التغصب فى الصلاة و سهر الليالى
+ أولاً , اغصب نفسك في صلاة الليل و زدها مزامير ,
حتى و لو كنت مريضاً ، إذا لم يكن مرضك شديداً لئلاً تضنك في مرض صعب ,
لأنه يوجد رجاء عظيم و معونة في التغصب من أجــلالله ,
و لو بمزامير قليلة تزيدها عن العــادة أو نسـك ( قليــل ) .
ليس لأن الله ينتفع بشيء (من ذلك) ,
بل لأنـــك بها تُقـــدِّم نفسك إليـــــــه .
+ اغصب نفســــك قليـــــــلاً فتجــــد نعمـــــــــــــة عنــد اللـــه ،
و بقدر ما تغصب ذاتك هكذا تدنو منك المعــــــــونة من عند الله ,
و تأخـــذ قوة من الروح في الخفـــاء .
و لو كان مزموراً واحداً أو انحناءً و سجوداً قليلاً زائداً عن العادة ,
فإن نفسك تنشو عند الله دون أن تعلم :
و تحــل عليك قــــوة ، و تؤهَّل لحفــظ ملائكــــي ,
و لحركات و زيارات من عندهم في يقظتك و نومك ,
و تاؤريات لذيذة يلقـــونهـــــا فيـــــك كـــل حــــــين .
+ اغصب نفسك في ضرب المطانيات دائماً
لأنهـــا تحـــرك الحــــزن في بالصــــــلاة .
اغصب نفسك في هذيذ المزامير ,
و إذا حــان و قــت الصـــلاة اغصـــب ذاتك و قــــم للخــــــــدمة .
و ألقِ عنك ثقل الجسد الذي يجذبك أن تتخلف عن الصــــــــلاة .
و لا تكن كمن ينتظر الساعات و الأوقات و تتماتن ( أي تتثاقل ) .
و في الخدمـــة أيضـــــــاً اغصـب نفســك و صـــــــــلِّ بطــــــول روح .
و تأنَّ في تلاوة المزامــــير بصــبر و جَـــــلَدٍ بعيـــداً عن كل ضجـــــــر ,
و لا تتلوها مثل مضغـوط , بل مثل من يفكر أنه و اقف قائم قـــــدام الله .
+ اغصب نفسك في الليل أن تقـــــوم و تسجد قدام الصليب ,
و لو كان النــوم ثقيـــلاً عليـــــــــك، و الجســــــــد يؤخـــرك ؛
فهذا هو الوقت المقبول , و هذه هي ســـــــــاعة المعـــونة .
جميع الآباء كانوا يصلُّون في الليل حسب المثال الذي أخذوه من ربنا ؛
لأن الليل هو مفروز لعمل الصلاة مع البلد القفر .
الصلاة و الأعمال الحسنة
+ كن مداومــــاً الصــــلاة , و ألـــزق بها أنواعــاً حســـــنة ؛
لأنه بالأنواع الجيدة و التدابير الصالحة يتزين الإنسان أولاً ,
و بعد ذلك يتقدس بالصلاة ,
فالصلاة التي لا تقترن بأفكار عالية فاضلة هي كلام ساذج ليس لها قوة عند الله .
أمــا إذا اقترنت قوة حسن السيرة بالصلاة , فإنها تكون مثل لهيب نار في حركتها .
لأن « عظيمة هي قوة الصلاة التي يصليها البار » ,
تأمَّل قوله إنه ليس كل من اتفق بل تلك الصلاة التي يصليها البـــار .
فالقــــوة ليســت للكــــلام و الصـــلاة ، بل للــــبر .
و هوذا موسى و يشوع و إيليا و أليشع من غير صلاة كانوا يفعلون المعجزات .
+ الصــلاة هي عمـــل مرتفــع متعـــال على جميـع الفضـــائل ،
و فضيــــلة أشـــــــرف مــــــن كـــــل الأعمــال .
و ليـــــس منهـــــا أو بهـــــا تقتنــى الصـــــلاة ,
بل إن الصلاة تتولد عند الإنسان من أمـور أخرى ,
و الذي لم يقتن و اجباتها لا تصدِّق أن له صـلاة .
فالصلاة هي ذكــــــــــر الله الدائـــــــــــــــــــــــــم الذي يكون في قلـوب خائفيــه ,
أعني بذكر الله شخوص النظر الفاضل الذي يكون في قلب الإنســان .
فهذا العمــــــل هو الــذي يكمل لنا الصـــــلاة , إذا كان منـــا بإفــــراز .
+ الصــلاة هي أمر موضــــــوع بــــــين النفســـانية و الروحـــــانية ،
كشيء متوسط ضابط للسيرتين و محركاً إياهمـــــــا .
