الميمر الخامس
ممارسة كل أعمال الفضيلة
+ فليكــن تدبـــير المتوحـــد
متسـاوياً بوجـود كل أعمال الفضيلة ،
كمقدار القـــــــــــراءة تكــــون الخــــــــــــــــــــــــــدمة ،
و كمقدار خدمة المزامير يكــــون ضــــــرب المطـــــــانيات ,
و كالمطانيــــــــــــــــات يكـــــون الصــوم و سـهر الليــــل ,
و يقرن مع هــذه جميعهـــــــــا
العمل الخفى الذى للعقـــــــــــل ،
لئلا يكــــون الجسد يعمــــــــــــل .
و القلب سائب بطــال .
+ العمـل الدائـم ولـو أنه قليـل ,
فهو لأجـل دوامــه يربى كنــوزاً عظيمــة .
و أنا أدلَّك على عمل يتقدم فيه الإنسان بسهولة :
إذا ملَّ الجسد و لم يقدر أن يقوم ليكمِّل مطانيـات العــادة من أجــل ضعفــــه ،
و يتعطل عن الصلاة التي تكمـل بالجسد , و التي منها تتولـد الصـلاة القلبيــة :
خُرّ على وجهك دفعات كثيرة و اثبت في الصلاة و أنت جالس و الكتـاب بيـدك ،
لكي تمتزج مفاوضة القراءة مع الصلاة و تنير من الاثنين و ترتفع لتنعُّم النفس ,
فتحلو لك الصلاة لأجل القراءة , و تنير في القراءة بمفتاح الصلاة .
لأنه بالصـــــــــــــلاة ينفتح باب الأفهام ،
و الدهش بالأفهام يثير شهوة الصلاة ،
حسب التاوريـــــا التـــي فيهــــــــا .
و إن كـــان :
الجلـوس في القــلاية فقــط ببطـــالة مــن غـير عمـــل ،
و حفظ الحيطـــــــــان من أجـــــــل اســــم المســـيح ،
هـــو انتظـــار رجـــــاء عظيـــــم ،حسب قول أحد الآباء ،
فكم بالأكـثر :
الذي يسـتعمل هـذه الإفـرازات في نفسـه من أجـل ذِكـر الله الدائــــم ،
إنه ينال أشياءً عظيمة .
+ بدون الصـــلاة و التضرع
لا تمد قدميك للمسير ، و بالأكثر في الطرق المظلمة .
و الطلبة لا تبطل من فمك
و اتبعهــا بالاعــــــتراف بضعفــك و عــدم معرفتـــــــك ،
لكي من أجل الاتضـــــاع
تُحمـــــــــل بالرحمـــــــــة و لو لم تكـــن مســــــتحقاً .
لأن الاعتراف و الاتضـــاع يكمِّـــــلان موضـــع عوز العمل .
فإذا لم يكن لنا أعمــــال
ينبغي أن نكون محـــزونين في ضمــــــيرنا .
و مداومـين ذكـر خطـايانا بعقـل منحـط منسـحق قـدام الله ,
و هادئــــــين و مســــــالمين لكل النــــاس ,
و منقبضين إلى ذواتنا بعدم الضحك والمزاح ,
و يكــــون كلامنـــا بالصــــالح على كل أحـد ،
مع الشــــــــــــكر عـــلى التجــــــــــارب ,
و الصمت بحكمة و حفـظ الأعضـاء مرتبـــة ,
و أن نتذكر في كل وقت
أننا مائتون على كل حال و منتقلون من هذا العالم .
و هذه الأشياء ما تطلب عملاً بالجسد ,بل حُسْن الضمير ,
و هي
غير مفتقــرة لعمــل الجسد , و لا بعمله تُقـــــام ,
فحتى في المرض و الضعــــف يُســتطاع اقتناؤها .
فالمتهاون بها و لا يقتنيها بخفية ضميره ,
كيــــف لا يُـــــــلام من الله العــــــادل ؟
لأن الله ليس محتاجــاً لكثرة عمل ,
بل هــو يريــد منا فضيــلة الإرادة .
