الراهب و فضائل العلمانين
+ عار عظيم للمتوحــد الذي يَعِد بكمــــال السيرة ثم يكتفي بفضائل العلمانيين .
و لومٌ عظيم ومحقـرة في حقه أن يوجد تدبيـــــره مســاوياً لتــدبير مــن هـــو ,
خائـف من الله و بــار ومهتم بعمل البر و هو علماني متزوج .
لأنـــــــــه إن لم يكـن الراهب مرتفعاً عن جميع الجسديات ,
و يشخص كل وقت في الله بالتدبـــير فــي الســــــــــكون ,
لا يُعـــرف أنه أفضل من العلمــــاني البــــار.
لأن العلمانيين الفضلاء يعمـــــــلون الفضائل الظـــاهرة بأجسادهم وبالصدقة ,
ولكنهـــم لا يحســـون بالتدبـــــــير الخفــــي الكــــامل الذي للمتوحـــــــدين .
و ينبغـــــــــي للراهب أن يعــــرف :
أنـــه :
كمـا أن النــــــــــــــفس بطبيعتهـــــــا أفضل من الجســــــــــــــــــــــــد ،
كــــــذلك فالتدبير الخفي بالسكون هو أفضل من تدبير العلمانيين الظاهر .
و كما أن تدبـــــــــير الملائكــــــــــــــــة أفضل من عمل النــــــــــــــــاس ,
كـــــذلك تدبير العقل بالســـــــكون هو أفضل من تدبير الرهبان بالمجمع
و من فضــــــــائلهـــــــــــــم .
التي تشبه فضائل العلمانيين الأبـــرار .
و كما أن حـــــــب اللـــــــــــــــه أرفع و أشرف من حب النـــــــــــــــــــــــــــــاس ،
كـــــذلك عمــــــل المتوحــــــدين هو أفضــــل من عمل العلمانـــيين الصـــــديقين .
لأن العلمانـــيين بمحبــة الناس يُرضون الله ،
أما الزُهَّـــــــــاد فما يشتهون شيئاً مما في السـماء أو عــلى الأرض ،
فهم يشتاقون إلى الله وحده ؛ لأنهم بإرادتهم قد تعرُّوا من كل شيء ,
و ألبسوا ضميرهم نظـــــــر الله وحبــه .
لهــذا فـــــإن :
عمل السكون هو عال و أفضل من جميع الفضائل .
و غرضنا من حفظ السكون ليس هو لأجل تكميل القوانين ,
بل قصدنا من حفظه إنما لأجل
عمـــــــل القلـــــــب .
لأن تكميل القوانين يتخلَّــــف بســــبب ضعـف الجســد ,
و أما عمل القلب فينمو و يزيد بالجلوس في الوحدة .
عمل القلب فى الوحدة
+ و عمل القلب ينقسم إلى أربعة أنواع :
النوع الأول : حزن القلب
حــــــــــــزن القلب , اتضاعــــــــه , و همّه لأجـــــل خطــــاياه الســــــــابقة ,
و خوفــــــــــــــــــه , مـــــن الزلل , و السقطــــات الحادثــــة لــــــــــــــــــه .
لأنه بهــــذه تتربَّى , صلاة القلب , أي بالحزن و الاتضـــاع و الهذيذ بالفضائل .
أما الهذيذ بالفضائل فهو تحريك (أي تأمل) حُسن تدبير القديســين ؛
لأنه من هذا النـوع من الهذيذ تتيقظ النفس حتى تتزين بفضائلهــم ,
و يأخذ الراهب شبههم في ذاته ,
و يتمثل بهم في الصــــــــــــــبر و الفـــــــرح بالضيقـــــات و التجــــلد في الوحـــــدة ,
و عفة الأعضاء والازدراء بشهوة الجســــد و الاهتمام الدائم بالطهارة ,
و أن يكون غير محسوب بالكلية ؛
لأنه من هذا يتولد فيه عدم الغضب ,
الغضــــب غير الحريّ ( غير اللائق ) الذي هو دليل العظمــة الكامنـــة داخل النفــس .
