البعد عن العالم و سمو الأفكار
+ من السكن في البعد و الانفراد
كم من وقت يحـــس المتوحـــد بأفكـــــــــار تفــوق الجســد ,
لأنه بمقدار ما يبعد الإنسان من العالم و من الأماكن المأهولة ,
و يتداخل في القفر والبراري , فإنه يقبل سكون وهدوء الأفكار ،
و لا يشقى كثــــيراً في الجهـــــــاد معهــــــــا .
لأن نظر القفر فقط هو بطبعه يميت القلب عن الحركات العالمية .
فـإذا كنــا في سكن الناس (أي في مواضع سكناهم) ,فإن أفكار السكن تحدث لنا ,
أما إذا كنا في قفــــر البريـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة ، فإن أفكار القفــــر تحدث لنا .
و إذا كنـــــا مع كثـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــيرين ،فأفكـــــار الكثيرين تحدث لنا .
و إذا انفــــــــــــــــــــردنا من الكــــــــــــــــــــل، فإننا نقتني ضمـيراً منفـــرداً .
+ الطهارة لا تُحفظ مع البشاشة , و الاهتمام بالأفعال و الخلطة بالأمور .
و اعـلم أن كل ألـــــم ( أو شــــهوة ) يرتبـــط القــلب بحبــــه ،
فبألـــف حيلة من الأفعال و ربوات صلوات ودموع ما ينعتق منه .
هكــــذا أيضاً محبة السيرة ( إذا ارتبط بها القلب لا ينفك منها ) .
لقد حذر الآباء من التفاوض مع الذين هم لابسون أســـــكيمك ,
و ليســــــــوا مشــــــاركيــك في الســـــــــــيرة بالتــــــــاؤريا ,
و بالفكـــــــر الذي ينمو به الهذيذ (أي أنهم غرباء عن قصدك) ,
و ذلـك لأنهم يعوِّقــــــونك عن ســيرك فتـــــــبرد حـــــــرارتك ؛
أما هم فلا يُلامون
لأنهم سائرون في طريق أخرى إلى الملكوت في هذا الشكل من الرهبنة ,
و لأن تدبيـــــــرك مغـــــــــاير لهــــــــــم فإنهـــــــم يخيبـــونك من سـيرتك .
+ إذا ما فرزت نفسك للتوبة
فكل يوم لا يصادفك فيه محقرة فلا تحسبه يوماً تاماً .
+ الذي يتهاون بالصـــــــلاة و يقول إن له باباً آخر للتوبة فهو مسكن للشياطين .
و الذي لا يداوم قراءة الكتب فهو يسير في التيــــه ؛ لأنه إذا أخطـــأ لا يحـــس .
+ احذر من أن تكــــــــــــون جالســـــاً و تفكر في أخيـــــــــك (بالســــوء) ,
فهذا يقلع جميع بنيان برج الفضيلة ، و لو كنت قد وصلت إلى حد الكمال ؛
لأن الهذيـــــــــــــــــذ في الأفكـــــار الرديئــــــــة يقســـي القلــــــــب .
و لهذا فلنقبــــــــــــــــض حواســــنا من الملاقاة و مصادفة ( الآخرين ) ,
لكـــي تهدأ الحــــــــركات الداخليــة , و تعطــــــي أثمــــاراً للـــــــــــــه .
+ حســــــــب انحـــلال طــرق ، تدبـــــــــــــــــــــــيرنا ،
هكذا تضطرم فينا أتون البطن ، فتطلب مآكل مختلفة .
احتياجات المتوحد فى السكون
+ إن من يجلس في الوحدة و الحبس و السكون – و بالأكثر الأخ المبتدئ –
هو محتاج قبل كل شيء إلى هذه الثلاثة أمور :
الغرض و القصد المستقيم , خدمة الأوقات , و المرشد ؛
إلى هذه الثلاثـــــــــة مفتقــــــــر كل أخ بالضــــــــرورة .
+ أما القصد المستقيم :
فالمتوحد مضطر إليه ,
لأن بدونه تكون جميع أعمال الفضيلة باطلة و ليس له مكافأة (عنها).
و القصد المستقيم هو :
أنه من أجل الله و من أجل محبته يسكن في هدوء الحبس ,
و لا ينتظر بفكره أن يأخذ جزاء عمـله شــيئاً من هذا العـــــــالم :
لا نياحاً جسدياً , و لا ربحاً بشرياً ,
و لا رئاســــــــــة , و تدبـــــــــــــيراً ,
و لا مديحـــــــــــــاً أو مجداً أو كرامة ,
بل يكون كل قصده و ســــــــيره أن :
يؤهَّل لحب ربنا يسوع الكامل و لنظرته بالــروح .
هذا هو القصد المستقيم الممدوح الذي هو مضطر أن يقتنيــــــه المتـــــوحد .
+ والمتوحد محتاج أيضاً إلى تكميل خدمة الأوقات في الســــكــون :
لأنها تحفظه من أذية الشياطين أعدائه,حسب قول الأب إشعياء:
« لا تهمل خدمة أوقاتك لئلا تقع في أيدي أعدائك ».
و أيضـــاً لأنه منها وبها - أي خدمة الأوقات - تتقوى نفسه و ينير عقله ,
و يُعطىله واجبه (أي أجرته) مثل الرزق والجوامك(مراتب خدام الدولة ) لجند الملك ,
كقول الأب مرقس:
« إننا إذا أكملنا خدمتنا و حفظنا الوصايا أخذنا من الرب رزق واجبنا ».
