الميمر الثالث
موضـــوعــــات الميمــــر :
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
14ـ أهواء القلب الرديئة و الا فكار الإلهية.
علامات الخروج من الظلام
علامات الخروج من الظلام :
+ إذا كنت في سكون مع عمل الاتضاع الجيد ,
فهذه هي العلامة على أن نفسك قد دنت أن تخرج من الظــــلام :
إن قلبك يحترق و يشتعل كما بنــار ليلاً ونهــاراً ؛
و تصير جميع الأمور الأرضية عندك كمثل الزبــــل ؛
و لا يحلو لك أن تدنو من الغذاء
بسبب لذة الأفكار الجديدة الحارة التي تتحرك في نفسك على الدوام ؛
و يُعطى لك من السكون ينبوع دمــوع بلا تغصـــب ,
أعني و مــع قــــــراءتك و مــــــــــع صــــــــلاتك ,
و مــع خدمتـــــك و مــــــــــع هذيـــــذك ,
و مــع أكــــــــــلك و شــــــــــــــــــــــــربك ,
و مــع جميـع ما تصنــع تمتـــزج به الدمـــوع .
فـــإذا مـــــا نظـــرت هذا في نفسك ثق و تشـجع .
في طريق الوحدة و مداومة القلاية
+ المتـوحد يمكنه أن يحفظ طريق الوحدة بحـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلاوة ،
وذلــــــك بتكميل قوانـــــين الوحـــــدة . أما إذا رفض قوانين الوحدة و تهــاون بهـا ,
فإن أفكار العلمانيين تحدث له بسياسة (أو بالضرورة) في القلاية من غير أن يشاء .
و لا أعني بقولي هذا أن الضعفاء يؤذيهم السكون بدون عمل قوانينه ،
بل أعـني أن الــــذي جســـــــــده صحيـــــــــــح و قــــــــــــــــــوي ,
إن تهـاون بتكميـــل قوانين العمـــل ( لايؤذيه السكون فحسب, لكنه) ,
لا يقـــدر أيضـــــاً ولا على الثبـــــــات في القــــلاية على الــــــدوام .
و مــــــن المـلاقاة الشـــهوانية التي يصادفها على الدوام ينسى ( قصده ) قليلاً قليلاً ,
و بسبب مداومة نظر العلمانيين و أشكالهم المنحلة ، ينسى أيضـــاً الوعد المقـــــدس .
كــــذلك إذا كان مشـــتغلاً (في قلايتـــه) بعمـل صنعــة مـا ,
و يتعطــل (لهذا الســـبب) عن الــــــــدوران و الطياشــــــة ,
و مع ذلك لا يحفــــــــظ قوانــــــــــــــين الوحــــــــــــــــــدة ,
فإن أفكـار الحيوان تكون له وتتحرك فيه وليس أفكار الحبس ،
و يتــــــوه عنه أنهـــــــا قلايـــــة بـل دكـــــان حانـــــــــوت .
و مــــــن ههنــــا تتحــــرك فيــــه حركــــات العلمــــانيين ,
و ليــــس البتوليين و المتجردين و حــافظي العقل بالصلاة .
فليســت القلايـة هي التي تحــرس العفيــف و تحفظـــه ,
بل قوانين العفة ، وبالأكثر (بالنسبة) للجسد غير المروَّض ,
و المــزاج الشـغِب الــذي يثـب دومـــاً تبـــع الشـــــــهوة .
+ قوانين الوحدة التي تحفظ طريق السكون باحتراس وصيانه هي:
تكميـــــــل خدمــــــــــــــــة الأوقـــــــــــــــــــــــات ,
القـــــــراءة المفــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــروزة ,
ضــــــــرب المطانيــــــــــــــــــات المحــــــــــــددة ,
الصــــــوم إلى العشــــاء عـــــدا وقــــت المـــرض ,
تصـــــــرف حســــــــــن محترس يتدبر به الإنســان ,
مع نفسه داخل قلايته في ترتيب أعضائه ,
ألا يكــــون له خروج و دخول على الدوام بانحـــــلال
دون أمــــــــــــر ضــــــــروري ,
وأن لا تكون قلايتـــــــــه مـــــــــــــزاراً لكثيـــــرين .
هذه هي قوانين الوحدة , وهي محــدودة بقياس (أي بدقة) ,
و ليس فيها تعب كثير ,
وهي التي تحفظ المتوحد من العثرات و السقوط بمعونة الله .