فبها يكمل عمل التوبة الذي هو ندم النفس و الحزن ،
و بها أيضاً
تتحرك النفس بحركات تفوق سائر الحركات الجســــدانية و النفســانية ،
و هذا هو ما يسميه الآباء « التدبـــير الروحـــــــاني » ،
و الدخول إليه يُعطى إنعاماً من الله و ليس من حركة أو استعداد أو إرادة .
فالذي يتهاون في الصلاة و يظن أن له باباً آخر للتوبة هو مخدوع من الشياطين .
+ جمع العقل و الطهارة في الصلاة :
لا يمكن أن يكونا بدون الاحتراس الكثير في الكلام والأعمال , مع حفظ الحواس .
كمـــــــا أن المعرفة التي تمنحها النعمة ،
لا يمكـن أن تأتي ما لم يقتنِ الإنســان الإفـــراز الكـثير بواســــــطة السكــــون .
+ و بحسب الكرامة
التي يظهرها الإنسان في شخصه تجاه الله أثنــاء الصـــلاة ,
بجســــــــده و عقله كليهما ،
هكـــــــــــــــــذا
ينفتح له الباب لقبول المعونة ,
و تقـوده إلى نقاوة الحركات و الاستنارة في الصلاة .
لأنـــــــــــــــــــــه
على قدر اهتمامه بالزي الحسن أثناء الصلاة ,
إذ يظهـــــر الحشــــــــمة و التوقــــــــــــــير ,
و يبسط يديه نحو الســماء و يقف بوداعـــــة ,
أو يقــــــع على وجهـــــــــهِ عــــــلى الأرض ،
هكـــــــــــــــــذا
يؤهل لنعمةٍ عظيمة من العلاء (من أجل هذه الأفعال المتضعة ) .
فمن يزين صــــلاته على الــدوام بمثــل هــــــذا الـــــــزى الخـــــــــارجي ,
يؤهـــل ســريعاً لفعــــل الــروح القــدس ،
من أجـــــــل أنه يعظِّــــم الـــرب في عينيـــــــــــــــــــه بالوقـار و التكـريم ،
الذي يظهره في الذبائـــــــــــــح التي يقرِّبها أمـام الرب ( أي الصــلوات )
في الأوقات المحددة بناموس الحرية .
+ فاعلمـو ا، يا إخوتي ,
أن الله يطلب ( أن نهتم ) جــــداً جــــداً ,
أن نُظهر في كل الأعمال التي من أجله ،
الزى الخارجي الحسن و أنواع التوقــــير ،
و التكريـــــــــم اللائـــــــق بكل اهتمـــام .
و ذلك ليــس من أجله ، بل من أجـــل منفعتنــــــا نحـــن ؛
لأنه هو نفسه لا ينتفع بأشياءٍ مثل هذه , و لا يُضار (إذا نحن أهملناها ) ,
بل إنهـا بالأحــرى تكــون من أجـــل طبيعتنـــا الضعيفـــة ,
و لو لم تكن ضرورية لَما اتخذ لنفسه مثل هذه الأشكال ،
و هـــذا الزي في تجسده بنوع من السياسة ,
و هكذا تكلم معنـــا في الأسـفار المقدســـة .
+ إن كثــــيرين استهــــانوا بهـذه الأشـــكال الخارجيــــة ,
و زلُّوا بأفكارهم معتبرين أن الصلاة في القلب تكفي لله , و أنه لا يريد منا شيئاً آخر ؛
و يدَّعـــون أنه إذا كانـــوا مضَّجعــــين على ظهــــــورهم أو جالســـين باســتحقـار ،
يكفي أن يكون لهم فقط تذكار داخلي لله ؛
و لا يهتمــــــــون أن :
يزينــــــوا عملهــــــم الظــــاهر بالوقــــــــوف الحســــــن ,
حسب قوة أجسادهم و ترتيب الحـــواس و برســم علامـــة الصــليب عليهــا .
كما أنهم حين يسجدون على الأرض لا يهتمــون أن يعملوا ذلك بتوقير و رعدة ,
كمن يتقـــــدم إلى لهيـــب نــــــــار ,
و لا يعتنـــــــــون أن :
يتخذوا لأنفسهم أشكالاً حسنة و زياً و توقيراً من الداخل والخارج ,
أو أن يقدِّمـــــوا للــــرب توقـــيراً و كرامة خاصـة بترتيب أعضائهم ،
و الخشية و الحياء على وجوههم .
