الميمر الأول
جهاد المتوحد و سمو حياته
جهاد المتوحد و سمو حياته
في الإفراز الطبيعي :
+ الإنسان ما دام هو جسدانياً أو نفسانياً , فهو مفتقـــــــــر إلى الحـــــــــــــواس ,
فإذا بلغ إلى الروحانية بطل احتياجه إليها .لأنه حيث يكون روح الرب توجد الحرية .
+ فكر الله في خلائقــه لا يبـــــــــدأ و لا ينتهــــــــــــي .
الملائكـــــة و النفـوس و الشــــــــــــياطين بــدأوا و ما ينتهــــون .
( أجساد ) النـــــــــاس و العالم المحسوس بــدأوا و ينتهـــــــــون .
الله المســجود له لا بدء له و لا نهاية.
هذه الأربعة تُعرف بالمبدأ و بالمنتهى .
+ جعل الله الغضبية في الطبـع : لتكـــــون إنـــاءً للغــيرة (الصالحة) ,
لا لكـــــــــــي نصنـــــــــع بهــــــــــا الســــــخط ,
و نؤذي (الآخرين) و ننتقم لأنفســنا .
بل لكـــــــــي نقيـــــــــــم بهــــــــــــــا الحـــــق .
و وضع لنا الفم لكـــــــــي نبـــــــــــــــــــارك و نســــــــــبِّح ،
لا لكـــــــــــي نلعــــــــــــــــــــن و نجــــــــــدِّف .
و وضع فينا العين لكـــــــــــي ننظـــــر الأشـــياء و نشكر الخالق ,
و ليس لكـــــــــــي نشتهي ردياً .
+ إن قال أحد :
لمـــــــــاذا لم يجعـــل الله كل إنسـانٍ حكيمــاً ؟
فليميِّز أنه ما ينبغي أن تكون الأرض كلها ينابيع .
+ غرضنا من حفظ السكون ليس هو لأجل تكميل القوانين ,
بل قصدنا من حفظه إنما لأجل
عمـــــــل القلـــــــب .
لأن تكميل القوانين يتخلَّــــف بســــبب ضعـف الجســد ,
و أما عمل القلب فينمو و يزيد بالجلوس في الوحدة .
الإهتمام الفاضل بالله وحده:
و الذي يجــذب للدهــش في طبيعته علي الدوام , و ضميرٍ عالٍ متحكــــم بالـــروح ،
و معرفة فاضلة , وإيمان سري متضاعف باهتمـام العالم الجديد و بالهذيذ بالمزمعات ,
و انتقال دائـــم ( إلى العـــالم الجــــديد ) بسَــفَر الضمـــــــير ,
و ظهور أسـرار في الذهـــــــن تتغيــــــر بحسب المنــــــازل ,
فيرتقــــــــــي ( من درجـة إلى أخــــرى) بغـــــير إرادتـــــــــه .
و ينتهي أمره أنه :
يتحــــــــــــــد بالأزليـــــــــة الإلهيـــــــــــــة ,
و يرجع العقل إلى العلة الأولى (أي إلى الله) في كمــــــال تدبيـــــره .
و يتفـــــرس في ترتيب حب الخالق و في إرادتـــه الصالحة للناطقــين .
و هنـــــــــــا تبطــــــــــل الشكـــــــــــوك و يبطــــــــل الخــــــــــــوف .
إلــــــــــــى هذا الكمال ينتهي قصد تدبير الوحدة و العمل في القلاية .
لأن :
الجســـد يضعـــــــــــــــف و الضمـــــــير يتـشـــــــبب ،
و الحواس تبطـــــــــــــــــل و المعــــــرفة ترتفـــــــــــع ،
و الأفكار تشرق بالنقـــــاوة ,
و الذهـن يطـــــــــــــــــــير و يرتفع إلى الله بتصــــوره ,
و الضمير ينقبض من العالم و يطيش بــــالله بهذيــــذه ,
و مع أن الفكــر مشتبك مع الجسـد لكنه لا يثبــت معه ,
بل تكون مفاوضته دائمـــاً في العلا فيما هـــو أفضـــل .
الجسد انحــــــطَّ وكـــــفَّ, و القــلب يُسَـــرُّ بالفـــــــرح .
و من دون المعرفــــــــــــة لا يرتفـع القلـــــــــــــــــــب .
