الميمر السادس
إقتنــاء القداســـة ـ مفتـــدين الوقـــت
و أن يكون قريباً من أهله الجســـدانيين ، و يقدر أن يدنو لشيء من الروحانيات ،
لذا فالغـــربة توافقنـــا كثـــيراً .
ألا تعلم يا أخي :
أن حياتنا تنقرض ساعة بساعة ، و يومــاً بيوم ،
و حتى و لو أننا كل أيام حياتنـــا نجتهـــــد أن :
نردَّ يوماً واحــــداً من الذي مضى فمـــــا نســـــتطيع !
فخسارة عظيمة هي لنا إذا نحن تغافلــــنا عـــــن يــــــوم واحـــــــــــدٍ .
لكي يجـــــــــوز بلا ثمــــــــــــرة تمجيـدنا و أعمالنـــــا ،
فنتهـــــــــــــاون من تقديــــــــم الصــــــــــــلوات ،
و من التضـــــــرع أمـــــــــــام الله .
لأن هذه كلهــــــــا مرسـومة و مكتــــوبة قــــــــــدام الله ،
و بهــــــــا يُمدح الإنسان أمام النعمــة ،
حيــث تأتي أوقاته و هي موسوقة بأعمـــــــــاله الصالحة .
+ فلهذا يا إخوتي ، لا نتهاون
في و قت و احد من أو قاتنا دون أن نقدم فيه أثمـــار التــــوبة .
نبغي لنا جداً الجلوس وحـــــــــــدنا لكي نبكـــــي و ننــــوح ,
على أيامنا التي جازت باطلاً فارغـــــــة ، و اضمحــــــــــــلت ,
و ليس ينفعنــــــا وقت المـــــوت أحــــدٌ ، لا إخوة و لا أصدقاء ،
السعيد حقــــاً هـــو
الــــذي يتفــــــكر في هـــذا ،
و يجمع أفكاره إلى ذاته و ينقبض من الطياشة الباطلة ،
و لا يتخلف و قتـــــاً واحـــــداً عن الصــــــلاة و التـــوبة ،
أما أنا فلو أن جميع الخلائق يبكون عليَّ لأجل خطاياي ،
لما كان ذلك يكفي .
+ اعلم يا أخي ،
إنه ليس لكثرة الأعمال يعطى الله الأجــر ,
بـــــــل لشوق الإرادة و البشاشة المفرزة ،
كمثــــل الصبيـــــــــان الذين يسرعون إلى الطاعة ،
و اتضــــــــاعهم هــو فخــــــــر أنفــســـهم .
فالــــــذي يريــد أن يقيم كلمته ،و لو أنها حق ،
هــذا قـد مـرض مرضـاً شـــيطانياً ،
و الـــــذي ينوح على ذاته ينجـــو من النــــــار .
لقــد أعطى ربنا الطوبى للطاعــة ، لأن المطيع هو الذي يتنعــــــم أولاً بالطوبى .
و الويل للمقــــــــــــــاوم و المحارن ، لأنه يغتـــذي مــــــن مـرارة نفسه كل حين .
+ كــــــــــن (في كل حين) مبكِّتاً لذاتــك ، و اضمر عن نفسك أنك خاطئ ،
و قــــــل : ليــــس على الأرض من هو ، أعظـــــم خطيــــــة منــــــــي .
داوم على السهر الكثير ، و فكر في العذاب الأبدي .
الاتضاع هو مُهلك لجميع الآلام ،
و الذين يقتنونه ينجحون في كل شيء، و يغلبون كل أمر .
الطهــارة و الصـــــوم و الصـــــــــــــلاة ،
و السـهر و الاتضـــاع و نـدامة النفـس ،
هذه كلها فوق الطبيعة ،
و طــوبى للمتوحــــــــد الذي عمله دائماً بها ،
و عقــــــــــله مضبـــــــــــــــوط بها .
+ فــــــي فضيلتـــين جمع الآباء القداسة كلها ، و هما : التواضع و النو ح .
فلنتفــــــــرس في ذواتنـا إن كنــــا في الرتبة الجسدانية ،
مع المبتدئين ،أم مع الوسطانيين ، أم مــــع الكاملـــــــن ،
و نسرع لكي ندرك ، و لا ننســــى و نتغافل لئلا نخـــسر .