و ذلك لأنهم لم يفطنوا إلى مكر العـــــــــــدو و صعوبتــــــــــه ,
و من هنــــا أُســـــلموا لفعــــل الـــــــــــزور و البهتـــــــــــان ,
و لــــــم يفهمـــوا أنهــــم ما زالــــوا إلى الآن مائتـــــــــــــين ,
و قابلين للميالة بحركة نفوسهم التي صارت خاضعة للانحراف ,
و لم يتحققــوا من أنهم لم يبلغوا بعد للدرجة الروحانيــــــــــة .
+ و لستُ أعني بقولي هذا
أن نغصب المرضى والضعفاء أن يكونــــوا تحت هــذا النامـــــوس ,
أو إنــــــــه ينبغـــي للإنسان أن يتـــدبر بما هــو غير مســتطـــاع ,
بل قــــولي هو أنــه ينبغـــي أن يكون عملنا بخـوف و رعدة و وقــار .
فكل شيء يُعمــــل بوقـــــــــــار و رعدة يقبــله الله كالقربـــان المختـار ,
حتى و لــو خرج عن حد الناموس و عُمل بخــــلاف العادة تحت الاضطرار .
و هــــو لا يلوم الشخص الذي يعمل هكذا ،
و ليس هذا فحسب ,
بـــل إنه يقبـــــــل بمســـــــــرة تلك الأشياء الحقيرة الضئيــلة ,
التي تُعمـــل لأجـــله بـإرادة جيـــدة كالأشياء العظيمـة الكاملة .
فحتى إن كانت بغير الواجب ,
فإن فاعلهـــا يُحمـــل بالرحمـــــة من قِبل الله ؛
لأنه عارف بضروريات طبعنا من قبل أن يخلقنــا .
+ لأن الله رحوم متحنن صالــح ,
لا يحاســـب و لا يــدين الإنســان على عـــوارض الطبــع و ضــــــرورياته ,
( أي الأعمال التي تعمل عن اضطرار ) , حتى و لو كانت تستوجب اللوم ،
لكنه يدين على الأعمال المستطاعة لدينا إذا اُحتقــرت و أُهمـلت منـــا .
إنه لا يــدين :
حتى على ميــالة الطبـــع (نحـــو أي شــــــيء)
حتى و لو كان خطأ عظيماً و بالإرادة ، إذا كان حدوثه بنوع عارض ،
[ و لكنــه يدين على الفعـل الذي ينتهي إليه , و يؤدب بالعـدل ] ،
لعلمـــــه أن ذلك ســـيقود فاعــله إلى النــدم و حــزن الضمـير ,
و بالأكثر إذا لم يُسِّـــلم الشــخص نفســـــه بالكمـــال للهــــلاك .
و إن كنا قد تكلمنا بهذا كله ،
لكننـا نلــوم الذين يفسدون ترتيب الصلاة بعنـــــــادهم ،
إذ أنهم بحماقــة فكرهـــم يتصــورون أنهم صاروا كاملين ،
و بمعرفة كاذبة يخترعون لأنفسهم شيئاً أو آخر بجهـالة .
+ إن القلب يقتني حرية أعظم في الحديث مع الله في الصلاة ( الخاصــــــــة ) ,
أكـثر ممـــــا يفعـــــل أثنـــاء خدمـــــة الأوقــــــات ( أي المزاميـر ) .
و لكـــــــن الإهمال التام للخدمة يقود إلى الكبريــاء .
و بســبب الكبــــــــــرياء يبتعــد الإنسـان عن اللـــه .
و الحقيقة أن الإنســــان حـــين يغصـــب نفســــه أن يخضـع للقانون
– في الوقت الذي يكون فيه حراً تماماً في تدبير سيرته –
بهذا يحفظ نفسه متواضعاً ،
و لا يعطي لشيطان الكبرياء أية فرصة ليعرض له أفكاره الشريرة .
و إذ يداوم على اعتبار نفسه أنه حقير و غير أهل للحرية ,
فإنه يتضع و يمكنــه حينئــــذ أن يُخضــع أي فكـر كــبرياء .
فليس هناك لجام أكثر من هذا فاعلية يضعه الإنسـان ,
في فـم العقــل الـذي يعظِّــــم نفســـــه .
و هذا هو السبب في أن :
الآباء القديسين , رغم أنهم كانوا يقتنون الصلاة الدائمــة ,
و كانوا ممتلئين من الـــروح ، وكانوا لا يتوقفــون أبداً عن الصـــلاة لحظــة واحـــدة ,
إلا أنهم كانوا يهتمون بالترتيب الموضوع لكل وقت (من أوقات الصلاة ) على حــدة ,
و بالعدد المحدد للصلوات بما في ذلك مشاركة الجسد التي تتمثل في السـجود ,
و يلاحظون ذلك ليس فقط في خدمة الأوقات بل وأيضاً في تلك الصلاة (الدائمــة) ؛
و كانوا يعملون هذا كله بموجب القانون الذي قرروه لأنفسهم .