أيها المسيح أخرجني من الظلمة إلى النور لكي أسبحك تسابيح القلب لا الفم .
في الثــــــــاؤريا :
+ الذي قد بلــغ إلى تدبـــــــير الثاؤريـــا و معرفــة الــــروح ,
ينبغي له جــــــداً الوحـــدة و السكون في موضع سكنه ,
و يكون منقطعاً من كل أحد , لكي يقتني سكوناً بسكون ,
و بالأكثر في الليل مثلما أرانا سيدنا أنه كان ينطــلق في الليــالي إلى موضــع قفــر ،
و ذلك لتعليـم أبناء النـور المزمعين أن يسـيروا في أثـره بهـــذا التدبــــــير الجديـــــد .
لأن المفاوضـة الفرديـة مع الله هو عمـل الرتب السـمائية الذي ظهر للنـاس بابن الله ,
لما نزل إلى عالمهم وأراهم عمل غير المنظورين؛ لأنهم يتحركون بتمجيد الله بلا فتور ,
و يرتفعـون بتصــور الثاؤريــــــا (أي بالنـظر الإلهــي) إلى طـع الثــالوث المســجود له ,
و يثبتــــــــون فــي الدهــش بنظـــرة عِظــــــم ذلك المجـــــد الــذي لا يُنطــــــق به ,
و بهـــــــــــــــــــذا التدبــــير فإن جميع البـشر عتيـدون أن يكونــوا في القيامة العامـة .
في تاؤرية الإنسان الجواني :
+ كلمـا يدنـــو الإنســان إلى معـــرفة الحــق ، ينقـــص فعــــــل الحــــــواس ,
و يزيـــــد صمــــت الإفــــــــــراز دائمـاً .
و بقـــــدر ما يقـترب من تدبير العالـم بعمله تكثر فيه يقظــــة الحـــــواس و تلذذها .
لأن تَقلُّــب هـــــذه الحيــــــــــــاة قــــــــــد أُعطـي لخدمــــة الحــــواس ,
أما التدبير المزمع فهو لعمل الروح .
بل إن الحـواس في هــــذا العـــــالم لا تحتمــــل اســتعلان ذلك الســــر ،
فتتخلف عن عملها مثلما تكون أثناء النوم .
فالحــــــــواس ليست هي التي تستقبل ذلك السر الذي يُعطى كعربون ،
بـــــل
الإنسان الداخلي.
يعطيــــك الله أن تعــــــرف قـــــــوة العالـــــم المزمـــــع ،
فبهــــذا تتخـــلف عن جميــــع استعمـــــــــالات هــــذا العـــــــالم .
الصــــــــــلاة :
+ قصد هذه المقالة أنه :
ينبغي لنا أن لا نبطل أي نوع من الأنواع الجسدانية اللائقة بالصـــلاة برأيٍ فاســــد ,
و لو أننا نرتفع بتدبيرنا إلى علو الأعالي؛
و أعنـي بهذا القيـام في الخدمــــة (أي المزامير) و الســــــجود و المطانيـــــــات .
لأن خدمة المزامير : تخلِّصنا من شرور كثيرة , وبها نبلغ إلى موهبة طهارة الصلاة ,
و إلى نظرة العقــــل التي هي الأفهام بالــروح ؛ لأن هذا هو :
كمال الخدمة و غاية كل ترتيب القوانين .
ما هو حب
الله و كيف يُقتنى و متى؟
+ حب الله ليس هو شيئاً غير معروف يختلج (في القلب) بغير إفراز .
كما أنه لا يُستطاع أن يتحرك في الإنســان من معــــرفة الكــتب ,
و لا الإنسان نفسه متى أراد يقدر أن يحب الله من معرفة القراءة و سِير الكتب .
و لا حين يملك على العقل الاستحياء من تذكار عظمة الله ,
و يخـــاف منـــه بإفراز خــــوف العبيــد أو مخــافة البنــــين ,
و يتيقظ لعمـــل الفضيــلة ولحرارة الصـــلاح و الاحــــتراس ,
من الأمـور التــــي ينهــــــــــى عنهـــــــــا النـــــــــاموس ,
و لا بــأن يغصب الإنســان ذاته قسـراً بالجهـــاد والعنــــاد ,
كي يتصور في نفسه حب الله .