و مثلما تتصور فضائل القديسين في النفس ,فإنها بغير عناء تتبع مثـــــال صبــــرهم ؛
لأنه بهــــــذا تتنقَّى صلاتنــــــا من الانحلال والملل.فمن (حالة) الطياشة في الأفكار ,
(يتبدل الوضع) فتأخذنا غيرة فضيلتهم ، و كـــم مـــــــن مـــــــرة يقبــــل الله صلاتنــا .
و هذا هو القصد من عمل السكون :
أن يتقوَّم به العقــل و يتشجع ويتطهـــر و يطـــرد الكســــل ،
حتى تكــون شهوته في كل أوقاته في مفاوضة الحســنات ؛
و بعدم تذكار العـــالم تمــلك فيه حرارة دائمة بذكر الفضـائل ,
و هكذا يتدرج إلى نقاوة عمل العقل الذي هو العمل الفاضل .
و من هذيــــــن الأمريــــــــــن ( أي من الهذيذ بفضائل القديسين و عدم تذكار العالم )
يقتني الراهب أمرين فاضلين :
الأول هــو التفـــــــــرس في خـــــــــلائق اللــــــــه ,
و التعجب بالسياسة الإلهية فينا من الأول إلى الآخـر .
النوع الثانى : الهمُّ الفاضل بالله وحده
و الذي يجــذب للدهــش في طبيعته علي الدوام , و ضميرٍ عالٍ متحكــــم بالـــروح ،
و معرفة فاضلة , وإيمان سري متضاعف باهتمـام العالم الجديد و بالهذيذ بالمزمعات ,
و انتقال دائـــم ( إلى العـــالم الجــــديد ) بسَــفَر الضمـــــــير ,
و ظهور أسـرار في الذهـــــــن تتغيــــــر بحسب المنــــــازل ,
فيرتقــــــــــي ( من درجـة إلى أخــــرى) بغـــــير إرادتـــــــــه .
و ينتهي أمره أنه :
يتحــــــــــــــد بالأزليـــــــــة الإلهيـــــــــــــة ,
و يرجع العقل إلى العلة الأولى (أي إلى الله) في كمــــــال تدبيـــــره .
و يتفـــــرس في ترتيب حب الخالق و في إرادتـــه الصالحة للناطقــين .
و هنـــــــــــا تبطــــــــــل الشكـــــــــــوك و يبطــــــــل الخــــــــــــوف .
إلــــــــــــى هذا الكمال ينتهي قصد تدبير الوحدة و العمل في القلاية .
لأن :
الجســـد يضعـــــــــــــــف و الضمـــــــير يتـشـــــــبب ،
و الحواس تبطـــــــــــــــــل و المعــــــرفة ترتفـــــــــــع ،
و الأفكار تشرق بالنقـــــاوة ,
و الذهـن يطـــــــــــــــــــير و يرتفع إلى الله بتصــــوره ,
و الضمير ينقبض من العالم و يطيش بــــالله بهذيــــذه ,
و مع أن الفكــر مشتبك مع الجسـد لكنه لا يثبــت معه ,
بل تكون مفاوضته دائمـــاً في العلا فيما هـــو أفضـــل .
الجسد انحــــــطَّ وكـــــفَّ, و القــلب يُسَـــرُّ بالفـــــــرح .
و من دون المعرفــــــــــــة لا يرتفـع القلـــــــــــــــــــب .
أيها المسيح أخرجني من الظلمة إلى النور لكي أسبحك تسابيح القلب لا الفم .
النوع الثالث : في الثاؤريا
+ الذي قد بلــغ إلى تدبـــــــير الثاؤريـــا و معرفــة الــــروح ,
ينبغي له جــــــداً الوحـــدة و السكون في موضع سكنه ,
و يكون منقطعاً من كل أحد , لكي يقتني سكوناً بسكون ,
و بالأكثر في الليل مثلما أرانا سيدنا أنه كان ينطــلق في الليــالي إلى موضــع قفــر ،
و ذلك لتعليـم أبناء النـور المزمعين أن يسـيروا في أثـره بهـــذا التدبــــــير الجديـــــد .