+ ويحتاج أيضا الأخ الحبيس إلى المرشد :
ليفتقـــــده ويتكلم معه من الطاقة في الأمور التي يحتاج إليها.
ويقدِّم له المشـــورات الصالحـــة عمــا ينبغي له أن يعمــــل؛
لأن قتاليْن صعبيْن يواجهان المتوحد المبتدئ:
أحدهمــــا هــو الضجــــر الصعب, والآخر هو الغلــــوة (أي الحـرارة) الشيطـــــــــانية,
وهما ضد بعضهما, وفي هذين الأمرينهو مفتقر بالضرورة إلى أحد الشيوخ العارفين ,
لكي إذا كان محزوناً بالضجـــــر يعـــــــــــــــــــــزيه ويســــــــــــــــليه,
وإن أضلتــــــــــــــه الشياطين بحرارتهم (الكاذبة) يعلِّمه ويعظه ويبكته.
+ و يجب أيضاً على الأخ المتوحد في الحبس،ألا يتكلم مع إنسان كل أيام حبسه؛
لأنـــه إن لم يقبض الراهـــب حــواس جسـده,وبالأكـثر النظر والسـمع واللسان,
فإنــه لن يجــــــــد سكــــون نفســـه،لأن الذهــن ما يسلم من دون الجســد.
و قد قال الأب مرقس :
« إن المتوحد الــــــــــــــــــذي يتـــــرك قلايتـه و ســكونه و توحـــــــــــــــــده ،
و يخرج بانحلال في كل وقـت يريد ، لكــي يأكـــــل و يشــرب و يتحدث مع كثيرين ,
فهـــو إن كان مع واحـــد ينبغي أن يُدعى ثانياً ,
و إن كان مع اثنــين ينبغي أن يُدعى ثالثاً ,
و إن كان مع كثيرين ينبغي أن يُدعى كثيراً ( و ليس متوحداً ) ».
+ جميع الآباء الذين أحبوا الســـكون والحبـــس الكــامل
لم يعتنوا بحب القريب لكي يكلِّموه بانحـــلال ذواتهــم,
و ما كانوا يستحون من الفرار من ملاقاة الوجوه الذين يُظَن أنهم أجلاء .
أنبا أرساني ما كــان يـــــــرى أن يــــــلاقي إنســـــــــاناً ,
و أنبا تادرس إن صادف أحداً كان مثل السيف في ملاقاته ،
و إذا عرض أن وُجد خارج قلايته ما كان يسلِّم على أحــــد ,
كما أن القديس أرساني ما كان يسلِّم و لا على الذي كان يمضي ليزوره ؛
لأنه قيل له من الصوت الإلهي : « اهرب من الناس فتحيا ».
السكون الجيد و التناول من الأسرار المحيية
+ إن اتفق لك سكون جيد ,
ولا تــــــــريد أن تخرج من قلايتك و لا أن تتناول من الأسرار المحيية ,
فعليـــــــــــك أن تجوز ليلة الأحد و نهــــــاره كـله ( وأنت في قلايتك ) ,
بأفكـــــــــــار متضعــــــــــــــــــة و حــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــزن ,
وافـــــــــــرز لك عملاً ما لأجــــل كــــرامة ذِكــــر جســد الرب دمـــه .
و إن لم تقدر أن تعمل بالجسد شيئاً يزيد على قانونك بســبب الضعــف ،
افرز بفكرك حزناً وندماً قائلاً :
« إنـــي خاطئ ومــذنب ،
و الذي وقع في خطية يمنعه قانون البيعة من تناول الأسرار المقدسة
و قتــــاً معلومـاً لكي يرضي الله بالتوبــــة حســـــب مقـــدار خطيتـــه ».
محبة السكون و الجهاد مع الأفكار
+ فإن كنـــت ، يا أخـــي , تحـــب تدبــير الســـــكون الجــزئي أو الكــــلي ,
و يستضيء ضميرك، وتَدق (أي تتعمق) حركـــات نفســــــك بحـــــــذق ,
لكي تتفرس في حركات الآلام المختلجة فيك من تذكار خطاياك القديمة ,
و حسب قول الأب إشعياء :
ترصـــد ما يأتي بمجاذبات الآلام التي هي أفكــار شــيطانية ,
هــــذه التي ليـــس لها عليـــك ســــلطان ســــــــــــوى أن :
تذكِّرك بالخطيــــــة فقــــط و تخضِعـــك بمجاذباتهــــــا للتنــازل معهـــا ,
أعني مع سـماجة الشهوة , بذِكر امرأة أو تذكـــــــــر أخ قــد أحـــزنك ,
مع ما تبقى من ذِكـر الآلام , فعليــك أن تتعلم القتال و المجاهدة معها ؛
لأنــــه ليــــس في جميــــــع المعــــــارف ما هو أفضـل من أن يعرف الإنســــــــــــــان ,
و يَخْـبِرَ آلامه ( أي يدرك حقيقتها ) و يقاتلهـــــا و يستعبدها إلى سيادة إرادته .
فمـــــن
هــذا الجهــاد يقتني الإنســـان ســريعاً طهـــــارة القـلب و ينظـــــر اللــــــــــه .