طوبى للإنسان الذي يعرف ماذا يولد من ،
محبـــــة البشـــر , و الرحمـــــــــــــــة ،
إلــــى أين تُصعــــــــد النفـــــــــــــس .
+ اعلم، يا أخي ، :
أن أفضل كل صلاح يفعله الإنسان في هذا العالم هو
الصلاة الطاهرة .
وإن لـــم يمــــت الراهـــــــب من كــــــل أحــــــــــد ,
و ينقبض في الســكون إلى ذاته كالميت في القــبر ،
فهو لا يســـتطيع أن يقتني هــــذه ( الصلاة الطاهرة ) .
لأن الصلاة الطاهرة :
تتطلب فراغـه من جميـع الأشـياء ,
لكي يقوم قدام الله بعفة و بلا طياشة في وقت الصلاة ,
و الفكـر مجمــوع من كـــل مكــــان و منقبــــض إليــــــه ,
و هـــو يشـــــخص بالله فقـــط بســــــــكون حركـــــــاته ,
و يكون متشوقاً لملاقاة معرفة الله بمــداومة صلاته إليـه .
الحرص فى الصــلاة و السـكون
+ إذا قمت في الخدمة :
بحَـــرس نفســك و جســــــدك
ـ تلك التي فيها ربوات كنوز مخفية للذين يصلُّون بإفراز ـ
فاسأل الله أولاً خفية في قلبك أن :
يفتح قدامك ينبوع الحياة الذي من عــادته أن :
يفيــــض في هـــذه الأوقـــات على الأنفـــس ،
التي جحــــــــــدت العـــــــالم الزائـــــــــــــل ،
و الذي به
تنظر كل وقت ميتوتة يسوع على أعضائها الخفية .
ثم رتل بهدوء بغرض الصلاة ,
و لا تعتنِ بكثرة المزامــير ,
بـــل أن يُعطى لك مفتاحاً , و لو كان لفظاً و احداً ,
لكي تدخــــــــل إلى كـــنز تفهّمــــه الروحــاني ،
الذي ينفتـــــــــح لك بنعمـــــة الــــــروح لقدس .
وإذا ما سجدت عند بدء الصلاة ،
فاسأل الله بوجـــع قلب أن يعطيـــك فيهـــا صـبراً ،
و ألا يحصل لك فيها قتال سجس، قائلاً :
« أعطني يارب حركـــات نيِّرة شـــاخصة فيـــك
بجميع هذه الخدمة بكل لفظة تخرج من فمي ».
و إذا ما دقَّ فكرك و تلطَّف من غِلظ الهذيذ ، و بدأ يصادف النــور ،
فمن هنــا افهـــم أنك :
بســــهولة تقبـــــل دهــــش الكـــــــلام ,
إن كان تـــــــــلاوة أو كتـــــــــــــــــــــابة ,
و للوقــــــــــــــــــــت :
يتحــــرك القلب بالفرح و يسكت اللسان .
و لا تطلب دليلاً آخر على ظلام نفسك :
سوى عدمك من هذا السرور الذي ذكرته .
+ يا أخي أحبب الوحدة ،
و لو كنت عاجزاً عن جميع حقوقها .
صلاة و احـــــــدة يصلي بها الإنســان وحده ،
هي أخير من مائة صــــــــــلاة يصنعها مع النــــــــــــاس .
و بالحق إن عمل مائة يــــــــــــــوم صــوم وصـلاة يصنعها المتوحد بسجس ومفاوضة ،
لا تـــــوازن نـوم ليـــــــــلة واحــدة في الوحدة !
+ داوم أن تقول في صلاتك :
« يا الله ، جُد عليَّ بنوح القلب , يا رب استأصل مفاوضات العالم من قلبي » .
+ بدون السكون ما يتضع القلب ،
و بدون أتضاع القلب ما يتنقى من الحركات المتواتـــــرة .
+ إذا ما جلست بين صلوات الأوقات لكي تفاوض ذهنك بالهذيذ بالله ،
افتكر أيضاً ماذا كنت ولأي رجاء دُعيت من قِبل فيــض مراحــم الله .