أما ناموس العبودية فهو كقولك :
فإن تخلف عن ذلك فمن أجل أي شيء يجلس في القلاية ؟
ناموس الحرية و ناموس العبودية
+ في الصلاة و الخدمة يوجــد ناموس حرية و ناموس عبوديــة ,
و الاثنان يتدبران من الإرادة .
أما ناموس العبودية فهو كقولك :
سوف أتلو كذا و كذا مزمور في كل صلاة من صلوات الأوقات بعدد محدد دون تغيير ,
فتكون مرتبطاً بهذه المزامير جميع الأيام .
و من يعمل هكذا :
يكون قد ربط نفسه بهذا الالتزام ( بحدود العدد و الطول و نوع المزامير )
التي قررها و جزم بها على نفسه . و هذا بعيدٌ تماماً عن معرفة الحق ؛
[ لأن مثـــل هـــذا الشـــخص لـــم يأخـــذ في الاعتبـــــــــار
لا عمل النعمة و لا ضعف الطبيعة أو خطر القتالات المتعــددة .
إذ في الحالة الأولى قد تعطى النعمة حتى أنه يتأخر أكثر مما وضع لنفسه ؛
وفي الحالة الثانية قد يتبين ضعف الطبيعة الشديد ،
تحت ضغط صعوبة قتال الشياطين الذين يهاجمونه ،
و هذا يكون - بصفة خاصة - بهدف قمع الكـــبرياء] .
+ أما ناموس الحرية فهو : أن تحفـــظ بتحــــرِّز (أي باهتمــــام بالغ )
عدد السبعة أوقات التي حددها مجمع نيقية في البيعة المقدسة
على (لابسي) هذا الاسكيم لحفظ حياتنـــــا؛
و حاشا لنا نحن المتوحدين أن نحرج عن طاعة و حدود قوانين البيعة و رؤسائها وسننهم.
و لأجل هذا نحن نحفظ (بتدقيق) حدود سبعة أوقات الخدمة
حسبما وضعتها علينا البيعة كالبنين .
و لكن هذا لا يعني أنه :
يجب على الإنسان أن يلـــــتزم في كل صــــــــلاة
و فـــي كل يـــــوم بعــــدد محــدد من المزامــــير ,
أو أن يجزم على نفسه بعدد ثابت من الصلوات (الخاصة)
يصلي بها بين هذه الأوقات في الليــــل والنهـــار ,
[ أو يحدد فترة معينة لكل صلاة من هذه الصلوات ,
أو يلتزم بكلمات معينة يقولها ] .
بل بالأحرى ينبغــي لنـــا أن نثـبت فــي كل صــــلاة على :
قدر القوة التي تكون من النعمة ,
و على قــــــــــدر الوقـــــــــــــت.
و نطلب بحسب ما تدعو الضرورة إليه في تلك اللحظـــــة،
و نصلي بأي صلاة نتحرك بهــا,فإذا ما صلينا (بهذا الأسلوب)،
فإننا نكون حينئذ بعقـــل منجمـــع و منقبـــض من الطياشة
بسبب لذة هذا النوع من الصلاة.
و على الإنسان في مثل هذه الصلوات أن يوازن بين طلبته
و قــوة الطبيعة البشرية و الحكمــة التي يمنحهــا له الرب.
+ و قد يقتني الواحد تقدماً أكثر في الحرية مما لو كان خاضعاً للقانون ,
إلا أنه كثيراً ما يتفرَّع عن الحــرية سبل كثيرة تقــــود إلى الخطـــــــأ ؛
لأنه في الحرية تتخفى أنواع كثيرة من السقطات,
بينما مع القانون لا مجــال مطلقاً لأن يضــل أحـــد.
فالذين يثبتون تحت نير أي قانون ,
قد ينقـــادون للســـقوط متى أهملــــوا القانــــون و استهانوا به.
و لهذا فالقديسون القدامى , الذين أكملوا سيرتهم دون أن يضلوا ,
كانوا يضبطون أنفسهم بواسطة القانون .
و كثيرون آخرون تركوا متطلبات قانونهم ,
و مع أنهـــــــم أضافـوا إلى جهادهم أعمالاً أكثر مما هو موضـوع لهـم,
إلا أن أتعابهم التي زادوها لم تمنعهم من الوقوع بين أيدي الشياطين,
و ذلك لأنهم تركوا قانونهم .
و لا يستطيع أحد أن ينكر هذا ,
لأن أخبار هؤلاء الأشخاص تضيئ أكثر من أشـــعة الشــمس لإنارتنـــا .