لأن المفاوضـة الفرديـة مع الله هو عمـل الرتب السـمائية الذي ظهر للنـاس بابن الله ,
لما نزل إلى عالمهم وأراهم عمل غير المنظورين؛ لأنهم يتحركون بتمجيد الله بلا فتور ,
و يرتفعـون بتصــور الثاؤريــــــا (أي بالنـظر الإلهــي) إلى طـع الثــالوث المســجود له ,
و يثبتــــــــون فــي الدهــش بنظـــرة عِظــــــم ذلك المجـــــد الــذي لا يُنطــــــق به ,
و بهـــــــــــــــــــذا التدبــــير فإن جميع البـشر عتيـدون أن يكونــوا في القيامة العامـة .
في تاؤرية الإنسان الجواني :
+ كلمـا يدنـــو الإنســان إلى معـــرفة الحــق ، ينقـــص فعــــــل الحــــــواس ,
و يزيـــــد صمــــت الإفــــــــــراز دائمـاً .
و بقـــــدر ما يقـترب من تدبير العالـم بعمله تكثر فيه يقظــــة الحـــــواس و تلذذها .
لأن تَقلُّــب هـــــذه الحيــــــــــــاة قــــــــــد أُعطـي لخدمــــة الحــــواس ,
أما التدبير المزمع فهو لعمل الروح .
بل إن الحـواس في هــــذا العـــــالم لا تحتمــــل اســتعلان ذلك الســــر ،
فتتخلف عن عملها مثلما تكون أثناء النوم .
فالحــــــــواس ليست هي التي تستقبل ذلك السر الذي يُعطى كعربون ،
بـــــل
الإنسان الداخلي.
يعطيــــك الله أن تعــــــرف قـــــــوة العالـــــم المزمـــــع ،
فبهــــذا تتخـــلف عن جميــــع استعمـــــــــالات هــــذا العـــــــالم .
النوع الرابع : الصلاة
+ قصد هذه المقالة أنه :
ينبغي لنا أن لا نبطل أي نوع من الأنواع الجسدانية اللائقة بالصـــلاة برأيٍ فاســــد ,
و لو أننا نرتفع بتدبيرنا إلى علو الأعالي؛
و أعنـي بهذا القيـام في الخدمــــة (أي المزامير) و الســــــجود و المطانيـــــــات .
لأن خدمة المزامير : تخلِّصنا من شرور كثيرة , وبها نبلغ إلى موهبة طهارة الصلاة ,
و إلى نظرة العقــــل التي هي الأفهام بالــروح ؛ لأن هذا هو :
كمال الخدمة و غاية كل ترتيب القوانين .
فى سيرة السكون
تدابير المسيحية :
+ قبل كل شيء :
ينبغي أن تعلم أن تدابير المسيحية تنقسم إلى طرق كثيرة متنوعــــة ,
و ذلك لمعـــــــرفة المسيح سيدنا بعجــز وضعــف طبـــع بني البــــشر ،
و كثرة اختلاف آراء النصــــــــارى ،إذ ليس الجميع يريدون أو يستطيعون ،
أن يســــــلكوا في طريق الكمال التعبة العسرة .
لكي يدركوا بعمل الجسد وعرق النفس ذلك الشيء الذي من أجله أدركهم المسيح ،
أي أن يحبوه بالكمال بعمل وصاياه المحيية حتى إلى الموت مثلما أحبهم هو بالتمام،
وأظهـــــــر حبــه لهـــم بالفعـــل بكل تعب وتجربة احتملها من أجلهم
حتى إلى موت الصليب المُهين - فلهـــــذا استعمل معهــــم الرحمـة ،
فوضـــع قدامهـــــــم طرقـــــاً كثـــــــيرة وســـبلاً مختلفـــــــــــة ،
لكي الذي لا يقدر أن يســــير في الطـريق التعبة لأجل صعوبتهـــا ,
يســـــير في الأخــــــــــرى لأجل سهولتهــا ,
حتــــــــــــــــــــــــى لا يخيب أحد من النصارى من ميراث تنعم ملكوت السماء ,
الــــــــــــــــــــــــذي أنعــــــم بـــه عليهــــــم بســــفك دمـــــه مـــن أجــلهم .
+ لأن كــــل إنســــــان بحســــــــب محبتــــه لربنــــــــــا ,
و بمقدار عمل وصاياه هكذا تكــون مكافأته و يكون تنعمه .
و قد قال ربنـــــــــــا: « في بيت أبي منازل كثيــــــــرة » ,
و قال بولس الرسول:
« إن نجماً يمتاز عن نجم في المجد، هكذا أيضاً يكون في قيامة الأموات » .