و اجعل لك فسـحة بين صـلاة الليل و صلاة باكر ( تخصصها ) لمثل هذا
الهذيذ الذي يصلح لتربيتك بمعرفة الله في كل أيام حيــاتك ؛
لأن هذا أيضاً هو جزء كبير في عمل السهر .
قسِّم الأوقات النهارية :
منها (وقت) للخدمة ،
و منها وقـــــت للهذيـذ ،
و إن و جدت فسحة تكفي فلنقاوة الحركات .
و إن كان العقل مظلماً :
زِدْ من القـــــــــراءة التي توافق في ذلك الـــــوقت ؛
لأنه من ههنـــــا يكـــــــــون ينبوع النقاوة الذي تفيض منه مياه طـــاهرة .
فإذا ما اتحد الهذيذ بالصلاة بنقاوة ، عند ذلك تكمل كلمة السيد :
« إنه حيث يكون اثنان أو ثلاثة مجتمعين باسمي فأنا أكون في وسطهم »
أعني النفس و الجسد و الـــروح ،
أو العقــل و الهذيــذ و الصلاة ،
و ينتهي أمر ثلاثتهم إلى الدهش.
الاتضــاع و المعـــونة الإلهيـــة
+ إلى أن يتضع الإنسان ما تدنو منه المعونة الإلهية ؛
لأن نعمة الله قائمة عن بعد ، و تنتظر إلى الإنسان على الدوام في وقت الصلاة ،
فإذا ما تحرك فيه فكر اتضاع ،
ففي الحال تدنو منه النعمـــــة و معهـــا ربوات من المعــونات .
و هذه تُعطى في وقت الصـــــلاة أكثر من بقيــــة الأوقـــــات ،
و لهذا يقيم الشيطان مع الإنسان قتالاً فيها ( أي في الصلاة )
حتى لا يدنو من الله بأفكــاره .
+ بقطع الرجاء في حياة الجسد و رفض جميــع مفاوضــاته ,
يلقى (أو يجد) الإنسان بسهولة قنيـــة النفس التي تفوق حواس الجسد .
فإذا كان الضمير ثابتاً في رجائه , و لو أن الجسد قد يضعف ،
فـــــــإن النفس ما تنغلــــــــب , و لا ينقــــــــص غنـــــاها .
البكـــــاء الدائم
هو إذا ما ضعف الضمير و انحطَّ الجسد و تخلف عن العمل .
+ الصلاة الطاهرة هي :
أن لا يطيش العقـــل في الأشــــــياء ,
التـــي تحركها الشياطين بالأفكــــــار ،
أو التـــي تحركها الطبيعة من التذكارات ,
أو التـــي تكون من تحـــريك المـــــــزاج .
و الصلاة التي لا تتبعهـــــا تدابير حسنة ,
هي نســر قد انتُتفـــــــت أجنحتـــــــه .
الصلاة وخدمة المزامير :
+ لو أن إنساناً وصل إلى عرش اللاهوت , بالاســتعلانات ثم تهـــــــاون بالمزامير ,
فانه يُســــــــلَّم في يد الشــــــياطين , لأن حد العظمــة يبدأ فيـــه من هنــــا ،
كمــــا لو كــــان قــد ارتفـــع عن رتبــــة الـــذين يسـتعملون المـــــــــــــــزامير .
ليس إنسان محبوباً عند الله ،
و يُعطى سؤله سريعاً ،كمثل الإنســـان الذي يطلب من أجل زلاته وغفرانهـــا ،
و يطلب قــوة و معونة لتقويم طريقـــه . فبهذا النوع يبطل الدينونة التي عليهـا ،
و حتى لو كانت خطــــــاياه صعبـــــة فهـــــو بغــــير شـــك يأخــــذ ســــــؤله .
و بدون القــــــراءة لا يمكن للذهن أن يدنـــو مــن الله ؛
الســـــجود و القــــــراءة
+ لا تحسب أن الثبات الكثير في السجود قدام الله هو بطالة ،
لأنــــــــه ليــس شــيء أفضــل منـه في جميـع الفضــائل .