+ كن متقدماً على الدوام في صلواتك قبل وقتها , لكي تكون خفيفة عليك.
و إذا اتفـق أن فاتـك وقـت من أوقـــات الصـــــلاة بسـبب أي أمـر عـــارض
فلا تضطرب و لا تتسجس من هذا , و لا تهملهـا أو تتهاون في تكميلهـا.
إن كانت هي صـــلاة باكر ،
و لــو كان قد مضــى من النهــــــــار ســـاعتان، ابدأ واخدم مزاميرك بحرية ،
و أكملهـا بلا نقــص بجميع و اجباتهــا بهــدوء و بغــير خبــــاط (أي ارتباك)،
حتى ولو كان هو وقت العشاء لا تتكــدر ولا تضطرب بل (أكمل صلاتك) بهدوء عقل؛
لأنه ليس لك عمل آخر ضروري تكمِّله أعظم من الصلاة.
فـــإن كان الراهـــب يتهــــاون في تكميـــــل صلــــــــــوات الأوقـــــــــات
فما ينبغــــــي له أن يجلس في القلاية، ولو أراد أن يثبت فيها فلن يقدر؛
لأن أصل العمل مع الله في الرهبنة هو الصـــلاة,
وهــذا قد أبطـله فـــأي شـيء آخر له أن يعمله؟
لأنه ليس للراهب عمل آخر في القلاية غير الصلاة والمزامير ,
فإن تخلف عن ذلك فمن أجل أي شيء يجلس في القلاية ؟
+ حياة المتوحــــد و عمله المكــرم عــــــند الله هـــــو الصــــــــلاة .
و الذي ليــس لــــــــه خدمــــــــة و لا صلاة بحسب واجباتهـــــا ،
و الذي خدمة الأوقات مهملة عنده ، فهـــــو كسلان و بطَّـــــــــال .
من أجل المزامير :
+ لتكن لك محبــة بلا شــبع للمزامير و لتمــاجيـــد الله ، لأنهـــــا مفاوضة الروح .
و اعتنِ أن تبتعد عن كل تصرف ردئ ، قبل أن تبتدئ في قراءتهـــا ؛
لأنـــــــــــــــــــــــــك إذا ما زيَّنــــــت ذاتـــــــك بأنــــواع حســــنة ,
و ابتعد عقلك عن كل فكــــــر عالمــــي ،
عندذلك في وقت الخدمة
تحــل على عقـــلك قــــــــــوة الـــــروح .
و تكـون خدمتـــــــــك رائحة زكيـــــــــــــة أمـــــام الله .
من أجل المطانيات :
+ كل لفظ فيه ذكر الاسم المسجود له , و بالأكثر في التسبيح ،
أحْنِ رأســـك بالسجود ؛
لأنه بكل نوع ينبغي لنا أن نكــرِّم الله :
في وقتٍ بالقيام أمامـه ,
و في وقتٍ بالانحنــــــــاء ,
و في وقتٍ بالســـــــجود .
ليس لأن اللـــــــــــه يكـــرَّم بهــــــــذا ,
بل لأنـــه في الحــال يتغــير نوع فكـرك ,
و يتعفف داخلك من الأنـواع الحسنة التي تصنعها بجسدك ؛
لأن العقـل يقبـــل في الأمـــور الإلهيـــة تغيــــيراً عجيبــاً و حـــرار ة ,
و يلتهب في الله بحـــــــركاته .
+ لا تحسب أنها
بطالة كثرة الثبات في السجود الكثير قدام الله ,
حتى المزامــــــير ليســــــت أعظــــــم منهــا ؛
لأنه ليس شـــــيء من الفضائل التي يعملها الناس مثلها ,
و ليس شـــــيء محبــــــوب عند الله أكــــثر منهــــــــا .
و ليس شــــــيء مكـــــــــرم في عيون الملائكــــــــــة ،
و قاهر للشياطين, و مرعـــب للجــــــــــــــــــــــــــــــن ,
و مفيض للمعرفـة و جـــــاذب للرحمــــــــــــــــــــــــــة ,
و مُقني للاتضـــاع و مفـــــرِّح للعقــــــــــــــــــــــــــــل ,
مثل هذا الشيء:
أن يكون الإنسان جاثياً على الدوام قدام الله على الأرض .
هذا هو مجمع التـوبة الذي يهــــدف إليــه ،
و ينتظره كل مجمع أفكار الندم مع الدموع .
هذا هو ذخـــــــــيرة المغفـــــــــــرة ,
و غســـل القــلب و سـلام العقـــــل .
هذا هو الذي يجعل العقل شبه الله .
+ و ليــس شيء أيضـــاً مثـل :
مداومــة المزامير بشكل و نــوع متعفف .