+ وكمـا أن الله يقــدر أن يحفظنــــــــــــا في هـــذه الحيــــــاة ,
بـــــــدون الأكل والشرب كما في العلم المزمع ,
ولكنــــــه ما رأى أن يفعــل ذلك في هذا العـالم ,
بـــــــــــل بمـــواد كثــــيرة يمنــح لنـــا الحيـــاة ,
هكــــــــــذا هــو أيضـــاً قــادر أن يقيمنـا بــــــدون تعبنـــــا ,
وهمتنــــــــا فوق كل حـــركة فاســدة و بضمــير روحـاني ,
لا يفكـــــــــر في شــــــيء خارجــــــاً عن اللــــــــــــــــه ,
و لكنـــــــــه ما رأى أن يفعل ذلك لأجل تعليمنا و تخريجنا .
ما هى القلاية بالنسبة للراهب ؟
القلاية هى :
كــــــــــــــــــنز الأفهـــــــــــــــــــــام ,
و بلـــــــــــــــــــد الثــــــــــــــــــــــاؤريا ,
و مــــــــــــــــأوى المعــــــــــــــــــــرفة ,
و مكـــــــــــــــــان الفــــــــــــــــــــــرح ,
و كـــــــــــــــــــور التجـــــــــــــــــــارب ,
و رجــوع النفس و نـــوم الخطيــــــــــة ,
و مذكرة بالمـوت عــلى الـــــــــــــدوام ,
و فيها تتيقظ في العقل جميع التاؤريات ,
حسـب مقـــدار منـــــزلة الإنســـــــان ,
و يمتـد ســريعاً إلى الأمور العظيمـــــة .
الاحتراس و التعفف
+ بنوعــين يصنــــــع الجســــد نياحـتـــــه ( أي راحتـــــه) بحمــــــــــاقة ,
فيسبب للنفس أتعاباً و مشقات و روامـيز ( أو تصـــــورات) عظيمة للفكر ,
و همـــا :
عـــــــــدم ضبـــــط البطــــــــن بالخضــــــــــوع لتجــــــــلد الصـــــــــــوم ,
و عــــــدم ترتيب الأعضاء التي تعطي دالة للنظر و اللمــس غير المتعفـف ,
الــــــــذي يحدث منه فساد هيكل الله بواسطة الأفكار الطائشة في الأباطيل.
لأنــــــــه بالجلــــوس المتعفـــــــف و حســــــــــن ترتـيـــــــب الأعضـــــــــــــــــــاء ,
ينبغي أن يتيقــــظ الإنســـــان بذاته و بتصرفه داخل قلايته في الوحدة بحياء و ترتيب .
فــــإن أمكـن لباســـــك الجــــــــواني لا تخلعــــــه أبــــداً ,
حتى لو كنت شيخاً طالما أنك لم تعبر بعد من هذا القتال .
و لا تكشف رجليك من الثياب إن أمكن من غير ضرورة أكيدة
و تظهر علامة ودلائل الشــغب في ذاتــك ,
أو تنخـــــــــــــدع لأجل نيــــــــــاح قليـــــــــــل بجســــــدك ,
لئـــــــــــــــــــلا يثب عليــك نيـاحٌ ثانٍ الذي هـــو نجاســة الأعضــاء ,
وحـــــــــــــــتى لو كنت شيخاً لا تطمئن و تتهاون في حفـظ الأعضاء ,
كما لو كان لا فائدة فيها.
لأن سبب الانحـــــــــــــــــــلال الثاني (أي النجاســـــــــــــــــــة) ,
يكــــــــون مــــن الانحــــــــلال الأول (أي راحـــــــة الجســــــــــد) ,
و هــــــذا يحدث من عــــــدم التعفف في ترتيـــب الأعضـــــــــــــاء .
التدبير داخل القلاية صيانة للتدبير خارجها
+ الــــــذي يتضيق في نفسه و في قلبه من أجل الخوف و محبـة العفــة ,
و يفــــرح بالصـــــبر على الصــــــــوم ، و يأكــــــــل بقانــــــــــــــــــــــون ,
لا ينخدع لانحـــــــــلال الحــــــــــــواس و لا يهمل أبداً ترتيب نظام الصوم ,
و مــــــن هـذه يضبط ذاته من أن يصنـع دالة جهـــــــــالة مــــع نفســـه .