لأن بــــه يُقتنى تواضـــــــــــــع الجســد و العقـــــــــــــــــــــــــــــل ،
و بــــــــه يكون تبطيـــــل الآلام الرديــــة و قطــــــــــع الشـــــــهوات ،
و بــــــــه يوجد استعداد النفس إلى الخروج من الجســـد بالســــر ،
و اشتياق كثير لحب الله ، و كل الخـــيرات الحاضـــرة و المـــــــزمعة ،
و هــــــو حد سائر الأعمال وحابس جميع الوصايا و كمال كل الفضائل .
+ عمل القراءة هو أيضاً مرتفع جداً ،
لأنه هو الباب الذي به يدخل الذهن إلى الأسرار الإلهية ،
و يأخــــــذ قـــــــوة حســب نقــــــــاوة الصـــــــــــــلاة ،
و منه أيضاً يتقوى الهذيذ الذي هو مبدأ هذه الســــيرة .
و بدون القــــــراءة لا يمكن للذهن أن يدنـــو مــن الله ؛
لأنهــــا ترفع العقل و تقيمـــه عند الله كل وقــــــــــت ،
و ليس عمل يأتي به الإنسان إلى قدام مثـــــــــــــله ،
هـــذا إذا كـــانت قـــــراءته من أجـــــل الحــــــــــــق .
عمـــل العقـــل
+ عمل الجسد مع بَطالة العقل لا منفعـــة فيه .
لأنها صادقـــــة هي كلمــــة القديس مرقس :
« إن كثيرين يعملون البر، وبالأفكار الرديئة يُفسدون أعمالهم الحسنة » .
و على كل حال ، الذي ضميره بطَّال من العمل الخفي المكتــــوم ،
و من المداومة بهمِّ المعرفة و الهذيذ ، فأفكاره منحلة في الأباطيل .
لأنه بعمــــل العقـــل يستضيء ( الضمير ) ،
حتى لو كان الجسد بلا عمل أو مريضاً جداً .
لأن عمل العقل يُيَبِّس الجسد و يُنشِّفه و يجعله مثل العـــود اليابس .
+ الذي ما يقبــل ، في وقــت الخدمــة ، قتال الثقــل و المـــلل و الكســــــل ,
و بقية أحزان القلاية ، و يصبر على مقاساتها بفرح ،كمثل أنها عمـل تام لله ،
بل يريد الراحة منها بالكمال ، فهو من غير أن يشاء يُسلَّم ليد شيطان الزنـا ،
و عـوض ذبيحــة جســده الطاهــرة التي كـــان من عــادته أن يقـــدمها لله ،
فإنه يذبح للشيطان ذبيحة نجسة من أعضائه .
+ صدقني يا أخي ،
إن المـــلل و الضـــجر و ثقـــل الأعضـــاء و التكـدر و سـجس العقـــل ،
و بقية المحزنات الحادثة على النساك في جلوس السكون ، هي عمل تام لله .
فضائل الجهاد و طهارة العقل
+ فضيلتان تحبسان و تجمعان كل الفضائل ،
و منهما تقــــــوم و تكمـــــــــل كل سيرة العقــل ،
و منهما يقتنـــي الإنســـــــــــــان طهارة العقــل ,
و همـــا اللتان يحتاج إليهما ترتيب سيرة السكون ،
و همــا :
الصــــلاة بلا فتور و لا طياشة ،
و هــــدم لمح أفكار الآلام و مجاذبات الشياطين حالما تظهر ،
و يحــــس أنهــــــا قـــــد تحـــركت فــي القــــلب .
هاتان الفضيلتان و هذان العملان اللذان بهما ،
تنجمع و تنحصر سائر أعمال الفكر و فضائل النفس جميعها ،
تولّدان موهبتين و عطيتين روحانيتين ، محدودة بهما جميع المواهب الإلهية ،
و محصورة فيهما جميع عطــــايا الــــــــــروح ؛
لأنهما لا يُعملان بالجسد، و لا يُفلَّحان بالنفس ،
بل إنما يحظى بهما الإنسان إنعاماً بقوة الروح القدس ، و همــــــــا :
لأنهما لا يُعملان بالجسد، و لا يُفلَّحان بالنفس ،
بل إنما يحظى بهما الإنسان إنعاماً بقوة الروح القدس ، و همــــــــا :
حركة روحانية
تحرِّك بلا فتور حركات النفس بحــــرارة حب الله الكامل ،
و نظرة نــــور
مجد ربنا يســـوع المســــيح باستعلان الـــروح القدس .