و لا من العادات والتخيلات البشرية ؛
حتى ولا من النواميس والوصايا التي على الحب يستطاع أن يُحَب الله ؛
لأنه من الناموس يتولد الخوف وليس المحبة .
و لكن هي عطيــــة ينالها الإنسان إذا ما قَبِـــــل روح الاســتعلانات ,
فتتجــــــدد نفســه بحركاتهـــا بحكمة الله التـــي تفــــــوق العـالم ،
و يبتدئ يحس بالله في ذاته أنه عظيم جداً .
فبغير هذا لا يمكن أن يدنو إلى مذاقة المحبة المحمودة .
لأن الذي لا يشرب الخمر لا يسكر من الخبر على صفتــه ،
و الذي لم يؤهـــــل في ذاتــــه لمعرفـــة عظـــائم الله ,
لا يقـــــدر أن يسـكر بمحبتــه .
الصـــلاة
و الهــــذيذ :
+ ليـس هناك تدبــــــيرٌ يقبـــض العقـــل مـــن العــــــــالم ,
و ينجيه من الخطــايا مثل الهذيذ الدائم بالله .
هـــذا العمل عسر هو جداً و صعب , و لكنه خفيف و لذيذ .
و أنت أيها الأخ , إذا كنت تريد أن تكون في الهذيذ الدائــم بالله ,
الذي هو حجاب الباب أمام كل الأفكار الفاسدة ،
فابـــــــــــــــــــــــدأ بكــــثرة الصلــوات عــــلى الـــــــــــدوام .
فالهذيذ الدائم بالله هو يجعلنـــــــا مداومــــــين الصـــــــــلاة .
والصـــــــــــــلاة أيضـاً هي تحـرك القـلب للهذيذ بالله بغـير فتور ,
وتجعـــــــــــــل العقـــــل ســـماوياً بالحـــــــركات الفاضــــــــلة .
فالتعليم الإلهي و الكلام المـــوافق لمخـــافة الله بالصـلاة يُوجد .
+ و بحســــب ما تعلَّمنا من سيدنا في الوصايا التي قالها عن الصلاة ,
و كيــــــــــف ينبغي أن تكون حيـــاة النصراني ,
و ما هـــــــو الذي ينبغي أن يطلبه في الصلاة ,
فإنه بالضرورة مثلما نريد أن تكون تدابيرنا هكذا ينبغي أن تكون صلاتنا .
كما ينبغي أن تكـــــــون طلباتنــــــــــــا بحكمـــــــــة عِلمـــــــــــنا ,
مُطيَّبة بالرجاء السماوي و بمفاوضة و معرفة أسـراره .
+ و لهذا فكل صلاة تكون هي أفهـــــــام عـــــــــلى الحيـــــــــــــاة ,
كما قال المفسر:
إنه بكل نوع يصلي العارف يأخذ الذهن فهماً ما
- بحســــــب ترتيــــــب العــــــلم الإلهــــي –
لكي يبعد عن اللحم ويرتبط بالهمِّ بالحيـــــاة ,
و بالتقلب (أي التدبير) و تذكار الأمور المزمعة .
لكي بنوع الصلاة بتعليمٍ عالٍ ومعرفة فاضلة عن الحياة غير المائتـة ،
بربوات أفهــــــــــام تختـــــــــلج في ضمــــــــــيرنا ,
نفهــــم كيــــــــــف نحـــن مـــن الأرض بطبيعتنـــا ,
و بيد مَن ارتفعنا و تجنَّسنا به,
و بأي أسرار تحكَّمنا بالفعـــل .
+ فالصلاة تليق بالكمال , وهي اســــــتقامة الضمـــــــــــــير ,
و وعــــــــظ الأنـــواع الحســــنة ,
و الحرية إلى الأمــور المرتفعـــة ,
و هذيذ الروح و تذكار السمائيات ,
و الهــــــــــــمّ بالخفيــــــــــــات .
+ الصــــلاة التي تكــون من الحـــــب
تشـــجِّع الضمــــير , و تُلبس العقل قوة ؛
لأن الرجاء يلهــب ضمـــير الإنسان ليتجلد على الشيء الذي هـو فيــــــه ,
و يصبر على الضيقات و شـــرور الأرض ,
و إذا قايسها بالخيرات الموعود بها تكــــــون عنـــــــــــده كــــــلا شـــيء ،
و لذاك الشــــــبه ينقلب ( أي يتغـــير ) ,
بمرآة ضميره من وقت لآخر بنعمـة و معــونة الـــــــــروح و التشوق الإرادي .