و الــــذي يحـــترس فيما يخصـــه (داخــــل قلايـتـــــــــه) ,
و يقتني عوائــــد جيـــدة باحـــتراس متعفــــف بجســـــده و جميــــــع أعضــــــــائه ,
و يكــرم الله بنفســـه و جســده، معروف أيضاً أنه إذا اتفق وجــوده خـارج قلايتــــــه ,
فإن ذلك التحفظ يرتسم على أعضائه جميعها بحيــاء نظره قبالة كل عارض يصــادفه ,
و يقتني تلك الصيـــــــــــــــانة أيضـــاً بســــــــائر حواســــــــــــــه ,
بسـبب تأسس العادة التي اقتناها لنفسه في الخفاء داخل قلايته .
فإنه من الكلام المنحل و الدالة مع الآخرين الذي يعتاد عليه و هو في قلايته ,
وانحــــــــــــــلاله مع نفســـــــــــه إذا كـــــــــــــان وحـــــــد ه ,
معروف أيضاً أنه يقتني تلك العادات وينفعل بها وهو خارج قلايته ؛
لأن حسن نظــام العوائــد داخل القلاية يعلمه الحفــظ خارجــها .
فالـــــذي يتدبر في قلايته حسناً لا يمكن أن لا تظهر فيه
وهــــــو خارجهــــا تلك الأنــــــــــواع الحســـــــــــــــــــنة ؛
لأن خارج الإنســان هو مــرآة و دليـــل على خفــــــاياه.
+ الصمت الدائـــــــم هو زينـــــة و بهـــــــــاء المتــــــــــوحد.
لأنه نقصٌ في حق المتوحد أن يكون مفتقراً إلى الاحتراس ,
فيما ينبغي أن يكون له في السكون, مع الاتضاع الدائـــــم .
فإن انحلال تصرفه البراني هو دليل علي انحلال القلب الخفي .
و المنحلُّ بحواسه هو أيضاً منحلٌ بقلبـــــه ،
و المنحلُّ بقلبـــــه منحـــلٌّ أيضــاً بحواسه .
و الذي هو هكذا منحل من الداخل ومن الخارج ,
لا يمكن أن يكون له اهتمام بالله ، ولا بهذيذ تدبير السيرة ؛
لأن
التدبير البراني يصـون الجواني ,
و التدبير الجواني صيانة للبراني .
الميمر الثالث ( 7 )
أعمال السكون ( الصوم و الصلاة )
+ العمل الأول في الفضيلة هو الســكون .
و العمل الأول في الســكون هو الصـــوم ؛
لأن الصــــوم يصــلح كثــيراً لعمــل الله .
فالسكون هو نقــــض (أي إبطـــال) حواســـــــنا مـــــــــن العـــــــالم ,
أما الصوم فهو دليل الفعوليــــــة (أي العمـــــل) مـــــــــع اللــــــــــه ,
و دليل الاســـتعداد للقتـــــــــــــال و الجحـــود بالعــــالم .
و العمل الثاني في الســكون هو الصــلاة .
لأنه إذا كفــر الإنسان بالعــالم يحصـل في المفاوضة النقية مع الله،التي هي الصلاة.
فالصلاة هي طيران عقلنا إلى الله ,حسـب قــول القديس باسيليوس .
+ فلنداوم على الصــلاة بإفــراز ،
كي يقتني عقلنا حياء وتعففاً من النظر الدائم في الله والكلام الهادئ معه .
+ لا نقدر أن نقتني قلباً متعففاً ،
طالما كانت الحواس تداوم الطياشة في أشياء كثيرة ، وفي كثـــيرين .
فالسكون يصلح جداً لعمل الله ,
و لهذا فإن القديسين قبضوا حواسهم أولاً من العالم ,
و بعد ذلك اهتموا باستعداد القلب بعمل الله الخفي .
لأنه إن لم يرتبط الجسد :
أولا بعمـــل الفضيــلة لا يتفـاوض الفكــر بفلاحــة الفضيـلة .
فالجسد المتفرد (في السكون) يصلح كثيراً لعمل الفضيلة ؛
لأنه من السكون :
يقتني ذهناً مجموعاً وضميراً هادئاً وأفكاراً غير مضطربة بمناظر العالم .
فلنحب النوم الهاديء في السكون
لأن خيالات أحلامه أنفع من أفكار اليقظة التي تكون خارجاً عن السكون .
و لنحب الوحدة :
لكي نقتني منها ضميرَ متوحدٍ متحدٍ بسرِّ الوحيد الذي من حضن الآب .
و لنحب الأمراض التي من العدم ( أي العوز ) :
لكي نؤهَّل بها للعزاء الحلو الذي يصنعه الله معنا .