+ إن كنت ، يا أخي ، تحب تدبير السكون ،
و ينـــــــــــــــــير عقــــــلك ،
و تتلطف حركات نفســــــك ،
و تـــدق لتتفرس في حركات الآلام المنتبهة فيك من تذكــار خطاياك القديمة ،
و لترصد ما يأتي عليك من مجاذبات الشياطين التي تُسمى أفكاراً شـيطانية ،
حسب قول الأب إشعياء و مار أوغريـس ،
تلك التي ليــس لها عليــك ســــلطان ،
إلا لكـــــي تذكِّــــــــرك بالخطيــــــــــة ،
و تخضِعك بمجاذباتهــا للتنــازل معهـــا ،
إما بذكر امــرأة بســماجة الشــــــهوة ،
إما بذكر امــرأة بســماجة الشــــــهوة ،
أو بتذكر أخاً أحـــزنك، مع بقيـــة الآلام ؛
فتعلَّم كيف يكون القتال والجهاد معهم؛
لأنه ليس في سائر المعارف كمثل أن يفهم الإنسان آلامه ،
و يقاتل معهــــــا و يســـــــتعبدها لســـــــــــــيادة إرادته .
فمن هذا المصاف يقتني الإنسان سريعاً نقاوة القلب و ينظر الله .
+ اقرأ و افهــــــــــم و اعــرف ما هي طهـــــارة العقــل ؟ ,
و مما تُقتنى , و ما هي الآلام , و ما الذي يولد منها ,
و بأي أعمال , و بأي جهــــــاد يغلبهـــــا الإنســــان ؛
لكي تقهر كل قتال في وقته , إلى أن يُعطى لك الإفـــــــــراز الروحـــــــــاني ,
الذي به تقدر أن تفـــرز بدقة , بلا ضلالة , مجاذبات الشياطين من أفكار الآلام .
و اعلم أنه ما دمت :
متيقظــاً حريصــــــــــــــــــاً في صــــــــــــــــــــلواتك ,
و مجتهداً في تكميل قوانينك في السكون بلا طياشــة ,
إن تحـــــــــرَّكت فيـــــك الأفكــار الرديئــــــة ,
فاعرف بالحقيقة أنها ليست هي أفكار آلامك ،
بــــــل هـــــــي مجـــاذبات الشـــــــــياطين .
لأن أفكـــــــار الآلام
التي من العادات القديمة لا تتحرك في الإنسان ,
طالما كان متيقظـــاً في عمـــــــله الروحـــــاني ,
و إن هي تحـــركت :
فســــــــــرعان ما تضمحــــــــــــــــــــــــــــل
لأجل حـــــرصه في عمـــله و بغضتـــــه لهــــا.
أما مجاذبات أفكار الشياطين ،
فإذا كان الإنسان متيقظاً مجتهــداً في عمــــــل الـــــــــبر ,
و خدمـــــــــــــــة المزامـــــــــــير , و صـلاة أبانا السمائي ,
و كلام التلاوة التي يرتبها من ذاته , و يصلي بها بغير فتــور ،
إن أكــــــــل أو شــــــــــرب أو جلــــــــس أو مشـــــــــى ,
هذه الأعمال و الصلوات تحرك الشـــياطين بالحسـد عليـه :
لأنهــــــــــم يخــــافون لئـــلا يقتني قبالهم ســـــــــــلاحاً ,
و لأجل هذا فهم على الدوام يُظهِرون له مجاذباتهم متواتراً ,
و يحرِّكـــون فيه الأفكـــار , لعله يميل إليها و يتهـاون بعمله .
