الميمر الرابع
في معنى
القتال الذي تصنعه الشياطين بالأفكار
+ إن الجهاد مع الأفكار الرديئة الذي يكون في الســـــــــــــكون يحدث بهذا المعنى :
متى سكن الإنســان في الهــــدوء و الحبس إلى المـــوت ,
فكــل واحد حســب عمله و بمقـدار اجتهـاده و حرصــــــــه ,
هكذا تتصعب عليه الحروب و تشتد مقابله يوماً بعد يوم و وقتاً بعد وقت ,
كلما تقدم إلى قدام إلى أن يبلــــغ نقــــــــــــاوة القـــــــــــــــــــــــلب ,
وقبل وصوله إليها بقليل تحدث عليه قتالات صعبة أكثر من العادة و تشتد علية جداً .
فإن تجلَّد المتوحــــد و ثبــــت في الحبـــس و لم يرتخِ من الجهــاد ,
فهو يبدأ أن يجد راحةً قليـلاً قليلاً , و يُعان على الدوام من النعمـــة .
و في كل وقت تدنو إليه الشياطين لتقاتل معه بمجاذباتها النجسة ,
فإنــه حالما يدعو سيدنا يُعان سريعاً
وتُطرد عنه الشياطين بفعل الروح القدس اللاصق به بالغمز الإلهي (أي بإشارة من الله) ,
وبعد زمان قليل لا يُســـــمح للشــياطين أن تعــود لتقـــاتله بمجاذباتهــــــــا ,
بـــل باللمس و النظر فقط من أجل نقاوة القلب و عدم التألم الذي قد اقتناه .
لأن عدم التــألم لا يقبل حروبــــاً , كما قال الأب إشعياء ,
لأنه أخذ إكليله و ابتعد من الهم .
و عدم التألم هذا الذي تكلم عنه الآباء ليس هو ذاك الذي يكون بعد القيـــــامة ،
بل يعنون به صحة النفس و عافيتها من مرض و سقم الآلام الذي كانت فيه أولاً .
ضبط الفكر مقابل الأفكار الرديئة
في معنى الأفكار الرديئة التي تقاتل معنا بقلوبنا :
+ لا يمكــــــــن للآلام
أن تدخـــل الضمــــير الذي فيـــــه الهــــمّ بالله ,
لأن به فقط يكــون مَحـــق الآلام و اضمحـــلالها .
أما البطالة و الراحة فتتـــــــولد منهـــــــا طياشـــــة الأفكــــــــــــار ,
و من الطياشــــــــة تكـــــــــون ســــلطـة الأفكار على القـــــــــــلب ,
و بالأكــــــــــــــــــثر إذا اشتركت معها الحرارة المتحركة من الجسم ,
بألم الدغدغات الصعبــــة و التنـــــازل معهــــــــا .
+ أما فضيلة العقل التامة فهي مداومة تذكار الله .
و ما هي مداومة ذكــر الله عند القديسين ؟
هي طاعتهــــــم لــه بحفظ وصــــاياه .
فإذا كان هذا الـــــــرأي و العـــزم للإنســــان ،
كان الله موجوداً في الضمير العمال بهَمِّهِ ,
فإذا ملك في نفســك الهذيذ بالله و الهــمّ به ،
اعلم أنك :
قد قربت أن تسـتريح من الجهاد المتعب و الحرب مع الآلام ؛
لأن المفاوضــــة بالله هي كمال الضمير .
في حركة أفكار الزنا :
+ كل أفكار تجذبك إلى السكــــــــــــــون , إعلم أنها تدعـوك إلى العفـة .
و كل أفكار تجذبك إلى المفاوضة (معها) , إعلم أنها تدعوك إلى النجس ,
كمثل الطير إلى اللقط الذي على الفـخ , فهكذا هي أســـباب الآلام .
و المبتعد عن العالم هو الذي يبغض المفاوضة مع الأفكــــــــــــــــــــــار ,
و مع اهتمامات هذا العالم ؛
لأن الـــذي يحـــــب الأفكـــار معلوم أيضاً إنه يحب العمـــل بها ،
لأن مـــــن يبغـــــض شـــيئاً لا يُقاتل به بضمـــــــــــــــــــــيره ,
كما أنه لا يكون مفتقراً لشيء يغصب به نفسه لكي يبتعد عنه ,
لأن مـــن يبغـــض إنســـــــاناً فإنــه لا يحــب أيضـاً أن يلاقيــــه .
