الميمر
السادس
+ قال مار إسحق :
+ اعلم يا أخي ،
فالــــــذي يريــد أن يقيم كلمته ،و لو أنها حق ،
لقــد أعطى ربنا الطوبى للطاعــة ، لأن المطيع هو الذي يتنعــــــم أولاً بالطوبى .
+ فــــــي فضيلتـــين جمع الآباء القداسة كلها ، و هما : التواضع و النو ح .
الميمر السادس ( 1 )
+ قال مار إسحق :
مخافة الله تتقدم محبة الله .
فالذي يعمـــــل بالوصــايا لأجــل محبــة الله , يُعطــــى له ،
أولاً : خوف الله ، و به يكمل كل وصايا الله بكلفة و صعــوبة ،
لأنه يقاتل الخطية التي تقـــاوم الوصـــايا .
و بجهاده مع معونة الله قهر الخطايا بخـــوف الله ، بحزن و رعب ،
لأنه يخاف من الانغلاب و الســــــــقوط .
و مع هذا ينتظـــــــر الوصول إلى فــرح محـبــــــة الله ،
التي من أجلها يعمل كل جهاد ،إذا استمر كل الأيام ،
في تــــــــــرك الشر و البعــــد من كل خطيـــــــــــة .
+ العمل الذي يصــل به الإنســـان لكمـــــال خــــوف اللــــه ،
هو أن لا يخطــــــئ خطيـة كـبيرة أو صغــيرة ، حتى التي ،
لا تكون هناك خطية أصغــــر منها ، إلا و يسرع بالتوبة عنها .
و بهذا تكمـــــل فيه مخـــافة الله ،
التي هي البعد من جميع الخطايا ،
فيعطـــــــــــى لــه .
العمل الثاني :
الذي هــــــو : كمال كل بر وكل فضيلة ؛
لأن به يحصل الإنسان بالحقيقة على محبــــــة الله ،
و يقتني عدم الأوجاع ،و ينعم بلــذة و حلاوة نظر الله .
+ فلا يمكن للإنسان إذاً : أن يصـــل إلـــى كمـــال مخــــــافة الله ،
إلا بترك جميع الشرور ، و قطع كل خطية .
و بتكميله عمل كل بر ، يبلغ إلى محبة الله بنعمة الــروح القدس .
و نستطيع ذلك بثلاثة أعمال :
العمــــــل الأول هو مداومة قراءة الكتب .
لكي منها نتخشع دائماً و نخاف الله و نعرف وصاياه .
و الثـــــــــــــاني هو العمل بوصـــــايا الله و التحفـــظ بهـــــــــــــــــا .
و العمل الثـــالث هو أن ننقِّي قلوبنــــــــا ، بصــــــلاة دائمة بلا فتـور ،
من كل فكـــــــر يضـــاد خـــوف الله و محبتـــــــــه .
فإذا لازمنا هذه الثلاث فضائل ،
سهلت علينا وصــــــايا الله ،
و كملت فينــا محبتــــــــه .
الميمر السادس ( 2 )
إقتنــاء القداســـة ـ مفتـــدين الوقـــت
+ لا يســــتطيع الإنســـان أن يكـــــــــون بمفاوضــــة الله و مفاوضـــــــة الناس ،
و أن يكون قريباً من أهله الجســـدانيين ، و يقدر أن يدنو لشيء من الروحانيات ،
لذا فالغـــربة توافقنـــا كثـــيراً .
ألا تعلم يا أخي :
أن حياتنا تنقرض ساعة بساعة ، و يومــاً بيوم ،
و حتى و لو أننا كل أيام حياتنـــا نجتهـــــد أن :
نردَّ يوماً واحــــداً من الذي مضى فمـــــا نســـــتطيع !
فخسارة عظيمة هي لنا إذا نحن تغافلــــنا عـــــن يــــــوم واحـــــــــــدٍ .
لكي يجـــــــــوز بلا ثمــــــــــــرة تمجيـدنا و أعمالنـــــا ،
فنتهـــــــــــــاون من تقديــــــــم الصــــــــــــلوات ،
و من التضـــــــرع أمـــــــــــام الله .
لأن هذه كلهــــــــا مرسـومة و مكتــــوبة قــــــــــدام الله ،
و بهــــــــا يُمدح الإنسان أمام النعمــة ،
حيــث تأتي أوقاته و هي موسوقة بأعمـــــــــاله الصالحة .
+ فلهذا يا إخوتي ، لا نتهاون
في و قت و احد من أو قاتنا دون أن نقدم فيه أثمـــار التــــوبة .
نبغي لنا جداً الجلوس وحـــــــــــدنا لكي نبكـــــي و ننــــوح ,
على أيامنا التي جازت باطلاً فارغـــــــة ، و اضمحــــــــــــلت ,
و ليس ينفعنــــــا وقت المـــــوت أحــــدٌ ، لا إخوة و لا أصدقاء ،
السعيد حقــــاً هـــو
الــــذي يتفــــــكر في هـــذا ،
و يجمع أفكاره إلى ذاته و ينقبض من الطياشة الباطلة ،
و لا يتخلف و قتـــــاً واحـــــداً عن الصــــــلاة و التـــوبة ،
أما أنا فلو أن جميع الخلائق يبكون عليَّ لأجل خطاياي ،
لما كان ذلك يكفي .