لأن هذه الثلاثة أشياء التي هي :
خدمـــــــة المزامــــــــير ,
و صـــــــلاة أبانا السمائي ,
و صــــــلاة التلاوة التي يركِّبها الإنسان ,
و يطلب بها الرحمة و العون و الخلاص ,
هذه الثلاثة أنواع من الصــــــــلاة هي
كمثل ثلاثة سهام تطعن الشياطين و تقتلهم .
أما إذا كــــــــــــنت طائشــاً بالأفكــــار ,
و متهــــــــــــــــاوناً في تكميل خدمة الأوقات و قوانين السكون ,
فـــــــــــــــــــــإن أفكـــــــــــــار الآلام تتحــــرك في قلبـــــك ,
و تضغطــك أكثر من مجاذبات الشياطين .
+ و مع معرفة الآلام والجهاد مع مجاذبات الشياطين و هدم أفكار الخطية ,
و اعتنائك بنقاوة القلب و حرارة الضمير ، تعلَّم بالأكثر ,
بمحبــــة زائدة و أعمــال مفرزة بالعقل ،
الصلاة التي بلا فتـــور و لا طياشــــــة ،
لأن بها محــــدودة كــــل سيرة العقل التي تطلبها شريعة الســـــكون ,
التي هي كما قلنا :
الصلاة التي بلا فتور و هدم الأفكار .
فلا ينبغي أن :
يتنعم الإنسان أبداً بإرادته،بانحلاله وتنازله مع الخطية بأفكاره ،
و لو كــــان من اضطرار الجهـــاد وصعوبة العنــاد ،
و لو كــــان من اضطرار الجهـــاد وصعوبة العنــاد ،
بل يقتنـــــي للخطيــــة بغضـــــة شـــــــديدة ،
لكي يحــلو له تدبير السكون ، و لا يتعبه الضجر .
+ و إن كنت تقتني هذين الأمرين ،
أعني الصـــــــــــلاة التي بلا فتور و لا طياشة ،
و طهارة الأفكار ،
فأنت تحظى بجميع ســـــــــــيرة العقـــــــل .
و لكن أولاً أَتْعِب جسدك و نفسك وقتاً معلوماً بالصلوات التي بلا فتـور ،
و لو أن يطيش فكرك ، فبعد هـذا تؤهَّــــــــــل للصلاة التي بلا طياشة .
لأنـــه إن :
لم تتعــــــب جســـــدك حسب قــوتك ،
و تفنــــــــي نفســـــك كــــل وقـــــت ،
و في كل مكــان و كــل فعـــل وحـــال ،
و لو أن فكرك يطيش لأنك بعد مبتــدئٌ ،
فلن تُعطى لك الصلاة التي بلا طياشة .
و إن لـم :
تعوِّد نفســك أن تهدم أفكار الآلام و الشياطين ،
فلن يُعطى لك جمع العقل من الأفكار الطائشة .
لأن بهاتين الفضيلتين (أي الصلاة بلا فتور و طهارة الأفكار ) ،
ينحصر و يُحدُّ جميــع تدبــير الضمـير ،
و هما مرتبطتان الواحــــدة بالأخـرى ،
و مركبتـــــــان و متحــــــدتان معـــاً .
و كمــــا أن :
طبع الجسد شيء، و طبيعة النفس شيء آخــــر ،
و لأجل اتحـــادهما معــاً صــارا طبيعـــة واحــــــدة ،
و من دون اتحادهما لا يكمــــــل لهمـــــا فعــــــــل ؛
هكذا أيضاً :
إذ الصــــلاة شـــيء و طهــارة الأفكـــار شـيء آخر ،
و لأجل اتحادهما و اشــــتراكهما همــــا الاثنــــــين ،
يقـام منهما تدبير (واحد) يسميه آباؤنـا سيرة العقل ،
فإن كل واحدة منهما محتاجـــة لتكميل الأخــــــرى ،
حسب قول القديس مرقس :
« إن النية الصالحة بالصلاة توجد ، هكذا أيضاً الصلاة بالنية الطاهرة توجد » .