+ إذا ما أُهِّلت النفس لغفران الخطايا، حلَّت في النــور الإلهــي .
فضيلة واحدة أو حسنة واحدة تُعمل بإفراز، تقطع خطايا كثيرة
و الشر ليس هو شيئاً إلا عدم الفضيلة فقط .
المسيحى الحقيقي له في كل يوم حرب مع ذاته ؛
لأن كل من قاتل مع نفسه و غلبها ، ليس له بعد قتال مع أحد .
و الذي دان نفسه لا تبقى عليه دينونــة ، و لا أحد من الناس يقدر أن يدينـــه .
لأن الذي قـــد عــــرف عيــوب نفســـــــه , لا يتقــــزز من عيــــوب الآخــــرين .
و الذي لا يعمـــل شــــراً مع أحـــد من النـــاس هــــو بـــــــار .
و الذي يعرف دينونة الله ، هو يدين نفسه و لا يدين أحداً غـيره .
و الذي أعمــاله رديـــة ، لا يقدر أن يعلِّم آخرين أعمالاً صالحــة .
فينبغي لنـــا أن نحب الله من كل أنفسنا و من كل قوتنــــــــا ،
و نحـب قريبنا كنفســـــنا ، و لا نكــــافئ شــراً عوض شــــرٍ .
ما هو المتوحد ، و ما عمل سيرته
+ المتوحد هو
إنسان قد ترك العالم و كــــل مجــــــــده
و غناه ، و ربحـــه ،
و أخْذه ، و عطاءه ،
و بلده ، و أقـاربه ،
و انتقل إلى المجــامع و الأديـــرة ،
أو الجبال و البراري ،
يجلس في السكون ، و يعمل بيديه و يقوت نفسه ،
أو تعطى له صدقة من المؤمنين حسب عوزه فقط ،
و يعبـــد الله ليـــلاً ونهـــــاراً .
+ أما عمل المتوحد ، فهو :
الصوم من العشاء إلى العشاء, و سهر نصف الليل، و صلوات لا تنقطع ليلاً و نهاراً،
و ضرب المطانيات و الســجود، و خدمة المزامير ، و قــراءة في كـــــتب الآبـــــاء ،
المســــــــــكنة و التجـــرد و البعد من كل شره و رغبــــــــــــــــــــــــــــــــــة ،
و النسك عن كل شيء ما خلا الخـــبز و الملــــــح و الطبيخ الساذج غير الدسم .
الرقــــــــــــــــاد على الأرض إلى وقت الشـيخوخة و المرض و الضعــــــــــــــــف ،
ثبات داخل القلاية في الدير،و من غير ضرورة أكيدة لا يخرج منها إلا إن كان للصلاة ،
أو لتناول الأسرار في يوم الأحد ، أو لأمر ضروري لأجل المجمــع .
البكـــــــــــــــــاء و النحيب و التنهــد ، و لبــــــاس الشـــــــــــــعر .
الرحمــــــــــــــة و محبـــــة الغربــــاء ، و غســــــل أرجــــــــــلهم .
الطاعة لسيدنا بحفـــــظ و صــــاياه ، و للآباء القديسين و كتبهم .
التواضع في كل شيء و احتقـــار الـــــذات ، و الازدراء بنفســــــــــــــــه .
حب لسيدنا بالأعمال، و لأهل تدبير سيرته ، و يكونون عنده كمثل الملائكة .
السكون والصمت و أن يكون غير محسوب عند نفسه .
الامتناع عن شرب الخمر ما خلا لأجل مرض أو ضعف ما ، أو حب القريب ،
و هذا إذا ما عرض إلى ثلاثة أقــــداح لا غـــــير .
ذِكر المـــــوت و الدينـــــونة المزمعـــــــــــــــــة . تكميـــــــل سبعة أوقات الصـــلاة .
الطــــــــــاعة و الخضوع للرؤساء و المعلــــــــم . خدمــــــة الضعفاء و عمل اليــدين .
حفظ الحواس و العفـــــــــــــــــة و الطهــــــــارة . الاحــتراس من طياشـــــة الأفكـار .
الفرح بالروح و الاحتمال والصبر و عدم الغضب . و مسامحة كل من يضره و يحـزنه .
التعـــــــــــــــــــــــري من الآلام و من كل شيء . الخـــوف قدام منــــــبر المســــيح .