+ و الصـــلاة الكاملــــة تنير طريق الصعود بما يفوق العالم ,
فتنتشـــــي النفـــس بالسمائيات ,
و ترذل هـــذا العـــــــالم بمحبتهـا لله ,
و تتشجع على الحروب التي تقابلهـا .
و بالصـــــــــــــــــــلاة تنحنــــي النعمــة التي تُسـمَّى الملكوت ,
لكي بالحـــــــسِّ بهـــا ننســـــــــــى الأرض ,
و نكـــــون في ســــلام العقــل بتلك الأسرار ,
و تقودنا لكي نعلم أن القوة هي من عند الله ،
حتى نتغـــير و نثبــــت في الأمـــور الفاضلة ,
و إذ نحن في الأرض يكون تقلُّبنــــا (أي ســـــيرتنا) في السـماء ,
فتجعلنا نحس أن لنا مُقوِّياً و معينـاً ســمائياً غير منظـــــــور ,
يعضدنا في كل وقت على ما يرفع طبيعتنا ( إلى السماء ) .
الصلاة بفهم :
+ وكما قال القديس مرقس :
إن الذي يصلي بفهم
ينبغي أن يصبر على جميــــع ما يـــأتي عليـه ؛
لأن هذا هو زيّ الصلاة أنها بالأفهام المدهشـة ,
تجعـــــل العقـــل شــــجاعاً و غير قابـل للآلام .
و بحسب قول أو غريس :
إن كل من يصلي بفهم
فإن هذه الفضيلة تعدّه للجهاد مع الشـياطين ,
بواســــطة فهـــــم كـــــــــــــلام الصــــــــلاة ,
و تشــــــعله بمحبة أمـــــــور الدهــــــر الآتي ،
و المعرفة التي فيها بأفهام الطبع
تفصــــل العقـــل من اللحم ( أي من الجسد ) .
و قد أظهر هؤلاء القديسون
الحروب التي تتحرك
و التجارب التي تقوم على من يســلك في هذا الطــــريق ،
إن كان من الطبع أو من الشياطين أو من الناس .
قال أوغريس :
إن المعونة التي يأخذها العقل بالصلاة تنمو بلذَّة الرجاء ,
و ليســــت الحــــروب فقــــط تكــــون عنــده كلا شيء ,
بل إنه يـــزدري أيضاً بالجســـد الذي هو سبب القتــالات .
+ هذا هــو تــدبير الصـــــــــــلاة ,
و هذه هي منفعة الهذيذ الإلهي الذي فيها ,
و هذا هو العمـــــل الكــــــــــامل الذي يعمله الذهن في المصعد الإلهي ,
( أي في طريق الصعود إلى الإلهيــــات) .
و هذا إنما يكون :
بالجلوس المنفرد و الوحـــــــــــــــدة و البعد من جميع هموم العالم ؛
لأن هـــــــــــذا يولِّـــد الهــــــدوء و ســكون القـــــلب ,
لكي بمداومــة الهذيذ باللــــــــه و السكون من الأفكار ,
يستطيع الضمير أن يتفرس في كل أنواع الصلاة ,
و يقتبــــــــــــس معـــــــــــرفةً عـــــــــن اللــــه ,
و بواسطة الألفاظ يكون الدخول إلى الأسرار .
+ الصـلاة بهذيذهــا كل وقـت
تقـــــرَِّب العقــــل إلى الله ,
و تشجعه و تُنقيـــه بغياراتها ,
و تناولـــه القـــدس بهذيذها .
هذا هو الهذيـــــذ الـــذي يحبــــــــــــس كـــــل هـــــــــــــذيذ ؛
لأنه بالضـــــــرورة يربط العقل ليستضيء بالخفيـــات الداخليــة ,
منهـــــــــــــــــــا تؤخــــــــــــــــــذ معــــــــــــــــرفة اللـــــــــه ,
و مـــــــن هنــــــا نحـس بالفعل أننــا بنو الآب الســـــــــــماوي ,
ورثــــــــــــــــــــة و بنو ميراث يسوع المسيح .
و هنـــا نقــول :
« مَن يقدر أن يفصلني من حب المسيح ، سيف أو نار...»
