــــــديح .

  لأن قتال الكبرياء يثب على النفس بعد عمل فضائل كثيرة
                      و ذلك لكي يفقرهـــــــــا تمامــــــــــــــــاً .
 و يعرف هذا من إحدى رسائل القديــس مكاريــــوس ،

  فإذا أردت أن تدرك الدرجة التي يكون فيها القديسون 
 الذيــــن يتعرضــــــون للتخلـــــــــــي وللتجــــــــارب ،
  فها في بدء الرسالة :
 يكتب الأب مكاريوس لجميع أولاده الأحباء مفصحاً بإيضاح
 كيف تدبر الحروب بسياسة من الله ،
  و أيضاً من معونات النعمة التي تستحسن حكمــــة الله
  أن يتدرب بها كل من هـــم فـي هـــذه الحيـــــــــــــاة
  لأجل ( اكتساب ) الفضيلة بالجهـــــــاد ضد الخطيــــة ،
  لكي يشخص نظرهــــم نحـــــــوه في كل وقــــــــــت ،
  و بالنظر الدائم إليه ينشــــأ فيهــــــــم حبه المقـــدس ،
  و بالخوف على الدوام من وثوب الآلام وخشية الانحراف
  فإنهم يسرعون إليه ويثبتون بالإيمان والرجاء والمحبـــة .

لمن قليت هذه الرسالة :
 و هذه بالحقيقة قيلت و سطرت
              ليـــــس لأجــــــــل  الــــذين هـــــم علي الــــــدوام مــع النــــاس
             و يطيشون بالدوران  في كل موضع بالأفعـــال والأفكـــار الدنســـــة ،
             و لا لأجــــــــــــــل  الذين يصنعون البر بأعمال ظاهرة خارج السكون
              فتنشط حواسـهم   في كل وقت ،
             و هم في كل حين في خطر السقوط في ( الخطايا ) القهرية
             التي تصادفهم بغير إرادتهم و فيما يعرض لهم دون أن ينتبهوا

           فهـــؤلاء    لا يســـــــتطيعون حفــــــظ أفكارهـــــــم فقــــــط 
           بـــــل  و   لا حتــــــــــــــى حواســـــــــــــــــــــهم .

إنها قيلـــــــــت لأجــــل الـــــذين  يحفظون أجسادهم وأفكارهم باحتراس عظيم ،
و يبتعدون تماماً عن كل ما يسبب   سجسًــــــــــــــــــــــــــا 
                     و عـــــــــــــــــــن   محادثــــــــات النـــــــاس ،
                     و يرفضــــــــــــون   كل شيء حتى أنفسهم 
                     و يتفرغـــــــــــون   لحفظ عقلهم في الصلاة .

   إنهم  ( يخضعون )  لهذه التغيرات
   التي من تدبير النعمة داخـــــــل الســــــكون الكـــــــــامل ،
   و يتــــــــــدبـــــــرون تحــــــــت ذراع معــــــرفة الـــــــــرب ،
   و ينالــــــــــــــــــــــــــــــــــــون الحكمـــــــــــة خفيــــــــــة من الروح 
                                       بالســــــــــــكون عن الأعمال و النظر إلي أي شيء ،
  و اقتنــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوا  موت الضمير عن العالم .
إن الآلام    لا تمـــــوت 
بــل الفكر   يموت عنها
              بالابتعاد عن الأمور  ( المسببة لها ) بمعونة النعمة .