المريض و جهاد الوحدة
+ إن أعمال الوحدة المتعبة
التي ينبغي للجسد القـــــوي الصحيح ,
و النفس الشجاعة تكميلهـا ,
و مـا يقـــدر الجســـد الضعيــف المنحـــط أن يكملهـــا , هـي شـــيء ,
بينما تلك الأعمال التي تحتاج فقط إلى يقظة واهتمام هي شيء آخر .
فهي لا تحتــــاج إلى قـــوة الجســــد لتكميلهـــا بل اســـتعداد الإرادة .فإذا لم نقدر أن نسهر الليل كله :
مثل كثـــــيرين ممن يقومون على أقدامهم من العشاء إلى باكر بلا نوم ،
و نخـــــــــــــدم مراميت ( مزامـــير ) كثـيرة في كل وقت من النهــــــار ,
و صلوات متواترة مع ضرب مطانيات كثيرة , وصوم أيام وطي (أي جــوع) ,
فيمكن لمن كان ضعيف الجسد
أن لا ينـــام من العشــاء ,
أن يخـدم أيضــاً قليـل مزامــير وقـت السـتار ثم ينـام ,
و أن يغصــب نفســه في الليل ــ إذا لم يكن مريضاً ــ و يكمل قليلاً من الخدمة ,
و إن لم يمكنه الوقــوف , فيستطيع ذلك و هو جالس .
و إذا لم يقــJJJدر أن يخدم سبع مراميت في كل وقت من النهار مثل الأقوياء ,
فعلى كل حال يقدر أن يخدم و لو مرميت أو مزمــور و احد في كل وقـــت ,
و لا يعـــــبرها بإهمـــال و لا يبطـــــل شـــــيئاً مـــن الســـــبعة أوقــــــــات .
و أن يصوم إلى العشاء مثل الضعفــاء أو إلى التاســـــعة أو لنصف النهـــــار ,
و لا يأكـــل من باكـــر . و هذا الحفــظ و الاحتراس لا يحتاج إلى قوة جسدية .
كذلك إذا لم يقدر الضعيف
على الحبس الضيـــــــق مثل الأقويــــــــــاء ،
و لا حبس الأسبوع كله مثل المتوسطين ,
فعليـــــــــــــــــــــــــــــه
ألا يفتــح بابه كل يـوم و يمضــي إلـــى أخيــه ,
و يركِّــب له الأســباب أو يطــيش خـارج قلايتـه .
و هــــذا جميعه يقدر أن يعمله ضعيف الجسم .
و أيضـــــــــــــــــــــــــاً
يجب عليــه أن يتصــــرف في قلايتــــــه بحسن نظـــــام ،
فـــلا يخلع عنه ثيابه و يتعرى و يبعد عنه الحياء و العفــة ,
بـــــل يتقلــب (أي يتدبر) بخـــوف و اســـــتحياء مـن الله .
و لا يهتـــــم بغســــــــــــــــــــــل و تنظيف جسده , و يديـــــــه و رجـليه ،
و لا بتسريح شعر ذقنه و تربيتـــــــــــه , و لا بتنظيــف ثيـــابه ،
كمن يعتني أن يجلب على نفسه قتــالاً على قتــال ,
و كالزانيــــة التــــي تهتــــــــــــم بالشــــــــــــــهوة .
+ و يقدر الضعيف أن يقتنــي يقظة الفكر :
حيـــــث توجد مخـــــافة الله ,
فهنـــــاك توجد الصــلاة الطاهرة التي بغير طياشــة ,
و هـي تشـجع الإنسان
و تعده للصـوم الكـثـــيرالذي يفــوق الطبيعة .
فمع مخافة الله
و لـــو سكن الإنسان في النواويس ( أي المقابر ) و المغاير الضيقة ,
جميـــــــــع أيـــــــــــــام حياتـــــــه فإنـــــــــــــــه لا يتضجـــــــــــر .
لأنه حيث لا توجد المخــافة فلا توجد التـــــــــوبة أيضاً .
و حيث تكـون مخافة الله لا يكون ذلك الإنسان محتاجاً إلى الوعظ أو الاحتراس الكثير .
+ كل صلاح في النفس يظهر فيه إشراق الفضيلة إما من الإرادة أو من الطبع .
و الـــذي من الإرادة هو من غصبية خــوف الله (الذي يحـرك) إفـــراز الإرادة .
أما الذي من الطبـع فهو من خاصية الطبيعة .