و ما تبقى , و « إني مصلوب للعالم و العالم لي » .
مواهب الصلاة :
+ كل التمــــاجيــــــــــــد تليــــــــــق بالمســـــــــــــيح
الذي بتدبيره بالجسد رفعنـــــــا من النظر للأرضيـــات ,
و أرشد عقلنا للمصاعد الإلهيـــة التي تفوق العــالم ,
و بمفاوضـــــة الصـــلاة قدَّمنا لنظرة ملكـــوت الســــماء و الهذيذ الدائم بها .
ذلك الموضع هو الذي نحن مزمعون أن نقدِّم فيه دائماً السجود بالـــروح
الذي ليس هو بمحدود
لا بالجسد و لا بأقطار العالم و لا بالانحناء الظــاهر ,
بل بعقـــل يتجلــــــى بحركـــات الدهـــش بـــــه
بلا انقطاع و دون انقضاء في بلد غير المتجسدين
بذلك التدبـــير المرتفــــع عن طقــس الصــــــلاة .
لأن الدهــــش هنـــا يكـــون عــــــوض الصـــــلاة ،
و عـوض الإيمان الذي هــــــو أجنحـــــة الصــــــلاة .
تكـــــون النظرة الحقيقية التي هي مملكتنا و مجدنا ,
حيث يظهـــر لنا هنــــاك أن الله ليــــس محتاجـــاً إلى تمجيــــد المخلوقــــــين ،
بل هو في الحقيقة تنازلٌ منه لهؤلاء جميعهم ( أن يشاركهم في التلذذ بمجده) .
+ لأننا هنـــاك نقبـــــــل حقيقـــــــــــــــة كل شـــــيء عــــن اللـه ,
ليس عن طبيعته بل عن ترتيب عظمته و مجده الإلهي و حبه لنا ,
حيث ترتفع كل الحُجُب و الأنواع و كل أشكال السياسة و التدبير من أمام العقل ,
و يتبين لنا أنه ليـــس لأجل طلباتنــــا يعطي مواهبـه ,
و لا إنعامه بكيلٍ ومقدار , بل إنما جعل طلبتنا واسطة ,
وزِىّ كلامٍ يوصل العقـــل إلى الطياشــة في أزليتـه و معرفـــة اهتمـــامه بنـــــا .
+ فعندما نقبل (معرفة) تلك العظمــــة
التي لم يدركها قـــط طقـس الصـــــــلاة ,
و لا تَصـور في العقـــل الطلب لأجلهــــــــا ؛
لأن الشيء الذي يقبله الناطقون لم يصعــــــد على قــــلب إنســــــــــان ,
لأنـــه ليس في طبعهم معرفتـــه حتى يطلبـوه .
و لكننا نفهــــــم أنه بالحــــــب يُعطــــــى لنــــا إن كـــــــان هنـا أو هنــاك ,
و قد جعل السبب ( في هذا الإنـعام ) نحـن ,
و لحســــن ســــيرتنا قطع أن تكون مواهبه هي من أجل إنعامــــه الغــزير .
+ و عندمـــا نأخــــذ معرفـــة هـــذه (الأمـــور ) كلهــــا ,
عندئذ نعرف الأبوة الحقيقية و الحب و الصلاح الأزلي ،
و نعرف أن اللــــه غـــــير محتــــاج إلى العــــــــالم ,
و لا للتجـــديد المزمــع و لا لملكـــــوت الســـــــماء ؛
لأن الملكوت و التنعم و النور هي طبيعته .
و من أجل جوده أتى بهذا كله ( أي المخلوقات والعالم ) للتكـــــوين , فخلقنـا
و من أجلنـــــــــا خلـق هذه كلهـا ليعطينا :
ملكــــــــــوته و مجــــــــــده ,
و عظمتــــــــه و كرامتــــــــــه ,
و كل سلطــــان أزليتــــــــــــه ,
و يجعلنا أزليين بلا انقضـاء مثله ،
و لابسين نور حياتنا بغير انقطاع ،
و ليـس لأزليتـــــــه انقضـــــــاء ,
و لا لمملكتنـــــــــــــــــــــــــــا .
المجد للذي بيــده الجميــع , والذي قدَّمنا لهذه الأشـــياء ،
و قد دعانا نحن ذوى الطبع المائت بنينَ للآب الســماوي ،
و عرَّفنا بالذي هو منذ الأزل .