فإن كان هناك أمر من الأمــور نبغضه ، ومع ذلك يتعبنـــــــا الفكـر به ويقاتل معنا ،
فمعلوم أننا وإن كنــا لا نحبـه هــــــو , إلا أننــــــــــــــــــــا نحـب أســــــــــبابه .
أما إن كنا لا نحب أســبابه فهو يكون , فكراً ساذجاً ليس له قـــوة أن يقاتلنـــــــا .
+ فـــإذا ما أراد الشيطـــان أن يدنـــس العقـــل النقــــــــي بأفكــــــــــار ,
فهــو أولاً يمتحنـه بالمجـد الفارغ , لأن هذا الفكـر لا يُظن به أولاً أنه ألم .
و بهــذا المعنــــى يخضـــع الضمــــير المتحفـــــــظ , لأن الشـــــــيطان ,
لا يقدر أن يلقي فيه (أي في العقل النقي) من البداية فكراً سمجاً عارياً ,
لكنـــه إذا أخرجــه من حصنـــه بمعنى ضمـــــــير هــــــذه الأفكـــــــــار ,
فإنــــه بعد ذلك يلاقيه بمـــادة الزنـــــا ,
ثم يعبر العقل على أمور كثيرة من السماجة والشغب،فينزعج في البدايـة بملاقاتهــا
من أجل عفتـــه واســتحيائه من الأشـــياء التي يصادفهـا وقد كان متنسِّـكاً عنهـــــا ,
ولو أنه لم يتنجـــــس ضمـــــــيره , إلا أنـــه يكــــــون قد أســـــقطه من علـــــــــــوه .
فـإن لم يرجع و يدرك الأفكار الأولى بحدة و يهدمهــا ,
فإنه بملاقاته هذه الأشياء دفعات كثيرة، تُعمي العادة إفراز النفس لأجل دوامها .
و إذا ما خرجت الآلام من بلدها وأظهرت نفسها في القتــــال ،
عنــد ذلك ترتســـــم الصـــــــــور والأشـــــكال في الضمــــير ،
و تصير كتمثـــال اقتنى قــــــــــــوة عظيمــــــة على العقــــل ,
و يُسجـــس الضمــــير جـــداً و يكــــدره .
+ هناك أفكار جيـــدة و إرادة صالحـة ,
و هناك أفكار سمجة و إرادة سمجة .
و الأولى من غير الثانية (أي الأفكار بنوعيها من غير الإرادة بنوعيها) الجزاء عنها قليل .
أما الأفكــار فهي حركات تجوز في البحـــــر فترتفع أمواجه ،
و أما الإرادة (بنوعيــــــها) فهـــــــــــــــــي الأصــــــــــــل ,
وبحســــب ضبط الأصـــل و الأســاس تكون المكافــــــــأة ,
إن كـــــــان جيداً أم رديئاً و ليس بحســـب حركة الأفكــار .
لأن النفـــس ما تهدأ من حركة الأفكــــار المختلفـة ,
فإن كان ليس لها أساس وأصل عميق (أي بالإرادة) ,
فما أقربك كل يوم أن تغيِّر صالحك ورديئك ألف دفعـة .
الميمر الرابع ( 3 )
الشبع فى الطعــــام و مخالطة العلمانيين
و حياة العفــــــــــــة و الطهـــــــــــــــارة
+ إذا ما ظهرت لك أثناء النوم أحلام رديئة بطياشـــــــة الشــــــــــهوات ,
فاعــتنِ أن تنقي ضميرك بالدمــــــــــــوع ,
و امنــــــع عن جســـــــدك كثرة الغذاء لكــــــــــــــي ينسحق و يتضع .
و قد قال القديس أوغريس :
« إن شيطان الزنى يهرب من قمع الجسد و إذلاله بالصوم و بالأعمال الأخرى » .
+ الإنســـان الصـــائم يغصب نفســه أن يتشبه بطبع الروحــــــــانيين .
والإنسان المـــداوم في عمل الله بخفـاياه يُفرز من سكونه و صومه .
لأنه بهذه الأسرار أيضاً
تُكمِّل القوات غير المنظورة خدمة تقديس الأزلية سيدة العوالم .
+كما أنه من عرق الصــــوم ينمـــــو ســــنبل العفـــــة ,
هكذا من الشـــبع يتــــولد الفســــــــــــــــق ,
و من الامتـــلاء النجـــــــــــــاسة.