و حيث لا يوجد هذان الأمران أو أحدهما :
أى أن يكون الإنســان معاناً من طبيعتـه ،
أو أن يكـــــون فيـــــــه خـــــــــــوف الله .
الــذي يحـــــــــــرك إفــــــــرازات الإرادة ،
فإنه لن يخلو من شيء من الشـــرور .
لأن كل صلاح يتحرك بالعقل في الطبيعة الناطقة ، يتحــرك القلب به من اللـه أولاً ،
و منه يقوى على الثبات في الصلاح بالفكر الذي ينتبه في القلب بحرارة ،
و بعد ذلك تُعين حركة الصلاح التي في الطبيعة اهتمـــام الإرادة الحـــرة .
مداومة العمل :
ا+ اعلـــــــم يا ابني أن الســــــــــــكون , أي الوحـــــدة ، و كـــــــل التــــــــــدابير ،
تعطي أثمــارها بحسب المـدة ، و المفاوضـــــــــة بهـــــا .
فالسكون و عمل القلاية
علـــــى قـــــدر المــــــــــداومة و حفظ العقل يعطي ثمرة .
فإن كنتَ خاليـــاً من المداومــــة و مساواتها بالعمـــــــــــل ,
لا تنتظر أن يحصــــــل لـك منهــــا عــــــــــــزاءٌ حقيقــــــــي .
فكل تدبير بغير قيام و لا دوام مدة تجـــــده أيضــــــاً بغــــــير أثمـــــــار ,
و يكون كأنك قد بدأت به بداية فقط .
أما العمل الدائم و لو أنه قليــــل , فلأجل دوامه يُربّي كنـــوزاً عظيمـة .
أسباب الاحتراس
+ نحن نمارس الأعمــــال و الاحـــــــــــتراس مـع أنفســـــــــــــــــنا لأجل الخوف ؛
لأننا نعــــرف أن الراحة الجسدية تبعدنا من الله , وتخيِّب ضميرنا من الهــــــم به .
كما أننا نتهاون أيضاً بالمفاوضة مع إخوتنا , وذلك ليس لاستخفاف أو ازدراء بهم ,
ولا لأنهم ليســـوا أفضـــل منـــا – إذ أننا في كل وقت نســتعين بصــــلواتهم –
بل لئـــلا نعـــدم التنعــــم مع ســــيدنا بســـــــــــبب المداومــــة مع النـــــاس.
لأن الوحــدة تجعلنــا نتَّحــد باللـــه , و هي تشركنا بالعقــل الإلهـي ،
و توصلنــــــــــــــا إلى نقـــاوة الضمير , في زمن قليل بغــــير تعـــويق .
فكل موضع تكون فيه ، صِرْ متوحداً منفرداً بضميرك , وغريباً وخاطئاً .
و لا تظـــن أن كل التدبير والعمل في السكون يتوازن مع أن :
يكون الإنسـان غير معــروفٍ و لا محســـوبٍ , و بعيـــد عن كل أمـــــــرٍ و كل شــــيء ؛
لأن البعــــــد إنما يكون حدوثه من أن يكون الإنسان غير معروف,وهو بهذا يتربى ويحفظ.
+ تاه عن كثيرين و ما يفهمون أننا نحن المتوحــــــدين ,
لا نحبس أنفسـنا داخل الباب لأجل عمل الفضــائل ,
إذ أننا حتى ومن الفضــــــائل نكـون مـــــــــــــــوتى ؛
لأن الفضــــــائل إنما يصنعها الأحياء الذين يعملون في وسط كثيرين ,
فإن كنا نحن نطلب عمل الفضائل
وإخوتنا الذين في المجمع يطلبون أيضاً عمل تلك الفضائل عينها ,
فمالنا بالهـرب وقـــبر القلايـــة ؟
بل إننا نحن نترجى أن نقتني من السكون الشيء الذي
إذا ما تعلقنا بجفون أعيننـا
ما نناله بين كثــيرين حيــث لا يُســتطاع اقتنــاؤه هناك.
+ بالحقيقة إن عمل مــــــــائة أخ يصومون ويصلون في السجس و المفاوضــــــة ,
ما يــــــوازن عمـل متوحـدٍ واحدٍ جالـــــــــــــس في السكــون ولو كان ضعيفــاً ,
بشـــرط أن يكــون :
عادمـــــاً من الخلطة و مفاوضة الناس ,
و متجلداً داخل الباب بغـــــير انقطـــاع ,
و ليـــس من يدخــل عنده و لا يخـــرج .