الجهاد و السهر
+ عوِّد نفسك واغصب ذاتك
لجمع أفكارك في خدمـــة المزامير،وبالأكــــثر في الليل ،
لكي يأخذ عقلك حس وفرح الروح المكنوز في المزامير ؛
فإن أُهِّلت لهذا، فلن تشبع من السكن في الهدوء.
واعلــــــــــــــم أن الذي يتعب بأعمال الجسد فقط داخل الحبس ،
وهو لا يعمل بالضمير، بل يطيش ويطمح فهو يتهاون أوقاتاً .
وأما الــــذي مع عمل الجســد يعمل بالفكر أيضاً ،
فهو لا يقدر أن يتهــــــــــــاون ؛
لأن عمــــــــــل قلبـــــــــــــــه ما يتركه يستريح .
فلهذا عظيم هو عمل العقــــل وتَعِبٌ جداً ومديد ،
وحســـــــــــــب عظم عمـــــله ،
هكذا أيضــــــــــاً كــثرة منافعــه .
+ إن اخــــترت عمـــــــــــل الجسد والعقل ،
فلا تتضجر ولا تـــــــزد على عمــــل العقل ،
أعمالاً جسدانية فوق قوتك ومبدأ منزلتـــك .
بل قليلاً قليلاً ادخل و غص في تدبير العقل ،
و هو يكون لك معلِّماً ومرشداً :
في كيف تحترس من الموافقة في قلبك مع الأفكار الشيطانية .
هوذا أبوك الأب إشعياء ،
لكي يعلمك ويشجعك ويجذبك لعمل العقل، يقول لك:
« أنت يا ابني ، اهرب من أهوية قلبك ،
هذه التي تقيم عليك القتــــــــــــال ،
و ربنـــــــا يكسر جميع أعـــــــدائك » .
و معنى قوله :
إنه إذا كنت في الســـــــــــــــــــكون ,
و أنت خـــــال من الطياشة في الأفعال ،
وعــــــــــادم من مفاوضـــــة النـــاس ،
ومتفـــــاوض مع ســــــــــــــــــــــيدك بعمـــــــل وصــــاياه ،
تغــــــــــــار منك الشــــــــــــــــياطين بحســـــــــــــــــدها ،
و تجــــــــــــــــــــذبك للتنازل في الشـهوات ،
لكي تخيِّبك من حـــــــب ســـــــيدك ،
و من العـــزاء الروحــــاني ،
فإذا نظر الله إرادتك، إنك حتى و لا بالفكــر تحب أن تتنعــم بالخطيـة ،
و لهذا قال لك أنبا إشعياء :
فبهذه الأفهام الروحانية يتحرك عقل المتوحد كل وقت بتنعــم لا يُنطـــق بــه ،
بل انتظـر بصــــبر و برجاء حقيقي للغلبة التي يعطيك إياها ربنا في السكون ،
و لا تكن كالجهال البله المنحلين ،
الجهــــاد و النعمــــة
+ هكذا مثلما أقول لك :
كل وقت تحرك الشياطين فيك فكراً ما, إن كان شهوانياً أو غضبياً أو مجداً باطــلاً ،
أو مهمــــــا كـــــــان مــــــــــن الآلام، فلا توافقهــــــم و لا تتنــــازل معهــــــم ،
و لا تتركهم يدخلون قلبك وينعِّمونه، بل اذكر عاجلاً ذلك التنعم المحفوظ لك عند الرب ،
و انتهر تلك اللذة الألمية ,
و أغمـــــض عيني فكرك عن النظر في ذلك الفكر الردئ الشيطاني ,
و لو أن لذة الخطية تجذبك , غصب نفسك لكي تهـــــــــرب منهــــا ،
و تنتقل بحبك إلى سيدنا ، و تسأله أن يمــدك بالمعونة لكي تغلب .
فإذا نظر الله إرادتك، إنك حتى و لا بالفكــر تحب أن تتنعــم بالخطيـة ،
هـــذا لأجـــل التنعــــــــم بمحبتــــــــه ، ففي الحال يشير للملاك القديس التابع لك ،
فيطرد الشياطين المقاتلة معك بمجاذباتها , كمثـــل الغبـــار من قــدام الريح العاصف .