فالبطن الجائعــــــة لا تقوى عليهـــــا أفكــار الســماجة .
فاعترف بعجـــزك و اســـتعن بالبســــاطة لكي تحيـــا قـــدام الله حســناً .
لأنـــه لا يمكن بعد شبع البطن ألاَّ تدنو إلينا تجارب الأفكار و حركة الأعضاء .
فيا للعجــــب من الذين يشتهون الشـــبع من المآكل ,
كيف يمكنهم أن يحفظوا العفة ولا تتنجــس نقـــاوتها ,
ما لم يُمنح العقل حركات إلهية .
+ إن الشيطان إذا نظر المتوحد قد أعــدَّ نفسه للجهاد مقابله ،
فهو عندئذ يتحايل بكل وسيلة أن يربط عقله بالعلمـــــانيين ؛
لأنه ما يعرف فخاً أقوى من هذا يعــده له ,
و من ههنا ففي كل وقت يشاء يستطيع بسهولة أن يخضعه بالسقوط .
في ثـــــلاثة آلام كبـــــار هـــي:
الحسد و الغضب و الزنا.
فلنسر بالضيقات ونسعى إليها
+ و أنا أتضرع إليــــــــك , أيهــــــــا الأخ ,
ألا تمــــلّ مــن أعمـــــال النســـــك , و لا تتهـــــــــــــــاون عن السكــــــــون .
لأن سكون الجسد يولّد سكون القلب , و ضوائق السكون تعد لك نياحات إلهية .
ولتُسر جداً بالضيقـات الحـادثة عليك , لأنهـــــــا مينــــــاء العفـــة لجســــدك ،
و هـــــــي تقـــــــــــــدِّس ضمـــــيرك .
+ كما أنه لا يمكن للإنســــان أن يضبـــط النــــار المنظــــــورة ,
و يستعملها بالفعل من دون الأجسام التي هي أنواع الوقود ,
هكذا أيضـــــــاً من دون العمــل المحســــــــوس بالجســـــــد ,
لا يمكن أن يؤهــــــل الإنسان لنـــــار النعمــــة الإلهيـــة في قلبـــــــــه ,
و لا أن يقتنـــــــــــــي حــرارة و قـــــود الحــــب و معـــرفة اللــه .
فإن كنا نهتم بطهارة الضمير
ولكننا نبطل الجسد من عمل فلاحة الفضيلة والاهتمام بها ،
فإن شــــوكاً و قرطبــــاً ينبتـــان في حقــل ضمـــيرنا عـوض الزرع الجيــــــــــــــــد .
لأنه بالنار تُنظف الأرض و بحرارة الأعمال ينقى القلب ويقبل الزرع الطاهر الروحاني .
و الأعمال التي لأجل الله هي أواني القدس التي توجد فيها النيــــــــاحة الإلهيـــة ,
و بها تُقبل النعم الروحانيـــــة و المواهــب المقدســــــــــة و القـــوات الســـماوية .
+ الذي استحق أن يكون بهمِّ الله الدائــــــــم .
هو الذي يؤهــــــــــــل للدهـش الدائم بالله .
و الذي يُشقي ذاته من أجل الله ، و لأجــل الخــوف من الخطية ،
هو الذي يســــــــــــــــــــــــتحق أن ينظر في نفسه أعاجيب الله .
و الذي يحتمل الضيقة بإرادته يحمله الله ، كمـــا على راحــتة يــده في كل مكــــان .
و لا يدنو منك شرٌّ إلا بنــــوع التجـــــربة ، وهذا لكي يعرِّفك الله بعنايته بك، كما كُتب :
« إننا نتضايق و لكن لسنا نختنق » .
+ ينبغي أن نعلم، يا إخوتي ،
أنـــــه بضغط الضيقات نقدر أن ندخل ملكــــــــوت الله .
كما أن النفــــــــــس محتاجة إلى أن تتضايق بإرادتها ,
لكي تستطيع أن تقهر عادات الانحلال ,
ولكي تؤهل للنعمة حسب قول القديس باسيليوس معلم الحق :
« من هو الذي نال روح الله بالاتساع والنفخة من المأكولات؟! » .
فضـــــائل ضــــــرورية
+ هناك خمسة أسباب :
ــ أعنـــــــي فضـــائل ــ من دونها لا يمكن لكل رتب الناس أن يكونوا بلا لوم ،
إن كانوا رهباناً أو علمانيين .