لأن الذي هو في الحبس و السكون ،
و لم يقطع نفسه من كل تذكار و اهتمام ويبتعد من كل مفاوضة ,
و يداوم في السكون باستقامة و محبة الأعمال ,
فهذا لا لخطـاياه القديمـــــــــــــــــــة يذكـــر , ولا لزلاتــه فــي كل يـوم ينظـــر ,
ولا لآلامـــــــــــــــــــــــــــــــــــه يعــاين , ولا لمجاذبات الشـياطين يفهـــم ,
ولا للجهاد مع الآلام والشياطين يستعد , ولا لنقــــاوة القــــــــلب يصـــــل ,
ولا الصــــــــلاة الروحـــــــــــانية يقتني , ولا حتى للصلاة الطاهرة يستحق ,
ولا يشرق نور مجد المسيح الإلهي باستعلان الروح القدس داخل نفسه.
+ هذه المواهب والعطايا جميعها
ما أُعطـيت ولا تعطى أبــــــــداً خارجـــاً عن الحبــس والســكون.
أما الذين يحبــــــون السكون ويحتملـــــون جميـــــع ضيقـــــاته و يصبرون
فإنهم ينالونها بلا نقص.
وإن كان فيهم من يخرج من هذا العالم وما ينال هذه المواهــب لئلا يتكـــبر و يخسـر ،
أو لأجـــــــــل أمور أخرى مخفيــة عن معرفتنا ,
إلا أنه مــــــا يخـــيب من العطــــايا الأولى (التي توصــــله إلى نقـــاوة القـــــــــلب) ,
و في العالم الجديد يتنعم بهذه العطايا ( أي بنور مجد المسيح ) في ملكوت السموات .
و لهذا قلت إن السكون ينبغي أن يكون مكرَّماً عندنا أكثر من كل شيء .
ومثلما قال العظيم في العارفين يوحنا التبايسي النبي :
" إنه لا ينبغي أن نتدبر في السكون بصــــوم و سهر بغير قياس ,
أو بضيقــات كثيرة بغير ترتيب ,
بـــل أن
نعتنـــــي بعمــل العقــــل "
فالسكون الدائم مع تدبـــير العقـــل
لا يبطيء كثيراً من أن يُبلِّغ الإنسان و يوصِّله إلى ميناء الحياة و الفرح.
الميمر الثالث ( 12 )
أهم فضائل السكون
+ فضيلتان تحبسان جميع الفضائل ,
ومنهما وبهما يقــــــــام تدبـــير العقـــل جميعه ،
و منهما يقتني الإنســان طهارة القلـب ،
و همــــــا اللتان يفتقر إليهما طقس سيرة السكون :
الصـــــلاة التي بغــــير طياشــــة و لا فتــــــور ،
و هـــــدم لمح أفكار الآلام و مجاذبات الشياطين حالمـــا تظهر ,
و يُحــــــس بهــــــا و تتحـــــــرك في القلـــــــــــب .
هاتان الفضيلتان و هـــذان العمــلان تُحـــــدُّ بهمــــا و تُحبــس ,
كل أعمال الذهن و كل فضائل النفس .
و هما تلدان وتمنحــــان موهبتـــــين إلهيتــين , وفيهما تنحصر جميع مواهب الــروح ,
و يصفهما الأب إشعياء بأنهما تفوقان الفضائل ، لأجـــل ارتفاعهمـــا عن الفضــــائل ،
و لأنهمــا لا يُعملان بالجســــد ولا يفلَّحــان بالنفس ,
بل إنمـا يُنعم بهما إنعاماً بقوة الروح القدس من قبل ,
أن يهتم العقــــل بمــــــا يفــــــوق الفضــــــــــــائل .
هاتان الموهبتان هما :
حركة روحانية تُحرِّك بلا فتور حركات النفس بغلوة الروح القدس بحب الله الكامل ؛
ونظـــــرة نـــــور مجـــــد المســــــيح .
الميمر الثالث ( 13 )
أقوال الآباء فى السكون
+ مُكرَّمٌ أيضاً و محبوب هو تدبير السكون ليس عنـــد الآبـــاء المتوحــدين فقط ,
بــــل وعند معلمي البيعة الكبار أيضاً .
و تعرف هذا مما قاله القديس باسيليوس و يوحنـا ذهبي الفم :
إن الإخوة الحبساء لا يُسمُّون متوحــــدين و صديقين كاملين فقط ، بل و شهداء عظاماً .