+ اعلم يا أخي ،
إنه ليس لكثرة الأعمال يعطى الله الأجــر ,
بـــــــل لشوق الإرادة و البشاشة المفرزة ،
كمثــــل الصبيـــــــــان الذين يسرعون إلى الطاعة ،
و اتضــــــــاعهم هــو فخــــــــر أنفــســـهم .
فالــــــذي يريــد أن يقيم كلمته ،و لو أنها حق ،
هــذا قـد مـرض مرضـاً شـــيطانياً ،
و الـــــذي ينوح على ذاته ينجـــو من النــــــار .
لقــد أعطى ربنا الطوبى للطاعــة ، لأن المطيع هو الذي يتنعــــــم أولاً بالطوبى .
و الويل للمقــــــــــــــاوم و المحارن ، لأنه يغتـــذي مــــــن مـرارة نفسه كل حين .
+ كــــــــــن (في كل حين) مبكِّتاً لذاتــك ، و اضمر عن نفسك أنك خاطئ ،
و قــــــل : ليــــس على الأرض من هو ، أعظـــــم خطيــــــة منــــــــي .
داوم على السهر الكثير ، و فكر في العذاب الأبدي .
الاتضاع هو مُهلك لجميع الآلام ،
و الذين يقتنونه ينجحون في كل شيء، و يغلبون كل أمر .
الطهــارة و الصـــــوم و الصـــــــــــــلاة ،
و السـهر و الاتضـــاع و نـدامة النفـس ،
هذه كلها فوق الطبيعة ،
و طــوبى للمتوحــــــــد الذي عمله دائماً بها ،
و عقــــــــــله مضبـــــــــــــــوط بها .
+ فــــــي فضيلتـــين جمع الآباء القداسة كلها ، و هما : التواضع و النو ح .
فلنتفــــــــرس في ذواتنـا إن كنــــا في الرتبة الجسدانية ،
مع المبتدئين ،أم مع الوسطانيين ، أم مــــع الكاملـــــــن ،
و نسرع لكي ندرك ، و لا ننســــى و نتغافل لئلا نخـــسر .
+ إذا ما أُهِّلت النفس لغفران الخطايا، حلَّت في النــور الإلهــي .
فضيلة واحدة أو حسنة واحدة تُعمل بإفراز، تقطع خطايا كثيرة
و الشر ليس هو شيئاً إلا عدم الفضيلة فقط .
المسيحى الحقيقي له في كل يوم حرب مع ذاته ؛
لأن كل من قاتل مع نفسه و غلبها ، ليس له بعد قتال مع أحد .
و الذي دان نفسه لا تبقى عليه دينونــة ، و لا أحد من الناس يقدر أن يدينـــه .
لأن الذي قـــد عــــرف عيــوب نفســـــــه , لا يتقــــزز من عيــــوب الآخــــرين .
و الذي لا يعمـــل شــــراً مع أحـــد من النـــاس هــــو بـــــــار .
و الذي يعرف دينونة الله ، هو يدين نفسه و لا يدين أحداً غـيره .
و الذي أعمــاله رديـــة ، لا يقدر أن يعلِّم آخرين أعمالاً صالحــة .
فينبغي لنـــا أن نحب الله من كل أنفسنا و من كل قوتنــــــــا ،
و نحـب قريبنا كنفســـــنا ، و لا نكــــافئ شــراً عوض شــــرٍ .
الميمر السادس ( 3 )
صلاة اللسان و صلاة الروح
+ الــــــذي يداوم ترتيل المزامير بالـــروح بلا طياشـــة ،
يمتـــــــــــــلئ مـــن الــــروح القــــــــدس .
أما الذي باللسان فقط يصلى و يزمر دائماً ليلاً و نهـاراً ،
فهــــــــــــــو بـــار ، و بعد ذلك يصير روحانياً .
لأنــــــه إذا داوم على هـذا العمـل الظاهر ليلاً و نهاراً
مدة من الزمان :
بصـــوم كثــــــــــــير , و تزمير باللسان .
و صـــلاة و نســــــك , و أعمال صعبـة ,
فـــــإن نفســــه تمتـــلئ من ذكـــــــر اللـــه ،
و يخــــاف و يرتعب من الدينـــــــــــونة ،
و يحسب كل النــــس أخـــــــير منــه ،
و إذا نظـــر أعمــال الناس ،
و رأى إما زانيـــــــاً أو فاسقاً أو ظالمــــــــــــــاً ،
فإنــــــــــه يعتــبرهم أخـــــــــــير منه ،
و ذلك مـــــــــــــن ضمير قلبه الخفــــــــــــــي ،
و ليس بالكــــلام الظـــــــاهر ،
بل إنه يتقــــــــدم إليهــــــم و يســـــجد قدامهـــم ، و يتضـــــرع قائــــــــــلاً :
صلوا عليَّ فإني خاطئ ،
و قد أذنبت كثيراً قدام الله ، و لم أوفِ عن ذنب واحد .