مســتوجب كل ملامة هو التهـــــــــــــاون بقـــــراءة المزامــير ،
إذا تخلَّف الإنسـان عن ذلك بســــــــــــبب العظمـــــــــــــــــــة ،
و أما الإنقـــــاص منهـــــــــا بنوع الاتضاع في السجود الذي لا ينقطع , فهذا هو كمال الأعمال , و ليس هو بطالة ,
حاشا أن يكـون كذلك .
فهذا الأمر (أي السجود) يجعل الجسد مروَّضـاً ,
و العقـــل مجـــدَّداً محكَّمـــاً بـــروح المـــواهب .
+ لا تشتهِ أن لا تصلي إلا عندما تتنقَّى من طياشــــــــــــــة الأفكـــــــــــــار ,
بل اعلــــــــــــــــم أن مـــن مداومتــك على الصــلاة ،
و كثرة التعب فيها تبطل الطياشة و تنقطع من القلب .
فـإن كنت لا تصلي إلا إذا ارتفع الفكر تماماً من تذكار هذا العالم ،
و إذا نظـرته هكـذا عندئـــــــذ تبـــــــــــدأ فــي الصــــــــــــــــلاة ,
فـإنك لــــن تصــــــلي إلــــى الأبـــــــــــــــــد .
لأن انقباض الفكر من الطياشة إنما يكون من الصلاة .
+ قد يهدأ الفكـــــر وقتــــــــــــــاً مــــــــــــا ,
و يجتمع إلى ذاته ( و يصمت ) من الصلاة ,
و هـــذا الأمــــر سمعنــــا أنه يعــــرض – حسـب قولهــــم –
للــــذين يداومـــون الصــــلاة مـــدة طويلــــة مـــن الزمـــــان ,
فيجدون من أنفسهم هذا الاحتراس الحقيقي بعــد جهــــــد ,
( و لكن ) لوقتٍ قليل و ليس في كل وقت .
لأن هذا الأمر ( أي صمت الفكر ) يعرض أحياناً بسبب الدوام في الصــلاة ,
و ما سمعنــــا أن أحــــداً نـــال هـــذا مــن غــــير مداومـــــــــة الصـــلاة ,
و لا سمعنــــا قـــط أنـــه ما ينبغــــي أن نصــــلي ,
إلا إذا ما ارتفع الفكر تماماً من أشكال الأمور الحاضرة و عندئذ نسجد و نصلي .
و الذي يخرف (يهذي) بكلام مثـــل هــذا إنمــا يطلب الكمال من قبــل العمـل ,
و هــذا شـــــــــيء لا يمكن أبداً .
لأنه إذا صمــت الفكـــــر من كل ذِكر و طياشة في الأشياء الحاضرة ,
فإنــــه لـــــم يعــد محتاجـــاً إلى الصـــلاة ؛
لأن العقــل يكــون حينئــذ قد كمـل و اتصـل بالله و صار الله فيه .
+ فأنت أيها السائر قبالة وجهه ,
إن كنـــتَ تريـد أن تكــون منقبــض الفكــر من وقـت لآخر فقـــط ,
فبئس ما ترى ؛ لأن الشيء الذي يمكن دوامه أنت تطلبه جزئياً .
و إن كنت تريده على الدوام ههنا ,
فاعلـــم أنـــــك تطلب الكمال من غير عمل كبدعة المصلين ( 1 ) .
أمــــا أننا لا نوافق الأشــــياء التـــي تتشكل للعقل عندما نصلي ,
فهــذا مرده إلينا ( أي في مقدورنا ) ،
و أمـــا أن يمكث الفكر في الصمت :
مبتعــداً عن كل ما يظهـــر له ,
و متعالياً عن كل شكل و جهاد ,
فهــــذا ليس في قوة الطبيعــة .
+ فـإن كنت تريــد أن تنقبض من طياشة الأفكــار , و تجد فسحة للصلاة بعقلك ، اجمــــع ذاتــــــك من الهيــــــــولي (الأمــــــور المــــــادية ) ,
و مـــــــن الاهتمــــــــــــــام بالأشياء ,
و مـــــــن الطموح والطياشة بالحواس ؛
لأنـــــــه كلما نقصت هذه الأشـــياء ،
وَجَــــدْتَ للصلاة الطــاهرة موضعــــاً .
و فســـــــحة من الطياشة .
و هذا الهدوء يمكن أن يحصل جزئياً و ليـــــس عــــلى الدوام ,
و ذلك مع الاهتمام الدائم ,
( بجمع النفس من الهيوليات و من الطياشة بالحواس ) .