ولهذا قلنا إنه يوجد اختـــــلاف كثـــــــــــير في ســـــيرة المســيحيــــة ,
فكل واحد أفضل من رفيقة و أكمل .
درجـــــــات :
+ تدبير العلمانيين النصارى الحقيقيين شيء ,
و تدبير المتورِّعين شـــــــيء آخـــــــــــــــــر ،
و كذلك آخر هو تدبير الرهبـــان الذين لا يتخــــذون نســــاء ولا يأكلـــــــــون لحمــــــاً ،
وهم أقل من المتوحـــــدين وأفضل من المتـــــــورعين .
هؤلاء الرهبان يزرعون ويحصدون ويخدمون من يطرقهم ؛
لأن أديرتهـــم مبنيــــة علـــى قارعـــــة الطــــــــــريق .
وهناك أيضاً تدبير المتوحدين المبتدئين وهؤلاء هم سكان في مجامع كنونيــــــــــون ,
ثم تدبير المتوحدين المنفــــردين فــي القـــــــلالي و يحفظون السكـــوت ,
و تدبير المتوحدين الذي يحفظون سكون الأسابيع
أي صوم ســــيدنا وصوم الرسل و صيـــــام الأنبيــــــاء .
و كذلك هناك
قانــــــون و تدبير المتوحدين
الذين يجلسون منفردين خارج المجامع وفي البراري والمغاير.
و آخر هو تدبير و سنن المتوحدين المتنقلين،كالــذين كتب عنــهم الأب إشعيـــاء ، و كالسبعة الذين مضوا إلى الأب شيشوي.
و آخر أيضاً هو التدبير العالي الكامل الذي للسواح .
و يقصر بنـــا الوقت أن نتكلم عن أشــكال وتدابير هــذه الرتــب المختلفــة ؛
لأن كل رتبة منها تحتاج ميمراً ليظهر ما هو تدبيره وما هي كيفيــة عمـــله .
تدبير المتوحد المفرد بالاسبوع
+ و الآن نتكلم عن تدبير المتوحد الذي يمسك سكون الأســابيع ,
و لأي ســــبب كان الآبــــــاء –كل واحـــــــد في زمـــــــــانه –
يأمرون الإخوة بالجلوس في السكون , و نُظهِر بعد ذلك ما هي منفعة السكون .
تَعْلـــم أن أيـــام القديـــس مقاريـــــوس ما كانــــت مثــــل زماننـــا نحــــــن ،
إذ لو كانت أيامنا مثــــل ذلك الزمـــــــان الـــذي عــــاش فيـه القديســـــــون ,
لَما كانت هناك ضرورة تدعو الإخوة المبتدئين إلى الحبس أسابيع محــــدودة .
لأننا نعلم من الكتاب الذي وضعه القديس مقاريوس :
أن الأخ المبتدئ لا يخرج من قلايته في وسط الأسبوع مطلقاً ، ولا يزور أحدٌ أخاه .
لكنهم في يوم السبت :
كانوا يخرجــون من قلاليهم وقــت العشــــاء ، و يأتون إلى المجمع و هم صيــام .
لأنهم كانــــوا يتقــربون عشــــية الســـــبت طــــوال السـنة صيفاً و شــــــــتـاء .
+ و لما كان الآباء والإخوة يخرجون و يأتون إلى المجمع ليســـمعوا القراءة ،
فالذي كان يتهـــــــاون و لا يحــضر كانوا يقطعـــون عليه بحكــمٍ صعــب .
و بعدما يتقرَّبـــــــــــون يدخلون إلى المائدة .
و بعـــــد الأكـــل يقفون في الصلاة ليلة الأحد ,
ســـــــاهرين بلا نوم من العشية إلى باكر بخدمة المزامير والتسابيح ,
و قراءة الكتب وتفاســـيرها و أســئلة الإخـــــوة و إجـــابات الشـــــيوخ ,
و يترتـبـــــون منهم بالمواعظ .