فعندما يبلغ الإنسان إلى هذه و أكـــثر منهـــا ،
حينئذ يبلـــــغ أن يزمِّـــر قدام الله بترتيل الروحانيين .
+ إن الله بالسكوت و بالصمت
يصلَّى قدامه بذلك الترتيــــل الموافــــــــق لــه .
و إن كان أحد يسكت عن تزمير اللسان ،
و ما قد وصل بعد و لم يعرف
أن يزمِّر بالعقل والروح، فهو بطال ،
و يمتلئ من الأفكار الردية؛ لأنه سكت بالظاهر ،
و هو في الخفاء لا يعرف أن يزمِّر من داخل ،
ذلك لأن لسان إنسانه الجواني لم ينبسط ( بعد )
لكي يرتل و يلغلغ (كالطفل ) خفية .
+ إن الصلاة التي يشير إليها الآباء ليست هي بالكلام فقط ،
ولا بالكلام تتعلمها؛ لأنك لست قدام إنسان تصلي ,
بل قدام الذي هو روح أنت ترسل حركات صلواتك .
لأن الله هو روح، فلهذا ينبغي أن تصلي أمامه بالروح .
( والصلاة بالروح ) لا تطلب موضع الذي يصلي ،
ولا نطق اللسان ؛
لأن الصلاة الكاملة لا تطلب موضعاً.
هذه الصلاة الروحانية هي
داخلة عن اللسان، وعميقة عن التزمير؛
وإذا ما أراد الإنسان أن يصلي بها
يغطس ويتداخل عن الكلام واللفظ ،
وفي بلد الملائكة يقوم، كعربون ،
وبغير كلام يقدِّس مثلهم .
فإن سكت عن هذه الصلاة، وبدأ بصلاة اللسان،
خرج عن بلد الملائكة، ومن التشبه القليل بهم.
فإن كنت أيها الأخ ما بلغت لهؤلاء،
وبلدك مازال بعيداً منهم،
فاثبت الآن في العمل البراني،
وصلِّ وزمر بالصوت واللسان قدام الله
بخوف وحب، حتى تصل إلى المحبة.
+ خَف من الله بالعدل
لكي تؤهَّل أن تحبه الحب الطبيعي
الذي أُعطيناه بتجديدنا .
و لا تكن كمن يتلو كلام الصلاة خارجياً فقط،
بل جاهد واعتنِ أن تكون أنت ذاتك كلام الصلاة .
لأن التلاوة ليس فيها نفع ،
إلا أن يتجسد الكلام بك ويصير عملاً ،
و تبقى في العالم إنسان الله .
لأن الضمير إذا ارتبط بالقراءة والصلاة،
فإنه يتقوى ولا يقبل زرع أفكار الشرور،
ويصير فوق كل فخاخ الشيطان .
لأن حرارة الصلاة و الهذيذ
يحرقان الآلام والأفكار كما بنار، بالرجاء بالله.
فهذا التدبير ( أي ربط القراءة بالصلاة )
يُقني للراهب أجنحة،
ويبلغ العقل الروحاني الذي به يخدم الروحانيون.
+ و كما أن الذين آمنوا بالمسيح عندما ظهر في العالم
هم أولاً أخذوا طباً حقيقياً لأنفسهم و أجسادهم ،
هكذا أيضاً الذين يحفظون وصاياه ،
عندما يظهر في ذلك العالم، ينالون مجداً وكرامة .
و بقيـاس ما تنظـر الطفل الطبيعي ،
هكذا بالمثل أيضاً انظر في الطفل الروحاني .
فمثلما هو ساكت لسان الطفل
الذي لم يعرف الكلام بعد ،
ولسانه موضـوع في فمه وليس له حركة الكلمة ،
هكذا أيضاً لسان العقل هو
صامت من كل كلام ومن كل اهتمام،
وهو موضوع ومعدّ فقط
أن يتعلم تلغلغ وهجاية الكلام الروحاني.
+سكوت اللسان، و ثمَّ سكوت جميع الجسد
و هناك
سكوت النفس ، و سكوت العقل ، و سكوت الروح.
سكوت النفس ، و سكوت العقل ، و سكوت الروح.
صمت اللسان : هو إذا لم يتحرك بكلمة ردية .
صمت الجسد : هو إذا بطلت جميع حواســه .
صمت النفس : هو إذا لم تنبــــع فيهــــا الأفكــار المرذولة .
صمت العقــل : هو إذا لم يهدس بمعرفة وحكمة مخسِّرة .
صمت الــروح : هو
إذا ما هدأ العقل حتى و من الحركات الروحانية التي للكائنات
إذا ما هدأ العقل حتى و من الحركات الروحانية التي للكائنات
و تختلج كل حركاته بالأزلية فقط ، بدهش السكوت عليهــــــا
هذه هى الدرجات و المقادير في الكلام و الصمت
أما أنت فما بلغت إليها الآن ،
و لأن بلدك بعيد منهـــــــــا .
.صلاة اللسان ورتل قدام الله بالصوت.
.صلاة اللسان ورتل قدام الله بالصوت.