و هـــــذه الفضــــائل إذا ما حفظهــــــــا الإنســــان ،
تخلَّــــص من كـــــل مضـــــرة ،
و صار محبوباً عند الله و الناس ،
و هــــــــــي :
ـــ جســـــد عفيـــــــــــــــــــف ؛
ـــ لســـــان محــــــــــــــــترس ؛
ـــ زهـــــــد عن الرغبة و الشـره ؛
ـــ كتمان السر في سائر الأمــــور بغــرض مســتقيم إلهـي ؛
ـــ وأن يكــــرم كل مقادير و منازل الناس فوق ما يستحقون .
لأن الذي يكرِّم الناس يكرَّم هو أيضاً منهم و يأخذ المجازاة من الله ؛
لأن الكـــــرامة توجــــــــــب كرامــــــــــة و الازدراء يجـــلب ازدراء ,
و الذي يكـــــرِم الله يكــــرَّم هو أيضـــاً منــــــــــــــه .
+ أربعـــــة آلام :
كل من كان مستعبداً لها يسقط في كل ظنون رديئة سمجة ،
و هــــــــــي :
ـــ جســـــــــــــدٌ مشــــــــــــــــــاغب ؛
ـــ الرغــــــــــــبة في أشياء جسدانية ؛
ـــ لســـــــــــــانٌ قـــــــــــــــــــــــاسٍ ؛
ـــ و نقل الكلام من واحد إلى آخر بنوع المثلبــــة ,
و هذا الفنّ مبغوض من كل أحد لأن اللـــــــــه يبغضــــــــــــه ,
و الــــــذي يمارسه يقع في كل خطية سمجة في كل موضع .
+ و الذي يتخلى الله عنه لأجــــل تعظمــــه
يسقط في واحدة من هذه الأنواع الثلاثة :
إما في فسقٍ سمج ، و إما في ضلالةٍ شيطانية , أو في أذيةٍ عقلية.
+ العفيف حقاً :
فحتـــــــى نظر عينيـه لا يتركه مكشوفاً بلا غطاء ,
و ينبغي أن يســــتحي حتى من ذاتــــــــــــــــــه .
فكما أن الكرم لا يُحفظ من المفسدين بدون سياج ؛
هكذا العفــــة بدون الحيـــــاء .
كذلك لا يُحفظ الفكر و القلب أيضاً بلا لوم بدون الحياء ,
لأنه :
إذا كانت الأعضـــــــــاء بـــــــــــــلا حيــــاء ,
كــان الفكر و القلب أيضــاً بغـير حيــــاء .
فــــــــــالقلب الذي لا حياء فيه يترك حواسه بغير حفظ ,
و فـــي كل وقــــت يتنجــــــس منهـــــا .
الميمر الرابع ( 8 )
مخــــافة الله و الفضـــائل
+ خَفْ من الله ، أيهــــــا الأخ ، و لا تـــــترك عنك مخافتــــــــــــــــه ،
و بغير تدبير نظام عقلي تترك بيتك ,
أي جسدك الذي هــــو هيكـــل الله .
خَفْ من الزلل أيها العفيف ، و اقتن لجسدك حياء و اســـــــتحياء ,
و لحواســـــــك قبضـــــــــــــــــــــــــاً ,
و بالأكثر في موضع ينبغي فيه الخوف .
+ كن مداوماً هذيذ الكتب و ســـــير الآبـاء ؛
لأنه من التذكار و النظـــــر الدائــــم في الكتـــــب ،
و في الطرق التي سلك فيها الآباء ,
تكثر فيك أفكار حارة و عدم تضــجر ،
و تجعل جميع أعمال مــــخافة الله ,
خفيفة و ســــهلة في عينيـــــــك .
+ العفـــــة هي : مينــــــــاء القـــــداسـة .
و القداسة هي : قلب نقي من كل رذيلة .
و بحقٍّ هذا هو قديـس الله الفاضل :
الذي لا يتبكت من نيته أنه يوافق الشرور في خفاياه .
و الفضيلة ليست عملاً متعباً أو فعلاً عسـراً ،
بل هي قلب بغـــير لوم يرضى الله ,
و لهـــــذا لا يعرف ( الفاضل ) و لا يُفرز للعين الجسدية ،
بل لتلك العين الخفـة الفاحصة مخازن القلب .