و ما كانــوا يعطون فرصة لا للشـــيطان و لا لأحـــــــد من الإخــــــوة المنحلِّــــــــين ,
أن يتكلم كلمة تجلب خسارة لأحد , و لا أن يثلب أحدٌ رفيقه أو يحرك معه خصومــة ،
أو أن يجلب أحــــــــــــــدٌ ذِكر أي شــــيء مـــن أمــــور العـــــــــــــــالم ,
أو من سيرته الباطـــــــلة حتى لا يتأذَّى أحدٌ من الإخوة المحترصـــــــين .
+ فحتى وإن كان أحد يتأذى في قلايته, إما من ضجر أو من قتال ,
فهـــــو عندما كان يخـرج إلى المجمــع كان ينتفع بمنظـر الآبــاء ,
و يحترّ بالغيرة كما بنار عندما ينظر أعمال الآباء ويسمع كلامهم و يشاهد فضائلهم ,
فيتـــــزود مما نظر وسمع بمنفعة عظيمة ومعونة في العمل والجهاد في حبســـه .
و رغـــــم هذه المنفعـــة كلهـــا التي تكــــون من اجتمـــاعهم يـــــوم الأحـــــــــد ,
فمع هذا مـــا كانوا يسمحـــون للإخوة أن يخرجـوا من قلاليهــم وسط الأســــــبوع .
+ و أما فـي زماننـــا هـــذا العــــدم من الاســـــــــتقامة ,
الذي بـرد فيه الحب و تخلَّفت الحرارة و انعدم التحفــظ ,
فإننـــــــــا كل وقـــت نخــــــــرج فيــــه إلى المجمـــــع ,
نوســــــق خسارة ليست بقليلة بسبب كلامنا الباطــل ,
و لا تكــون فـــــــي صلاتنـــــــا و خدمتنــــا قـــــــــــــوة .
و إن كــان فينــا إخـــــوة حريصون فإن حرصهـم طــــــوال الأســــــبوع ,
يتشــــتَّت بسبب الكلام الردئ الذي يسمعونه من المعتادين بالانحلال .
فالضـرورة تلجئ الذين يهتمــــون بخـــــلاص نفوســهم و يتشـــــــوقون :
لمحبة ربنا ولتكميل وصاياه المقدسة
أن يداوموا الثبات في السكون كل واحد حسب رتبته.
+ أولاً يُبعد الإنسان ذاته ،
و يحـــــــــــدد لنفســـه قانونـــاً ألا يخــرج مطلقـاً من قلايتــه طـوال مدة الأسبوع ,
و لا يســـــمح لأحد من الناس أن يعبر إليه, وإن أمكن ولا من الطاقة يتكلم مع أحد ،
حتى يأخذ لنفسه خبرة في جميع الضوائق ,
التي تحدث له من الآلام و من الشياطين الملاصقين لعمل السكون الأسبوعي ,
و يمـــــــــــيز الأفهام الروحانية والتعزيات الإلهية التي تُعطى له بنعمة اللــــــــه ،
حســـــــبما يليق بطقس عمل الســـــــــــكون الصغـير الذي هو حبس الأسابيع .
و بعـــــد ذلك يتـــــــدرج إلى ســــكون أعلى من هذا، الذي هو سكون كل الأيام .
و إن استطاع و أراد فيكمل كل أيام حياته في
السكون الكلي و الانقطاع الدائم حسب إرادة سيدنا .
+ فإن كـــــان أحد يحفظ سكــون الأسابيع ، و يعمل داخــل سكـونه بحفــظ الحـواس ,
و قمع الأفكار كقدر قوَّته وحسب رتبته ــ لأن الله لا يطلب من الإنسان أكثر من قوَّته –
و لكنــــــــــه عنـدما يخــرج إلى المجمــع يوم الأحـد , يجـد أنه لا يـأتي إلى قـدام ,
و لا ينجح في الحفظ وفي الأعمال و لا في محبة الثبـــات في الســكون بالقــلاية ,
بــــل كــــــم من وقتٍ يخسر من النظــر و السمع ,و لا يقـدر أن يثبت في الحرص ,
فتكـــــثر عليه المجــــــاذبات و الانزعــــاج لأجل الأمـــور النافعـــة و غــير النافعــة ,
و ينحـــط إلى الانحــــــــــــــــــــــلال و الكـــلام و بغــــض الثبـــــات في القـــلاية ,
و توسوس له الرخــــاوة أن يخـــــــرج و يدخـــل و يأكـــــل و يشـــرب و يتحــــدث ,
فإن وجد ذلك فليـــسرع إلى الســـكون الكلي العـــــادم من الدخـــول و الخـــروج .