كذلك لما أراد القديس اغريغوريوس أن يعرِّف أخاه
أنه بدون الصمت و السكون و الحبس لا يُستطاع أن يتكلَّل (بإكليل البر) , قال :
« إنَّ ســياجك إن تشـــاء هو بســـتان غنــى الـــــروح
و موضع المصاف (أي الجهاد) الذي تُضفّر فيه الأكاليل » .
أعني أنه مثلما تُجمع الأزهار بعناية داخل سياجات البساتين و الجُنيْنات ,
لكي تُضــتفر منهـا أكاليـــــل ،
هكذا أيضاً يمكنك أن تجمع أزاهير الفضائل و تُضفِّر منها أكاليل البر :
إذا سكنت في الهدوء و أحاط بك سياجٌ خارج قلايتك ,
و داومـــــت الأعمال المرضية لله فهذا هو معنى قوله :
" إن سياجك إن شئت هو غنى الروح " .
+ وقال أحد الآباء أيضاً :
إني ما وجدت غبطة في الفضائل كمثل أن :
يهــــدِّئ الإنسان ذاته من جميع الأعمال
و يصمت عن كل مفاوضــــــة و حــــديث ،
و كمالها ( يعني الغبطة ) هو مخفي عن معرفة الناطقين .
+ و فيلسوف آخر قال :
« لا ينبغي للإنسان محب الســـكــون أن يصمــت و يهـــدأ فقــــط ،
بل و ليصنـــع جهـــــاداً مـــع أفكاره , و يقمــــع آلامــــــــــــــــــه ،
و هكذا سريعاً يبلغ إلى نقاوة القـب , و يكــــــون مسكناً للحكمة » .
+ احتراس الجسد و إفـــراز الأفكــــــــــــار يقنــــــــــي الفكــــر عفـــــــة نقيـــــة .
و حفــظ الحواس و ترتيب الأعضاء حسناً يولِّـــــــــــد حيـــــــاءً و استحياء الأفكار ,
و ضمــــــيراً نقيـــــــاً من غــير جهـــاد .
أما عدم الاحـــــــــتراس
والقـــرب مــن النـــــاس والأمــــــــور فقد ولَّد للشيوخ العمّالين الأعفّاء أفكارَ الشبان
و أقامهـم في قتال الصــبوة (أي الشـهوة) .
كما أن الطياشة وعدم الانقباض تصوِّب (أو تسهِّل) للإنسان ســقوطاً على الــــــدوام .
وإن لم ينهمك في الشيء لعدم توفر سبب السقطة
فهي (أي الطياشة) تُقنيه عقلاً مضطرباً كل وقت، وتُبعد عنه هدوء القلــب و ســكونه .
+ السكون يساعد على الاحتراس :
كذلك ينبغي للمتوحد أن يكون له احتراس لا من الأفكار فقط ، بل وبالأكثر من الأفعال .
فيجـــب أن يحـترس من الدِّنو إلى جســـد إنســــان بالكليـــة لأي أمـــر من الأمــور ،
و أن لا ينظر ســرير علمــاني ,لئلا نضيِّع هذا الزمـان الذي أُعطى لنا لفلاحـة الحيـاة .
و عند موتنا نطلب زماناً للتوبة .
+ الذي يحـــب السكــــون ينبغـــي له أن يهــــــرب مــن كـــل محـــــــادثة ؛
لأنه ليس شيء يرخي نشــاط الضمير و يُكثر البـرودة في الفكــر نحــو الله ،
مثل الأحــــاديث الباطـــلة و دوام الكـــــلام الفــــــارغ و السِّـــير الخَرِفـــة ،
فهذه تُبطِل من النفس تماماً الاشتياق لله و محبة سيرة الوحدة المقدسة .
فاعتفِ من هذه (المحادثات الباطلة) بكل قوتك ،
و امض ونم في البطالة ، أو طُف باطلاً (أي بلا عمل) في الجبل و أنت وحدك ,
و لا تذكر شيئاً سمعته منها , و لا تعوِّد ذاتك القرب و الدنو من المعتـــادين بها ,
(أي بهذه الأحاديث الباطلة) ؛ و عند ذلك تعــرف :
كم تنفـع البطــــــــــــــالة مع الوحــــــــــــــــــدة ,
أكــثر من الاستمـــــــاع للأمـــــــــور البـــــــاطلة .
لأن الإنســان إذا انقبض من مفاوضــــــة النــــاس ,
رجع إلى ذاته وإلى تقويــم سيرته حسناً قدام الله .
