الميمر الثالث
دلائل توضح بعض الأمور
علامات الخروج من الظلام
+ إذا كنت في سكون مع
عمل الاتضاع الجيد , فهذه هي العلامة على أن نفسك قد دنت أن تخرج من الظلام: إن
قلبك يحترق ويشتعل كما بنار ليلاً ونهاراً؛ وتصير جميع الأمور الأرضية عندك كمثل
الزبل؛ ولا يحلو لك أن تدنو من الغذاء بسبب لذة الأفكار الجديدة الحارة التي تتحرك
في نفسك على الدوام؛ و يُعطى لك من السكون ينبوع دموع بلا تغصب, فتختلط الدموع
بجميع أعمالك، أعني مع قراءتك ومع صلاتك ومع خدمتك ومع هذيذك ومع أكلك و شربك , ومع
جميع ما تصنع تمتزج به الدموع. فإذا ما نظرت هذا في نفسك ثق و تشجع.
الصلاة و القراءة
+ تحكَّم مقابل أسباب الآلام، فتهدأ عنك
الآلام من ذاتها.
لأن أفكار النهار هي مرآة للحركات في نومك .
المزامير والصلوات تصلح عند النوم أكثر من كل مفاوضة نفسانية، وتنفع أكثر من التذكارات التي من الكتب في هذا الوقت (أي عند النوم)؛ لأنها (أي المزامير والصلوات) تضطر الأفكار أن تشخص في الله متواتراً , وتمسك النفس بتلاوتها الليل كله إلى أن ينتبه (الإنسان).
لأن أفكار النهار هي مرآة للحركات في نومك .
المزامير والصلوات تصلح عند النوم أكثر من كل مفاوضة نفسانية، وتنفع أكثر من التذكارات التي من الكتب في هذا الوقت (أي عند النوم)؛ لأنها (أي المزامير والصلوات) تضطر الأفكار أن تشخص في الله متواتراً , وتمسك النفس بتلاوتها الليل كله إلى أن ينتبه (الإنسان).
+
وإن كان الفكر ينجمع من القراءة , لكنه ما يقتني عفة وحياءً، وينقى، إلا من
الصلاة. فالقراءة تجعل الإنسان الخفي جبلة جديدة, ومن الصلاة تنفخ فيه روح الحياة,
وتلهب العقل حرارة إلهية كل حين ليطير من الأرضيات ويحل في مسكن الحياة.
+من القراءة ينجمع العقل، ومن الصلاة
يتردى بالحزن, ويقتني شعاعاً سماوياً؛ لأن الحياء يلبس جميع حركاته إذا ما تكلم مع
الله. ومن مداومة الصلاة ينمو ويتوفر فيه الحياء والحشمة من الله، ومن دوام الشخوص
ولقاء الله في الصلاة تخاف الآلام من الدنو إليه كيفما اتفق.
+ الهذيذ في الكتب الإلهية يُكثِر نمو
النطقية في النفس إلى الله, ويُغيِّر ويقلب غرض الفكر حسب طريق (أي نوع) القراءة,
فينبغي لك قراءة الكتب التي تُكثِر (الحديث) في الاحتراس والتحريض على تقويم
السيرة, والتي فيها تاورية الحلاوة بالله، أو أفكار الدهش به.
+ تَغيُّر الكلام في معنى الفضيلة يجدد كل
ساعة شهوة الفضيلة في النفس. فهناك قراءة تُعلِّمك ماذا تصنع, وهناك قراءة تشعل
النفس بذكر حلاوة الفضيلة وتضع مذاقة تنعمها بالكلام الحلو في مذاقة الإنسان
العقلية.
+ كن مداوماً على الهذيذ في الكتب وسير
القديسين, لأنه من التذكار والنظر الدائم في الكتب وفي طرق سير الآباء تكثر في
قلبك أفكار حارة مع عدم ضجر، وتجعل أعمال مخافة الله سهلة أمام عينيك, والضيقات
والوحدة هينة. وحسب ما يُهمَل الهذيذ بالصلاح بعينيك، هكذا تبطل الشهوة إليه؛ لأنه
بمقدار غذاء النفس صالحاً كان أم رديئاً, هكذا يتغير حسن مزاجها إما لصحة الحركات
وإما لمرضها.