+ إننــــا لا نُدان لأجل تحرك الأشـــكال و الأفكــــار فينــــــــــا ,
بـــــل نجـد نعمـــة إذا لــم نوافقهـــا و قاتلنــــــا معهـــــــــا .
و لكننا نُـــــــــــدان إذا كنـا نوافقهـــا و نعطيها موضعــاً فينـــا .
و لسـت أعنـــي بقــــــولي هــذا , أن نعطي للطياشــة فسـحة فينا ,
بل أن لا نكف عن الصلاة بســـببها ، و أن نحذر من أن نتخلف عن العمل .
لأنه من حــين يبـــدأ الإنســــــــان بتدبـــــــــير ســــيرة العقـــــــل
– التي هي الهذيذ الدائم بالإلهيات –
إلــــى حيث يبلغ التدبـــير الروحـاني الذي هـو الدهـــــــــش باللـــــه ،
فهـــو أكثر من كل الأعمــال يكـون مفتقـراً إلى الصـــــــــلوات الغصبية ,
التــــي تكمــل بضـرب المطانيــات ،و لا يبطــل الصـــــوم أبــــــــــــــداً ,
و يأخذ من القوت حسبما يكفي الجسد للقيام بالصـــلاة و العمل فيها .
أهمية التعب و الصلاة قبل النوم
+ لا تصدِّق يا أخي أنه بدون الأعمال ينعتـــق الإنسان من الآلام ,
أو يشـرق لـــه نـــور النعمــــة .
لقــد رأينـــــا أن كثرة المــواهب لا يعطيها الله إلا لأناس عمالين .
فبالأعمال تعرَّى آباؤنا القديسون القدمـــاء من الإنســان العتيق .
و لا تظــن أن النســـك عن الأطعمـــة فقــــط هـــو العمـــــل ,
أو أن القيـــام في الخـــدمة يُبــــلِّغ الإنســـان إلى النقـــــاوة ,
بل الصبر عن مفاوضة الناس , و الجثــــو دائمــــاً قدام الصليب ,
و مشاركة هذه مع تلك حسب قوتك .
+ احـــذر أن تبطـــل شــيئاً من خدمــــــة الأوقـــــات , بل قبل أن تنـــام ,
أتعب جسدك في الصلاة , كى تحفظ الملائكة جســدك و نفســـــــــك ,
و من المناظــر المخـوفة و الخيـــالات الســـــــمجة ,
و من أذيـــــة الشــــــــياطين طـــــوال الليـــــــــــل ؛
لأن سريرك يكون قد تقدَّس بتماجيد الروح و عمل الصلاة .
و بـــدون تعــب كثـــير أو مــــــرض لا تنــــــام إلا إن وجــــــــدت ,
جسدك متعباً جداً من كثرة القيام في الصلاة و الترتيل و السجود ؛
لأننا إذا نمنا و نحن مستريحون تسخر بنا الشياطين الليل جميعه .
+ الذي يتهاون بالصـــــــلاة و يقول إن له باباً آخر للتوبة فهو مسكن للشياطين .
و الذي لا يداوم قراءة الكتب فهو يسير في التيــــه ؛ لأنه إذا أخطـــأ لا يحـــس .
الصلاة و الأفكار الشيطانية
+ فلتكن لك هذه العلامة في كل درجـة ابتدائك أن تميز و تعرف أنك عندما تكون :
متيقظاً و محترساً في خدمة الأوقـات ( أي صلوات المزامير )
و حفــظ قــــــوانين السـكون , فإنك لا تطيـــــش كثــــــيراً .
أما عن تحريك الأفكار الرديئة فاعلم بالحقيقة أنها :
ليست أفكــار آلامـك , بل مجاذبات الشياطين ؛
لأن الأفكــــار الألميـــــــــة التــــي من العـــــــــــــــادات القديمــــــــــــــــــــة ,
لا تتحــــــرك في الإنسان ما دام متيقظـاً و نيَّراً و حريصـاً في عمله الروحـاني ,
و إن تحركت فهي سريعاً تضمحل بسبب يقظة و حرص عمله و بغضتـــه لهـــا .
أما مجاذبات الشياطين :
فما دام الإنسان عقله متيقظ و مضيء و محترس في عمــل البر،
و بالأكــثر في خدمة المزامـير و صــلاة أبانا الــذي في الســموات ،
و كــلام التلاوة الذي يرتبه الإنسان من عنده و يصلي به بغير فتـور،
إن أكــل أو شرب أو نام أو مشي , فإن هذه الأعمال و هذه اليقظة
و هــذه الصلـــوات بالأكـــثر تحـــرِّك الشــياطين بالحسـد مقـابله ؛
لأنهــم يخافـــون أن يقتني منهـــــا ســــــــــلاحاً ضـــــــــــــدهم .