و لهذا قال لك أنبا إشعياء :
اهــــرب وفِـــر مــــن مشـــيئات قلبــــــك . أعني أنت فقط إغــصب نفســك قليــــــلاً ،
أظهــر للشياطين بغضتــك لمجاذباتهم ، و محبتك لسيدنا، وهو يطرد عنك الشياطين ،
يقطع مجاذباتهم من قلبك، و ينير ضميرك،و يملأ نفسك أمناً وسلاماً و عزاءً من النعمة .
+ لا تخف أيها المتوحد محب السكون ،
والمقاتل حتى الدم في جهاد البر مع الخطية لأجل محبة سيده .
ليس يبطئ كثيراً زمن جهادك،بل بعد مدة من السنين معروفة ،
إذا ما اختُبرت إرادتك الصالحة
و حبك الصادق للرب بالصبر في الجهاد والقتال مع أعـــدائه ،
فمنذ ذلك الوقت، ليس كل وقت تقاتل معك الشياطين يمدك بالمعونة لكي تغـــلب ،
بل إنه إذا انقضى زمان جهادك يطرد عنك الشياطين كلية ،
و يقطع من قلبك جميع مجاذباتهم .
و عوض تلك الأفكار الكثيرة التي كانت تتحرك فيك ،تمتلئ نفسك أفهاماً روحانية ،
و يبتهج ضميرك كل وقت بأفكار إلهية، التي هى :
و يبتهج ضميرك كل وقت بأفكار إلهية، التي هى :
الهـــــــمُّ بعظمة الطبع الإلهي ،
الهذيــــــذ بالثــالوث المقــدس ،
تذكار دائم لا ينقطــــع بعشــق محبـــة المســــيح ،
و نــــــــــــور مجده الإلهي الساكن فيه في السماء ,
الهذيـــــــــذ برتب الملائكة الممجدة ،
ذِكـــــــــــــر الفــــــــــردوس و أرواح الصديقين الذين كمــــلوا ,
اســـــتعلان ربنا من السماء ، صعود القديسين إلى الســماء ،
و أشياء كثيرة لا يســـهل علينــا كتابتهــا و لا النطــق بهـــــا .
فبهذه الأفهام الروحانية يتحرك عقل المتوحد كل وقت بتنعــم لا يُنطـــق بــه ،
و يأخذ هذه المكافـــــــأة بعد مدة جهــــــاده ، كعـــــــــــــــربون ههنـــــــــــا ،
عوض كثرة تلك الأفكار الردية الشيطانية التي كان يتضايق بها أولاً في القتال .
+ والآن يا أخي، إن كنتَ مشتاقاً لهذه ( الأفهام الروحانية ) ،
و لنقاوة القــــــلب التي بها ينظــر الإنســان الله ،
أَعِـــــدَّ نفســـــك للجهاد مع الآلام و الشياطين ،
و لا تتضجــــــــــر إذا ما ضُـــــــربت و نالتك الجراح في وجهك كل مدة مجاهدتك ،
و لا تعطـــــــــي قفاً وتهرب من قلايتك مثل خصمٍ مغلوب .
بل انتظـر بصــــبر و برجاء حقيقي للغلبة التي يعطيك إياها ربنا في السكون ،
بعد مدة جهادك و كثرة الراحــة و الفرح التي تحظى بها ،
و لا تكن كالجهال البله المنحلين ،
الذين عندما يكونون غالبـــين و منتصــرين و فرحـــين و نيّرين ،
يجلســون في السكون و الحبس ،
و عنـــــــــــــدما يتضايقون و ينجرحـــون و يُغلبون و يحزنون و يسقطون و يُظلمون ،
يتركــــون الســـــــكون و يخرجـــــــــــون !
بل أنت اصبر على جميع ما يحدث لك كل أيام مدة جهادك ؛
إذ في وقت تضغـــــــــط أنت الشياطين، و في وقت يضغطــونك ،
و في وقت تســقطهم ، و في وقت يسقطونك ،
حتى ينظر الله صــــبرك ، و يعطيـــك غلبة على أعدائك ،
و يتوِّجـــك بمعرفة الروح .