+ ويتقوى الضمير جداً بسماع الأقوال
النافعة، وبنظر الفكر في أعمال القديسين واختلاف طرقهم وقفر مساكنهم ومواضعهم
الهادئة. وكما أن اختلاف تذكارات المدن يكدر النفس, كذلك فإن ذكر مواضع القديسين
يثير فيها حرارة ويمنحها فرحاً, ويملأها أفكاراً نافعة.
+ كما أنه من القدْح
الكثير يخرج شرار النار، هكذا أيضاً من الهذيذ الدائم في الإلهيات تكثر الحرارة.
وقد قال بولس الرسول: «لا تطفئوا الروح»، فبماذا تنطفئ الروح إلا بالاهتمام الزائد
بالجسدانيات, وإهمال الهذيذ في أمور الله, وبالاستماع الدائم للكلام الفارغ, إذ
نترك مفاوضة سير الكاملين وكلامهم الصحيح الذي يغذي النفس ويحرضها على تدبير
السيرة, ونجالس أناساً منحلِّين متكلمين بأشياء باطلة فارغة تطفيء الحرارة، وليس
فيها شيء ينفع النفس. ضع هذا دائماً في ضميرك كلما نظرت الحرارة قد نقصت من قلبك
وأنت تدرك السبب.
+ وإذا ما قرأت الكتب (المقدسة) وانجمع
ذهنك من الطياشة, ارجع إلى الصلاة لأن بها يتطهر العقل بالأكثر. لأنه ليس شيء ينقي
الضمير مثل مداومة الصلاة, وليس شيء يمنحه حياء وحشمة مثل المفاوضة مع الله
بالكلام. حتى لو كان الإنسان مرحاً جداً, فإنه إذا ما قام في الصلاة بحياء وحشمة,
ينظر في الله.
طرد الملل
طرد الملل
+ إذا ملَّ الضمير من
كثرة الهذيذ في المزامير والصلوات، ويعرض له هذا بكثرة، وابتدأ يتحيل الأسباب لكي
يطمح في الطياشة, فعليك أن تصطاده بحيلة حكيمة مثل الحمامة الوديعة بلقطٍ لذيذ.
وإذا نظرته وقد ملَّ بهذه, وأردت أن تربطه بمفاوضة ما مخفي فيها نوع من الصلاة،
وبالأكثر عند النوم, فاشغله بألحان معانيت و قوانين حلوة ذات لحن محزن تحرِّك ندامة النفس, وتجد فيها كلام تشجيع وتعزية وفرحاً
وأفهاماً في سياسة الله. فبهذه الألحان (يتأثر) الجسد الذي هو شريك النفس ويسكب
الدموع, حتى يأخذك النوم وذهنك غاطس في مثل هذه الأشياء, فيكون نومك حلواً خالصاً
من كل حركةٍ جسدية.
+ و في الخدمة أيضاً،
إذا ما قام اضطراب الأفكار على الإنسان بقوة ففي تلك الألحان كفاية لتبطلها وتجمع
الفكر داخل بلدته بغير تعبٍ. بحريتك اصنع هذا إذا ما تجرَّبت من سجس الأفكار: اترك
المزامير (قليلاً) واشتغل بالألحان. ولا أقول لك أن تفعل هذا في كل وقت, أي أن
تترك المفاوضة النافعة وتشرح ضميرك بالألحان, بل وقت الضرورة فقط, ولا تخجل من أن
تربح بأشياء حقيرةٍ معونةً نافعةً في وقت الحاجة.
+ وأنا أدلّك في هذا المعنى على شيء يليق
بالضعفاء, وبه يتقدم الإنسان بسهولة، والحلاوة المتولدة منه بعد قليلٍ فيها
الكفاية لأن تجذب الضمير إلى المدوامة. فإذا كنت ضعيفاً ومللت من القيام على
قدميك, ومن تكميل المطانيات المعتادة, وكم من وقت تتعطل أيضاً من الصلوات الدائمة
التي تكمل بالجسد, تلك التي منها تتولد الصلوات القلبية, خُرّ على وجهك دفعات
كثيرة وأنت جالس والكتاب بيدك، واثبت في التضرع، لكي تمتزح مفاوضة القراءة مع
الصلاة, وتحلو لك الصلاة لأجل القراءة، وتستضيء أيضاً في القراءة بمفتاح الصلاة.