و الهذيذ في الصلوات بالقلب و بسط اليدين إلى السماء .
و باختصار :
النسك و التوبة و محبة الأعمال مع بغضة النفس و الجسد إلى الموت .
فهذه الأشياء تنبغي للمتوحدين الذين خرجوا من العالم إلى الوحـــــدة.
هذا هو المتوحد ، و هذه هي سيرته .
و كل راهب لا يعمل هذه في ذاته حسب دعوته و حسب إسكيمه بكل مقـــدرته .
مثلما أمر سيدنا و الآباء ، أن يحفظ و يعمل ، بل تهاون و صنع أمراً بإهمال و كسل .
فهو لا يؤهل للكمال و هو يسير في رتبة و منزلة العلمانيين .
طوبى للذين يحفظون و يعملون ،
لأن سيدنا إنما أعطى الطــــــــــــوبى للعمــالين ،
و ليــــــس للسامعين و القارئين الذين لا يعمـلون .
لهـــــــــذا ينبغـــــــي ألا نفتخـــــــــــر بالاســـم ،
بـــــــــــــل نجتهـــــــد فـــــــــــــــــــي الأعمال ؛
، لأن العمـــل هــــــو الــــــــــــــــــــــذي يـــــــبرِّر
. و لو كــــــان بلا شكل أو إســـــــكيم أو اســـــــم
في
معانى سيرة السكون :
الابـــواب الثلاتـــــــــــــــة
+ فلنحترص أن نقتني بالسكون سكوناً ،
أعنى أننا بسكون الجسد .
نمســـــك سكون النفس .
و الجحود بالنفس الذي قال عنه المسيح :
« أن نرفض كل شيء و نتبعه » ، هو أن يكون قلبنا في السكون .
فإن لم يداوم المتوحد على هذا (الحرص ) في قلايتـــــه ،
يكون كالذي يبني و يزيــــن بالشمال من ناحيـــــــــــــة ،
و هو من ناحية أخرى يهدم باليمــين و يعدّ خراباً لما بناه .
لأنه يحترس من الأمام لئلا يُطعن و يُجرح ،
بينما هو يُســلب من ورائه و لا يحـــــس ،
و مثلما يلوم أنبا إشعياء جهالتنا وعدم معرفتنا ،
إذ نكون هادئين في القلاية ( بالجســــد فقط ) ،
بينما إنساننا الداخل يطوف في النجاســــــة .
أعنى أن الإنسان :
يُقاسي الأحزان و الضيقات داخل السكون ، و ينام على الأرض و يصلى ،
و يتحمل أحــزاناً كثيرة من أجــل المسـيح ، و لا الفـــــــــــــــــــــــــرح .
و نتحتمل الضيقات التي تلاقينــا في السكون بمحبـــــــــة ،
و لاحفظ الوصايا بالظاهر ، و نحن في الخفاء خاضعين للآلام ،
و بالأفكــــــار الرديــــــــــة نفسد الأعمــــــــال الصالحـــــه .
+ ثلاثة أبواب مفتوحة ،
إذا أغلقناها وأصبحت تحت سلطاننا ،
فإننا نجد الملك المسيح داخل منها ،
و هى : باب القـــــــــــــلاية ،
و باب الحـــــــــــواس ،
و باب القلب الجواني .
و لا نقـدر أن نغلــــق .
البــــــاب الأوسط ( أي باب الحواس ) ،
إن لم نغلق البراني ( أي باب القلايــة ) ،
و لا يثبـــت الجواني ( أي باب القلــب ) بحفظ حقيقي ،
إن لم نحترس في الذي هو خارج منه ( أي الحــــواس ) .
لأن هذه الثلاثة مرتبطة بعضها ببعض ،
و لا يمكن غلق الجواني بدون الاحتراس باللذيْن هما خارج منه ،
و لا هذان الخارجيان منه يكون في العقـــل قـــوة للتحفظ بهمـا ،
إن لم يحترس بحفظ الجواني ،
لأن به يكمل حفظهما ، وهو المحتفظ بهما في الحقيقة .
و لهذا إن لم يحفظ الحارس باب الجواني (أي باب القلب) ،
فاللذان هما خارج منه ( أي باب الحواس و باب القلايـــة ) ،
يثيران عليه اضطراباً و سجســـاً كل وقت .