و لهــــــــــــذا فهُــــم على الـــــــدوام يحـــــرِّكون فيه مجـــــاذباتهم و أفكـــارهم ,
لعلـــــــــــــه ينحـــــل و يرتخـــــــــــي من الأعمــال و يمـــــــلّ من تدبـــــــــــيره .
+ لأن خدمة المزامير و صلاة أبـــــانا الذي فــــــي الســــــــــــــــــموات ,
و صلاة التـلاوة التي يرتبهــا الإنســـان من ذاتـــــه ,
و يمجِّــد بهـــا الله من أجـــل عظـــــــم مجـــــــده ,
و يعترف بها بالخيرات التي أعطانا إياها و وعدنا بهـا ,
و بها يتضرع و يطلب الرحمة و الشــفاء و الخلاص ,
هذه الثلاثة أنواع من الصلاة :
تكون للشياطين كمثل السهام المتقدة المسمومة فتقتلهم و تستأصلهم .
+ و إذا ما طشـــت بأفكــارك و أنــــت في الســـــــكون ,
ثــم تهاونــت بتكميــل خدمـــة المزامــير و قوانينـــك ,
فإن أفكار آلامك أنت
هي التي تنمـــو بالأكـــــــثر داخــل قلبك ,
و تضغطك أزيد من مجاذبـــات الشـــياطين .
+ و مع معرفـــة الآلام هـذه , و الجهـاد مقابل مجـــاذبات الشياطين ,
و الاعتنــاء بنقــاوة القــلب , و نقـاء الضمـير و صفـــــــاء النفـــــس ،
تعلَّم أيضـاً , بشــــوق زائد , و محبــــــــــة و أعمال مفروزة بالعقل ،
أن تقتني حقــاً الصـلوات التـي بغـير فتـور و لا طياشـــــــــــــــــة .
لأن كل تدبير العقل :
حسب شريعة السكون هو محدود , كما قلنا , بهذه الصلوات .
فبالصـــــلاة التي بلا فتــــــــــــــور و هـــــدم الأفكـــــــــــــار ,
إذ لا يتلذذ الإنسان على الإطلاق بإرادتـــــه
في شيء من دغدغات الخطية بالتنازل مع الأفكار ،
ما خـــلا ما يكـــون من غصــب و ضغـــط صعــوبة القتـــال ،
بل يقتــــني بغضـــــــة كثــــــيرة لهـــــــــــذه الأفكــــــار –
فبهــــــذه الصـــــــلاة التي بلا فتـــور مع هدم الأفكــــــار ,
يحــــــــــلو للإنسـان تدبـــــــــــــــير الســـــــــــــــــكون .
+ إن كنت ما تتعـــب جســدك ,
و تفني نفسك في كل حين ,
و في كــــــــل شــــــــــيء ,
و كـــــــــــــــل موضــــــــــع ,
و بكـــــــــــــل فعـــــــــــــل ,
و لو أن فكــرك قد يطيـــــش من أجـــل ترتيب ابتدائــــــك ,
فلن تُعطى لك الصلاة التي بلا فتور .
و إن لـــم تتيقظ نفســك في هــــــدم أفكــــار الآلام و الشـــــياطين ،
فلــــــــن يجود الله عليك بجمع العقل و الانقباض من طياشة الأفكار .
+ إن هاتين الفضيلتين :
أي الصــلاة بلا فتـــور و نقــــــــــــــاوة الأفكــــــــــــــــــار ،
محـــــدود بهمـــا و محصور فيهما جميع سيرة العقل .
و هما مرتبطتان الواحدة مع الأخرى و مركَّبتان و متحدتان معاً .
و كمـــــا أن طبــــــع الجســـــــــــد شــــيء ,
و طبيعــــة النفـــــــــــس شــــــيء آخــــــــــــر ,
و باتحادهما ببعــــض يكوِّنـــــــــــــان إنســــاناً و احــــــــــداً ,
و من غــير اتحادهما و شركتهما معاً لا يكمـل لهمـا فعـــــل ,
هكذا أيضـــاً :
فالصــلاة شــيء و نقــاوة الأفكــار شـيء آخـــــــر ,
و لأجل شركتهما و اتحادهما معاً يقام منهما تدبير سيرة واحدة .
تُســمى من الآبـــــــــــاء ســــيرة العقـــل ,
و كل واحدة منهما مفتقرة إلى تكميل الأخرى .
حسب قول القديس مرقس :
« إن النية الصالحـة بالصــلاة توجد ,
و الصــلاة بالنية الطاهرة توجـــــــــــــــد ,
و كل واحدة منهما محتاجــــة إلى رفيقتهـا كمثـل الطبيعـة »