التوحد فى الجبال و البرارى
+ قال الأب أو غريــس في أمر الوحـــــدة :
« جيدة هي الوحدة والانفراد » , مع بقية كلامه :
« ولكن فليحذرالأخ الذي لا يقدر أن يثبت قبالة التجارب الحادثة عليه في السكــون ,
و ليخـــــــرج إلى المجمـــــع لئـــــلا يتـــــــأذى في عقـــــــله » ,
هذه الوحدة التي تكلم عنها ليســت هي سكــــون الأســـابيع ,
ولا السكون الكامل الذي يُمسك به البعض, بل إنه يقصد السكن في البراري والجبال
الذي لا يليق لكل أحد إلا لأناس عارفين قد نجحت فيهم المعرفة ,
و تزايدت محبة المسيح في قلوبهم،واقتنوا صبراً و احتمالاً كثيراً .
+ لأن ثلاث حروب صعبة تلتصـــق بالتدبير المنفرد في القفر :
الخــــــوف المرعــــب في الليـل ،
و الضجـــــر المحــــــزن في النهـار ,
و ضــــــلالة الشياطين و طغيانهـم .
هذه الثلاث حروب تأتي على الإنسان في البــــراري ؛
فإن كان جاهلاً غير مدرَّب , و ليس فيه حـــب لربنـــــا , وصبـــــــره قليـــــــــــل ،
و ليس له مرشـــــــــــــداً , فسريعاً ما يتأذى عقله .
لأن صعوبة هذه الحروب الثلاث :
لا تحصل للإخوة الذين في المجامع الذين يحفظون سكون الأســـــابيع ،
ولا لذلـــــــك الوســــــــــطاني , حـــــى ولا السكـــــــون الكامــــــــل .
وإن حدثــــت (هذه الحـــروب) لأحد منهم يقدر المرشد مع معونة الله أن يبطلهـــا .
و لهذا قال القديس أوغريس :
« إن لم ينتفع الأخ من الوحدة ( في البراري )
فليرجع إلى سكون الأسابيع في المجمع » ،
و إنما يفعل ذلك برأي المعلم , و إذن المدبر , و بمشورة الآباء ، و ينتفع بصلوات إخوته .
و إن لم يقبلوا منه في البداية ،فليــــداوم الطلبــــــة إلى الله بحــــــزن ودمـــــوع
ليحرك في قلوبهــم ما يليق بمنفعتــه .
ولا ينبغي للإنسان إذا طلب شيئاً من ربنا أو من القديســـين ,
أن يظـــن أنه ســــــوف ينـــــــــال ســــــــؤاله ســــــــــــريعاً ،
بل عليــه أن يـــــــداوم على الطلب مدة, وبعد ذلك تُعطى له ,
ولا يظــــن أنه إذا تأخرت عنه الموهبــة أن طلبتـــه ليســت هي كإرادة الله .
+ وقبل كل شيء يحتـــاج الذي يجلـــس في السكـــــون
إلى هذه الثلاثة أشياء :
الغرض المستقيم , و تكميل خدمـة الأوقات , و المرشـد .
هـــذه الثلاثــــــــــة أشــــياء لابد منهـــــــا للمتوحــــد ،
وإن كان لا يقدر علي الدوام أن يكمل قانونه في الصلاة ،
لأجل ضعــــف جســــــده ،
أو مــن أجل ضجـــــر نفســــــه ،
فليكــن محترصاً بغرضه (المستقيم) وبوجـــود المرشــــد ؛
لأنــــه إذا وُجدَ هـــذان الأمـــران فإنــه لا ضعف الجســــد ,
و لا ضجـــر النفــس يضر أو يعـوق .
كما قال مــــــار أفــــرآم :
« إن طريقنـــــــا لا ينجـــــــح بــــــــدون المرشــد ,
الــــذي قد وُضع من الله للــذين يريدون أن يســيروا إليـــه .
لأنــــه توجـــــد معوقــــــــات كثـــــيرة تولِّــــد الضــــــلالة ,
و تحير الذي يريــــد أن يمشــي في طـــريق الفضيــــلة » .