و لأن المــلك يســكن في البــــلاط الــذي داخـــــله ،
فإن كان الذهــن المتيقـظ يحـرس أبوابـه بغير فتــــور ،
فهو يأخذ من الملك سلطاناً لأجل مداومتـه على بابه ،
ويكون مخوفاً ذا هيبة ورعب على جميع من يحسدونه
- الذين هم من خارج -
لأجل تداخله مع الملك المسيح ،
و إذا ما نظروه أو سمعوا صوته هربوا و اختفوا .
+ و يشهد على كلامى هذا، ذلك الشيخ القديس الذي قال:
« يوجد من يجلس في القلاية مائة سنة ،
ولا يعرف كيف ينبغي الجلوس فيهــــــا » .
أعني الذي لا يغلق باب القلب الجواني ،
الذي يسكن المســيح الملك داخلـــــه ،
بينما هو يحارب لكي يغلق
البابين الخارجـــيين بتعـــب كثير و عـــناء.
+ و أما نحن فإننا كالحكماء العارفين
بالطريق التي تقطع الدورات الكثيرة في الجبــال ،
نحترس بجلوسنا داخل القلاية
أن نغلق الباب الذي يحل داخــــله المســــــــــيح ،
و إذا ما أغلقناه جيداً، ندنو بعد ذلك للمفاوضة معه .
فإن كنا نفحته قدام كل أحد من كثرة الداخلين و الخارجين ،
فلا الملك يكون له وقت ليدخـــل ،
ولا نحن نجد فسحة للكلام معه .
لأنه ما دامت هذه الأبواب لم تُغلق من عارفي الحق ،
فلا يكون للقلب هدوء ،
لا من أحد الأفكار ولا من أحد الآلام،
لأن العقل الناطق لا يقدر أن يبطـل.
+ فإذا تجلَّد المتوحد داخل سكون القلاية بالغرض الذي ذكرناه ،
وكان معتنيـــاً بهذيــن الأمرين بإفــراز وحكمـــة، اللذين هما :
تعب الجســــد، و الاتضـــاع ومحقــرة الــذات في كل وقــت ،
لا يمكــــث كثــــيراً إلا و يوجَب له ســــلطان مـــن العــــــلاء ،
لكي بغـــير تعـب - داخلا وخارجاً - يحفظ كنزه بغير انســــلاب .
+ ليس فقط الآلام هي التي تعوق الذين يقاتلون حتى الدم داخل السكون ،
بل و أيضاً الأفكار الساذجة التي مثل خفافيش الليل
تلزق أظفارها في سقف بيت العقل،
ولو أنـــه ينظفهــــا كثــــيراً بقـــــوة،
فهي لا تمضي من أجل ما تَقدم لها (أي بسبب سلطانها السابق).
أما الآلام فيدفعها المتوحد عنه بواسطة الفضيلة ،
أعنى بالعمــــل والاتضـــــاع كمــــــــا قلنـــــــــا ،
وأمــــا الأفكـــــار الســــاذجة ،
فيدفعها عنه بتاورية الروح التي تظهر له في الصلاة،
أي بواسطة الراحة التي ذكرنا أنها تتوجب له بسلطة داخلاً و خارجاً.
و هذه الأشياء تحصل للــــــــذي تعب و أطاع بغرض مستقيم ،
و اتضع وخضع في وقت المجمع ،
إذا لم يكن له غرض آخــــر ما خلا النظــر الدائــم إلى المسيح ،
و هو يصلي أن تكون جميع تصرفاته حســــــــــب إرادتـــــــــــه .
+ لأن كل من يجلس في القلاية ، و هـــو لم يغـــــلق بابه جيداً ،
فإنه يتقلّى بداخلها كمن هو بالجحيم ، و لا يكون لفكره راحـة .
و إذا ما خرج من قلايته ،
لا يقــدر أن يمسك ذاته لا بالحواس و لا بالحــــــركات الداخلية ،
و يبقى مثل حجر نجس في أســـواق المدينة قـــدام كل أحـد .
لأنــــــه في الأيام التي كان ينبغي له أن يكـرِّم و ينيِّح كل أحـد ،
كـــــــان منتقماً قاســياً و طالبـــاً كرامـات في غـــير وقتهــــــا ،
أو أنــــه كان يخــدم و يكـــرِّم و ينيِّح الآخرين لأجل غــيرة مـــا ،
و ليـس بغــــــــرض و قصد مستقيم و محبة حارة .