فليكن لك هذا القانون كل أيام حياتك في كل موضع وكل مكان تنجمع فيه إلى ذاتك, وليس
في حقارتي كفاية أن أنعت لك ما يتولد من هذا بربوات سطور .
أهم فضيلتان
أهم فضيلتان
+ فضيلتان تحبسان جميع الفضائل, ومنهما
وبهما يقام تدبير العقل جميعه، ومنهما يقتني الإنسان طهارة القلب، وهما اللتان
يفتقر إليهما طقس سيرة السكون: الصلاة التي بغير طياشة ولا فتور، وهدم لمح أفكار
الآلام ومجاذبات الشياطين حالما تظهر ويُحس بها وتتحرك في القلب. هاتان الفضيلتان
وهذان العملان تُحدُّ بهما وتُحبس كل أعمال الذهن وكل فضائل النفس. وهما تلدان
وتمنحان موهبتين إلهيتين, وفيهما تنحصر جميع مواهب الروح, ويصفهما الأب إشعياء
بأنهما تفوقان الفضائل، لأجل ارتفاعهما عن الفضائل، ولأنهما لا يُعملان بالجسد ولا
يفلَّحان بالنفس, بل إنما يُنعم بهما إنعاماً بقوة الروح القدس من قبل أن يهتم
العقل بما يفوق الفضائل. هاتان الموهبتان هما: حركة روحانية تُحرِّك بلا فتور
حركات النفس بغلوة الروح القدس بحب الله الكامل؛ ونظرة نور مجد المسيح.
+ وأغمض عيني فكرك
عن النظر في الفكر الشيطاني, واغصب نفسك - كلما جذبتك لذة الخطية - أن تهرب منها،
وانتقل بشهوتك لحب الله, واطلب أن يأتيك منه عون ويعطيك أن تغلب. فإذا نظر الله
إرادتك, أنك حتى ولا بالفكر تريد أن تتلذذ بالخطية من أجل التنعم بمحبته، فإنه
يشير إلى الملاك اللاصق بك فيطرد الشياطين المقاتلة معك بمجاذباتها كالغبار قدام
الريح العاصف. وبعد مدة سنين معلومة، كثيرة أو قليلة، إذا ما اختُبرتْ إرادتك
الصالحة وحبك الصادق لسيدنا، بالصبر في جهادك ومصافك (أي وقوفك) قبالة أعدائه, عند
ذلك ليس فقط كل وقت تقاتلك فيه الشياطين يمدك بالمعونة لتغلب, بل إنه إذا ما انقضى
زمان مجاهدتك بالكلية, يطرد عنك الشياطين ويمحق (أي يبيد) انجذابها من قلبك، وعوض
تلك الأفكار الرديئة الكثيرة المتحركة فيك وقت القتال يملأ نفسك أفهاماً روحانية
كثيرة, حتى يبتهج ضميرك في كل وقت بالأفكار الإلهية, التي هي:
الهمّ بعظمة الطبع الإلهي؛ الهذيذ بالثالوث المقدس؛ تذكار لا ينقطع على الدوام بالاشتياق لحب المسيح ونور مجده الإلهي الساكن فيه في السماء؛ الهذيذ بالطغمات الممجدة الملائكية؛ ذكر الفردوس وأرواح الأبرار الذين كملوا؛ استعلان مجد المسيح؛ صعود القديسين إلى السماء وتنعمهم مع سيدنا؛ وأشياء أخرى مثل هذه.
الهمّ بعظمة الطبع الإلهي؛ الهذيذ بالثالوث المقدس؛ تذكار لا ينقطع على الدوام بالاشتياق لحب المسيح ونور مجده الإلهي الساكن فيه في السماء؛ الهذيذ بالطغمات الممجدة الملائكية؛ ذكر الفردوس وأرواح الأبرار الذين كملوا؛ استعلان مجد المسيح؛ صعود القديسين إلى السماء وتنعمهم مع سيدنا؛ وأشياء أخرى مثل هذه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مرميت كلمة سريانية تعني 12 مزموراً.
(2) اجزاء من التسبحة ومردات القداس والمدائح
(معانيت أي تراتيل بالسريانية).