فالذي يريد أن يحفــــــــــظ قداســـــــــته بنقــــاوة ,
و لكنــــــــــه لا يهتم بواجباتها يسقط عنها و يخيب ,
لأن الـــــــذي بنظره و ســــمعه يخضــــــع بلـــــذة ,
و يميل لنظـــر و لكلام يوســـخ العفة ،
فإنه أيضـــــــــاً يحـــب هــــــذه السماجات في قلبه .
+ طوبى لمن :
تأدَّب بالأحزان اللائقة بطريق القديسين ،
لا بالمحن و الأضـــــــرار البشــــــرية .
+ الجســـد المتفـــــــــــرد يلد ضميراً متفــرداً ،
و حسبما يختلط الجسد كذلك يختلط العقل .
+ المتوحد هو :
الذي يجعل مسكنه خارجاً عن مناظر العالم ,
و له طلبة واحــدة فرديــة في صــــلاته هي :
شــــهوة العــــالم الجديـــد .
+ البتوليـــــــــة :
ليست هي أن يحفظ الإنسان جسده فقط من الفساد والنجاسة ،
بل و أن يســـــتحي من ذاتـه أيضــــاً إذا كان وحـده .
+ إن تهاون المتوحد بخدمة الســبعة أوقـــــات الموضــــــــــــوعة ,
كقـــــــــانون لازم لخلاص الـذين يجاهــــدون مع الشـــــــياطين ,
و أهملهـــــــــــــا من غير ضرورة أو بفعل سبب ما من الأسباب ,
ثم يقـــــــــول لك إنه يتخلـــــــص مـــــن الخضـوع لـروح الزنـــــا ،
فحتى و لو كــــــان شيخاً له مدة كبيرة في هذه السيرة إما بالفعل أو بالفكر ؛
فاعلــــم عن تحقيق بغير شك أنه يُتوِّه بك ،
و يتحايل أن يســـــتر و يخفــــــي خجـــله ،
و يُبعـــد الحس عن النفس لكي لا يترك عنه الراحات و يخضع للقانون .
+ آلام الجسد هي :
الغضـــــــــــــــب و الشــــــــــــــــــــهوة ،
و محبة المفاوضة و الحديــــــث الباطـــل ،
و ما شـــابه ذلك ،
و هي تهدأ و تصمت :
بالصـــــــــــــــــوم و خـــــــدمة الأوقــــــات
و الجلوس المنفرد بغــــــــير طياشـــــــــة .
و آلام النفس هي :
الطياشــــــــة ، و عــــــدم المعـــــــرفة ،
و الحســـــــــــد ، و المجـــــد الفــــــــارغ ،
و العظمـــــــــــة ، و ما تبقـــــــــــــــــــى ،
و هي تبطـــــــل :
بالصـــــــــــــــلاة ، و القــــــــراءة و المعرفة المتولدة منها .
و الذي من دون هذه يروم أن يُسكت آلام الجسد أو ينقــــــــي العقــــــل ،
إنمـــــا يشــــقي نفســـــه و يتعبهــــــــا باطـــــلاً .
الأعمـــال و التواضـــــع
+ الأعمال و التواضع تجعل الإنســان إلهــــــاً عـــلى الأرض .
و طوبى للإنسـان الذي يعـــــــــرف ضعفـــــــــــــــــــــــه ،
لأن هذه المعــرفة تكون له أساً و بدءاً لكل صلاح و فضيلة .
+ محــــب الأعمال ليس هو الذي لا يحب راحــــــة الجسد،
بــــل هو الذي لا يحب مفاوضات الجسد و محادثاته .
كذلك ليس كل من كانت أعماله قليلة هو محب للراحة ،
و لا كل من كانت أتعابه كثيرة هو محب للأعمال.
فثمة من تكون أعماله قليلة و لكــــن نفسه مملــــوءة حـــــزناً ،
و الأعمال التي عدمها بالجسد بسبب ضعفه و انحطاطه ،
يوفيهـــــا بعمل القلب و بالانقبــــــاض مـــــع نفســـــه ،
إذ يلجم أفكــــــاره لئلا تثواثب على نفســه آلام الجسد .
و ثمة من يعمـــل كثيــــراً حســـب القــوة التي في جســــده ،
و من وقت لآخر يضيع أعماله بانحلال الراحة و بالطياشة في كذا و كذا ،
و بسبب ذلك لا ينتج فيه من أعماله شيء من المنفعــة ،
كما و ينشـــــأ فيــــــــه الافتخــــــار مــــن وقت لآخــــر .