+ كل من في أيام عبوديته ــ أعنى طاعة المجمع ــ
مشى باستقامة من غير تهـــاون أو إهمـــــــال ،
و تأمل بفكره بغير انقسام بهذيذ الأمور الصالحة ،
و هو يأمل بشــــوق وفــــرح قـــــلب ،
و يفكر بماذا وكيف يزيد على تجـارته ؛
فكلما تتواتر عليه
التجارب و الصعوبات و الأشياء المحزنة :
وقت جلوســـــــه في الســــــــــكون ،
فهي تضع في قلبــــه رجـــاءً و عـــزاءً .
حتى ولو ظن أنهــــــا مضغطــــــــــــة ،
فإن حملها يكون خفيفاً عليه ، و يصبر عليها بفرح ،
هذا إذا لم يتخلف عن غرض قصده الأول ،
و يشتبك بشيء آخر غريب عن طريقــه .
و حتى إذا ما خــرج مــــن قلايتـــــــــه ،
فتلك الراحة التي له داخل القلايـــــــة ،
تُكتب على :
عينيه و على فمه و على يديه و رجليه ،
و باختصار فإنها :
تملك على نفسه من داخل و على جسده من خارج ،
فلا ينعــصر فكــره بشيء من أنــواع عمل الفضيـــلة ،
بل يكون مملـــوًّا فرحــاً و رجـاء بالله،و إيمانــاً في جميـع ما يصـــــادفه ،
و يتاجر (أي يربح) الحياة بحكمته من الأشياء التي يُظن أنها مخسِّرة .
و لأن الرب جاد عليه بهذا ، و أخذ منه ســـلطاناً ،
فمــا تستطيع العوارض المضادة المناصبة للحق ،
أن تســـلبه حريته ، لا من داخـل و لا خـارج .
و هو يعترف كل يوم بقلب منسحق متضـع ،
و بحركات متطأطئة لله، مُبرِّرة لــه ، و يقول :
« أبي الذي أعطاني هو أعظم من الكل،
و لا يقدر أحد أن يخطف من يد أبي شيئاً ».
فـــلا يكون له في فكــــره أبــــــــداً حركــة تهـــدس بشــيء ،
كأنــه من أعماله و استقامة قصده و جد مثل هذا السكون ،
بل إن الــــــــرب هو الذي أعطاه هذا .
حتى إنه ليــس فقـــط إذا كان جالساً داخـل قلايته ، بل و إذا كان خارجهـا ،
فهو يقهر الآلام البرانية التي بالحواس ، و ذلك بتوجيب (أي بفعل) النعمـة ،
و بواسطة عمله الخفي الذي من داخل ، مثلمـا علَّم الأنبـــا أرســـانيوس .
+ فالسكون الحقيقي هو
حفظ القلب الذي يولد من الطاعة و الاتضاع ،
و من سكون الجســـد و من توجيب النعمـــة .
و لمـــــا وجــــــــــــــد آباؤنــا القدمـــــــاء هــــــــذا ،
فمنهــــم من كــــــــان يطوف في المدن و الشـوارع ،
و أظهروا في نفوسهم ســــــيرة كامـــلة بالجســد ،
مـــــــــــــــــــــــــــــع حفــــــظ حقيقـــي بالعقــل ،
الشيء الذي إنما يُعمل في
البراري القفرة و المواضع غير المسكونة .
و قـــــــد :
ضبطوا (السكون) في ســــائر أنـــواع إفرازات أعمالهم ،
و وضعوا هذا العمــــل كالإيماج و العلم تجــــــــــــاههم ،
و صوَّبوا سيرتهم نحــــــــــــــــــــــوه ،
و اقتنوا قـــــلاية يدخلونها كل وقــت ،
و بيتَ ملجـــــــأ يستترون فيه من المنـــافق الشـــرير ،
هي (أي القلاية) معرفـــة المســـــــيح المقدســـــة ،
و هم على الدوام قائمون بالســـــــكون داخلاً و خارجاً ،
و يتشــــبَّبون بنـــــــــور وجه المسيح .
الذي له المجد و علينا رحمته إلى الأبد آمين .