+ متوحد هادئ متواضع معترف بعجزه مع التخــلف عن تكميـــل قوانـــين الســـــــيرة ,
هـــو أفضــل ممـــن يقوم بتكميلها بحياة منحلة و إطلاق اللسان و تسيُّب الحواس .
أهواء القلب الرديئة و الا فكار الإلهية
اهرب، يا أخي , من جميع أهوية قلبك التي تقيم عليك القتال
+ قال الأب إشعياء :
معـــونة ربنا تقهـــر جميــــع أعــــدائك .
أعني بهـــذا أنك : إذا ما جلست في الســكون , فلعدمك من الطياشـــة في الأفعال ,
و انقباضك عن مفاوضة الناس , و دوامك مع ســيدك بعمل وصــاياه ،
تغـــار منـــك الشـــــــياطين و تجذبك للتنازل في دغدغات الشهوة ،
لكي تخيِّبـــــــــــك مــــن حــــــــب ربنـــــــــــــــــــــــــــا .
و من العـــــــزاء الروحـــــــــــــــــــاني .
و من الأجر المحفوظ لك لأجل سكونك و أعمالك .
فاصنع أنت هكذا مثلما أقول لك :
عندما تحرك الشياطين في قلبك
أي فكـــــر شهواني , أو غــــــــــــــــــــــضب ,
أو مجـــــد فــــــــارغ , أو أي شـيء من الآلام ,
فلا توافق ذلك الفكــر و لا تتنــــــــــازل معهــم ,
و لا تتركهم يدخلـــون إلى قلبـــــــــك و لذذونه ,
بل اذكــــــــــــــر ســــــــــــريعاً تــــلك الــــلذة المُعـــــــدة لك من ســـــــيدنا ,
و انهـــر تــــــلك اللـــــــــــذة الألميــــــــــــــــــة ,
و أغمض عيني فكرك عن النظـــر في الفكر الشـــــيطاني ,
و اغصب نفسك - كلما جذبتك لذة الخطية – أن تهرب منها و انتقــل بشـــــــــهوتك لحــــــــب اللـــــــه ,
و اطلـب أن يأتيك منه عون و يعطيك أن تغلب .
فإذا نظــــــر الله إرادتــــــــــــــك ,
أنك حتى و لا بالفكر تريد أن تتلذذ بالخطية من أجــل التنعم بمحبته ،
فإنه يشير إلى الملاك اللاصق بك
فيطرد الشياطين المقاتلة معك بمجاذباتها كالغبار قدام الريح العاصف .
و بعــــــد مـــدة ســــنين معلـــــومة ، كثــــيرة أو قليلــــة ،
إذا مـــــــــا اختُبرتْ إرادتك الصالحة و حبك الصادق لسيدنا ،
بالصــــــــبر في جهادك ومصافك (أي وقوفك) قبالة أعدائه ,
عند ذلــــك :
ليس فقط كل وقت تقاتلك فيه الشياطين يمدك بالمعونة لتغلب ,
بــــل إنـــه إذا ما انقضــــــى زمــــان مجاهـــــدتك بالكليـــــــة ,
يطرد عنك الشياطين و يمحــق ( أي يبيد) انجذابها من قلبـــك ،
و عـــــوض تلك الأفكار الرديئة الكثيرة المتحركة فيك وقت القتال ,
يمــــــلأ نفســـــــك أفهـــــاماً روحــــانية كثــــــــيرة ,
حتـــــى يبتهـــــج ضمــيرك في كل وقـــت بالأفكــــار الإلهيـــة ,
التي هــي :
الهــــــــمّ بعظمة الطبع الإلهي ؛ الهذيذ بالثالوث المقدس ؛
تذكــــــــار لا ينقطع على الدوام بالاشتياق لحب المسيح ؛
و نو ر مجـده الإلهــي الساكن فيه في السـماء ؛
الهذيــــذ بالطغمـــــات الممجـــــــــدة الملائكيــــــــــــــة ؛
ذكـــــــر الفـــــردوس وأرواح الأبــــرار الــــذين كملــــــــوا ؛
استعلان مجــــــــــــــــــــــــــــد المســــــــــــــــــــــــيح ؛
صعـــــود القديسين إلى السـماء و تنعمهـــم مع ســـيدنا ؛
و أشــياء أخــرى مثــل هـــــذه .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مرميت كلمة سريانية تعني 12 مزموراً.
(2) اجزاء من التسبحة ومردات القداس والمدائح
(معانيت أي تراتيل بالسريانية).