+ إعلم أن الآباء العارفين :
لم يضعـــوا قوانين محــــــــدودة على أعمـال الجســــــد ،
لكل منازل و رتب الإخوة السكان في الهدوء بالتســـــاوي ،
بل أذنـــــوا لكـــــل واحــــــــــــــد أن يتدبر حسب مقداره ،
و حسب مزاج جسده و موضع سكنه ، و حـســـب سنه .
كمــــا أن أعمال الجســد من دون حفــــــظ العقــل ،
هـــــــي بطـــن مقفــــرة و ثـــــــدي ناشفة ،
و لا توصل الإنســــــــــــان إلـــــى مخــــافة اللــــه ،
حــــتى و لو كــان الجسد عمـــالاً للمواهب الإلهية .
معــــنى التوحــــد
+ السكون هو
مبطـــــــل و مبدِّد الآلام الوحشية ,
و ممــــيت للتذكـــارات الباطــــــلة ،
و مجــــــدد للعقــــــل العمّــــــــال ،
إذا قُــرن معــــه هـــذان الأمـــران :
نقص الغذاء ؛ و هذيذ العقل على الدوام بأسرار العالم الجديد ؛
و ربـــــط الضمـــــير بذكــــــر الله بغــــير انقطــــاع ،
و إن انقطع نربطه عاجلاً كما علَّمنا الآباء و أفهمونا .
فإن صحّ هذان الأمران فإنهمـــا يقومـــان معنــــا ,
و يصبحان لنا مثــل اليــــد اليمـــين و الشــــمال ,
و بمعونة ربنا بسهولة ندوس على رقبــة الأعداء .
+ إن كنه السكون يدل على معنى فعـــــله ،
أي الهدوء و عدم السجس وعدم الاضطراب .
و لا ينبغي أن نتخذ الهدوء بجزء واحد فقط من أجزاء إنساننا ،
و نتــــرك بقيـــة الأجـــــزاء في المجـــــاذبات و الالتفاتـــات ،
بل نهــــــــــدئ جميـــــــع أجـــــزاء النفــــس و الجـــــسد .
و مثلمــــا نهــــدِّئ الجســــد ونســــكته بالحبس داخل القلاية ,
هكذا نكون بلا سجس في الأفعال البرانية التي تكمل بالجسد .
و كمـــا نمنـــع جســـدنا من أن يضطـــرب بغــــــير الواجــــــب ،
كذلك أيضاً نجمـــع عقلنا من الهـــم و الهــذيذ بالجســـدانيات ,
و من الملامة و الحقد على القريب، و نسمِّره دائماً بالصليب .
و نحرسه حتى لا ينحل وينزل من هناك .
فإن داومنا على هذا بلا ضجر ،
و بالرجاء يوماً بعد يوم نصوِّب إليه كل غرض تدبير سيرتنا ،
فإننا لسنا نتعب زماناً كثيراً في التجارب ،
لأننا بذلك نُخضع الحواس و نقمع جميع لذاتها المتعبة التي تضطر عقلنــا ,
أن يكون تحت الخضوع لها، و تجتذبه و تحطه من القيام في بلـــده بهدوء ,
و تشغله بتحريش (أي بإغراء) الآلام الباطلة و أنواع الشهوات .
+ حبس الجسد و العمل داخل القلاية ,
يقمع الجسد من الآلام اللحمية ,
أما الحواس فما يقدر أن يقمعها تماماً من الطموح ,
إن لم يكن للقلب عمل خفي ،
الذي هو بلد السكون وبيت راحة وهدوء الحق بتحقيق .
و كما نعتني أن نربط الجسد بالحبس ,
فلنحرص أيضاً أن نكون في الحبس بلا سجس ،
و نضبط حواسنا من الطموح في الأفعال التي تشتت الفكر و تجعله يطيش ,
و ذلك لكي نتمكن من حبس فكرنا داخل قلبنا بذكر ربنا و بنظرة مجده .
و إن كانت هذه ليست لنا ،
فإن الرجل يسلك بالصورة ، و كالبخار يتشتت ,
و كمثل مـــا يذوب الشمع قدام قوة النار ,
هكــــــــذا ينحــل قدام الأفكــار والآلام ,
و لا يقدر السكون المظنون به أن ينفعه بشيء .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) التقسيم إلى ميامر غير موجود في المخطوطات القديمة.